الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع ابو البكرة وتاريخية الاستغلال والموت (٧)

وليد المسعودي

2020 / 10 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مجتمع ابو البكرة وتاريخية الاستغلال والموت (٧)

المؤسسة الدينية واشكالية السلطة والمجتمع

لا يمكن ان تتجاهل اي سلطة في العراق وجود المؤسسة الدينية ورجالها وقادتها وتاريخها ، وبالتالي هناك عملية التنظيم للعلاقة والمعاملة مع هذه المؤسسة الدينية ، وفي العراق كما هو معروف ينقسم الى اديان ومعتقدات كثيرة ، والإسلام هو الاكثر انتشارا وحضورا وسلطة وبدوره ينقسم ايضاً الى طوائف ومذاهب ومدارس ومعتقدات ، وجلها تتمحور اليوم بين الوجودين الشيعي والسني ، فالاول اجتماعي والثاني سلطوي اي ان الاول منذ قرون غير مرتبط اداريا بالحكومات ورجال الدين داخل هذه المؤسسة لا يتقاضون الرواتب والاجور والاعتماد المالي الصرف يكون وارداته من الناس من زكاة وخمس وهدايا وعطايا.. الخ وبالتالي جل تركيزه منصب على المجتمع ، كيف يؤثر عليهم ، كيف يزيد عدد المقلدين والمؤيدين من اجل الديمومة والاستفادة المادية والمعنوية ، ومن اجل فرض الهيبة والوجود العقائدي ، المعرفي ، فضلا عن استمرارية نفوذ التأثير الاجتماعي هذا بالنسبة لجميع مدارس التقليد وزعمائها من رجال الدين قادة الاجتهاد . (١)

في حين ان الثاني ، الوجود السني لا نقول انه منفصل عن المجتمع بل نقول انه اقرب الى السلطة من تفاعله مع المجتمع باعتبار ان جميع وارداته المادية والمعنوية مرتبطة بهذه السلطة فهي التي تسير حالته الاقتصادية ، وهي التي تفرض نوعية الأيديولوجية الدينية المرغوبة لديها وبالتالي هناك فقدان للتفاعل مع المحيط الاجتماعي وتطوراته ومتغيراته وظروفه وطبيعة تعامل السلطة معه ، حيث التدرج الوظيفي والامتيازات والمكافأت والترقيات تمنعه من عملية الانحراف عن مسارات السلطة المحددة بشكل خطي ومستقيم ، لذلك يكون تأثيرها على المجتمع اقل من تأثير المؤسسة الدينية الشيعية الفاعلة المعبئة لانصارها طيلة زمن طويل ، وربما يكون تعامل السلطة هذا مع المؤسسةالدينية السنية وفقدانها للحضور الاجتماعي احد الاسباب التي ادت الى دخول الكثير من العشائر العربية التي كانت تعيش مراحل البداوة ومع استقرارها الزراعي وجدت في التشيع حضورا اكتر وتأثيرا يجعلها تتحول من اطارها السني الى الشيعي خلال القرون الماضية .

والمؤسسة الدينيةالشيعية اكتر ما يعيقها طيلة تاريخها عن تقديم الولاء للسلطة هو اطارها العقائدي الذي لا يسمح لها بتقديم الولاء والطاعة إلا للإمام الغائب( المهدي المنتظر) فهو صاحب السلطة الحقيقة والشرعية وليس الملك او السلطان او الرئيس .

وعلاقة المؤسسة الدينية الشيعية بمجتمعها علاقة حذر شديد ، وترقب وخوف وتضامن اجتماعي ، اكتر مما هي علاقة نقد وتجديد ونهوض ثقافي ومعرفي انساني جديد ، وذلك خوفا على العامة من الصراع والاقتتال ، ضمن حدود النسبي وليس المطلق ، اذ من الممكن ضمن فترات زمنية معينة يظهر فيها المراجع والمجتهدين في حالة تهييج وصراع فكري يقود بدوره الى تقسيم المجتمع بين هذا التيار وهذا الاتجاه ، وعندها ينقسم المجتمع ويصبح على اهبة من الصراع الحاد المادي والمعنوي على حد سواء وقد ينتصر الاول على الافكار والمعتقدات ويقود الى العنف والاحتراب داخل المجتمع الواحد ، وهنا نذكر الصراع الذي حصل بين المشروطة والمستبدة داخل المجتمع النجفي الذي يقف على رأسه مجتهدين مختلفين في الرأي حول المشروطة والتي تعني بعملية اضفاء شرط الدستور على الملك او السلطان بموجبة يحدد سلطة الملك ولا يجعلها مطلقة او مستبدة فاصحاب المشروطة بقيادة كاظم الخراساني واصحاب المستبدة بقيادة كاظم اليزدي، وهكذا قاد الكاظمان صراعا اجتماعيا كان وقوده العامة من الناس حيث استخدم اليزدي الجماعات المسلحة والشقاوات من رجال الزقرت والشمرت في دعم نظريته حول المستبدة تلك التي تمنع اي تطورات جديدة في نظام الحكم ، وهكذا اصبح المسلحون حماته ومناصريه في كل صلاة وهم يهتفون بوجه جماعة المشروطة تلك التي تريد تدمير الاخلاق وهدم المجتمع والدين الاسلامي في نظرهم . (٢)

ومن وجهة نظر اخرى هذا الصراع قد يكون مفيدا للمجتمع اذا لم يخرج من مساحته الفكرية او يصل الى اطاره العنفي فهو يدل على انفتاح او بداية انفتاح المجتمع العراقي على العالم وما يحدث فيه من تغيرات وتطورات وخصوصا ان صراع المشروطةوالمستبدة ظهر في تركيا وايران في بداية القرن العشرين واخذت بدورها تصل شرارة الافكار الى المجتمع العراقي بين تلك التي تريد تحديد سلطة الحاكم بدستور المشروطة وبين تلك التي تريد ديمومة المستبدة للحكاكم او الملك كسلطة مطلقة لا يحاسبها احد .

وهكذا تبدو علاقة المؤسسة الدينية الشيعية بمجتمعها علاقة تماس وتواصل وتأثير سياسي واجتماعي ثبوتي وليس حركي تطويري ، في حين تظهر علاقة المؤسسة الدينية السنية علاقة وعظ سلطوي وتنظيم ادعية وابتهالات جلها تدور على حفظ هيبة السلطان والملك والرئيس وادامة حكم السلطة الرسمي فضلا عن التدعيم اليومي لمضامين الأخلاق الحميدة والالتزام الصارم بالدين والسلف الصالح مع فقدان الفاعلية الاجتماعية التواصلية مع مشاكل المجتمع كالفقر والمجاعة والاستبداد والاضطهاد والظلم السياسي السلطوي.. الخ ضمن حدود النسبي وليس المطلق ، وكلا المؤسستين غير مباليتين بالاخر المختلف عن اطارها الديني العقائدي ولا توجد اي مواقف معلنة لرفض وابداء الرأي حول ظلم واضطهاد المختلف دينيا ، وهنا نذكر الجرائم التي وقعت في الزمن العثماني من اضطهادات ، مذابح الارمن نموذجا ، وفيما بعد في الزمن الملكي ، مذابح الاشوريين ، عام ١٩٣٣ ، وفرهود اليهود عام ١٩٤١ عقب سقوط حكومة رشيد عالي الكيلاني .

ظلت المؤسسة الدينية تدعم السلطة في وجودها في العراق مع اي خطر يواجهها ، وبالطبع هنالك دائماً المبررات الجاهزة لذلك الدعم متمثلة بالدفاع عن هيبة المسلمين والإسلام من الاعداء الغرباء ، وقد يكون هذا الأمر مقبولا بشكل اجتماعي في ظاهره ولكن في باطنه ادامة مباشرة وغير مباشرة لسلطة الاستبداد ، وهنا نذكر ان اولى الفتاوى التي اطلقتها المؤسسة الدينية في القرن العشرين في شقيها المذهبي لدعم السلطة العثمانية كانت في عهد السلطان عبد الحميد ، وذلك في الحرب مع ايطاليا التي هاجمت طرابلس عام ١٩١١ ، ولكي تحصل السلطة على التأييد الاجتماعي في حربها فانها بذلك تحتاج إلى دور رجال الدين ، من هو مضمون تحت عبائتها من الاسلام الرسمي ومن هو خارج هذه العباءة من الاسلام غير الرسمي ( الشيعي ) ، فكان دور رجال الدين مهما في حث المجتمع والاهالي في العراق على المساندة وان كانت معنوية ، وذلك الامر هو احد اسباب بقاء السلطة وبالفعل وافق اكتر العلماء من رجال الدين والمجتهدين في ذلك الوقت على وجوب فتوى الجهاد ضد الايطاليين ، متناسين بذلك اوضاع المسلمين تحت ظل حكومات عثمانية جائرة متعاقبة وما تمارسه من فوقية وتعال وعدم مساواة بين الاتراك وبقية القوميات الأخرى ، وبين المسلمين وبقية الاديان الاخرى . (٣)

اطلق علماء النجف فتوى الجهاد ولم يتخلف عن هذه الفتوى سوى كاظم اليزدي ، والاخير وافق عليها بعد ان زاره قائم مقام النجف عزيز بك في حينها يحاول اقناعه على ضرورة التوقيع على فتوى الجهاد وهو نفسه لم يتخلف عن التوقيع عن فتوى الحرب الايرانية الروسية ، وهنا واضحة بشكل جلي المشكلة الطائفية (٤)

مع احتلال العراق من قبل البريطانين ايضا بدأ الحث السلطوي على كسب التأييد الاجتماعي والتقرب الى رجال الدين من اجل استحصال فتاوى الجهاد ضد الانكليز ، وبالفعل لم لم يتأخر رجال الدين من حث المجتمع من الاهالي والعشائر العراقية على وجوب الجهاد ، بالرغم من سوء العلاقة بين العشائر والسلطة الحكومية ، ولكن الوسيط الذي هدأ طبيعة هذه العلاقة ولو بشكل مؤقت هو دور رجال الدين ، الخطر الذي تواجهه السلطة اكتر من المجتمع ، فجاء دور هم بجانب الوقوف مع القوات العثمانية في الحرب مع بريطانيا الغازية ، ولم ينقطع حماس رجال الدين في المشاركة بالحرب بانفسهم واموالهم يتقدمهم مراجع وكبار شيوخ الدين و العشائر العراقية من الجنوب الى الشمال
وكان من ابرزهم السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد عبد الرزاق الحلو والشيخ عبد الكريم الجزائري ، وحتى كبير المجتهدين كاظم اليزدي وقتها وافق على الجهاد ضد البريطانيين بالرغم من علاقته السيئة مع جمعية الاتحاد والترقي التي تؤمن بالمشروطة بينما هو من انصار المناداة بالمستبدة ، وهكذا دعم رجال الدين السلطة العثمانيةفي العراق تحت شعار و " لمة " الدين الواحد بالاموال والانفس في الحرب ضد بريطانياالغازية (٥)

استبسل الاهالي بجميع تكويناتهم المدينية والريفية في القتال ضد الانكليز في معارك ضارية مثل الروطة والشعيبة وعندما دخلت بريطانيا وبدأت تحتل المدن تلو الاخرى عللت هزيمتها بخيانة العرب لها حيث انتشرت عبارة " عرب خيانت " من قبل الاتراك حيث يذكر الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث محاورة بين ضابط عثماني وشيخ عربي حيث يقول الضابط احمد بك اوراق لزعيم عشائر بني لام احمد الرميض ( اننا لو فتحنا الشعيبة والبصرة يبقى علينا واجب فتح العراق وخاصة الفرات اولا وعشائر شط دجلة ثانيا لانهم خونة ) ولم يكن الرميض يتحمل هذا الكلام فجاء رده ( انتم خونة الاسلام وتحزبكم ضد العرب كاف لمصداق قولي وانتم اولى بالحرب ممن نحارب ولولا فتوى علمائنا لما وجدتمونا هنا في هذه الساحات التي تقاتل فيها ) وهنا مكمن القصيد وهو تأثير رجال الدين على الاهالي والعشائر وحثهم على المشاركة في حرب مع عدو ضد عدو اخر ، اذ ان علاقة اكثر العشائر العراقية لم تكن جيدة مع السلطات الحكومية العثمانية ودور رجال الدين جاء داعما لها كي تتنازل ولو بشكل مؤقت عن محاربة العدو الرسمي .(٦)

الهوامش :_

(١)

بعد ٢٠٠٣ تغير الوجود الشيعي واضيف اليه الجانب السلطوي واصبح مزدوجا بين السلطة والمجتمع اي ان المؤسسة الدينية الشيعية لاول مرة في تاريخها اصبحت مشرعنه سلطويا ضمن قانون الاوقاف ، وبالتالي اصبحت مزدوجة السلطة جذمورية الحضور والتأثير في تحديد معايير الحكم واختيار القادة ، واكتر رؤساء حكومات نظام المحاصصة العرق طائفية المقيتة كانوا تحت مؤثرات ومباركة المؤسسة الدينية الشيعية .

(٢)

الوردي ، علي / لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث / / الجزء الثالث / ص ١١٧

(٣)

وهنا نود ان نذكر ان ( المجتمع الشيعي) كان يعاني من هيمنة مزدوجة من السلطة الرسمية ومن سلطة التقاليد المهيمنة عليهم ، من جهة السلطة كونها لا تتعامل مع المسلمين جميعا على قدم المساواة وخصوصا في الحقوق والواجبات و التعليم ، حيث لم تكن وحدها تحبذ عدم دخول ابناء الطائفة الشيعية الى المدارس بل كان هنالك أيضًا جهة التقاليد هي من تمنع الاهالي على عدم الذهاب الى المدارس الحكومية وذلك لاسباب الخوف من الخروج عن الدين ، حيث يذكر الدكتور علي الوردي ان الطائفة الشيعية تحرم على ابنائها دخول المدارس الحديثة ولكنه لم يذكر مصدرية التحريم ذاك هل هو اجتماعي ام ديني ، مع العلم انه يذكر ان اولى المدارس فتحت بمباركة وفتوى من محمد سعيد الحبوبي وهو من رجال الدين المتحررين ، وهنا اشارة رمزية لوجود رجال دين غير متحررين يقفون مع التحريم ، ولم تتحول مسارات السلطة العثمانية مع الاهالي جميعا على قدم المساواة في التعليم الا بعد عزل السلطان عبد الحميد ومجيء جماعة الإتحاد والترقي ، فحكومة هؤلاء ارغمت الاهالي قسرا على دخول ابنائها الى المدارس الحكومية . يراجع بذلك الصدد ، علي الوردي، لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث / الجزء الثالث / ص ٢٦٢ _ ٢٦٣

(٤)

الوردي، علي / المصدر نفسه / ص ١٨٩

(٥)

الوردي، علي / لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث / الجزء الرابع / ص ١٢٨ . وبهذا الصدد تقول المصادر البريطانية ان الاتراك والالمان كانوا من ابرز الداعمين ماديا لرجال الدين حيث تذكر ان مجتهدا قبض مبلغ يقدر بالفي باون ، وقد يكون هذا الأمر صحيحا لانه كل سلطة تريد الدفاع عن نفسها باي وسيلة ، ولكنه لن يلغي دور رجال الدين انفسهم بشكل عام بتقديم الدعم من مالهم الخاص. يراجع هنا علي الوردي في المصدر نفسه ص ١٣٤

(٦)

الوردي، علي / المصدر نفسه / ص ١٨١ _ ١٨٢

كانت علاقة بعض العشائر العراقية مع السلطات الحكومية العثمانية علاقة سيئة لذلك لا تتوانى من نهبها واغتنام ما تحصل عليه من غنائم هنا وهناك مع كل مواجهة مسلحة ، بدافع الانتقام والنهب ، وهذه العادة طبقتها بعض العشائر مع الجنود الهاربين من السلطة العثمانية ومع رجال الدين ايضا حيث لم يسلم من النهب مجتهد ومرجع كبير مثل عبد الرزاق الحلو واصحابه الاربعة الذين كانوا برفقته . يراجع بهذا الصدد المصدر نفسه ص ١٨٣








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان