الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيناريوهات المشهد الانتخابي الأمريكي ونتائجه

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2020 / 10 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


الانتخابات الامريكية تدخل مرحلتها الاخيرة ومعها تتكشف مسارات تحمل مخاطر حقيقية للمجتمع الأمريكي وللعالم أيضا ..ذلك ان سيناريوهات متعددة ترتبط بإعلان النتيجة وفقا لما نراه اليوم من عدوانية سافرة يتبادلها المرشحان ومعهما الماكنة الانتخابية لكل منهما ناهيك عن التعبير المباشر للرئيس ترامب بانه المنتصر في الانتخابات ..فالإصرار العجيب الذي يبديه ترامب بانه هو من سيفوز في الانتخابات تكمن دلالاته في تهيئة ناخبيه لعدم قبول النتيجة بفشله لان ذلك سيؤدي الى فقدانهم كثير من المصالح العامة وعدم الاستقرار و ما يرتبط به من انتشار الفوضى والعنف ومن ثم فالتصور الاول ان ترامب قد لا يقتنع بفشله ونجاح خصمه حال فوزه بالانتخابات من هنا سيكون تبرير ذلك بالتزوير او تدخلات خارجية (الصين وروسيا) او تحريض عنصري من جماعات معينة ضد ترامب ..واذا ما ذهبت النتيجة للمحكمة من اجل البت فيها خاصة اذا كان الفارق في الاصوات قليلا فان اسبوع الى أسبوعين من الفراغ قبل الاعلان النهائي ممكن استخدمه لأثارة شغب من اطراف عدة خاصة وان هناك عوامل موضوعية من شأنها تعميم الفوضى في اكثر من ولاية أمريكية .
لكن الحملة الانتخابية ذاتها تتضمن اوراق انتخابية قوية يتم استخدامها بابتزاز من كلا المرشحين ونقصد بذلك الجائحة كورونا و مخاطرها الكبيرة حيث كان الرئيس ترامب يعلم مسبقا عبر دوائر صحية بانتشار المرض ومع ذلك ذهب للتقليل منه وعدم اتخاذا الإجراءات السريعة ، أي ان ترامب كذب على الشعب الأمريكي وهذه نقطة مهمة في معارضته انتخابيا ، ترامب الرئيس الاكثر عداء للصحافة ودخل معها في نزاعات معلنة وتلقى نقدا منها طوال فترة حكمه حتى اليوم ، إضافة الى استقالة من مساعديه وفقا لصراعاتهم معه وعدم تحملهم اسلوبه المستفز ، وذهب هؤلاء جميعا لفضحة اعلاميا او من خلال كتب تضمنت وقائع مهمة جميع تنزل تباعا الى الاسواق في هذا الشهر الحاسم للانتخابات.
السؤاال كيف ينظر المراقبون من تخصصات شتى الى أسلوب تعامل الرئيس دونالد ترامب مع السياسة الخارجية الأمريكية بعد ما يقرب من أربع سنوات و ما رافقها من مشكلات مع مساعديه ومع الصحافة ومع حلفائه في اوروبا وحلف الناتو بل ومع أصدقاء أمريكا في الشرق الأوسط وقد دأب على فضحهم من حيث حاجتهم الى الدعم الأمريكي مقابل الدفع المالي .. وفقا لذلك تصاعد الخطاب المعارض لأمريكا و قل اصدقاؤها بل صاروا في موقف اضعف وفقا للسياسة التي اعتمدها ترامب الذي جاء في سياق نظام سياسي متكامل وان كانت فيه بعض المشكلات وعليه ملاحظات لكنه اليوم في اسواء حالاته وتشوهت صورة أمريكا عالميا بل وفي الداخل ذاته وفقا لتصاعد حالات التمييز العنصري وما رافقها من احتجاجات غاضبة .
تعهد بايدن برفض نهج ترامب إذا تم انتخابه ، واعتماد التعاون الدولي وتحسين صورة أمريكا خارجيا بل واستعادة القيادة الأمريكية العالمية. وهذا امر حيوي لأمريكا و لا تراجع عنه ، فالمصالح الكبيرة لأمريكا ترتبط بحضورها إقليميا ودوليا ولا تستطيع الانعزال عن العالم الذي شاركت في صناعته وتنفرد حاليا بقيادته ولو الى حين ، ومن ثم فالمنافسة بين أمريكا واخرين اقتصاديا وسياسيا امر طبيعي إضافة الى ان التعاون متعدد الأطراف أمر لا مفر منه. مع العلم ان خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي لم تكن علاقاتهم الدولية والإقليمية نزيهة بل ضمن مشروعات استهدفت زعزعة استقرار بعض المناطق ومنها الشرق الأوسط باستغلال الانتفاضات الشعبية 2011 والتنسيق مع قوى تقليدية بدلا عن دعم القوى المدنية الديمقراطية ، ناهيك عن ملفات القاعدة وداعش وغير ذلك .
