الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة هيباتيا .الميسوجينية ومحاكمة الوعي

عمرون علي
أستاذ مكون في الفلسفة ،كاتب وباحث

(Ali.amroune)

2020 / 10 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


محنة هيباتيا
الميسوجينية ومحاكمة الوعي

الأستاذ : عمرون علي
أستاذ الفلسفة المسيلة – الجزائر-

"كانت هناك امرأة في الإسكندرية تُدعى هيباتيا ، ابنة الفيلسوف ثيون ،تفوقت على جميع فلاسفة عصرها. بعد أن نجحت في مدرسة أفلاطون وأفلوطين ،
شرحت مبادئ الفلسفة لمراجعيها ، وكثير منهم جاءوا من مسافة بعيدة لتلقي فلسفتها "
سقراط سكولاستيكوس ، التاريخ الكنسي



اغتيال هيباتيا جسدا وفكرا هو انعكاس لمحنة العقل الفلسفي المبدع، على اختلاف الزمان والمكان ، ونكبتها هي نكبة المرأة التي رسم الفكر المتطرف معالم شخصيتها بفرشاة التعصب وبألوان سوداء قاتمة، في صورة نمطية مختزلة ومهينة، تحث تأثير خطاب الكراهية ،خطاب مشحون بمفاهيم ومفردات يحيلنا على الدوام حقلها الدلالي الى معاني العنف ،الاحتقار ،اقصاء الاخر ....خطاب متناقض يبيح للرجل امتلاك جسد الانثى لإشباع شهواته متى شاء وبالطريقة التي يشاء والانتقاص من عقلها والحجر على تفكيرها.

لقد كان مقتل هيباتيا والتنكيل بجسدها العاري، فعل اجرامي فاضح و بشع ،حمل دلالات جنسية و نظرة عنصرية لفكر وعقل المرأة ، والمتهم هو كيرلس الأول رئيس أساقفة الكنيسة في مدينة الإسكندرية الملقب بعمود الدين ،والذي اقدم على جريمته تحت تأثير بواعث الكبت و التعصب الديني المشحون بالحقد والحسد والغيرة .
لقد كان اغتيالها اغتيالا للفكر الحر، ففلسفة هيباتيا كانت تمثل خطاب العقل في اسكندرية منتصف القرن الخامس ميلادي، تلك المدينة التي كانت تتجاذبتها اطراف كثيرة وثقافة متعصبة تتغذى على العنف ، فكانت ضحية صراع سياسي ديني عرقي على السلطة.

لقد كان قدر شهيدة الفلسفة ان تتحرك ضمن دائرة هذا العنف ببعده المادي والرمزي .فكان اغتيالها تعبيرا عن نكبة السيدة الأكثر جمالًا ، والأكثر فقرًا ، والأكثر إنجازًا ، والتي مزقها رجال الدين في الإسكندرية إلى قطع ، لإرضاء الفخر ، والمحاكاة ، وقسوة رئيس أساقفتهم كما جاء في كتاب جون تولاند.

الفيلسوفة هيباتيا عميدة مكتبة الإسكندرية

هيباتيا ابنة عالم الرياضيات ثيون (حوالي 370 م - مارس 415 م) كانت فيلسوفة وعالمة رياضيات ،ولدت في الإسكندرية، درست الرياضيات أولا على اعتبار انها المدخل الضروري لدراسة الفلسفة ،وفي سنواتها الأولى اتجهت ثانيا الى تعلم قواعد النحو والتدرب على الأساليب البلاغية واتقان فن القراءة والكتابة، و قراءة النصوص الفلسفية فتحولت من وضعية التلميذ الى وضعية المعلم ، وضعية سمحت لها بتدريس الفلسفة وكان عمرها آنذاك خمس وعشرون سنة.
كانت عميدة مكتبة الإسكندرية وهي واحدة من اعظم ثلاث نساء في العالم كما قال المخرج العالمي فرانسيس فورد كوبولا الحاصل على خمسة جوائز اوسكار . كتب تلميذها سينسيوس متحدثا عن تعاليم استاذته هيباتيا الفلسفية. في رسالة إلى زميل له فقال: "لقد رأينا بأعيننا ، وقد سمعنا بآذاننا السيدة التي تترأس بحق ألغاز الفلسفة"
معرفتنا عن هيباتيا تأتي حسب ماذهب اليه المؤرخ البريطاني آلان كاميرون مستمدة من خمسة مصادر : رسائل سينسيوس القيرواني (الرسالة 154) والذي كان تلميذًا لهيباتيا ثم اصبح مسيحيًا وأسقفًا بعد ذلك (370م- 413م) ؛ وكذاالمؤرخ الكنسي سقراط ووالذي ذكر هيباتيا في كتابه تاريخ الكنيسة (الكتاب السابع. فصل 15) و المؤرخ الكنسي فيلوستورجيوس ، وكلاهما كان معاصر لها ؛ وكتاب حياة إيسيدوروس السكندري وهو فيلسوف افلاطوني لمؤلفه داماسكيوس ، آخر رئيس لأكاديمية أفلاطون في أثينا ؛وأخيرا كتابات الأسقف جون أوف نيكيو.
علاقة هيباتيا بالإسكندرية علاقة حميمية تلك المدينة التي تأسست في موقع مدينة راكوتيس الساحلية الأقدم من قبل الإسكندر الأكبر في عام ج. 331 فيها أسس بطليموس الأول مكتبة الإسكندرية والمتحف ومعبد سيرابيس (السيرابيوم) وحول المدينة إلى مركز ثقافي ينافس أثينا، لقد جذبت الإسكندرية أفضل العقول في العلوم والرياضيات والفلسفة والعديد من التخصصات الأخرى. درس عالم الرياضيات العظيم أرخميدس (287-212 قبل الميلاد) هناك وربما درس أيضًا دورات. قام الفيلسوف والجغرافي إراتوستينس (276-194 قبل الميلاد) بالتدريس هناك وكان في الإسكندرية حيث قام بحساب محيط الأرض. عالم الرياضيات إقليدس (300 قبل الميلاد) درس أيضًا في الإسكندرية والمهندس اللامع وعالم الرياضيات البطل (المعروف أيضًا باسم هيرون ، 10-70 م) عاش وعمل هناك.

أسست هيباتيا نفسها كفيلسوفة فيما يعرف الآن باسم المدرسة الأفلاطونية الحديثة ، وهو نظام إيمان ينبثق فيه كل شيء من الواحد. (سيصبح تلميذتها سينسيوس أسقفًا في الكنيسة المسيحية ويدمج مبادئ الأفلاطونية الحديثة في عقيدة الثالوث). كانت محاضراتها العامة شائعة واجتذبت الحشود. كتب الفيلسوف داماسكيوس بعد وفاتها: "مرتدية [رداء العالم] ، ظهرت في وسط المدينة ، وتشرح علنًا لأولئك الذين يرغبون في الاستماع إلى أفلاطون أو أرسطو"
اغتيال هيباتيا بين الميسوجينية والتعصب الديني
ذبح هيباتيا من الوريد الى الوريد بعد نزع كامل ملابسها والتنكيل بجسدها ثم حرقها يفسر من الناحية السيكولوجية على انه تعبير عن الكراهية والحقد الممارس ضد المرأة ومن الناحية السوسيولوجية على انه فعل اجرامي ، القصد منه الغاء الاخر لإثبات الذات.
ولفهم ملابسات الجريمة يمكن العودة الى كتب التاريخ التي تتحدث عن هيباتيا كصديقة مقربة للحاكم أوريستيس ، الذي كان في صراع مع كيرلس الأول رئيس أساقفة الكنيسة في مدينة الإسكندرية فبعد امتلاكه السلطة الدينية كممثل للكنيسة المرقسية وبدون تفويض سياسي او سند قانوني اتجه الى اضطهاد اليهود وتهجيرهم بالقوة ومحاربة ما سماه بالهرطقة والتنكيل بالمخالفين للعقيدة المسيحية، فكانت هيباتيا العقبة التي تقف في وجهه ، لأنها تمثل خطاب العقل وفكرها هو فكر نقدي وفلسفتها تقوم على حرية المعتقد والتسامح و لأنه ألقى عليها باللوم على منع أوريستيس من قبول "الإيمان الحقيقي"من منظوره الخاص" كان يُنظر إليها أيضًا على أنها "حجر عثرة" لأولئك الذين كانوا سيقبلون "حقيقة" المسيحية لولا جاذبيتها وسحرها وتميزها في جعل المفاهيم الرياضية والفلسفية الصعبة مفهومة لطلابها ؛ المفاهيم التي تناقضت مع تعاليم الكنيسة الجديدة نسبيًا.

لقد وقعت [هيباتيا] ضحية للغيرة السياسية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. نظرًا لأنها أجرت مقابلات متكررة مع Orestes ، فقد تم الإبلاغ عنها بشكل فاضح بين السكان المسيحيين ، أنها هي التي منعت Orestes من التصالح مع الأسقف. لذلك انتشرت شائعة بين المسيحيين بأن كانت ابنة ثيون العقبة الوحيدة أمام المصالحة بين المحافظ ورئيس الأساقفة ؛ وتم إزالة تلك العقبة بسرعة. في يوم قاتل ، في موسم الصوم الكبير المقدس ، انتزعت هيباتيا من عربتها ، وجُردت من ملابسها ، وسُحبت إلى الكنيسة ، وذبحها بشكل غير إنساني على يد بطرس القارئ ومجموعة من المتعصبين المتوحشين بلا رحمة: جُرِّد لحمها من عظامها بقذائف المحار الحادة وأطرافها المرتعشة
.
يصف الباحث Mangasarian المشهد كما سجله المؤرخون القدماء:في صباح اليوم التالي ، عندما ظهرت هيباتيا في عربتها أمام منزلها ، فجأة خمسمائة رجل ، جميعهم يرتدون ملابس سوداء ومربعات ، وخمسمائة راهب نصف جائع من رمال المصريين.الصحراء - خمسمائة راهب ، جنود الصليب - مثل إعصار أسود ، انقضوا في الشارع ، وركبوا عربتها ، وسحبوها من مقعدها ، وسحبوها من شعر رأسها إلى - كيف سأفعل قل الكلمة؟ - في الكنيسة! أشار بعض المؤرخين إلى أن الرهبان طلبوا منها تقبيل الصليب ، لتصبح مسيحية وتنضم إلى الدير ، إذا رغبت في إنقاذ حياتها. على أي حال ، قام هؤلاء الرهبان ، تحت قيادة اليد اليمنى للقديس كيرلس ، بطرس القارئ ، بتجريدها بشكل مخجل ، وهناك ، بالقرب من المذبح والصليب ، كشط لحمها المرتعش من عظامها بقذائف المحار. كانت الأرضية الرخامية للكنيسة ملطخة بدمها الدافئ. المذبح ، والصليب ، أيضًا ، قد تطاير بسبب العنف الذي تمزق به أطرافها ، في حين أن أيدي الرهبان كانت تبدو مقززة لدرجة يصعب وصفها. الجثة المشوهة ، التي كان القتلة يحتفلون بها كراهيتهم المتعصبة ، ثم ألقوا في النيران.

فناء الجسد وخلود الفكر الفلسفي

لقد كانت الإسكندرية ترتعش امام الفيلسوفة هيباتيا التي ملكت الفصاحة وفصل الخطاب لقد كانت عبقريتها اكبر من ان تستوعبه ثقافة ذلك العصر ،كانت كما يقول كارل ساغان اخر بريق لشعاع العلم في الإسكندرية وبالعودة الى مقال منشور في مجلة علم الفلك والجيوفيزياء لعام 2010 تحت عنوان "جريمة قتل فلكية" ، نجد صاحب المقال يؤكد أن هيباتيا قُتلت لأنها أحرجت الكنيسة الإسكندرية بإثبات أن موعدها بعيد الفصح كان خطأ .
لقد توهم القتلة انه باغتيال هيباتيا يمكن القضاء على مشروعها الفلسفي المستمد من التقاليد السقراطية وقد لاحظ برتراند راسل أنه بعد مقتل هيباتيا ، "لم تعد الإسكندرية منزعجة من قبل الفلاسفة" ولكن هل انتصر هؤلاء حقا ؟

قد يفنى الجسد لكن الأفكار الملهمة تبقى خالدة فاليوم هناك كويكب سمي باسمها ، و وكذلك موقع على القمر ، وهناك مجلات للدراسات النسوية باسم هيباتيا والاف المدونات والمواقع الالكترونية تكتب عن تاريخها وعلمها وفلسفتها . وفي وقت مبكر من عام 1886 ، شكلت نساء ويتشيتا كانساس ، ، مجتمعًا أدبيًا يسمى Hypatia Club .واليوم بحيرة هيباتيا في ألاباما هي ملاذ للمفكرين الأحرار .
يمكن العودة أيضا الى الفيلم الروائي لعام 2009 Agora ، الذي يحكي قصة حياة وموت هيباتيا ، يصور بدقة الاضطرابات الدينية في الإسكندرية. أثار هذا الفيلم كما كتب عنه جدلاً عند إطلاقه من قبل بعض شرائح المجتمع المسيحي التي اعترضت على تصوير المسيحيين الأوائل على أنهم أعداء متعصبون للتعلم والثقافة.
ويمكن ان نتفق في الأخير مع راي Alan Cameron ان الجانب الأكثر حزنًا في مأساة هيباتيا حقيقة هو أن مصدر شهرتها ربما كان أيضًا مصدر سقوطها. لكن في كل الحالات اعتقد ان هيباتيا كانت ولا تزال تمثل تيار الفلسفة النسوية بامتياز .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل