الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منهاج مادة الفسفة بين بيداغوجيا الأهداف والمقاربة بالكفايات

محمد عبو

2020 / 10 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


شكلت المناهج السابقة لمادة الفلسفة مجالا لتدارس خصوصية الدرس الفلسفي، إذ أن المنهاج القديم للمادة يركز بيداغوجيا على المضامين، مما يجعلنا نتموقع مباشرة في بيداغوجية المضامين التي لا يهمها في المتعلم سوى شحنه بالمعارف الخالية من السياق، والبعيدة عن انشغالات المتعلم وحياته اليومية.. بيد أن هذا لايعني أن المنهاج الجديد لم يستفد من المنهاج السابق بل عمل على تطويره وإغنائه واستثمر خلاصات التحربة والنمارسة الميدانية الناتجة عن الاشتغال به، فكان ذلك بمثابة تحيين للدرس الفلسفي وانتشاله من الروتينية والجمود، حيث يجد المتعلم نفسه مكرها على الاستماع إلى خطاب موجه إليه لا يعنيه هو كشخص أي كذات إنسانية لها اهتماماتها وتطلعاتها، وإنما يعنيه من زاوية التقويم، إذ كيف سيعنيه وهو لا يشارك فيه ولا ينخرط في إشكالاته، هنا بالذات يجد المتعلم نفسه مكرها على شحن ذاكرته بالمعلومات غير السياقية، كما يجد المرس نفسه مجبرا على الشحن والتلقين دون إشراك المتعلمين في بناء تعلماتهم، فما السبيل إلى النهوض بالدرس الفلسفي؟ وما الطرق القمينة بإصلاح منهاج المادة؟ وما المرجعيات النظرية التي يمكن اعتمادها في إصلاح هذا المنهاج؟
لم تشكل مراجعة المنهاج قطيعة مع المنهاج السابق في شموليته، وإنما تجاوزت عيوبه وسلبياته، فإذا كان المنهاج السابق يرتكز في بعده الديداكتيكي على الشحن والتلقين والإلقاء، فإن المنهاج الجديد 2007 جاء لتجاوز هذه السلبيات وطرح بدائل للخروج من بيداغوجيا المضامين وبيداغوجيا الأهداف، واعتماد مقاربة حديثة لا تقطع هي الأخرى مع البيداغوجيات السابقة بل تعتمدها كسند، وهي المقاربة بالكفايات التي تجعل المتعلم في قلب الاهتمام والتفكير، فالمتعلم هنا هو الذي يبني تعلماته، وليس عنصرا سلبيا يتلقى المعلومات بل فاعل وعنصر إيجابي في العملية التعليمية التعلمية.
إن النهوض بالدرس الفلسفي رهين بإصلاح حقيقي لمنهاج المادة، إصلاح لا يكتفي بالجانب النظري وإنما يستند على خبرات الأستاذة والمفتشين الذين يجمعون بينما هو نظري وتطبيقي ميداني، ليس فقط في تصورهم للمنهاج وإنما للعملية التعليمية التعلمية بزمتها.
لقد شكل المنهاج السابق للمادة عائقا أمام جعل الفلسفة مادة متفاعلة مع باقي المواد، بل فصل بين الفلسفة والفكر الإسلامي، وكأن الفكر الإسلامي ليس بفلسفة، مما يجعل أول تهارض للمادة، تعارضا خطيرا، إذ كان ينظر للفلسفة على أنها زندقة وإلحاد..
وعلى العكس من ذلك، فقد بني المنهاج الجديد لتكون مادة الفلسفة مادة مدرسية متفاعلة مع باقي المواد الدراسية المقررة، حيث يكون المتعلم نظرة تركيبية للمعارف والمعلومات، ويمارس التفمير الحر والمستقل والمسؤول.
ساهم المنهاج القديم للنادة في إضعاف الدرس الفلسفي وإلزامه بالطابع التقليدي، حيث يطغى على الممارسات الصفية: الشحن والتلقين، فلا دور للمتعلم سوى الانصات وملء الذاكرة بالمعارف الفارغة من التفاعل والسياق، ذلك أن المدرس حينما ينكب على خصوصيات المادة الدراسية يستغرق كليا في التصورات الفلسفية، مذاهبا وأفكارا،فلا يجد المتعلم بدا من الصبر حتى انتهاء الحصة ليتأفف من ثقل ما شحن به، فهنا تؤاخد بأنها عديمة الصلة بالواقع، غير أن الصائب عو أن الفلسفة جاءت من الدهشة ومن التأمل في الوجود، بمعنى آخر فهي وثيقة الصلة بالواقع والاشتغال عليها هو ما يجعلها إما تنحى عن الواقع وتجرده وتبتعد عنه أو ترتبط به أولا ثم تتعالى عنه.. مما يجعل الدرس الفلسفي إذن في حاجة إلى الانطلاق من واقع المتعلم وظروفه الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن أن نتحدث هنا ديداكتيكيا عن الاشتغال على تمثلات المتعلمين كوسيط بين الفكر الفلسفي المجرد والواقع.
إن المنهاج الجديد لمادة الفلسفة، هدم وبناء، هدم للتصورات الكلاسيكية للدرس الفلسفي من إلقاء وشحن وتلقين وحفظ وابتعاد عن الواقع، وبناء لتصور جديد، يستند على المرجعيات النظرية الحديثة في مجال التربية والتعلم التي تنهل من المقاربة بالكفايات وتستخضر الفوارق الفردية ومميزات المتعلمين، ذلك أنه وفق البيداغوجيا الفارقية،لا يوجد تلميذان يتعلمان بنفس الطريقة وفي نفس المدة الزمنية، فلكل متعلم خصوصياته، ذلك أننا عندما نتخدث عن الفوارق الفردية، فإننا نتحدث عن فوارق سيكولوجية: الانتباه، التركيز، التذكر.. وفوارق اجتماعية: مستوى العيش، عدد أفراد الأسرة، مكان الإقامة، وفوارق ثقافية ناتجة عما هو اجتماعي، كثقافة الوالدين ومستواهم التعليمي، حيث يوجد فرق واضح بين متعلم متمكن من لغتين غير لغته الأم ومتعلم آخر حبيس اللغة العامية، وكما أكد بورديو فإن المتعلم في الحالة الأولى سريع التعلم والفهم، مما يعني أنه لا يمكن إلغاء الفوارق الفردية في الفصل الدراسي، إذ لابد من تنويع الطرائق البيداغوجية حتى يتمكن الجميع من الفهم.
إذا كانت المقاربة بالكفايات تجعل المتعلم في قلب الاهتمام والتفكير، وذلك بمراعاة الفوارق الفردية بين المتعلمين، فإن منهاجا حقيقيا لمادة الفلسفة لا يمكنه أن ينحى عن هذا التصور، مما يجعلنا نؤكد على ضرورة مراعاة خصوصيات المتعلمين وفوارقهم الفردية، وذلك لا يمكنه أن يكون إلا بتنويع أشكال العمل الديداكتيكي، من قراءة فلسفية وحوار ومناقشة، كتابة وتحليلا، وافساح المجال للمتعلمين ولمشاريع فصلية أو شخصية، ليكون التعلم ذكيا فاعلا ومتفاعلا نشيطا ومفيدا في الحياة والممارسة العملية.
المصادر والمراجع المعتمدة:
التوجيهات التربوية لمادة الفلسفة، وزارة التربية الوطنية، 2007
الخمار العلمي، مستقبل التربية والثقافة في المغرب، إديسيون بلوس، ط2015
عبد الناصر السباعي، مدخل إلى الدراسات السلوكية، ط1, 2004
أوليفي روبول، لغة التربية وتحليل الخطاب البيداغوجي، ترجمة عمر أوكان، أفريقيا الشرق، ط2002








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست