الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في المقاطعة الاقتصادية ، جدواها وأهدافها ( مثال فرنسا )

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2020 / 10 / 26
المجتمع المدني


لا خلاف كبير أن المُقاطعة المدنية في جانبها الاقتصادي تحديدا من اهم الأسلحة التي تتوفر للشعوب من أجل ممارسة حقها في الرفض أو لعقاب خيارات سياسية أو طلبا لتعديلها ، لانها تضرب مُباشرة ربح قطاعات من الرأسماليين و تُربِكُ دورة المال والأعمال ، ولا شكَّ في أن المقاطعة تصير سلاحا جَبّارا لمّا تكون مسنودة بقرار سياسي رسمي ومنتشرة على سوق استهلاك واسع بشكل مُتزامن خاصّة في أوضاع اللاحرب واللاسلم العالمية وأثناء أزمة ركود شاملة في العرض والطلب على مستوى العالم ، فالرسمالية الحالية وإن كان طابعها مُعَولم وركيزتها الأساسية الشركات العابرة للقارات والشعوب والمتعدية الجنسية ، لازالت تُحافظ على أنساق " وطنية" للتوزيع العالمي للارباح و الثروة لصالح "برجوازيات وطنية" للكيانات والدول السياسية السائدة من أجل تمكينها من المحافظة على الحكم والسيادة دوليا ومحليا ، وهذه القطاعات من البرجوازية المحلية السياسية هي الأكثر عُرضة للهزات الناجمة عن أي إرباك في الأسواق وهي الأكثر تاثيرا على السياسات الرسمية أثناء الازمات الاجتماعية والسياسية الكُبرى ...
ولكن هذه المقاطعة حتى في أوسع انتشار لها ، لن تُغيِّرَ بشكل جذري منظومة الاستغلال والبؤس على مستوى العالم لصالح مُضطهديه ، انها فقط تُمَكِّنُنا من تحويل أرباح قطاع من الرأسمال ذو الطابع المعولم إلى قطاعات أخرى ، من استغلالي بائس مثير للحروب والفتن الى آخر لا يقل عنه اجراما مهما تغيرت قوميته ، لاننا بكل بساطة لن نتوقف عن الاستهلاك ، طالما لم نتمكن بعد من ابداع أنماط إنتاج وطنية تشاركية صرفة نُعدّل - من خلال المقاطعة- أنماط الاستهلاك والتوزيع العالمي للثروة بها ولصالحها من أجل مصلحتنا ، لذلك يجب أن نعمل على ترشيد المقاطعة الاقتصادية والسياسية وتوجيهها إلى أهداف ملموسة تذكي جذوة النضال الوطني والاجتماعي من أجل ضمان أنسنة الإنسان وتوحيد حركة الاحتجاج والرفض على مستوى العالم لتعرية جرائم الرأسمالية واستغلالها المباشر للانسان حيا وميّتا أثناء عملية الإنتاج والاستهلاك ، لاعاقة دورة المال والأعمال والحد من شراستها ونهمها للارباح ، للتقليص من التفقير الممنهج للغالبية العظمى من سُكان المعمورة لرفض الاستعمار و إذلال الشعوب ...الخ كأن تتم مقاطعة كيانات بعينها لا تحترم حقوق العُمّال والاجراء والحقوق الاساسية للانسان أو تتبنى خيارات غير ايكولوجية أو كيانات استعمارية و مثيرة للحروب و مساندة لها ....
