الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاكرامة(2)

محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)

2020 / 10 / 28
الادب والفن


أقبلت نحوه تتئد في خطوها ،تسبقها اليه ومضات من شغاف القلب .. لم تكن بزينة اكثر مما كانت به أمس ، فلم تغير غير فستانها ، قام يستقبلها فعانقته كما عانقته أمس ،قلب رفيف وسلام بقبلات على الخد .. هي حركة منها عادة متأصلة ،متجذرة بلا دهاء ولا قصدية ، بنفس العطر يعبق منها ، بهاء وجه كصباح يشرق في يوم صيفي، وعيون ناعسة خلفها يتمطى الهدوء وترتاح السكينة ..
جلست وهي تعتذر على تأخر قليل غير مقصود منها ،ضحك وهو يسحب الكرسي الى الخلف حتى تجلس ثم قال :
اول مرة ،لا بأس ،المهم كيف صرت اليوم ؟
قالت بعفوية : الحمد لله .. إشراقة من ليلتي براحة نفس ،كراحتنا لعودة غائب نستعيد برجعته هدوءنا النفسي .. .
بسمة ارتياح تربعت على وجهه ، تعجبه تعابيرها فيصغي اليها بانتباه، يستشعر سعادة قد ارتدتها اليوم وهي تلبي موعده ..
ظلت عيناه متركزتين على وجهها وهي تستقيم في جلستها ..كل ما فيها شرع يعلن عن أمل قد انبثق أمامها ،وبه ستزيح ماعانته في زواجها ..
بدورها بدأت تقرأ كل حركة منه ، نظرته اليها بوداعة وهو يتأملها ويتابع حركاتها ، نظرة تعكس هدوءه النفسي بلا تلوينات مثل التي كانت تراها في طليقها كلما تغير من موقف الى موقف و بين كلمة وأخرى ،فيصير مزيجا من السخرية والقسوة، كم أدمت مشاعرها فتصبرت وتجلدت؛ثم شرعت تتعمق في عينيه.. رجل لا يتصنع، يتصرف بعفوية، تكلمه فيصغي اليها وكأنه يذيب نفسه فيها ومع نفسه يذيب فوارق كانت تطغى عليها من قبل ،هي إحساس الفارق بين أستاذ وتلميذة ..
هي معه الآن بلا فجوات من خلاف حضاري هو ما كان يحسسها به طليقها من أول يوم بعد زفافهما ..
تشعر بنفسها وكأنها فراشة طوافة حوله ، تستنشق كل ما تقذف به دواخله الى بصرها ، تبحث فيه عن قطرات من ندى ، تسأل ربها أن تحظى بواحدة تغسل بها بقايا صور عن رجل مر بحياتها ..
قال وكأنه ينزعها من تفكيرها :
مابك ؟ انت معي ام مع أمسك ؟
تطلعت اليه في ثقة :
أمسي مات .. و أنا معك بهبات من ستائر الخير تنفتح في وجهي ، بصراحة انا كنت قد خلعت كل ما مضى من ذاكرتي، لكن حين صادفتك، احببت ان أجعلك في صورة صادقة لما وقع لان أهل عبد الصمد يروّجون انه ضبطني مع الخليجي ،وحين اراد ان يطلقني نصبت له فخا ادخله الى السجن ظلما، وكأن العدالة عمياء في وطني..
انتزعت منه العبارة ضحكة سخرية وقال:
فكر ساذج مهزوز ، بعض الناس صارت عقولهم مسارح نتنة ، وكيف تم الحكم على الخليجي بالسجن ثم ترحيله الى وطنه ؟
قالت :بل ولماذا لم أحاكم مثله لو كنت متورطة معه؟
تنهدت ثم تابعت :
ما اكثر ما يتقول الناس !!..صهاريج الكلام لن تتوقف ، والنَّاس أعداء ماجهلوا ..
ضحكت وكأنها تريد ان تطوي الماضي ثم قالت :
المهم انا معك ،احك لي عن نفسك كيف غامرت بمغادرة الوظيفة من اجل معشوقتك!!..
قالتها برنة اعتزاز وارتياح أنها مع رجل يجيد كتابة الحرف ..
اقبل النادل يسجل الطلبيات وما أن استدار حتى قال لها ضاحكا :
هي فعلا معشوقة،في رأيك ألا تستحق التضحية؟ حركت رأسها كتأييد لرأيه فتابع :
أن تسكنك الطمأنينة وتتدثر براحة البال فذلك نصف الإبداع، والنصف الثاني حرية وصدق مع النفس.. هي فكرة تولدت بعد مخاض وما أحاط بها كان حافزا ، وحين قررت لم اصغ لقرارات عقلي الباطني ، وبعد أن نفدت أولى تجاربي تولد لدي شعور بالرضى والتقدم ..احس اليوم قوة اختياري وصدقي مع نفسي ، فمهنتي السابقة لم تعد توفر كرامة الانسان لا مع مسؤولين ولا بين تلاميذ ..
هزت رأسها كتأييد لقوله ثم قالت :
قليلون من صاروا يبحثون عن كرامة الانسان و راحة البال ،الكل بات عيونا متطلعة ونفوسا لاهثة، وتكالبا على الدنيا بلا قناعة ، الكل ساخط متذمر يشكو ويبكي، لاهث وراء مداخيل إضافية لا يهم مصدرها ، وكأن الخوف من الجوع والفقر هو ما يهدد الانسان الذي فقد قناعة عمره ، حتى السائل استحلى يده السفلى،لا يتوقف عن السؤال ولو أستغنى ،وصار التسول حرفة يمارسها الكل بطريقته الخاصة ، يعانقها وزير من مناقصات، ويتسولها برلماني تعويضات لا يستحقها ، وموظف سامي أوصغير يلهث خلفها عمولات تحت الطاولة،أو مأذونيات بلا وجه حق ، ويطلبها فنان يتلقى دخلا خياليا من الحفلات والسهرات ثم يدعي العدمية ، كل بطريقته يعانق التسول ويدعيه بلا قناعة ، كما يعانق بعض الناس الدين كمظهر وقشرة وجه ، وعلى الارض يعيثون فسادا ، يرشون خبثهم ورذائلهم وأحيانا حتى الفتاوي من علمائهم ..
مسح الطاولة بعينيه ، متمليا في استنتاجاتها عن الحياة وهي لا تزال شابة في عمر الزهور ،فكيف بها لو غطست اكثر في تخريجات السياسة، وخوافي الاقتصاد، ومحاور الريع، وأراضي الجموع ؟ ثم رفع رأسه اليها ،مهد ببسمة ثقة ثم قال:
سأسألك سؤالا واعتذر مسبقا عنه..
وكأنها تقرأ أفكاره قالت : كنت انتظره أمس اذا لم يخني حدسي، لكن ايقنت انك كنت تريد التخفيف من وطأة ذكرى أليمة ما كنت افسح لها مجالا لتعاود نفسي الا لتعرف ما عانته تلميذتك..
قال :لا لم يخامرني السؤال أمس ،وإنما شغلني بالليل ..كيف لأنثى بذكائك ان تنسى اكثر من حادثة عاشتها المؤسسة و عبد الصمد من كان وراءها ؟
قالت : ربما كانت مشاكله متداولة بين الإدارة والأساتذة لكن بين الطلبة فلم تكن مشاكله الا مع بنات السنة الثالثة ثانوي غير القاصرات فقد كان بعضهن يسعين اليه للعمل في العطلة الصيفية ، والرحلات السياحية ، وقد كنت قاصرا في السنة الأولى ، وقلما كان يتناهى إلينا ما يروج خارج مستوانا الدراسي ،اما عن قبولي الارتباط به فلست الأنثى التي قد يولد الجمال فيها كبرا او تعاليا ،ولست من عائلة لها ماض ذائع في قبلية، او غنى ،او صيت سياسي، او اجتماعي ؛ جدي لم يكن غير أمازيغي نزح من جبال الاطلس، ضاقت عليه رقعة جبلية لا تنتج غير الدوم ، فنزل للمدينة . ومعه جدتي بوشم هو أغلى ماعندها وبه تفتخر ،وأبي طفل حرمه محترفو السياسة وسماسرة الانتخابات كما حرموا غيره من أبناء القرية من اعدادية يتابع فيها دراسته بعد الابتدائي أو طريق توصل الى اعدادية ولو كانت بعيدة .. تقلب في أكثر من عمل قبل أن يتوسط له احد أبناء العمومة عن مهنة شاوش ،من حسن حظه أنها كانت عند بوابة وكيل الملك الذي أغدق علي ابي الكثير بعد ان خبر وفاءه وإخلاصه له ،ثم زوجه بخادمة كانت في بيته وملكهما سكنى اقتصادية فيها ازداد اخي ثم انا من بعده ولا زالت لنا سكنى ..
انبهار امي بعبد الصمد كأستاذ ،وبحالته المادية امام مستوانا السوسيو ثقافي كان المحرض على القبول ..
كان يسمعها وهي تحكي عن حياتها ببساطة وعفوية ،غيرها بنفس جمالها او اقل كانت ستجعل من جمالها اسطورة نسب وشرف وانتماء سوسيوثقافي ..
اقبل النادل بالطلبيات وما ان استدار حتى قال لها :
هل تعلمين أني أكبر عفويتك وأحس صدقك وأنت تحكين ؟
حدقت في وجهه وقالت:
كل قشرة مهما سمكت ،بهبة ريح تتلاشى ، فهل يفيد بعد التلاشي ترميم ؟
هو ذا نضجها الذي كان يستشعره وهي طالبة ، يتجلى في عفوية ردودها ،أخذت جرعة من كأسها ثم تابعت :
عبد الصمد صادفني مع امي في احد الاسواق التجارية ،فارتمى علي وكأنه وجدني بعد بحث ، أو كان اللقاء صدفة فتصنع اللهفة، وكحلاف محترف مهين أقسم بأيمان مغلظة انه داخ في البحث عني خلال العطلة ، ثم قال لوالدتي بكل جرأة :
والله يا امي أني اعشقها من سنوات، لكن كنت احترم نفسي كأستاذ خوفا من ان اتهم بالتحرش بها ، أتوسلك زوجينيها ،واني ابن عائلة وجاهز على الآخر، لي بيت في ملكي وسيارة ،ولا املك غير والدة ارملة هي ما اسأل الله ان يحفظها ..
لم يأت لخطبتي وحيدا كان معه رهط من كبار القوم وأعيان البلد، كيف لمَّهم ،وكيف انساقوا معه ؟لا ادري ؛لكن ليس غريبا ،فمن كان جده عميلا للاستعمار ،وابوه سمسارا في كل شيء فلن يكون الا حربائيا كعبد الصمد ،وهذه أشياء لم أعرفها الا يوم طلاقي، عرفها أبي من أحد المحامين الذي لام أبي موافقته زواجي من عبد الصمد ..
قبل زفافنا أخبرته بحالنا كأسرة تعيش على الكفاف والعفاف والغنى عن الناس ،ولا طاقة لنا بأعراس الكبار ،دار حفلات، وموائد وأجواق ، اذكر انه مثل عليّ غضبة شككت في صدقها إذ لم تكن غير كرة مليئة بالريح ، قال لي :
تزوجتك انت ولا علاقة لي بوالديك !! ..لكني أوقفته بتوضيح :
انا قطعة من والدي وبهما افتخر ، انا أمازيغية يا عبد الصمد، ولا احد يستطيع ان ينتزعني من انتمائي لهما، أو من تربة الأرض التي تمرغت عليها بينهما ...
قال وقد حاول ان يخمد غضبته :
لا تفهميني خطأ ،اعرف هذا، ولكن لنا فكرنا ولهم فكر، ولنا حياتنا ولهم حياة.. هذا ما أقصد ..
لم أحلل العبارة كما ينبغي فأخذتها على ظاهرها بطيبة نفس ، ومنطق الولاء للوطن كلحمة واحدة ..لو حللتها لما أمَّنتُ على قوله ، ولأدركت انه ارتمى علي بعد ان خطط متوهما ان انتمائي وفقري طريق للاتجار بجمالي ،كم أرتعد وانا أتخيل لو استطاع ان يوقع بي ، ويهيئني لأصير رأس ماله في تجارة حياة الدعارة. التي يؤمن بها ، ربما كان يفكر ان أمازيغيتي لا تعبأ بشرف ولا تتسلح بذمة كما يتوهم بعض الناس ،حقير ونظرته لغيره نظرة محتال يتعالى بكبر وعجرفة وفكر مصلحي ، لا يهمه غير ما يربحه ويغتصبه ويجمعه ولو على رقاب الغير ..
لا حظ أنها بدأت تنفعل فبادر الى تغييرالحديث :
ما رأيك لو نتمشى قليلا فقد غصت المقهى بروادها ؟
وافقت وهي تقول :
أحسن فالضجيج قد ارتفع ، عادة العرب لا يعرفون التحدث بغير تصويت ..
هزتها رجفة اكتسحت كل جسدها ويدها تلامس يده صدفة ، وكأن هبة برد قد لفتها ، أيقظت في نفسها حنينا الى أمسيات ثقافية غابت عن أنشطة المؤسسات ،كانت تنظمها الثانوية حيث كان يلقي قصصه واشعاره ، حنين لم تستطع كبحه في نفسها ، تستعيد عيونه وهي تتطلع اليها في صمت ..فهل لقاؤهما هذا يحيي أملا كان يخامرها وهي تلميذته ؟
وهل حقا لازال يحفظ لها كل ما كانت تراه في عيونه ؟ هي غادرت الثانوية بعد زواج متعجل قضم كل ما تأملته من دراستها، تلبية لرغبة أمها التي تؤمن ان الخاطب الاول إشارة قد لا تتكرر،"السوم الاول عليه تعول" والبنت مآلها الزواج وهو أحسن لها من تعليم ما عاد يؤهل لوظائف مربحة، والدليل أخي الذي تجده أمامها بلا عمل ، اما هو فقد غادر بعدها التعليم ليخوض تجربة جديدة هي عشق الكتابة الذي يسكنه ..
انتبهت على صوته وكأنه يستعيدها اليه :
نحن هنا ، فيم غابت ايور
اهتزت برجفة ثانية ، تمسكت بذراعه وكأنها ستسقط ، تنفست بقوة ، كمن يريد أن يجدد الهواء في صدره ..
لا زال يحمل لها ودا ويتقرب اليها باسمها الذي مافتئ يذكره ..قالت وهي تضحك :
معك أستاذي إدريس أيمانو ..
تمنت لو يلمح حنينا اليه يسكن جوانحها ، لو ترتعد اوصاله فيضمها
فاجأها : أيور !! ..
للمرة الثانية يتلفظ اسمها كأنه لحن عذب من بين شفتيه ،ودون تفكير قالت :
حبيب أيور كلي آذان لك صاغية ..
قال وقد شابك أصابعه بأناملها :
انا لست أستاذك ، انا حبيب، احس روحي قريبة منك ،هل ممكن ان تحددي لي موعدا مع أبيك اريد مقابلته..
التصقت به أكثر،شهقت وقد طفرت الدموع من عينيها .. انتبه الى شهقتها و انسياب دموعها
قال: ما بك أيور ؟
- لا شيء ،فقط فرحتي بك
صمت قليلا وقال :
أيور انت لاتعرفين شيئا عني ، أنت تعرفينني كاستاذ سابق كما تعرفين اسمي وحوارات تبادلتها عيوننا في صمت ..أنت عشت تجربة أليمة ولا اريد ان تعاوديها في صور أخرى..
أعي ان كلا منا يحس عاطفة حب قد تؤلف ما بيننا لكن الحب وحده غير كاف في حياة تعقدت وصارت تفرض مطالب جديدة قد لا نستطيع بلوغها وتحقيقها ..
قالت وقد كفكفت دمعاتها :
سأكون صريحة معك ،لن أطمع في اكثر من حياة بسيطة استرجع بها طمأنينتي وثقتي بنفسي وبغيري ، لا يغريني ما وهبني الله ،أعيه وأدركه ، وهبة الله لن تحرضني على عصيان ربي ،وهذا من قناعاتي ،اما اقتناعي فأنت وحدك بما استبطنه لك قادر على إسعادي بما وهبك الله من خلق وصدق وايمان..عقدتي يا ادريس عقدة من تلقت صدمة بدس وخديعة أوقفتني عن دراستي ، وهدمت كل أحلامي ،انا لا ألوم أمي التي انساقت مغترة بتمثيلية بهلوان حقير ، فأمي كانت تستجيب لمخزونات زمانها والتي تفرض على الأنثى الزواج بدءا من سن مبكرة جدا ،وإذا تجاوزته عدت بائرة ومضغة في الأفواه ،أنا ألوم نفسي لانه كان بإمكاني ان أقاوم ،وان أستشير غيري وان ادرك ان زماني ليس هو زمن امي وان الآتي يفرض على ان أكون انثى متعلمة بوعي أكبر، ازاحم بوجودي وجودا ذكوريا يستغل جنسي ارضاء لأنانية ممقوتة ،غير ان ضيق ذات اليد دفعتني للرضوخ بثقة في رجل مظهره لا يدل على حقيقته ..
كان يتابع حديثها بإمعان واقتناع ، تنتقد نفسها عن اقتناع بما توصلت اليه بعد تجربة ، انثى تستدرك هفواتها بندم وحسرة ..
طوقها بذراعه وكأنه يحسسها بحماية قوية بعيدة عن الوعود والادعاءات ...
أوصلها الى باب البيت بسيارته ؛كان الباب مفتوحا على غير عادته ، واحدى الجارات تلجه مهرولة ، ركبها فزع مقلق .ماذا وقع ؟ قالت له :
شيء ما غير عاد في بيتنا!! ..
اركن سيارته على جانب من الطوار وتقدم معها الى البيت..
كان حذرا لا يدري ما يفعل، هل يتقدم ؟ وفي هذا نوع من التطفل قد لايقبل به غيره أم يتركها تواجه المجهول وحيدة ؟
من باب البيت تناهت اليه أصوات بكاء وصخب وقبل ان يتقدم الى الداخل سمع صوت نفير سيارة إسعاف قد أقبلت ..
بادرت الى أبيها الذي اقبل مسرعا الى الباب لاستقبال سيارة الإسعاف
ماذا وقع بابا ؟
قال وقد رنا بنظرة مستعجلة الى الرجل الذي يصاحب بنته ؟
أمك !! .. وأكمل طريقه ..
أدخلت ضيفها الى بهو ثم اعتذرت منه لحظة مهرولة الى غرفة نوم أمها..
وجدت خالتها واحدى الجارات واخاها الذي كان يمسك بيد أمه باكيا
سألته ماذا وقع ؟ بسرعة رد :عاودتها النوبة القلبية ..
دخل رجال الإسعاف ، أخذوا الام ثم مالت على أخيها فهمست له بكلمات فاسرع الى الضيف يعتذر منه قائلا:
نعتذر عما صادف زيارتك الينا
رد وهو يضع يده على كتفه :
لا عليك خير ان شاء الله ..أزمة وستمر بسرعة
اقبلت عليه باكية،ضمها وهو يقول : الا نلحق بسيارة الإسعاف الى المشفى حتى تطمئني ؟
شكرت بادرته واسرعا الى السيارة بعد أو أوصت أخاها بالبيت..
بعد يومين انتقلت أم أيور الى رحمة الله ..ما ان بلغه الخبر حتى هب الى بيت المتوفاة يقدم التعازي ، رأى اقبالا واهتماما من قبل والد ايور واخيها ، كما أن ايور كانت لا تسعها أرض بوجوده ودعمه لها بحضوره ، لم يغب عنه أن ايور قد اخبرت والدها بعلاقتهما لهذا لم يتوان الوالد لاستدعائه الى عشاء اليوم الثالث من الوفاة ، لبى الدعوة وقد أرسل العطية المتعارف عليها (إغرم) في مثل هذه المناسبة الأليمة ..
وهو يغادر بيت العزاء ليلا لحقت به أيور الى الباب وشكرته ثم قالت له :
اياك أن تغيب عنا ادريس ، رفع يدها الى فمه وقبلها ثم قال :
لا تهتمي باي شيء لست من يغيب عنك في لحظات اسى فقط أهتمي بوالدك أكثر فقد لاحظت تعبه وألمه من جراء الفقد
تنهدت وقالت : صحيح كانت لديه اثيرة حتى على أبنائه ...
خلال ثلاثة اشهر لم يكتف ادريس بزيارة والد أيور مرات متعددة ،بل كان يبعث بكل مايلزم بيتا قد فقد أحد أعمدته والعمود الثاني صار هزيلا وقد خارت قواه لا يركز في من حوله ،وكأن زوجته المتوفاة قد أخذت معها فرحته وحيويته ؛وقد أخبرته ايور انه صار يعيف الطعام ويرفض أن يأكل أي شيء ..
الحزن الذي ركب والد ايور على رفيقة عمره قد عصر ه باسى لم يمهله طويلا حتى ألحقه بها ، لم تجد ايور غير ادريس عونا وسندا ،وقف الى جانبها كأن المتوفى والده الذي لم يتذكر جنازته فقد كان لا يتعد عمره سنتان .. أيقنت ايور أن ادريس هو نصفها المكمل لحياتها وانها ما كانت و لا أخوها ليقاوما مناسبتين للحزن والاسى وسد الخصاص لولا معين وفيّ هو إدريس الذي وقف بجانبها وقفة رجل شهم بعرق متأصل النسب ،لقد تأكدت من إنسانيته التي رمت عليها وعلى أخيها عطفا وحنانا أنساهما مصيبة هي قدر وقضاء كانه كان اختبارا لرجل بعد مؤامرة غيره ..
جلست أيور الى أدريس ذات مساء واقترحت عليه استدعاء عدلين يوثقان علاقتهما ، فما عادت تستطيع ان يبيت بعيدا عنها ، ثم ينشغل بها يوميا عن التزاماته الإبداعية ، اذ يلزمه استقرار حتى يعود لنشاطه . فانشغاله بها قد افقده حريته وراحة باله ؛ حقا ان أخاها يثق بها وبعفتها ، كما وثق بإدريس وشهامته ، لكن قد يكون للجيران ولمن يزور البيت للاطمئنان عليها وعلى أخيها رأي آخر ،ظاهره بسمة رضا ونفاق ، وباطنه سوء ظن وتأويل ..اتى رده مباشرا :
كنت اخشى اقتراح الامر عليك لكن خفت ان تفضلي التريث الى ان تتمكني من إقامة حفل زفاف..
وكمن لسعتها عقرب شدت يده وقالت:
حرام عليك ،هل تتصور اني حقا اريد حفلة زفاف " للي غادي يأكله الطبيب أولى أن يأكله المريض " أمامنا ما هو أوكد من حفلة نسعد بها غيرنا ..
ضمها اليه فرفعت يده وقبلتها وقد أحست بدفء أحضانه وبتعلقها به قدر حنوه عليها وعلى رعاية أخيها ..
قالت له ذات ليلة وهي متكومة بين احضانه :
ماذا كان سيحل بي وبأخي لو لم نلتق ؟
شد عليها بين أحضانه وقال :
كانت رعاية الله ستبادر اليك بمن هو احس مني وأقدر ،لا تقفل باب حتى يفتح الله أبوابا ،حين تكون مضغتنا سليمة حاشا الا يعوض الله البديل بما هو أبرك وأحسن ..
انت كنت لي املا ايور فبلغته ، وكنت لك مبتغى قد ضاع فأعادني الله اليك بعد احداث مؤلمة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع