الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكون العنصري في صيرورة السِّفاح الإمبريالي

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 11 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية مع مصعب قاسم عزاوي


فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بوجود مكون عنصري في بنيان ذلك الزواج المقدس بين الكيان الصهيوني والغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً؟

مصعب قاسم عزاوي: من الناحية التوصيفية العمومية نموذج الإنتاج الرأسمالي القائم على الملكية الخاصة، والعلاقات التبادلية التي تحكمها قوانين السوق، والميل الثابت لتعظيم الربح على الأمد القصير، لا ينطوي على مكون عنصري في بنيانه الوظيفي، حيث الرأسمالي لا يعنيه إن كان العامل الذي يحقق قيمة فائضة وربحاً عن طريق استغلال جهده ونتاج كدحه أبيضاً بعيون زرقاء أوخضراء، أو كان ملوناً ببشرة داكنة وشعر أجعد فاحم؛ فالنتيجة واحدة هي تحقيق ربح استغلالي على حساب العامل المسحوق. ولكن تلك المعادلة لا بد من تحويرها بشكل ما في سياق تعملق الرأسمالية وتحولها من رأسمالية تقليدية بالشكل الذي وصفه آدم سميث في كتابه «ثروة الأمم»، أو حتى ماركس في «رأس المال» إلى رأسمالية إمبريالية متوحشة عابرة للحدود والبحار والقارات. وهنا يبزغ البعد العنصري كمبدأ ضروري لضمان السواء النفسي للكوادر البشرية التي يراد منها تحقيق الأهداف الإمبريالية في توسيع آلة الاستغلال الوحشي المنفلت من كل عقال لتشمل كل المجتمعات التي تحل عليها الإمبريالية لتمتص كل ما فيها من حيوات وإمكانيات بشرية ومادية. فحالة الاستغلال الوحشي ذلك، وما يرافقها من سلوك بربري في غالب الأحيان قد يخلق وعياً متناقضاً لدى القيمين على تنفيذ الإرادات الإمبريالية. فكيف يمكن للجنود الذين استشربوا مبادئ الثورة الفرنسية، أو منطوق الميثاق السامي للحريات (Magna Carta) الإنجليزي، أو إعلان الحقوق الأساسية الأمريكي (Bill of Rights)، تقبل القيام بتحقير كينونة كل إنسان سولت له نفسه التفكر بمقاومة الهيمنة الإمبريالية على مجتمعه. ومثاله الأكثر وصفية في حالتنا العربية، سلوك الفرنسيين الذين رفضوا الانصياع لإرادة الغزو النازي الألماني إبان الحرب العالمية الثانية وممارساته، دون أن يضيرهم ممارسة أقبح من تلك الأخيرة بسنين ضوئية في الجزائر قبيل استقلالها عن مستعمريها. وهنا يأتي دور الوعي العنصري الذي يقدم المسوغ الضروري واللازم الاستبطان في عقل كل من يناط به القيام بواجبه الإمبريالي، لتسوية ذلك التوازن المختل بين ما يعتقد به فكرياً وبين ما يمارسه من فعل مباشر عياني مشخص، وتخليصه من ذلك الوعي التناقضي اللامستقر الذي يصعب التعايش معه دون الترياق العنصري الذي يجعل من ذلك السلوك طبيعياً تجاه ذلك الآخر الأدنى في سلم البشرية إلى درجة اعتباره «شيئاً» فقط لا ضير في طحنه بكل الأشكال التي قد يتفتق عنها العقل الإمبريالي في سياق التزامه بتحقيق مجمل أهدافه الإمبريالية الاستراتيجية والتكتيكية منها. وهذا ما يخلق مصفاة في منظومة الوعي الإمبريالي تجعل من مبادئ الثورة الفرنسية، وكل معايير حقوق الإنسان، والمدنية والتحضر سارية وصالحة حينما يتعلق الأمر بمنظومة العلاقات بين السادة المستبطنين لذلك الوعي العنصري فيما بينهم، ويتم تناسيها جميعاً لعدم انطباقها حينما يتعلق الأمر بعلاقة السيد بذلك الآخر «المستعبد إمبريالياً» والذي لادية له في فقه الوعي الإمبريالي العنصري.

وإذا أضفت لذلك الوعي العنصري الضروري للحفاظ على وظيفية وفاعلية الماكينة الإمبريالية، الصورة التاريخية لتكوين الهوية الوطنية الأمريكية القائمة على إبادة جماعية صرفة لعشرات الملايين من السكان الأصليين، الذين لم يبق منهم إلا بضع عشرات من الآلاف راهناً، دون أن يظهر أي شرخ في الوعي الجمعي الأمريكي متلمساً أي ذنب تاريخي يستحق الاعتراف به ضمن نسق رؤية جمعية مهيمنة على جُلَّ مفاصل و تلافيف المجتمع الأمريكي تقوم على وعي عنصري همجي بربري، لا يرى في البشر إلا حيوانات في غابة متوحشة البقاء فيها للأكثر عنفاً وهمجية بربرية؛ فإن الناتج الحتمي لتلك الخلطة الجهنمية هو واقع بائس يشي في كل حركاته و سكناته بـأن الوعي العنصري لا بد موجوداً لدى كل من أنيط به تنفيذ المشاريع الإمبريالية للإمبراطوريات الاستعمارية التاريخية الكبرى وخاصة الإنجليزية والفرنسية منها، وتلك المستحدثة ممثلة بالغول الأمريكي.


وهذا النموذج من الوعي العنصري ذي التكوين السفاحي المزدوج إمبريالياً واستعمارياً بربرياً، لن يجد غضاضة في استمراء ذلك النموذج الاستعماري الذي اصطنعه أسلاف «السادة البيض» الذين قاموا بكل تلك الإبادات الجماعية في أمريكا الشمالية من البريطانيين في فلسطين، حتى صار معتاداً أن يشار في وسائل الإعلام المتسيدة في الولايات المتحدة عن عدم وجود سكان أصليين في فلسطين قبل حلول الغزاة المهاجرين من يهود الشتات عليها في مطلع القرن العشرين، في حكاية فانتازية شبيهة بالحكايات عن مئات الآلاف – بإنكار ضمني لكون تعداد سكان العالم الجديد إبان غزوه كان يعد بالملايين - من الهنود الحمر الذين هللوا واستبشروا بقدوم الغزاة من السادة البيض إلى العالم الجديد فقط بالنسبة لأولئك الأخيرين، لتخليص هؤلاء السكان الأصليين المتخذين من تلك الأرض أوطاناً لهم منذ بضعة آلاف من السنين كحد أدنى من حيواتهم «البدائية»، ونقلهم إلى حيز المدنية القائمة بالفعل على الطريقة الغربية، حتى لو اقتضى ذلك إخراجهم من الحياة الدنيا قبل ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق