الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القذافي من الصحراء إلى المدينة / زنقة زنقة على ايقاع قرية قرية ...

مروان صباح

2020 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


/ قد يقول قائل علام المشقة إذا كان الرجل قد رحل والأمر إنتهى ، غير أن هناك فئة مازالت من وقت لآخر تخرج وتطالب وتكرر وتنادي بضرورة الكشف عن مكان الذي دفن فيه العقيد القذافي ، وهذا على الأقل يستدعي استحضار الجهة التى قتلته وايضاً من كان يطالب بتصفيته سابقاً وكيف تمكنت القوى النافذة آنذاك ، تحديد تحركاته ، وهل كان تجاه الإسلامي حليف ساعتئذ مع حركة أمل اللبنانية ، وفي نهاية المطاف تم تسليم جثته لها ، كل شيء ممكن ، إذن التحليل يتيح للمرء التفكير على هذا النحو ، إذا صح التكهن بأن حركة أمل وضعت جثة القذافي في إحدى مستشفياتها التابعة لها ، بالتأكيد منذ ذاك اليوم تقوم باستدعاء الجثة وتستجوبها عن موقع الذي دفن به موسى الصدر مؤسس الحركة الشيعية المسلحة في لبنان ، إلا أن حتى الآن الجثة ترفض الإفصاح عن مكان الأخير ، وبالتالي على المطالبين بالجثة الانتظار حتى تنطق .

محاولة الاستجواب ليست بالسهولة التى يعتقد البعض ، لكن الجثة بالفعل لم تعد تتذكر من حياة صاحبها سوى ما أصدره من إنتاج فكري التى قد تلوح للوهلة الأولى للبعض التساؤل ، إذا كان المؤلف هو هو الحاكم والجثة هي هي الجثة ، فعلام فصلها ، لأن باختصار لسنا في أطوار تكرار المكرور إلى القارئ ، بل سيقف هذا العمود عند كتاب قد ألفه القذافي يوماً ما ، وقد يعتقد قارئ عنوان الكتاب ، أنه تاب عن تساؤلاته أو مواقفه أو جرأته المعتادة في تقديم النهفات ، بل كتاب القرية القرية الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء ، مجموعة قصص ب 126صفحة يتوقف عن فكر تبسيطي ، وبالتالي عادةً السطور تظهر خلفية الكاتب وايضاً إمكانيته العقلية في تبني الفكرة ومن ثم وضعها في سياق سردي قادرة على الوصول إلى الهدف من خلال تحريك شخصيات يصنعها ، في المقابل ، تكشف ايضاً الكتابة عن نوع السرد الذي يملكه كاتب الفكرة وايضاً عن مستوى قاموسه اللغوي ، لكن ما لفت انتباهي اولاً ، عدائية القذافي المبكرة للأحزاب الإسلامية السنية ، بل كان نقده للسنة النبوية واضح وخصوصاً للصحابي ابو هريرة الشهير بسعة حفظه وأكثر الصحابة روايةً للحديث ، لقد نعته بالكاذب ، على الرغم مِّن علاقته مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التى شهدت تعاون في البرنامج النووي ومن ثم الانفتاح الكبير على حكومات الرئيس التركي اوردغان ، وبالتالي التناقض يندرج في سياق خوفه من وصول الاحزاب العربية الإسلامية للحكم ، لهذا سعى بالتنكيل بها على مرّ تاريخ حكمه التى كانت ردة فعلها مشابها ، لكن الأهم في قراءة إنتاجات القذافي الفكرية ، هو الوصول القارئ لنتيجة لا لبس فيها ، أنه بلا أدنى شك صاحب خواطر فريدة ، لكنه أخفق كما في كل شيء أن يتحول إلى مفكر مقنع ، بالرغم للأموال التى وظفها وأنفقها على ذلك ، لأنه لم يستطيع استكمالها للآخر ، تماماً كما كان الحال مع جميع مشاريعه في السلطة ، المشروع القومي العربي وبرنامج النووي والاتحاد الأفريقي والبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية ومقارعة الأمريكان ، وهذا يلاحظه القارئ في كتاباته ، بدايةً يشعر برقي القصة وجمالية الخيال ، وفجأة تتدخل مواد افسادية تفسد الحكاية من أولها لآخرها ، وبالتالي يعيش القارئ بين الدلالة والحجة وايضاً الارتباك والضياع ، إلا أن في المحصلة لا يمكن انكار امتلاكه للخيال ، لكن يبقى كتابه يفتقد إلى قاص محترف ، بالفعل هناك خواطر لكن بتاتاً ليس بكتاباً ، وبالتالي عندما يشير على سبيل المثال عن حبه للقرية وعبث الإنسان في المدينة ، كأنه يدين نفسه ، لأنه كان هو المسؤول عن بناء العاصمة وهو الذي جاء من الصحراء أو القرية ، وبالتالي ينطبق عليه المثل البريطاني الشهير ، خرج من القرية لكن القرية لم تخرج منه ، بل في إعتقادي الشخصي ، فقد الجهتين تماماً كالاغلبية .

فالرجل كما هو مولعً في إطلاق تصاريح لافتة ، أيضاً هو مولعً في إلهاب الوعي الشعبي بقصص خاصة ، حيث تساءل القذافي عند جنس الموت وايضاً ما ينبغي فعله بعد الاستقرار في جهنم ، تماماً كما تساءل محي الدين بن عربي عن حياة البرزخ ، أهي حياة جديدة وفرصة أخرى للإنسان ، وهنا حاول التفرد بجهنم كقائد نيابةً عن الشعب لكي ينعم الآخرين بالجنة وبعدها تساءل عن الموت ، أهو ذكر أم أنثى وهل سيحفظ قانونية الأشياء كما هي وحقائقها ، ومن ثم وضع معادلة حقاً خيالية ، ليس من السهولة أن تخطر على بال إنسان عادي بل لا بد أن يكون صاحبها كئيب لدرجة كبيرة لكي يستطيع توظيف الكئابة إلى خاطرة مع تأكيدنا من نقصانها ، يقول بالحرف ، إذا كان الموت ذكر لا بد أن تقاومه حتى النهاية وإذا كان أنثى ينبغي الاستسلام لها حتى الرمق الأخير مع إبقاء الذهن حاضر لكي يضع خطط للهروب من جهنم .

تعلمنا الرواية بصفة عامة ، أن هناك نوعان لحبكتها ، الأول يذهب من المدينة في رحلة وأخر قادم إلى المدينة ، وبالتالي كتابة الرواية تكمن في قدرة كاتبها على صنع شخصيات وإدارتهم ، لأن الكاتب لا يصف فقد المكان بل يصف الإرادة ، وهذه الشخصية المركزية هي المكون الأكثر أهمية في أي نسيج درامي ، وهنا يسأل القاص نفسه ما هو الهدف من احضار الشخصيات في الحكاية ، فإذا كان القذافي هو الشخصية المركزية في كل عمل كان ينوي تحقيقه ، والذي جعل منه جاذب للمستمع أو المشاهد ، إذن الخلاصة تشي عن تطابق تام لكل حكاية افتعلها في كتاباته أو في حكمه ، باختصار شديد لم تتحقق ، لأنه لم يكن كاتباً كاملاً ، بل تحولت خواطره وأفكاره إلى مجرد مسرحيات كوميدية ، تماماً كما هي حكايته مع منظمة الوحدة الأفريقية التى ترأسها عبدالناصر وحاول أن يجعل منها جدار منيع امام محاولة الاستعمار المتجدد بالعودة ، إلى استنزاف مقدرات ليبيا النفطية مقابل تاج وعصا من ذهب ولقب ملك ملوك أفريقيا .

تنقسم البشرية في شخصيات ثلاثة ، شخصية قدرية مطواعة إلى القدر دون التفكير بالكون والمخلوقات وأخرى تتفكر ولديها القدرة على بلورة خواطر لكنها عاجزة عن تطويرها وتحقيق أهدافها ، أما الأخيرة فهي تعتبر إرادية ، ترغب بمعرفة كل شيء وتتوقف عند كل شاردة وواردة وهذه تحديداً تستطيع بسهولة صنع رواية واستكمال حبكتها بالكامل ، بل بالعودة السريعة لكتاب القذافي ، عندما جاء على رجل الفضاء المنتحر ، كأن أراد أن يقول ، لقد أنتحر بعد اكتشافه للكمين الذي صنعه بنفسه ، فالخيال المتحول لواقع ليس بضرورة دائماً كنزاً ، بل ربما يحمل على الأغلب كمين ، تماماً كالغرفة المعتمة .

في إعتقادي وهكذا أرجح ، الأغلبية التى قرأت أعمال القذافي الفكرية ، ستخرج بأنه يملك الخاطرة ، لكن السؤال لماذا لم يتطور ويصبح قاص ، وهذا بتقدير يعود لأنه أنتقل من كآبة القرية إلى قوة السلطة في المدينة ، وكما عودنا الأدب ومجاله ، أن أهم الأفكار أو النظريات العلمية صنعها المكتئبون ، بل أبلغ الروايات العالمية والتى خطفت قلوب البشرية كانت كُتبت بأقلام المكتئبون ، وهذا ايضاً ينطبق على الرسام العالمي فان جوخ والموسيقار وحافر النوتات بيتهوفن ، بل إذا عدنا للروايات سنجد أجودها كُتبت بقلم المكتئب كافكا ، وبالتالي عُرفت العقول المبدعة بنشاطها الذي يتغذى على الآلم الشخصي وعذابات الآخرين ، حتى لو كانت قصيرة لكنها تعتبر نافذة ومدخل لخبرات متعددة ومتنوعة ، وهنا قد يتساءل المرء عن إزدواجية القذافي ، التى أربكت المراقب اولاً قبل الناس العاديين ، فأسلوبه في طرح المسائل ومضمون المطروح ، بالتأكيد بينهما فارق عميق ، لأن المبدع لا يتوقف عن التساؤلات ولا يسمح لأي شيء يمرّ دون التوقف عنده ويقلبه ويتفحصه ، بل يمتهن المبدع بتدويره للأشياء في عقله ومن ثم يجعلها كلها مرئية من زاويا أخرى ، وهذا تماماً هو الفارق بين المكتئب الذي يمكن أن يصل الاكتئاب به للجنون وبين المبدع المكتئب ، الذي عادة لا يتعلق بالأمل .

أخيراً ، المبدعون أكثر فئة معرضون للاكتئاب ، لكن القذافي حاول أن يجمع بين القرية الكئيبة والسلطة المفرطة ، وهذا الجمع يكشف عن حقيقة مركزية ، بأن الاكتئاب لا يأتي بالإبداع ، لأن بإختصار ، الإبداع والاكتئاب ، هذه الثنائية وحدها التى تدفع المبدع بالاستمرار للوصول ليكون نموذجاً وقدوةً . والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية