الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية بعين واحدة

طارق الهوا

2020 / 10 / 28
كتابات ساخرة


يجمع كل المزايدين على الرئيس الفرنسي ماكرون خيط واحد هو الكذب الفاضح لتجييش المسلمين عاطفياً. حدث الأمر وهاجت بعض الجموع التي لا تقرأ في الشوارع.
لم أقرأ في كل ما قاله المزايدون حقيقة واحدة. زيفوا تماما ما قاله الرئيس الفرنسي. لا رجل دولة مسؤولا فيهم، بدءاً من رئيس الوزراء الباكستاني حتى أردوغان، ولن أعلق على ما قاله المشايخ المتشددون فوظيفتهم كما يبدو من انتاجهم نشر الجهل والتزمت وتكفير الآخر، وبعض الدول الاسلامية ترفضهم وتعمل على إصلاح خطابهم، ويسمونه دينيا وهو ليس كذلك.
اليافطة الكبيرة التي رفعها المزايدون هي "هجوم ماكرون على الاسلام". تجاهلوا أن أصغر طفل في العالم اليوم يمكنه بكبسة زر قراءة أي خبر من عدة مصادر. المزايدون يعرفون تماما ميل الناس إلى قراءة العناوين لا التفاصيل، والقراءة بعواطفهم وليس بعقولهم، وأن نسبة القراءة في بلادهم لا تتعدى 1% على أقصى تقدير، لذلك زيفوا ما قاله ماكرون، واستغلوا تماما وسائل التواصل الاجتماعي في نشر مزايداتهم، لدرجة أن رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، بعث رسالة إلى مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربرغ وطالبه بحظر المحتوى المعادي للإسلام، وقال خان في رسالته إن "تزايد معاداة الإسلام" يشجع "الكراهية، والتطرف، والعنف...وخصوصا من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".
قلب عمران خان وأردوغان وغيرهم تماما ما قاله ماكرون ليجيشوا به الشارع الاسلامي، لأن ماكرون قال ما معناه أن الكراهية والتطرف والعنف والدعوة إلى الانفصال عن الجمهورية الفرنسية، هي ما تميز الخطاب الديني في مساجد فرنسا، وهو لن يسمح باستمرارية هذا الاتجاه وسيحاربه.
يُنتخب أي رئيس دولة لحمايتها وحماية المواطن وصون القانون، ولأنه رئيس "دولة" لا يجب أن يستمد شرعيته من انجيل أو توراة أو قرآن أو حتى تعاليم دينية أخرى، وإلا أصبح رئيس أي شيء غير "دولة"، وما قاله الرئيس ماكرون لم يتعد أبداً صلاحيات رئيس "دولة".
لم يهاجم ماكرون الاسلام عقائدياً ولم يشكك في أي حديث، ولم يقل كما قال الدكتور محمد عمارة أن "جزءا كبيرا من التراث الاسلامي يجب أن يُلقى في الزبالة"، وكل المتنورين في العالم، حتى المسلمين منهم، يحذرون أوروبا منذ سنوات من الدعوات الانفصالية والغيتوهات المغلقة التي تنتشر فيها. فهل يُعقل أن كل هؤلاء يتوهمون خطراً غير موجود ويهاجمون الاسلام؟ هل الصين أيضا تتوهم وتهاجم الاسلام؟
لم يقل أي رئيس غير مسلم في العالم ولا حتى البابا أن أردوغان يهاجم المسيحية، بعد تحويل عدة كنائس في تركيا إلى مساجد، ودخول أردوغان إلي آية صوفيا وأحد حراسه يحمل سيف محمد الفاتح. اختصر الرئيس بوتين ما حدث بأنه شأن تركي داخلي بحت.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى أكثر من أربعين سنة عندما فقد الرئيس السادات صوابه بعد تصديقه لوشاية "إخوانية" تقول أن مسيحيي مصر يريدون دولة مستقلة لهم جنوبي البلاد، وبدأ حملة شخصية ضدهم، لم يلم أي رئيس غير مسلم أنور السادات على الوهم غير المبرر الذي أصابه تجاه مسيحيي مصر، وأفاق منه تماماً بعد فوات الاوان، عندما رأى أربع عسكريين متشددين مسلمين يطلقون الرصاص عليه في عرض عسكري. على أي حال، كانت وشاية رخيصة جدا ووهم غير مبرر، لأن شنوده بابا مسيحيي مصر قال علانية وأمام السادات نفسه في مجلس الشعب: "مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا"، بل وصل إيمان مسيحيي مصر بوطنهم إلى قول "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن".
كما لم يتهم أحد الرئيس السيسي بأنه ضد الاسلام عندما فض اعتصام "منطقة محظورة" يدعون فيها إلى أخذ "البيعة" في الميدان واعلان من أخذها رئيس البلاد. قالوا جميعاً بمن فيهم أردوغان أن العمل موجه ضد الإخوان المسلمين. مع ملاحظة رمزية حي رابعة العدوية لخلق "منطقة محظورة" لأن المنطقة نفسها تم فيها اغتيال الرئيس السادات.
لماذا يُقال من ثمة أن الرئيس ماكرون ضد الاسلام عندما يريد فض مناطق محظورة سلمياً بوقف دعوات كانتونية انفصالية، وتوعية الناس بخطورة التشدد ودعوات الانفصال عن الجمهورية الفرنسية؟ أليس للرئيس ماكرون حق الدفاع عن وطنه؟ لماذا يصفقون لجهوده ضد التشدد اليميني المسيحي؟ ولماذا لم يقل رئيس مسيحي واحد أن هذا ضد المسيحية؟
دعوى الانفصال وخلق "مناطق محظورة" خطيرة، لأنه يستحيل أن تحكم أقلية أغلبية. لا أوهام أو هلاوس هنا، فكل الدول العلمانية وغيرها بدأت تدرك أبعاد الخطاب الاسلامي الذي يُقال في مساجد سياسية، وأصبح طبيعياً جدا أن تسمع من جارك المسلم: "أوروبا لنا، فما الذي سيفعله ماكرون أو غيره؟".
يبدو أن غباء المتشددين متأصل ويستحيل علاجه.
غباؤهم كان واضحا عندما وصلوا للسلطة في أي بلد اسلامي. قارن بين ايران اليوم وايران قبل الخميني. قارن بين أفغانسان اليوم والبلد نفسه قبل طالبان. أما عن غبائهم في أوروبا فقد كان عليهم التزام الصمت حيال خططهم. لكنهم فضحوا أطماعهم وحقدهم، ولو صمتوا وجعلوا الأوروبيين يدركون بعد ثلاثين سنة أنهم قلة بالنسبة للمسلمين، و"مع السلامة" يا أوروبا ذات الجنس الأبيض بالديمقراطية، لكان الأمر سار بهدوء.
يبدو أن الغباء والتنمّر وتزوير التاريخ والنجاح في الفشل سمات المتشددين، ولا بأس إذا حارب الرئيس ماكرون الظلامية لأنها ستهدم دولة أضاءت أوروبا والعالم بالأنوار والمعرفة. تلك الظلامية التي تريد حتى استغلال الديمقراطية لما يناسبها فقط وليحترق العالم، وتريد محاكمة مجلة "شارل إيبدو" لأنها نشرت كاريكاتير عن محمد، وتنسى أن الديمقراطية تسمح بنشر كاريكاتير عن الله والمسيح وموسى أيضا. يريدون ديمقراطية بعين واحدة ترعى مصالحهم.
المحاكم الفرنسية لن تقبل هذه الدعوى. لا استثناء في الديمقراطية. إما أن تقبلها كما هي أو تجد حلا لأزمة هويتك.
تداول العرب قبل مدّ التزمت نكتة انطلقت من مصر، ولم يطالب أحد بإقامة دعوى على مؤلفها. النكتة تقول:
- لماذا ماتت أم كلثوم؟
- لأن الله عرف أن صوتها جميل وأحب أن يستمع إليها.
كما ضحك العرب كثيرا من أربعين سنة عندما خرج عادل إمام عن النص في مسرحية "الواد سيد الشغّال"، في مشهد قصه الرقيب في أواخر القرن العشرين.
- أمال حتشتغل أيه يعني؟ سأل عمر الحريري وهو يقهقه عادل إمام بعدما قال له ساخرا أنه رآه يمثل في مسلسل "بكيزة وزغلول".
- إشتغل في مسلسل محمد رسول الله. رد عادل إمام.
اليوم، تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن الفضيلة ومكارم الاخلاق وقيم الاسلام لأن راقصة رقصت بزي اعتبروه غير محتشم، أو مطربة غنت أغنية فيها ايحاء جنسي.
لماذا لا تشتعل المواقع نفسها دفاعا عن الفضيلة ومكارم الاخلاق وقيم الاسلام ضد الداعية الاسلامي طارق رمضان الذي تلاحقه دعاوى اغتصاب من نساء مسلمات في فرنسا أيضا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في