الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتراف خطير

عبد الرحمن الآنسي
مؤلف روائي يمني .

(Abdulrahman Al-anesi)

2020 / 10 / 26
سيرة ذاتية


منذ خمس سنوات وأنا أقوم بعمل فحوصات لدى إحدى المستشفيات لمعرفة سبب النحافة، وفي كل مرةٍ يخبرني الدكتور أن كل شيء على ما يرام وليس هناك ما يدعوا للقلق أو ليس هناك سبب مقنع لتلك الظاهرة. كوني درست في القسم الصحي للمستشفى وأعرف الكثير من الكادر الإداري والطبي قرر إحدى الإخصائيين القيام بجلسة خاصة ليعرف عن حياتي الخاصة أكثر، فقد يعرف السبب الحقيقي لما للحالة.

بعد جلستنا تلك، وبعد أن عرف الدكتور أني أعمل لعشر ساعات في عملٍ خاص، و أقرأ أكثر من 5 ساعات يوميًا ناهيك أني أستبدل أوقات الاستراحات في العمل في القراءة أيضًا، وأقوم بممارسة الخيال الواقعي في محاولات مني لإسقاط الواقع من خلال قصص خيالية، صرّح لي قائلًا:

- إنك بهذه الطريقة تنتحر يا عزيزي. جسمك يحتاج إلى أكثر من 1700 سعرة حرارية لكي تبقى كتلته ثابتة، بينما أنت من خلال الوقت الذي تقضيه في العمل والقراءة والكتابة والتفكير المستمر تكفي لحرق أكثر من 2500 سعرة حرارية، وهذا يعني أنك قد تتلاشى قريبًا إن استمريت بهذه الطريقة.

سكت لبرهةٍ ثم أردف:

- ثم ولم كل هذا العناء؟ ؛ فأنت لن تخرق الأرض بتفكيرك ولن تبلغ الجبال طولًا بتفانيك في معرفة الأمور من حولك، وأرى أن صحتك أهم من كل شيء.

كان ينتظر مني ردًا، لذا أخذت نفسًا عميقًا ثم قلت:

- دعني أعترف لك اعترافًا خطيرًا أيها الدكتور، دعني أعترف لك بأن القراءة والكتابة أصبحت جزء لا يتجزأ من حياتي، والتفكير فقط في التخلي عنها أمرٌ غير وارد بالنسبة لي؛ حيث أني إن لم أشغل عقلي بهذه الأمور التي أراها بسيطة بالنسبة لي، فسأشغله حتمًا بما هو أسوأ من ذلك؛ وهو التفكير المستمر. أنا لا أستطيع التحكم في عقلي وفي مخيلتي من ناحية التفكير، فهو يعمل بشكل تلقائي كروبوت محكومٌ عليه بالعمل الدؤوب، أو أني كذلك وأنا لا أعرف.

لا يمكنني تجاهل كل شيء من حولي يا حضرة الدكتور؛ فضجيج الأسواق يربكني، وأيادي المتسولين الممدودة تسحبني، الوجوه الكالحة تزدربنب والبطون المنفوخة تسخر مني. تستوقفني صلوات المآذن قبل الأذان، وتسرقني زرقة السماء وأنا عائدٌ من الماركت، تشوشني بوستات الفيسبوك البائسة، تغريني صور الانستجرام المزيفة والفيديوهات القصيرة المصطنعة على التيك توك، كل شيء يترك في عقلي الباطن أثرًا كما تترك الحروب ندوبها على الزمان أيها الدكتور، ومشكلتي العويصة إني لا أستطيع تجاهل كل ذلك. قد أفهم إنسانية تولستوي، ونفسيات دوستويفسكي ودراسات فرويد وجرائم أغاثا كريستي وعبثية كامو وفلسفة كانط وديكارت وعبقرية زرادشت ومحمد، لكن لا يمكنني فهم هذا الشارع الذي أعيش فيه وهذا ما يؤرقني حقا، لذا فأنا محكومٌ عليّ بالاستمرار في هذا المضمار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