الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين تتحول الهوية إلى وثن

راتب شعبو

2020 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تتعرض الأقليات المسلمة في كثير من البلدان لأصناف شتى من العنف والاضطهاد والاعتداء المباشر على حقوقهم الأساسية، دون أن يتسبب ذلك في ردود فعل تذكر لدى قادة الدول في العالم الإسلامي أو لدى الشارع المسلم. على هذه الخلفية، تشير موجة الاحتجاج الكبيرة اليوم تحت عنوان "إلا رسول الله"، والتي تحركها رسوم كاريكاتور، إلى مفارقة أو فصام فعلي في وعي أصحاب الحملة لأنفسهم ولوجودهم في العالم.
إذا ألقينا نظرة سريعة على حال بؤس الأقليات المسلمة في دول العالم، وعلى تفاعل قادة الدول الإسلامية نجد ما يلي:
نلاحظ مثلاً أن عدد الدول العربية التي تطبع مع إسرائيل في تزايد متسارع، والدول العربية التي لم تطبع رسمياً بعد، تقيم صلات سرية مع إسرائيل وتصون مصالحها. جميع الدول العربية "المسلمة" تحترم (إن لم نقل تهوى) اسرائيل التي تحتل أرضاً للمسلمين (على الضد من الشريعة السماوية والأرضية) وتشرد المسلمين في أصقاع الأرض، وتحتل الأقصى (أولى القبلتين) وتمنع الصلاة فيه أو تتحكم بمن يحق له أن يصلي فيه ومتى. غير أن هذا الاحتلال، مع ذلك، لا يرقى، في ضمائر قادة المسلمين، إلى مستوى "الاستهزاء".
في الصين، يجبر مئات الآلاف من مسلمي الاويغور في شينجيانغ على خلع عقيدتهم، في معسكرات اعتقال تحت مزاعم "التدريب المهني" و"التأهيل". لا يصمت العالم الإسلامي حيال هذه السياسة فقط، بل شاركت سبع دول عربية بينها السعودية (التي تنافس على قيادة العالم الإسلامي) في رسالة موجهة إلى الأمم المتحدة تقول فيها إنها تؤيد سياسة الصين حيال إقليم شينجيانغ الواقع في غرب البلاد. وفي تركيا (المنافسة الأخرى على قيادة العالم الإسلامي) يُمنع الاويغور المتواجدون في تركيا من مظاهرات الاحتجاج على ما يعانيه أبناء جلدتهم في الصين ويتعرضون للاعتقال إذا عبروا عن احتجاج علني. أما أردوغان فقد قام بزيارة الصين في صيف 2019، وامتدح سياستها تجاه الأقليات (أي تجاه المسلمين). إيران أيضاً تتملق للصين وتصمت. يصمت الشارع المسلم أيضاً في هذه البلدان، لأن الشارع المسلم اعتاد على اتباع أولي الأمر. والحق أن انتقاد ما يتعرض له الاويغور من قمع، يأتي أساساً على لسان الغرب غير المسلم.
في ميانمار تعرض مسلمو الروهينغا لاغتصابات وإعدامات وإبادة قرى كاملة، على يد الأغلبية البوذية والجيش. تعرض مسلمو ولاية راخين (أراكان) لمذابح تصل إلى مستوى جرائم إبادة، بحسب تقارير منظمة العفو. وقد كشفت شهادات جنود فارين من جيش ميانمار أمام المحكمة الجنائية الدولية أن الأوامر التي تلقوها كانت: "أطلق النار على كل ما تراه وكل ما تسمعه"، "اقتل كل من تراهم، أطفالاً كانوا أو بالغين". مما اضطر مئات الآلاف من المسلمين على ترك البلد واللجوء إلى بنغلاديش ليعيشوا في أسوأ ظروف يمكن تخيلها، حسب تقرير لمنظمة العفو الدولية (أيار 2019) يحمل عنوان (لا أحد يحمينا)، هذا العنوان الذي يشير بالاتهام إلى بقية المسلمين. العالم الإسلامي لم يتحرك لنصرة هؤلاء الضحايا المسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة، أمام جمهور عدائي وجيش نظامي يريد اقتلاعهم أو إبادتهم.
وفي الهند سحبت الجنسية من ملايين المسلمين وتعرضوا للقتل والتشريد بمئات الآلاف ودمرت القرى والمساجد أمام أعين الشرطة وأحياناً بمشاركتهم. ومنذ وصول القوميين الهندوس إلى الحكم يعامل المسلمون باحتقار ويجبرون على حلق لحاهم ويطردون من قراهم، وتقرأ لافتات في العديد من الأماكن "يمنع دخول المسلمين"، غير أن كل هذا يمر دون أن يثير لدى بعض "قادة المسلمين" ما يثيره رسم كاريكاتوري.
النظام السياسي والقيمي العام الذي سمح بظهور الرسم الكاريكاتوري الذي أثار سخط بعض ممن يعتبرون أنفسهم "قادة المسلمين"، هو نفسه النظام الذي سمح باحتضان ملايين المسلمين ويسمح بوجود آلاف المساجد ويدفع رواتب الأئمة ويستوعب وصول المسلمين إلى أعلى مناصب الدولة. وهو نفسه النظام الذي سمح باستيعاب لاجئين مسلمين فارين من جحيم بلدانهم حين أغلقت دول إسلامية كثير الباب في وجوههم. وهو نفسه النظام الذي يؤمن للاجئ المسلم، كما لغيره، سكناً ودخلا يقيه الحاجة، إن لم يكن لديه عمل. والأهم من كل هذا، أن هذا النظام الجمهوري الديموقراطي الذي نراه في فرنسا وفي غيرها من الدول الأوروبية الغربية هو الجهة الوحيدة التي تتوجه إليها أنظار كل مظلوم في العالم لكي تنصره.
قد تقود حرية التعبير إلى ظهور تعبيرات مستفزة ومسيئة، لكنها تبقى تعبيرات هامشية ومهملة ما لم يتم تضخيمها بردود فعل كالتي نراها اليوم. حرية التعبير هي جزء لا يمكن فصله عن النظام الجمهوري الديموقراطي، ولا يمكن لحرية التعبير أن تعامل ديناً ما معاملة تفضيلية، فتسخر من بقية الأديان دونه (بصرف النظر عن قبولنا أو رفضنا للسخرية من الأديان أو من المقدسات).
تساعد حرية التعبير (مع بقية الحريات) في حماية النظام الديموقراطي من الانحدار إلى نظام مستبد شبيه بأنظمتنا السياسية. من المؤكد أن الشعب السوري حين قال في آب 2011 "صمتكم يقتلنا" لم يكن يقصد الصين ولا روسيا، كما لم يكن يقصد باكستان ولا أفغانستان ولا إيران ولا اندونيسيا، بل كان يقصد الدول الغربية وأميريكا، وهي الدول التي تتمتع بأنظمة سياسية تتيح حرية التعبير التي يمكن أن تخرج عنها إساءات لهذا الطرف أو ذاك، غير أن هذا لا يستدعي إقامة الحد على البلد.
يتضح أن خيال المسلمين عن حالهم أكثر أهمية لديهم من واقعهم، لذلك يستفزهم من يتجرأ على رموزهم أكثر ممن يتجرأ على حقوقهم. عبارة "إلا رسول الله" تقول إن صيانة الرمز (الهوية) أبدى وأهم من صيانة الواقع، وهذا ما يجعل الوسيلة الوحيدة لصيانة الرمز هي العنف والترهيب، ويجعل من الهوية وثناً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد -الإساءة لدورها-.. هل يتم استبدال دور قطر بتركيا في الوس


.. «مستعدون لإطلاق الصواريخ».. إيران تهدد إسرائيل بـ«النووي» إل




.. مساعد وزير الخارجية الفلسطيني لسكاي نيوز عربية: الاعتراف بفل


.. ما هي السيناريوهات في حال ردت إسرائيل وهل ستشمل ضرب مفاعلات




.. شبكات | بالفيديو.. سيول جارفة في اليمن غمرت الشوارع وسحبت مر