الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انصار النبي محمد

عدلي عبد القوي العبسي

2020 / 10 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عاده الاحتفال بذكرى ميلاد النبي محمد او ما يسمى ب ( المولد النبوي ) كانت تقليدا راسخا في الحياه الاجتماعيه الروحيه للشعب اليمني امتد لاكثر من الف واربعمائه عام تقريبا أي الى ما قبل أربعين عاما تقريبا
هذا حدث مع سياده المذاهب الدينيه الزيديه والصوفيه والشافعيه والتي خلقت تأثيرا واسعا في المفاهيم السياسيه والروحيه والحياه الثقافيه اليمنيه طوال هذه الفتره التاريخيه الطويله.

اما انقطاع هذه العاده الحميده فقد كان بسبب انتشار المذهب الوهابي والفكر الاخواني الدخيل في البلد منذ مطلع الثمانينات وهو الفكر الاصولي المتطرف الذي نظر الى هذا التقليد الروحي الثقافي الاجتماعي بوصفه بدعه دينيه مقيته

وبالفعل تمكن الاصوليون المتطرفون من القضاء على هذه الظاهره الروحيه الثقافيه او التسبب باضمحلالها ونشر النفور والكره منها لدى الغالبيه المسلمه البسيطه
.
وفي فترات عديده كثيرا ما كان النقاش الديني الجدلي الصاخب المتعصب يستعر ويحتدم بين نشطاء وانصار هذه الجماعات الدينيه المؤيده للاحتفال والرافضه له
لتترسخ بعدها وفق منطق الغلبه والقوه مشيئه الطرف المتغلب والمستقوي بالسلطه والمال والدعايه الوهابيه بعيدا عن المحاججه الدينيه التي يقدمها كل طرف .
وعادت مره أخرى تقاليد الاحتفال مع وصول انصار الله الى السلطه بعيد انتفاضه 21 سبتمبر الشعبيه المجيده التي غيرت الواقع السياسي والثقافي في البلد .
لتعود مره أخرى لدى البعض مظاهر الشعور بالاستفزاز والنفور والكراهيه مما اعتبروه محاوله احياء للبدع الضاله السابقه !!.
.
لكن نحب هنا ان نوجه النظر الى جذر هام من جذور هذه الظاهره ناظرين للمسأله من منظور إيجابي مستنير بعيدا عن التعصب والغلو والمفاهيم الضيقه
تسليطا للضوء على مكانه النبي محمد وحبه في نفوس اليمنيين وماذا عنى لهم في الذاكره الجمعيه وكيف انه كان حاضرا بقوه في مشهد الحياه اليمنيه عبر كل العصور

احب ان اذكر بجانب

مهم من الجوانب الروحيه في ما يعتبره اليمنيون الصفحه الأكثر اشراقا في التاريخ اليمني واشرح
مشيرا الى المحطه الأبرز في التاريخ اليمني الإسلامي
والمتمثله في واقعه الدخول الجماعي السلمي في الدعوه والحركه الجديده
حيث انه من دون اي مقاومه بدويه بربريه انتشرت الثوره المحمديه الاسلاميه في ربوع اليمن
هذا الانتشار السلمي السلس والمدهش الذي تحقق في مهد العرب وموطن واحده من ابرز حضاراتهم الاولى
قد حير عقول الكثيرين من مجايلي ذلك العصر وادهش ايضا البعض من المؤرخين
لكنه بالنسبه للباحثين في التاريخ والعارفين بالظروف التاريخيه الاجتماعيه في اليمن انذاك
لم يكن بتلك الدرجه من الغرابه والدهشه للاسباب التاليه :
اولا : اسباب ثقافيه فكريه
لأنه ارتكز على استعداد روحي ثقافي مسبق في المجتمع اليمني فاليمنيين قد خبروا وعرفوا مسبقا انتشارا للديانات السماويه السابقه
فاليهوديه سادت في معظم ارجاء اليمن ابان العصر الحميري والمسيحيه في بعض اجزاءها الشماليه (نجران ) فتره الملك الحميري اليهودي (ذو نواس ) الذي اقدم على اضطهاد مسيحيي نجران واحراقهم فيما عرف تاريخيا بحادثه الاخدود المذكوره في القران
ثم انتشرت في اجزاء واسعه مع دخول الاحتلال الحبشي المسيحي للبلد .
ولهذا لم تكن المضامين الفكريه والروحيه للديانه الاسلاميه الجديده بالغريبه عليهم من الناحيه الفكريه والروحيه النفسيه

ثانيا : اسباب نفسيه واقتصاديه وجغرافيه
كذلك يكمن خلف هذا الاستعداد من ناحيته السيكولوجيه الاجتماعيه الخصائص النفسيه التي تميز بها الشعب اليمني والمكتسبه من بيئته الجغرافيه الطبيعيه الزراعيه الجبليه والسهليه ومن نشاطه الاقتصادي الانتاجي الاساس القائم على الري واستخدام موارد الطبيعه وترويضها لفائده معيشه الفلاح اليمني المنتج البسيط والمسالم المتعلق بحب الارض وقيم التعاون والتسامح والكفاف والتعلق بالإله الخالق وحبه وطلب المغفره والرزق منه
ان ظروف المعيشه المرتبطه بما تجود به السماء من امطار وما يجود به التفاعل الطبيعي بين مكونات النظم البيئيه وعناصرها من ماء وارض ونبات ومناخ وما يجود به التعاون والعمل الجماعي المتساند ومؤسساته وبناه الاجتماعيه قد اوجد في الشخصيه اليمانيه نوازع التعاون والتسامح والتسامي والتعلق بالروحانيات لمواجهه صعوبات الحياه وتأمين جانب مهم من جوانب التماسك الاجتماعي والسلام الاجتماعي وهو ما يكمن خلف قول النبي محمد عن اليمنيين (ارق الناس قلوبا والين افئده الايمان يمان والحكمه يمانيه )
فالطابع الفلاحي للانسان اليمني يتغلب على التأثيرات البدويه والتي نجدها عند قبائل السهول الصحراويه التي بقيت في الاطراف من جهه الشرق خصوصا بعد الانهيار الحضاري الكبير وسقوط مملكه سبأ التي سرع من حدوثها انهيار سد مارب الشهير
حيث فقدت مملكه الصحراء اخضرارها و شريان حياتها ومدينتها الحضاريه العظيمه وفقدت معها الكثير من تقاليدها الروحيه السلميه
وحدثت موجات للهجره صوب الشمال العربي بحثا عن التعويض و البديل

وبقيت معظم اجزاء اليمن الاخضر بسدودها الصغيره و اراضيها الزراعيه في المدرجات الجبليه وبطون الاوديه والسهول على ذات الارث الحضاري المستمر حتى قدوم الاسلام .
ان البيئه الجغرافيه الجبليه الخضراء و ما تصنعه من اجواء روحيه ونفسيه و من قيم وتقاليد اجتماعيه تقلص من نوازع التوحش ومخلفات البداوه اثناء نزوح القبائل البدويه واستيطانها لاعالي الجبال
والعيش في قرانا الجبليه الحميريه الخضراء التي تعانق السحاب يفعل الافاعيل في النفس البربريه
لتتلاشى شيئا فشيئا قيم الحرب والعنف والغلبه لتحل محلها وتنافسها وتنازعها قيم التعاون والسلم والمحبه والتسامح
ومع تغير بيئه الانتاج المادي الزراعه والحرف الصناعيه وما صاحبها من انشطه تجاريه تتغير الخصائص الروحيه للانسان
وهو ما جعل اليمن مختلفا كثيرا عن بقيه اجزاء جزيره العرب (شعب الصحراء ) مع الاشاره الى وجود
بيئات اخرى مشابهه نجدها في الشام و العراق ومصر والمغرب وغيرها

لهذا رأينا انماطا مختلفه من ردود الفعل الاجتماعيه إزاء الحركه والدعوه المحمديه

الأول يتمثل في هذا القبول والدخول الجماعي السلمي وهذا التحمس والمناصره للحركه والدعوه الجديده ( وهو ما فعلته قبيلتان يمنيتان في يثرب هما الاوس والخزرج واللتان لقبتا بالانصار ومافعلته ايضا السيول البشريه اليمانيه الهائله مشاركه في معارك التحرير الاسلامي للبلدان العربيه من هيمنه اعتى امبراطوريتين في ذلك الوقت فارس وبيزنطه )
والثاني يتمثل في هذه المقاومه البربريه الشرسه للاعراب الجاهليين البدو الذين كانوا يعتاشون من السلب والنهب
رد الفعل الحضاري هذا والتحمس والمناصره للحركه والدعوه المحمديه هو ما يسمح لنا بوصف اليمنيين وتقديمهم من خلال هذه الميزه التاريخيه العظيمه على انهم (انصار النبي محمد )
وتلك الخصائص والاسباب التي ذكرناها اعلاه سحبت نفسها فيما بعد انعكاسا على ظهور فهمين مختلفين للاسلام
اسلام بدوي اعرابي اقرب الى البربريه والهمجيه وهو متأخر اجتماعيا وحضاريا عن غيره من الايديولوجيات واسلام حضاري زراعي متسامح اقرب الى الفهم الصحيح للاسلام انتج في مسار تطوره الحضاري اللاحق رؤيه حضاريه انسانيه متقدمه قياسا بغيرها من الايديولوجيات الكبرى في العصر الوسيط .

خلاصه القول انه يجب ان ننظر الى الاحتفال بذكرى ميلاد النبي محمد من زاويه المكانه والامتنان والتقدير والموقع الروحي العظيم للنبي محمد في الذاكره الجمعيه اليمنيه باعتباره امام المستضعفين ونصير الفقراء وقائد ثوره عظيمه غيرت وجه التاريخ حثت على المساواه والتسامح ودعت الى التآخي بين البشر وهو ما نجده في قوله
( كلكم لادم وادم من تراب )
( الناس سواسيه كاسنان المشط )
( لا فرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى )
( ليس منا من دعا الى عصبيه ) وغيرها من القيم الانسانيه العظيمه التي دعا اليها هذا الرجل العظيم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح


.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة




.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا


.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س




.. كل يوم - د. أحمد كريمة: انتحال صفة الإفتاء من قبل السلفيين و