الداخل الأمريكي مُرتكز بالغ الأهمية في اللعبة الانتخابية من زوايا الاقتصاد والهجرة وكورونا والامن ، إضافة الى ورقة التمييز العنصري وهي ورقة جد خطيرة كما تبلورت عمليا من خلال الاحتجاجات ضد العنصرية التي اندلعت بعد مقتل جورج فلويد وغيره من الأمريكيين السود وهي لا تمثل قضية ذات أهمية لجماعة سكانية محددة بل أصبحت قضية وطنية تندرج ضمن الاهتمام بمنظومة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة وما تثيره من أسئلة مشروعة حول دور الادرة الامريكية تجاه حقوق المواطن من أصول افريقية ولاتينية وغيرهم .. وهو امر كان دائمًا يشكل هاجس للغالبية من السكان انطلاقا من ان أمريكا امة من المهاجرين اصبح لديهم وعي وادراك كاملين بممارسات تمييزية لصالح فئة محدودة العدد تحتكر امتلاك القوى السياسية والاقتصادية . وهذا الامر يعيد الاعتبار للمشهد السياسي وقياداته خلال ستينات القرن الماضي خاصة دور مارتن لوثر كينج ودعوته الصارخة بإنهاء التمييز العنصر لتحقيق الحلم داخل أمريكا لكل مواطن .
في هذا الصدد يمكن القول ان الخطابات المتوترة حول الهوية الوطنية تزداد خطورة عندما يتم لعبها على خلفية الاستقطاب السياسي وعدم المساواة الاقتصادية وضعف او غياب المشاركة للأقليات في دوائر السلطة التنفيذية .. مع العلم انه يتم بين الحين والأخر تعيين موظف كبير من الأصول الافريقية ويبارى كلا الحزبين والمرشحين بذلك وتجلى أخيرا بترشيح نائبة للمرشح جو بايدن من أصول لاتينية ..كما حاولت الرأسمالية الامريكية دعم أوباما للرئاسة لتعكس صورة ايجابية عن النظام والإدارة الامريكية .
اما رؤية المرشحين والحزبين للعالم خارج أمريكا فلا تعدو رؤية منافع ومصالح من زاوية واحدة تغيب فيها مصالح الأطراف الأخرى خاصة الدول الصغيرة .. فمنذ نهاية الحرب الباردة اعتمد معظم صانعي السياسة الأمريكيين مجموعة من الأوهام حول النظام العالمي ونظروا الى العالم كما يحلو لهم وليس كما هو في الواقع . كما ان العلاقات الامريكية الدولية نتاج تراكم في المصالح والملفات المعلنة والسرية جاء ترامب من خارج البنية السياسية و بيروقراطيتها ولا يعمل وفقا لنواظمها أحيانا فأراد الخروج عن بعض محدداتها واراد تغيير بعض تحالفاته عبر عنها بانه يريد اجراء تصحيحات طال انتظارها زعما ان سلفه اخطأ فيها واضر بمصالح أمريكا ، كما رفض داخليا بعض من الإجراءات لسلفة تجاه قضية الصحة والهجرة ولأول مرة تعلن أمريكا منع دخول مواطنين من عشر دول عربية وإسلامية .
مع اقتراب القرن العشرين من نهايته ، ألهم العدد المتزايد من البلدان التي تتبنى المثل الديمقراطية الفخر بالغرب وآمالًا كبيرة في المستقبل. فتشكل الإجماع بأن التقارب على الديمقراطية الليبرالية من شأنه أن يؤدي إلى نظام سياسي دولي مستقر. مع ذبول الاتحاد السوفيتي (انتهاء القطبية الثنائية ) وانتهاء الحرب الباردة ، دعا الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى نظام عالمي جديد مؤسس على القيم الليبرالية والحكم الديمقراطي والأسواق الحرة. بعد عدة سنوات ، صاغت استراتيجية الأمن القومي للرئيس بيل كلينتون لعام 1996 سياسة المشاركة والتوسع الديمقراطي الذي من شأنه أن يحسن "آفاق الاستقرار السياسي ، وحل النزاعات بالوسائل السلمية ، والمزيد من الكرامة والأمل لشعوب العالم". .كل ذلك لم يحظى بدعم حقيق من الإدارة الامريكية في عهد بوش او كلينتون او أوباما بل كانت أمريكا في نهجها السابق تحيك المؤمرات لإشعال بؤر نزاع في اكثر من منطقة وبدلا من دعم الانتفاضات الشعبية في العالم العربي التي رفعت شعار الدولة المدنية توجهت أمريكا نحو جماعات مناهضة للديمقراطية لترفع مكانتها وتتحالف معها .. وحتى فكرة التقارب مع الصين وروسيا بعد انهيار التحاد السوفييتي ظل الكارتل العسكري ضاغطا في صناعة سياسات تعزز الازمات اكثر مما تفتح آفاق التعاون والسلام وفق مقولات الليبرالية ومنتدياتها التجارية التي تشكلت في عصر العولمة الذي اعلن بوش بداياته وتم التعبير عنها بالانتصار الكبير للرأسمالية ونهاية تاريخ الايدولوجيات الأخرى .
الانتخابات الرئاسية الحالية ليسن شأنا أمريكيا داخليا بل شأن عالمي لما لأمريكا من تأثير سياسي واقتصادي وعسكري ولما لسياساتها من تدخل مباشر وغير مباشر في اكثر من منطقة وبؤرة نزاع ومن ثم فالصورة العامة للإدارة الامريكية القادمة تهم الداخل الأمريكي كما الخارج أيضا ..ومن هنا نفهم تزايد الاهتمام الصيني والروسي والاوربي ومعهم اهتمامات أخرى من مختلف دول العالم وفق مدركاتهم ووعيهم السياسي اذا اظهروا قدرا من هذا الوعي .
صفوة القول نتائج هذه الانتخابات مثيرة للاهتمام داخليا وما ستفرزه من تحالفات وتغييرات في المواقع السياسية وفي الخطاب السياسي او ما ستؤول اليه من مشاهد احتجاجية لأسباب متعددة تؤسس لمسار يتم فيه تعميم الفوضى لبعض الوقت حتى تتدخل المؤسسات الفيدرالية وتحكم قبضتها على الشارع السياسي . والاهتمام أيضا له مشروعيته بما ستؤول اليها السياسة الخارجية لأمريكا خاصة وهناك ملفات ساخنة تتعلق بالحرب التجارية مع الصين واستفزازاها من خلال قطعها البحرية الامريكية التي تتواجد بين الحين والأخر في بحر الصين وعلى حدودها وكذلك ملف الخلافات المستمرة مع روسيا والاتحاد الأوربي ناهيك عن الخلافات الامريكية الاوربية تجاه الملف الإيراني وتجاه بؤر النزاع في الشرق الأوسط بل وحتى ما صنعته إدارة ترامب من خلاف مع المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية . وبالأخير هل تستطيع أمريكا من خلال الرئيس القادم ان تكون قائدة وزعيمة للعالم في سياق نظام دولي احادي القطبية مع الإقرار بتنافس تعدد اقتصاديا وسياسيا ، هل تستطيع الإدارة الامريكية ان تقدم صورة ليبرالية منضبطة في سلوكها السياسي تجاه ملفات متعددة تعمل بها وفق مصالح متبادلة دون التدخلات غير المشروعة وفقا لاستعراض قوتها العسكرية . وهل تستطيع أمريكا ان تخلق الأجواء المناسبة لنظام دولي فيه قدر من التوازن وإعادة الاعتبار للمنظمات الدولية والمواثيق والمعاهدات المتفق عليها عالميا ام ستكون الكلمة للكارتل الصناعي الرأسمالي ونزعته المتوحشة تجاه الأرباح ومن ثم تعزيز بؤر النزاع وتعميم الفوضى في اكثر من دولة واكثر من منطقة في عموم الكرة الأرضية.. (تم نشر هذا المقال يوم امس 27-10-2020 في صحيفة القدس العربي -لندن-).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نداءات لتدخل دولي لحماية الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية | #


.. غارات إسرائيلية استهدفت بلدة إيعات في البقاع شرقي لبنان




.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر