الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العابرون للطوائف

حسن مدن

2020 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في تعددها الإثني والطائفي والمذهبي (في إطار كل طائفة) ليست البلدان العربية حالاً شاذة بين المجتمعات الإنسانية الأخرى، المعروفة بتعدد الأجناس والأعراق والطوائف والمذاهب التي يعيش أصحابها على أراضي هذه البلدان ويكونون بالتالي مجتمعاً واحداً أو مشتركاً، تجمعهم، وفي أحيان كثيرة، تكاد تصهرهم مشتركات قوية لا يعيقها التنوع أو التعدد القومي والطائفي.
بل إن المجتمعات متعددة أو متنوعة التكوينات يمكن أن تكون أكثر حيوية وثراء ثقافياً واجتماعياً بالقياس للمجتمعات أحادية التكوين، لأن التنوع يعني التفاعل الخلاق بين المكونات المختلفة، ويعني أيضا تعدد الروافد الثقافية والتاريخية التي تضفي تلك الحيوية.
لكن المسألة الطائفية، على النحو الذي نشهده اليوم في المجتمعات العربية - الإسلامية، يمكن أن تصبح أداة موظفة توظيفاً سياسياً، يحتمل الكثير من أوجه الإقصاء والفرز وتأجيج العداوات بين أفراد الطوائف المختلفة، وإنتاج الكراهية وتعميمها في المجتمع، بحيث لا يعود بوسع أبناء الطوائف المتعددة أن يبنوا بينهم جسوراً، ويتجاهلوا المشتركات الكثيرة التي توحدهم وتجمعهم، لصالح تضخيم، وحتى افتعال، ما يفرق ويمزق.
ليس في متناول قوة أخرى غير الدولة أن تعالج هذه التوجهات والميول التناحرية بين ممثلي الطوائف والملل، وهذا يتطلب من هذه الدولة أن تشغل موقعاً وسطاً بين كافة مكونات مجتمعها، فتدير آليات الدمج والتعايش بينها، ما يشترط ألا تقدم الدولة نفسها على أنها ممثلة لطائفة أو فئة بعينها من طوائف أو فئات المجتمع على نحو ما نرى في بعض بلداننا العربية.
بمنهاج مثل هذا يمكن للدولة تجنيب المجتمع مخاطر الفتنة، عبر توكيد فكرة المواطنة التامة، القائمة على تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات، مما يعمق من فكرة الانتماء الوطني ويعززها، ويضعف حدة التعصب الطائفي، الذي ينشط كلما ضعفت آليات الدمج الوطني التي تعزز المشتركات على حساب عوامل الفرقة أو التنافر.
في المرحلة التي علت فيها موجات التنوير والتحرر القومي والوطني ودعوات الوحدة والتقدم برزت قوى يمكن أن نصفها بالعابرة للطوائف، وشكلت التيارات اليسارية والقومية العمود الفقري لهذه القوى، لأنها عززت من طابعها غير الطائفي وغير العرقي في الكفاح ضد الهيمنة الأجنبية ومن أجل نيل الاستقلال الوطني وتحقيق التنمية وبناء الدولة الحديثة، وأفلحت هذه القوى، إلى حدود كبيرة، في إضعاف التوظيف السياسي المغرض للطائفية، بل إن الطائفية ذاتها، كفكرة وممارسة، توارت إلى الخلف، ولا نقول إنها انتهت، والدليل على ذلك أنها سرعان ما عادت نشطة جراء الأزمة السياسية التي تمر بها منطقتنا العربية منذ سنوات، خاصة مع الدفع المحموم في اتجاهات التقسيم وإقامة الكيانات والكانتونات المذهبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س