الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل السابع عشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 11 / 1
الادب والفن


فيما كانت السيّدة ريما موجودة في الدار، الملفوفة بالحِداد والحزن، حضرت صغرى بناتها لتنبئها بأن والدها يريدها أن تعود حالاً إلى البيت. هبّت الأم من مكانها، متطيّرةً من هذه الدعوة. ذلك أنه رجلها، مَن حثّها على عدم ترك بيان لوحدها مذ وفاة طفلتها شيرين قبل بضعة أيام. لكن تحيّة بادرت لطمأنة الأم، بالقول: " لا شيء يستدعي جزعك، لأنني تركتُ أبي بخير ". كعادتها في هكذا مواقف، راحت السيّدة ريما تحرك رأسها بينما تتمتم بكلام غامض. لم تعُد إلى مكانها، على أي حال. طلبت من تحيّة الاهتمامَ بابنة شقيقتها الصغيرة، مؤكّدةً أنها ستؤوب بسرعة عقبَ تلبية نداء الرجل.
ابنتا بيان الكبيرتان، المسجّلتان في النفوس كتوأم بطريقة اعتباطية، كانتا قد دخلتا المدرسة منذ العام الفائت. أما الغلام ذو الأعوام الثلاثة، المعروف بالشقاوة، فإنه كان لا يهدأ بتنقله بين أرض الديار والحديقة: موت أخته، التي أعتادت على اللعب معه، صدمه بشدّة برغم حداثة سنّه. لما طلبوه في ذلك اليوم المشئوم كي يودّع جثمانها ـ بحَسَب عادةٍ لا تقل شؤماً ـ عثروا عليه في حجرة الحديقة وكان واجماً، مطرقاً برأسه إلى الأرض.

***
منذ عودته من الجزيرة قبل نحو ثلاث سنين، وصالح يزداد نحولاً حتى أضحى أشبه بالشبح. مرضه، وقد علمنا أنه تشمّع الكبد، تفاقم في الأشهر الأخيرة. ما عاد قادراً على التسلّي بالجلوس خارج دكانه، لمجاذبة الحديث مع علي، ابن عم ربيبته بيروزا؛ وهذا كان يملك أيضاً في الجوار دكاناً لبيع الخضار والفاكهة. صارَ بالكاد يغادر سريره لقضاء الحاجة، ينظر في كل مرةٍ بأسى في منديله، الملوث بالمزيد من بقع الدم.
عندما طلبَ هذا الصباح من ابنته تحيّة الذهابَ لإبلاغ والدتها بالمجيء، كان أحد زواره النادرين قد غادره تواً. إنه ملّا عشير، الذي شغل لديه في الجزيرة وظيفة وكيل أعمال. وكان الرجلُ قد ترك بدَوره تلك المنطقة النائية، ليلحق بمعلّمه السابق. تدبّرَ له صالحُ قطعةَ أرضٍ، لكي يبني فيها داراً. الأرض، تنازل عنها فَدو إكراماً لقريبه، وكانت تنبسط في آخر طلعة مقبرة مولانا النقشبندي من جهة حارة الكيكان. لكن الملّا اضطر مجدداً لمزاولة عمل رجل الدين، بقراءة سوَر من القرآن الكريم في مناسبات معيّنة. كذلك دفَع ولديه لمرافقته في تلك المناسبات، وكان كلاهما قد أسسَ أسرةً ورزق بالأولاد.

***
أخذ صالح زوجته من ذراعها، ليجلسها بجانبه على السرير. قال لها بصوتٍ متقطّع بالسعال، محاولاً الابتسام: " ملّا عشير، تركني قبل قليل بعدما أرعبني بحديث عذاب جهنم ". ثم أضافَ، وهوَ يبصق في منديل بيده: " لقد عوّل على قبول الله توبتي، وذلك بأدائي مناسك الحج ". بدَورها، حاولت السيّدة ريما تهدئة مخاوف الزوج، معلّقةً على كلامه: " لا بد أن الله قبل توبتك منذ إقلاعك عن الشرب، وهذه كانت المثلبة الوحيدة، التي يمكن أن يحاسبك عليها ". ثم أردفت، تذكّره بكرمه ومساعدته للفقراء وغيرها من صفاته الجميلة، المحسوبة في ميزان حسناته: " وذلك الملّا الأخرق، المحتاج كل عام للذهاب إلى الحج بسبب ذنوبه الكثيرة، ألم يفكّر بحالتك الصحية؟ "، اختتمت كلامها بنبرة ساخطة. عقبَ موجة جديدة من السعال، قال صالح بنبرة حزينة: " ليت الخمر كان مثلبتي الوحيدة، مثلما تعتقدين. طوال فترة مرضي، كنتُ أفكّر بما اقترفته بحق حواء وولديها وما لو أنّ الله عاقبني بهذا الداء إنصافاً لهم "
" دعك من هذا الوهم، يا رجل. أنتَ ربّيتَ ابنتي بيروزا كأنها من صلبك، وحدبت على أطفالها كما لو كنتَ جدّهم. كذلك كانت معاملتك لحُسْنو، ابنة حواء ". قال صالح، مقاطعاً كلامها: " وابنتي الحقيقية، ديبا، لم تأتِ منذ شهور لزيارتي وهيَ تعلم بخطورة مرضي ". ثم رفع عينيه إلى السقف، بينما يستنشق الهواء بصعوبة، مضيفاً: " أما زوجها حدّو، فإنه لم يكن قد انقطع عن زيارتي لو أنّ منزلي ما فتأ يضم امرأة جميلة، مثل حماتي عايدة! ". لم تتمالك السيّدة ريما عن الضحك، وقالت معقّبةً على هجائه لأخيها: " إذاً، كان لك منافسٌ على قلب تلك المرأة الجميلة؟ ". ثم استدركت، قائلة بلهجة جدية: " رحمها الله وغفرَ لنا. ابنتك أخذت شيئاً من طبع أمها، مع يقيني بأنها لا تحمل لك في قلبها سوى الحب. وهذا حال ديبو، الذي غلب عليه طبعك الطيّب ".
كان لحدّو فيما مضى حظوةً كبيرة عند ابن عمه صالح، الذي صار حميه. لكنه أنحدرَ من مستوى تقدير حميه، بعدما علِمَ هذا الأخير بتدبيره اللئيم مع سلطانة بخصوص بيع البيت لجمّو. كذلك الأمر، عزا إلى صهره مصيبةً كادت تودي بديبا إلى مجاهل السجن على خلفية إحدى مغامراته النسائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با