أن تكون المقاطعة مدنية وشعبية بِحقّ ، هو أن تكون لها أهداف واقعية وملموسة وقابلة للتحقق خارج لعبة جذب الحبال التي يلعبها السماسرة وتُجّار الإنسان بين بعضهم البعض ، أي أن تكون أهدافها مستقلة عن مصالح مختلف قطاعات الرأسمالية - حتى ان كانت تصب موضوعيا في حساب قطاع منها دون الاخر- ، مُقاطعة غير عقلانية و غارقة في "الشوفينية" والتلاعب البعواطف الدينية والسياسية للشعوب لن تُعمّقَ الا فرقتها ولن تُغذّي أكثر من الكراهية والتباغض بين شعوب العالم المضطهدة والكادحين لصالح سادة العالم المُستكرشين والمتلاعبين به شرقا وغربا ، فما معنى نصرة الإسلام تفرض مقاطعة المنتوجات الفرنسية ؟؟ وما معنى أن تنخرط الشعوب في حملة سياسية لِنصرة الإسلام ضد فرنسا - أو غيرها- تحت لواء تركيا - أو غيرها- ؟؟ هل يُعاني الإسلام والمسلمين - مثلا- في فرنسا أكثر من معاناتهم في السعودية أو تركيا أو مصر أو إيران أو فلسطين !! هل تضمن أي من الدول المذكورة حريات سياسية ودينية واجتماعية تمنعها فرنسا ؟ هل يُعاني المسيحي أو الفرنسي عموما أقل مما يُعاني الإنسان في مختلف أرجاء الكرة الأرضية من بكين إلى لندن ؟ هل تُمنع كُتُبٌ دينية أو كُتب السيرة النبوية في فرنسا أكثر من تلك التي تُمنع في الدول العربية والإسلامية بدعوى اختلاف المذاهب أو درءا لفتنة الخروج على الحاكم ؟؟ هل أن رسمة أو مقالٍ أو قصيد عن دين أو نبي من الأنبياء أكثر خطرا أو بشاعة من تقتيل وتشريد الإنسان في سوريا وليبيا وفلسطين والعراق ... ؟؟ ام انّ الأمر لا يتعدى توجيها سياسيا شوفينيا للحفاظ على مراكز قوى ونفوذ لبعض تيارات الاسلام السياسي على مستوى العالم وتحقيق ضربة استباق لتوجهات السياسة الفرنسية والأوروبية لمحاصرة موارد تمويلها وريعها وتجفيف بعض منابع الإرهاب والتطرف !!
في منتصف الالفينات مثلا انطلقت حركة #BDS ( #حركة #المقاطعة وسحب الاستثمارات ) و شهدت افكارها الداعية تحديدا إلى المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية للكيان #الصهيوني وخاصة مقاطعة ما تُصدِّرُه المستوطنات الصهيونية من بضائع وبعثات علمية ودراسية و أكاديمية للعالم ، دعما للقضية #الفلسطينية وطلبا لتصفية #الاستيطان بوصفه من أسوأ أشكال #الاستعمار المباشر #عُنصُريّة ، شهدت انتعاشتها في اوروبا بداية من سنة 2005 ومنها في الدنمارك التي تبنى فيها اليسار مشاريع عمل وقوانين تفرض وضع علامة " صُنِع في المستوطنات" للإشارة لاوضاعها غير الشرعية والمُنتهكة للعهود الدولية لحقوق الإنسان وتسهيل عملية فرزها عن بقية المنتجات الصهيونية التي تحظى باتفاقيات التبادل مع أوروبا ، فكانت الصور الدانماركية التي أشعلت العالم الإسلامي في حملة مقاطعة للبضائع الدنماركية تحت شعار " الا رسول الله " وكانت صفعة تأديبية للدنمارك وخدمة للصهيونية في ضغطها على الدنمارك واوروبا ولا اروع بايادي وحناجر عربية مُؤمنة !! ، تعطلت الامور قليلا ولكن لان حركة البي . دي . اس كانت حركة عقلانية ذات أهداف عقلانية وملموسة لم تُخلي الساحة ولم تسقط في خانة الانطباعية والعاطفية وحفرت عميقا في منجم المقاطعة للكيان الصهيوني ومستوطناته لتنتزع اعترافات أوروبية تلو الأخرى بشرعية مطلبها وشرعية اليتها النضالية خدمة لقضية إنسانية عادلة خارج الحسابات المُشوّهة للنزعات الشوفينية والصراعات السياسية الدولية تحت عباءة دين يُتاجر به اولا واخيرا الحاكمين باسمه ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال