الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمر الله بالاحسان الي ذوي القربي.. قراءة جديدة

محمد الصادق

2020 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ان اعتبار القرآن والسنة مصدرين منفصلين للتشريع امر لا يساعد علي فهم النصوص الشرعية
لانهما في الحقيقة مصدر واحد،
ولذلك من اهم القواعد الاصولية التي توصل اليها الامام الشافعي رضي الله عنه
هي ان السنة مبيّنة للقرآن، لا تنسخه ولا ينسخها،
وان افضل السبل لفهم الاحكام الدينية هي حينما نجد نصوص في السنة توافق في معناها نصوصا في القرآن،
فهنا يتضح المعني بصورة جلية،
لان الله تعالي يقول: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) النحل: 44.

وعليه فقد لاجظنا ان الرسول (ص) عندما يحض علي صلة الرحم انما يبين آيات
القران التي تتناول في مناسبات عديدة موضوع الاحسان الي ذوي القربي:
- (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) البقرة: 177

- (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى) النساء: 36

- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) النحل: 90

- ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) الإسراء: 26

- (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) النور: 22

- (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الروم: 38

- (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) الأنفال: 75 ، الأحزاب: 6

وتبيانا لذلك يقول الرسول (ص) للذي جاء يسال عن عمل يدخله الجنة (تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم). متفق عليه
ويقول (لا يدخل الجنة قاطع). متفق عليه

ولكن من اين عرفنا ان المقصود من أحاديث الرسول عن "صلة الرحم" هو ما دعا اليه القرآن من "ايتاء ذي القربي"؟
الحق انّ هذا ما قاله المفسرون، فمعظمهم لمّا فسّروا عبارة (ايتاء ذي القربي) لم يزدوا عن قولهم "هو صلة الرحم"
ومن هؤلاء المفسرين:
القرطبي والسمرقندي والثعالبي والسمعاني والبغوي والزمخشري وابن عطية والبيضاوي والنسفي والرازي.
فأبو المظفر السمعاني يقول: "قوله تعالى: (فآت ذا القربى حقه) أكثر المفسرين على أن المراد من إيتاء ذي القربى هاهنا صلة الرحم بالعطية
والهدية".
انظر! لقد قال: "صلة الرحم بالعطية والهدية" ولم يقل بالزيارة.
ان الزيارة لا تعدو ان تكون ناتجا عرَضيا للصلة، فهي وسيلة وليست غاية.
لا يمكن لاحد ان يقول ان المقصود بايتاء ذي القربي ان نعطيه زيارة!
ان مجرد قراءة سريعة للايات السابقة تبين لنا ان "الايتاء" يشير الي اعطاء المال او المساعدة المادية ، انظر للعبارات:
(ولا تبذر تبذيرا) .
(واتي المال علي حبه).
(اولي الفضل منكم والسعة).
الا تدل هذه العبارات علي ما يتصل بالمال والعطاء؟
بل ان اعطاء المال ذكر صراحة في آية البقرة: (واتي المال علي حبه ذوي القربي)
إذن فمن يسّر الله عليه في الرزق لابد ان يعين أقرباءه ممن رق حالهم.
يقول فخر الدين الرازي في تفسيره لقوله تعالي (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) النساء1:
"العادة جرت في العرب بأن أحدهم قد يستعطف غيره بالرحم فيقول: أسألك بالله والرحم،
وربما أفرد ذلك فقال: أسألك بالرحم".
ويقول: "واتقاء الأرحام بأن توصل ولا تقطع فيما يتصل بالبر والإفضال والإحسان".

جاء في كتاب "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الاثير:
"قد تكرر في الحديث ذكر صلة الرحم. وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين،
من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم.
وكذلك إن بعدوا أو أساءوا. وقطع الرحم ضد ذلك كله"،
ويقول: "فكأنه بالإحسان إليهم قد وَصَل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر".
فابن الاثير يشرح بوضوح ان عبارة "صلة الرحم" هي كناية عن الإحسان إلى الأقربين.
واستعمال الكناية كثير في كلام العرب لانهم يحبون ان يعبّروا بالفاظ غير مباشرة كقولهم:
فلان "نقي الثوب"، أي لا عيب فيه، و"طاهر الجيب" أي ليس بغادر،
و"دنس الثوب" أي فاجر، و"غمر الرداء" أي كثير المعروف، و"مغلول اليدين" أي بخيل.

وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر، قالت:
قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم فاستفتيت رسول الله (ص)،
فقلت: يا رسول الله، قدمت عليّ أمّي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: (نعم، صِلي أمك).
فهنا الام عند بنتها، في منزلها، ومع ذلك تقول "أفأصِل أمّي؟"
فمعني كلامها اذن: "أفأعطيها؟" – قولا واحدا لا يحتمل التأويل،
فقد ذَكَرت ان أمها "راغبة" اي طامعة فيما عندها.

وانظر هنا ايضا ما هو مدلول "الصلة" عند الصحابة،
ففي صحيح مسلم عن ابن عمر ان أعرابيا لقيه في الطريق كان صديقا لابيه عمر،
فأعطاه حمارا كان يتروّح عليه، وعمامة يشد بها رأسه،
وقال: إني سمعت رسول الله (ص) يقول:
«إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولّي).
وجاء في تهذيب الأخلاق لابن مسكويه:
"وأما صلة الرحم فهي مشاركة ذوي اللحمة في الخيرات التي تكون في الدنيا".
وجاء في تفسير الطبري عن حبيب المعلم، قال:
سأل رجل الحسن، قال: أعطي قرابتي زكاة مالي فقال: إن لهم في ذلك لحقا سوى الزكاة، ثم تلا هذه الآية
(وآت ذا القربى حقه).
وفي مسند أحمد عن سلمان بن عامر، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:
(الصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم اثنتان: صدقة، وصلة).
وفي تفسيرالقرطبي: " قال مجاهد وقتادة: صلة الرحم فرض من الله عز وجل،
حتى قال مجاهد: لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة".
يقول (ص): (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه
وصلها). جاء في إرشاد الساري للقسطلاني : "والحاصل ثلاثة مواصل ومكافئ
وقاطع، فالواصل من يَتفضّل ولا يُتفضّل عليه والمكافئ الذي لا يزيد في
الإعطاء على ما يأخذ والقاطع الذي يُتفضّل عليه ولا يَتفضّل.
ومعني الكلام هنا ان الشخص لا يردّ ما يُعطي له،
وانما يصل بماله من هو مقطوع لا يعطيه أحد؛ فالصلة تكون للمحتاج.
وقد جاء رجل ال النبي (ص) فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني،
وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ،
فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم الملّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).
فمعني "اصلهم ويقطعونني" انه يعطيهم اذا احتاجوا، ولكنهم لا يعطونه اذا ما احتاج.

ان من حكمة اعطاء الاقارب المال هو الا يكون بين الاقارب غبائن وضعائن وغِلّ وحسد،
ولذا فقد بيّنت السنة ان أعظم الصدقات اجرا علي الاطلاق الصدقة علي ذي الرحم الكاشح، أي الذي تبدو منه العداوة.

وقد نسي اولئك ان الله تكفل بتعويض الواصلين اموالهم،
بل تكفل بان ينمّيها لهم ويبسط رزقهم ويمد في اعمارهم، يقول (ص):
(من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه).
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري:
(قال العلماء: معنى البسط في الرزق البركة فيه،
لأن صلة أقاربه صدقة، والصدقة تربي المال وتزيد فيه فينمو بها ويزكو).
فالقاطعون يفوّتون فرصة كبيرة لزيادة اموالهم
(وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) محمد: 38.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد