الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاورة إحيانون، الاستدلال والقياس

احسان طالب

2020 / 11 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هذه محاورة في المنطق أساسا، نستعرض فيها القياس، ونبحث في القياس الاستقرائي والقياس الاستدلالي، ونبين مقام الاستقراء الاستدلال ،الاستنتاج والاستنباط.
شارك في هذه المحاورة: إحسان طالب ، المهندس يامن زينة، الدكتور نور الدين الرفاعي.
يامن:
هل الاستقراء هو طريقة تؤدي إلى الاستنتاج التركيبي، كما في المركب الهيغلي، أيضا أن استكشاف الوعي وإدراك الوعي لذاته والعالم (الاستبطان)، كما يصفه هسرل التفكر كعكاس أو الاستبطان، ما أقصده هو "أليست هذه العملية عملية استقرائية؟" أي من أين ستأتيني المعلومات الأصلية أو المدخلات أي المعطيات الخام (data) بحيث أن يقوم الوعي باستكشافها ؟ وبالمثل هل عملية تعيين المقولات الأرسطية كانت أيضًا عملية استقرائية؟ أم علمية استنباطية؟ لأن هذا الفرق بين الاستنباط والاستقراء مازال مبهمًا.
إحسان:
تقصد بالمركب الهيغلي، الديالكتيك الجدل يستعرض الفرضية ونقيضها ثم نقوم عبر النفي ونفي النفي بالوصول للكلية أو النتيجة المطلقة. ، أي المثالية المتعالية.
الفرق الرئيسي بين الاستنباط والاستقراء أن الاستنباط قائم على تحليل المعطيات ويجب أن يبنى على مقدمات صحيحة وبناء على هذه المقدمات الصحيحة تأتي النتائج الصحيحة، نضرب المثال الكلاسيكي جدا ، أن كل إنسان حيوان وكل عاقل إنسان، إذن عندنا مقدمة كبرى أن الإنسان صنف أو جنس من نوع الحيوان، المقدمة الثانية أن الإنسان عاقل، فالإنسان هو حيوان عاقل، ما يعني أن كل حيوان عاقل فهو إنسان هذا هو الاستنتاج المنطقي الذي يقوم على مقدمة كبرى ومقدمة صغرى …فإذا كانت هاتان المقدمتان صحيحتان تعطينا نتائج صحيحة الاستقراء يقوم على افتراضات ، ما هي المقدمات الصحيحة ؟ هي المقدمات المؤكدة الاستنتاج يقوم على تحليل المقدمات الصحيحة ، أما الاستقراء فيقوم على تحليل معطيات مفترضة نظرية أي أنها احتمالية تحتمل الخطأ والصواب لذلك كان الاستقراء مضللا أهم ميزة فيه أننا الآن ليس لدينا بدل إضافي على هذه المقولات وهي مقولات ..الجوهر والزمان والمكان والكيفية والكمية واضافة والتموضع أو الظرف والعرض بالصفة والعرض بظواهر الجوهر، الفعل، يحرك ينقل يفكر، والانفعال ، منقول ن متحرك بفعل متأثر بفعل, ولماذا كانت عشرة لأنه بالفكر التجريدي التأملي حددها كعشر مقولات، كما جاءت بالملاحظة والحواس، والمقولات نفسها تتشعب، المقولات الظرفية تتشعب، كذلك مقولات الإضافة أو بالنسبة إلى أو بناء على ، والتصنيف مدرسي ليس إلا أي لتنسيق الفهم.
التصنيف المدرسي للمقولات العشر.، يبنى عليها القضية المحمول المضوع الخ وهذه من مباحث المقولات .
لنأخذ مسألة توضح الاستقراء: ( حيوان ذو قائمتين) من حيث هو حيوان فهو نوع غير متعين نسبيا، أي هيولى، موجود بالقوة، أي بالوجود، ذو قائمتين هو جنس متعين نسبيا، أي صورة ، أي هو ظاهرة ، موجودة بالفعل، فإذا أخذنا هذا التعرف كمقدمة ، نجده منطوق واحد يعين موجودا واحدا ، تم فصله بصفة، ذو قائمتين، إي تم تعليق صورته من التصور الكلي للنوع ( الحيوان) فنحن عندما نقول (حيوان ذو قائمتين) فنحن لا نتكلم في مقارنة مع جنس آخر من ذات النوع، إنما نفصله ، أي لا نتحدث عن مقارنة بين أجزاء منفصلة عن نوع كلي ( حيوان) بل عن جزء من (ذو قائمتين) فالكلام عن كائن متعين تارة ، ( ذو قائمتين) وغير متعين تارة أخرى ( حيوان) فالقصد هنا هو الحديث عن جزء من كل موجود يدل على نس واحد متعين من نوع كلي لا متعين، . هذا الاستقراء يشمل جنسا معينا من نوع يشمل أجناس أخرى، نرى هنا بوضوح جزئية الاستقراء. فهو موضوع في شبه المقولات. أي مقولة ناقصة.
نأخذ مثال بسيط على مقولة كاملة، نستخدم من خلالها الاستدلال: مقدمة أولى : النبات يحتاج لماء. مقدمة ثانية أو صغرى، الخس نتاب، نستدل بذلك على النتيجة ، أي نستنتج: الخس يحتاج لماء.
إذن الاستقراء يسير من الجزئي نجو الكلي، والاستدلال يسير من الكلي نحو الجزئي، ثم نستنتج النتائج ونستنبط الأحكام.
يامن:
إذن المقولات محكومة ضمن حدود ما يقال وما يدرك، وهنا تظهر مشكلة اللغة؟ أي نحن محكومون بحدود لغتنا كما يقول فتجنشتاين. إذن فهم المنطق شيء ضروري وأساسي.
إحسان:
لذلك الفلسفة كلها قائمة على علم المنطق وعلم الوجود وجاءت الفينومينولوجيا لتقول الفلسفة علم الظواهر….. أما الحديث عن الاستنتاج بكونه امرا لغويا فهو ليس دقيق، القضية هنا قضية علمية، لأن العلم والتجربة هي مقدمات صحيحة تعطي نتائج صحية وكلما كانت المقدمات الأولية صحيحة كانت النتائج كذلك ، العلم قال أنا أقوم بالتجربة أضع المقدمة الأولى والمقدمة الثانية أو العنصر الأول والثاني وبمنهج معين استخلص النتيجة …. ولم أفهم ما علاقة الاستقراء والاستنتاج بموضوع اللغة؟
يامن:
ما قصدته هو أن المنطق يظهر بفاعلية قوية في مجال العلم لكن في مجال ما هو اجتماعي فهو سيحتاج إلى معطيات وهكذا يصبح استقرائيًا أي يصبح محكومًا بما هو تداولي او بما هو في متناول اليد.
إحسان:
أبدًا المنطق ليس ولا يمكن أن يكون استقرائيا، لأنه منتظم بقواعد وقوانين يقينية وبديهية لا خلاف عليها فهو معياري في المقام الثاني وفن الصنعة في المقام الأول، أي ليس شيئا غيبيا بل هو علم مؤسسي. من الممكن أن يتحول الاستقراء بعد تراكمات ويصل لنتائج فيصبح استدلالا منطقيا تستنبط من أنساقه الأحكام فيكون استنباطيا.
يامن:
تمام أستاذ يجب أن نعمق أكثر في المنطق
إحسان:
حتى في كل المجالات والاجتماعية منها، ربما كان خطأ ماركس يكمن هنا، أي في استخرجه للقوانين الاجتماعية من خلال الاستقراء.
نور الدين:
الاستقراء كما أفهمه
الاستقراء يرتكز على ملاحظة الجزئيات المتكررة للخروج منها بقاعدة كلية، كمثال على ذلك فإنك قد ترى ألف بجعة تلاحظ أنها بيضاء اللون فتخرج باستدلال مفاده أن كل بجعة لا بد وأن تكون بيضاء اللون، لكن مشكلة الاستقراء تكمن في أن بجعة سوداء واحدة كافية لنقض الاستدلال الذي توصلت إليه، مع التنويه بأن الاستقراء في هذه الحالة لم يكن تاماً لأنك لم ترى كل البجع الموجود في العالم، وفي غالب الأحيان -إن لم يكن دائماً- فإن الاستقراء لا يكون تاماً، لكن مع ذلك يخرج لنا باستدلالات مفيدة من الناحية العملية، فالشمس طلعت علينا في كل صباح حتى الآن من جهة الشرق لذلك سيبدو معقولاً أن نعتقد أنها سوف تطلع غداً من الشرق، لكن حسب منطق هيوم فإن تكرر هذه الظاهرة لا يكفي كي نجزم بيقين بأنها ستطلع غداً من الشرق لا من الغرب، لأننا لم نشاهد كل طلوعاتها المستقبلية، ومع ذلك فإن تكرر وقوع ذلك كان كافٍ لإعطائنا معرفة عملية، لذلك أعتقد أن الاستقراء هو من أقدم الأدوات المعرفية التي استخدمها الإنسان لأنه يرتكز في شكله الأساسي على ملاحظة ظاهرة متكررة (مثل تعاقب الليل والنهار ودورة الفصول الأربعة) والخروج باستدلال عمومي بناءً على ذلك، تطور الأمر فيما بعد مع العلم التجريبي، الذي ربما بدأ بدايته من الاستقراء القائم على الملاحظة والمشاهدة للظواهر الطبيعية ومحاولة استنباط علاقات تفسر نمط التكرار الموجود فيها، إلا أنه خطا خطوته الكبرى إلى الأمام عندما أضاف إلى ذلك أداة "التجربة" التي ارتكزت بدايتها على تكرار شروط الظاهرة وإعادة إنتاجها إن أمكن، أو تعديلها للخروج بنتائج جديدة، ويبدو أن الاستقراء كان أيضاً الأساس الذي قامت عليه العلوم الإحصائية والتي غدت تلعب دوراً كبيراً في تطور العلوم الطبيعية والاجتماعية على حد سواء.
يامن:
صحيح اعتقد ان هذا ما كنت افكر فيه حين اختلط علي الفرق بين الاستقراء والاستنباط، أقصد مقولة هيوم عن العادة، إذ كنت قد توصلت بالتفكير الى أن الاستقراء هو الأصل في كل شيء قبل أن يظهر الاستنباط كبناء يقيني، فكل ما يأتي لنا يأتي من الخارج وعن طريق التجربة لكن العقل قادر أن يركب أقيسة وقواعد تعد استنباطات كلية عالمية، وذلك ما جعل كانط ينقذ اليقين والفلسفة من السقوط في شك هيوم، وأيضا أدى بفريجه (Frege) إلى تطوير المنطق بعد جعله مجرد عمليات سيكولوجية على يد جون ستيوارت ميل.
اعتقد ان هذا يعد فرقا مهما بين المثالية والتجريبية
للمرجع حول الموضوع، أسوق هنا مقطعاً من نقد برتراند رسل لمنطق أرسطو في كتابه تاريخ الفلسفة الغربية
ترجمة الدكتور زكي نجيب محمود
1- النقائص الصورية:
أنظر إلى معرفتنا في هاتين القضيتين: "سقراط فان" و" كل الناس فانون" فلكي نتبيّن صدق القضية " سقراط فان" ترى معظمنا يكفيهم أن يركنوا إلى شهادة الغير في ذلك وعلى أن شهادة الغير لو كانت مما يركن إليه، فلا بد أن تؤدي بنا إذا تعقبنا خطوات المعرفة إلى مصادرها، إلى شخص قد عرف سقراط ورآه ميتًا، فالحقيقة الواحدة المدركة بالحواس جثمان سقراط وهو ميت، والعلم بأن هذا الجثمان كان لشخص يسمى "سقراط" كفيلة لنا بأن نعرف على سبيل اليقين بفناء سقراط؛ أما إذا نظرنا إلى القضية "كل الناس فانون" ألفينا الأمر مختلفًا؛ فمن أعسر المشكلات، مشكلة علمنا بمثل هذه القضية الكلية؛ بأحيانًا تكون القضية الكلية لفظية فحسب، فنحن نعلم أن "كل الإغريق ناس" لأننا لا نسمى الشخص إغريقًا إلا إذا كان إنسانًا، فتستطيع بالقاموس وحده أن تتأكد من صدق أمثال هذه العبارات الكلية، لأنها لا تنبئنا بشيء عن العالم، إلا لكيفية استعمال الألفاظ؛ أما عبارة "كل الناس فانون" فليست من هذا القبيل، إذ ليس ثمة تناقض منطقي في أن يكون فرد من الناس خالدًا. فإذا نحن آمنا بأن كل الناس فانون، فإنما نؤمن على أساس استقرائي، إذ لم نعثر على حالة واحدة ثبت فيها ثبوتًا قاطعًا أن فردًا من الناس قد عاش أكثر من مائة وخمسين عامًا (مثلاً)؛ لكن ذها الاستشهاد يجعل القضية محتملة الصدق، لا يقينية الصدق، ويستحيل أن تبلغ درجة اليقين ما دام في عالم الوجود ناس أحياء.
نشأت أخطاء ميتافيزيقية من افتراض أن "كل الناس" موضوع في قضية "كل الناس فانون" على نفس النحو الذي تكون به كلمة "سقراط" موضوعاً في قولنا "سقراط فان"؛ إذ إن ذلك الافتراض قد مكّن لبعض الناس أن يذهبوا إلى أن عبارة "كل الناس" بمعنى من معانيها - تدل على كائن قائم بذاته، على نحو ما تدل كلمة "سقراط" على كائن قائم بذاته؛ نعم قد كانوا أرسطو حريصًا في تقييد هذا الرأي بشروط لكن أتباعه - وخصوصاً فورفوريوس - كانوا أقل منه دقة في ذلك.
غلطة أخرى زل فيها أرسطو ظنّه خطأ أن محمول المحمول يمكن أن يكون محمولاً للموضوع الأصلي؛ فإذا قلت " سقراط إغريقي" و"كل الإغريق من البشر"، ظن أرسطو أن قولي "من البشر" محمول لكلمة "إغريق" و "إغريق" محمول لـ "سقراط" فمن البداهة أن تكون "من البشر "محمول لـ"سقراط" مع أن الحقيقة هي أن عبارة "من البشر" ليست محمولًا لـ"إغريق" وهكذا تضطرب الفوارق بين الأسماء والمحمولات، أو بلغة الميتافيزيقا، تضطرب الفوارق بين الجزئيات والكليات، فينجم عن ذلك، الظن بأن الفئة ذات العضو الواحد، هي بعينها ذلك العضو الواحد، هي بعينها ذلك العضو الواحد، ولا اختلاف، فاستحال إزاء ذلك أن تكون لدينا نظرية صحيحة عن العدد " واحد" وأدى ذلك إلى أخطاء في الميتافيزيقا لا تنتهي عن وحدة الأجزاء.
2- المبالغة في تقدير الاستنباط
اهتم الإغريق بصفة عامة بالاستنباط باعتباره مصدرًا من مصادر المعرفة، أكثر من اهتمام الفلاسفة المحدثين؛ ولم يكن أرسطو في ذلك بأقل خطأّ من أفلاطون؛ نعم إنه يعترف في مواضع كثيرة بأهمية الاستقراء، وانصرف بجزء كبير من انتباهه نحو مشكلة: كيف نعلم المقدمات الاولى التي يبدأ منها الاستنباط القياسي؟ إلا أنه كسائر الإغريق، أعلى شأن الاستنباط القياسي في نظريته عن المعرفة، أكثر مما هو حقيق به، فنحن نسلم بأن زيدًا (مثلا) فان، وقد نقول - في غير دقة - إننا قد عرفنا ذلك عن زيد، لأننا نعرف أن كل الناس فانون؛ غير أن الذي نعرفه حقًا ليس هو "كل الناس فانون" بل ما نعرفه أقرب إلى أن يكون شيئًا كهذا " كل من ولدوا قبل مائة وخمسين عامًا مضت فانون، وكذلك معظم من ولدوا منذ أكثر من مائة عام"، هذا هو المبرر الذي يجعلنا نظن بأن زيدًا سيموت، لكن هذا التدليل استقراء وليس هو بالقياس، وهو أقل يقيناً من النتائج القياسية، ولا يدل على أكثر من الاحتمال، لا اليقين؛ لكنه من ناحية أخرى، يمدنا بعلم جديد، على حين لا يمدنا القياس بجديد، إن كل الاستدلالات الهامة، خارج نطاق المنطق والرياضة البحتة، هي استدلالات استقرائية، لا قياسية، والاستثناءان الوحيدان في هذا هما القانون واللاهوت، إذ كلاهما يستمد مبادئه الأولى من نص لا يوضع موضع الشك، هو كتب التشريع أو الكتاب المقدس.
*لاحظوا أسلوب برتراند رسل النقدي اللاذع والتهكم الواضح حين يكتشف زلة ما.
إحسان:
كلام جميل ومفيد، وهو يعرض متعة الجدل الفلسفي، يمكننا الاستنتاج بأن الاستدلال والاستقراء هو أداة رئيسة من أدوات البحث ولا شك بانه لا يمكن الاستغناء عنه لأننا ببساطة نقوم في أماكن كثيرة بتحديد المجاهيل من معطيات معلومة وليست كل المعطيات؛ لهذا كانت قيمة الاستقراء عظيمة لأنه أقرب الى المنهج التجريبي منه الى المنهج القياسي وبالرغم من الاحتمالية الضئيلة جدا في الخطأ كما في مثال هيوم عن الشمس كمنهج استدلالي قد يخطئ في مرة ما مما يخدش المنهج الاستدلالي
الفلسفة الحديثة لم تعد تعتبر اليقينيات الغير مبرهنة رغم أن هذه الفكرة ليست حديثة بل هي قديمة قدم الفلسفة اليونانية ووجه القياس هنا ان الاستدلال لا يحظى بذلك المستوى من الابوفنطيقية الا بعد البرهان وهو بكل بساطة يتحول الى استنباط
ففي مجمل القول الاستدلال بداية كظاهرة طبيعية والاستنتاج نهاية كوعي لتلك الظاهرة التي اتخذت صفة الديمومة، ثم يكون الاستنباط حكما صحيحا أو حقيقة.
قد نستخدم طريقة الاستدلال المنطقي، ولكن النتائج لا تكون" منطيقية" الا بعد التحقق بالقياس المنطقيي،هنا الفروق الدقيقة، فالتمطق ليس استقرائيا لأنه اقرب المنهج التجريبية، أي الاستقراء والتجربة قد تكون فردية وقد تكون غير شاملة، أي نتائجها جزئية وعليه لا تعمم نتائجها إلا حين تصبح استنتاجا شمولية وعامة،( عالمية أو كونية) وهكذا تصبح نتيجة التجربة منطقية، أي يقينية بالبداهة،عندما نصل إلى حدس نهائي يحدد ماهية الشيء موضع الحكم المستنبط ،فيكون الحكم يقينيا دائما حتى لو تغيرت ظروف الظهور،بعبارة أخرى نحن نمارس التعليق والاختزال الفينومينولوجي حتى نصل إلى النتيجة المنطقية.
يامن:
فعلا حوار مفيد وشيق، خاصة أن الفلسفة قائمة على المنطق. هل يمكنك أستاذ ان توضح لنا فكرتين، الفكرة الاولى، هي مفهوم الأبوفنطيقية، التي أعتقد أنها تعني حالة البيان اليقيني بعد أن قمنا بإجراء بحث مشترك بخصوصه، لكن هل يمكنك إجراء تلخيص للمفهوم كي يحضر في ذهن الدكتورين نور وسعد الرفاعي. والفكرة الثانية هي الاختزال (reduction) في الفينومينولوجيا أو كما يسميها هسرل الأبوخيه (Epoche).
إحسان:
يشرح مفهومي الأبوفنطيقية والاختزال، سلسلة الأبوفية والأبوفنطيقية موجودة من قبل أرسطو ثم تطورت، هي في مجملها يمكنني تلخيصها في ثلاث مستويات؛ الأول هو اليقين المعتقد والثاني اليقين المبرهن، والثالث تبيان اليقين ظهار اليقين، التدليل على اليقين، أعلى هذه المستويات هو الأبوفنطيقية يعني اليقين المبرهن، بدون شك تبقى دائما الفروق موجودة نحن سنصطلح على أن عندما نصل إلى اليقين المبرهن فهو الأبوفنطيقي، أي أن الاستقراء يصل بك إلى نتائج غير مبرهنة ولا تستطيع أن تكون شمولية وكاملة إنما إلى نتائج جزئية لأنه تجريبي، من هنا دخلت إلى المنطق على اعتبار أن الاستقراء قد يستخدم الأسلوب المنطقي كأدوات في البحث لكنه ليس بالضرورة أن يصل إلى اليقين المبرهن إلا عندما يتحول إلى استنتاج ، وميزت بين الاستدلال والاستنتاج والاستنباط، ، أما كيف دخل موضوع الاختزال هنا أيضا ؟ لأنه هو أيضا أحد الوسائل المنطقية للبحث عن الحقيقة ، الفكرة في الفينومينولوجيا أن نفهم الظهور بحد ذاته وكيف حدث هذا الظهور ثم الظاهرة كما هي في الوجود وفي خبراتنا ثم وعي الظاهرة كمقصود في الوعي كيف وعى الوعي أو أدرك الوعي هذه الظاهرة ، ما الذي يقوم به الاختزال هذا الظهور في ظاهرة أو حالة أو شيء أو كيان ما أو قضية ما يكون متعدد جدا تعدد الظهورات والظواهر والحالات وتواتر الظهور وتعدد المتلقين للظاهرة الواحدة والمتعددة في الزمكان والظرفية، مثلا الشجرة كيان أو وجود وله ظهور يختلف من شخص لآخر حسب رؤيته ، مثلا النجار الشجرة بالنسبة له خشب للصناعة الأثاث مثلا المزارع الشجرة بالنسبة له أداة إنتاج تعطي الثمار الفنان الشجرة بالنسبة له جمال و عابر السبيل الشجرة له ظل وهكذا ويعود ذلك حسب لحظات الظهور أي نقطة تركيز الاهتمام والانهمام. ……
نور الدين:
شكراً على شرح مفهوم الاختزال بهذا الشكل أصبح أكثر وضوحاً.
أعتقد أن أحد المشاكل التي نواجهها عند استخدام قواعد المنطق الصوري أن المقدمات التي ننطلق منها هي في الغالب حصيلة للاستقراء.
في المثال الكلاسيكي المعروف عن سقراط والذي ينطلق من مقدمتين منطقيتين ليصل إلى نتيجة، فيقول أن "كل البشر فانون (مقدمة كبرى)"، و "سقراط إنسان (مقدمة صغرى)" إذن "سقراط فانٍ (نتيجة منطقية)".
نلاحظ في هذا المثال أن المقدمة الكبرى التي انطلقنا منها "كل البشر فانون" هي مقدمة حصلنا عليها عن طريق الاستقراء، وإن شئنا الدقة الاستقراء الجزئي لأننا لم نرى مصير كل البشر لنتحقق من ذلك.
طبعاً على الرغم من ذلك تبدو النتيجة التي توصلنا إليها معقولة جداً وتتفق مع الحس والبداهة لكن ما أردت بيانه هنا أننا حتى في استخدامنا الصارم للمنطق، فإنه لا غنى لنا عن استخدام الاستقراء في غالب الأحيان ولو بشكل غير مباشر للحصول على بعض مقدماتنا المنطقية.
يامن: هل هناك تطابق لغوي بين الاستدلال والاستقراء (induction) ، بحيث أن (deduction) أيضًا تعني استنباط أو استنتاج؟
إحسان: الاستنباط هو استخراج الاحكام، والاستقراء هو تقصي المعطيات، والاستدلال هو ذاته الاستنتاج عند البعض، وعلى هذه التعريفات نستند. هل هي مطابقة للمصطلحات الانكليزية؟ والاستدلال هو استخدام الأدلة لبرهنة النتيجة، إذن أنت تستنتج بناء على الاستقراء والاستدلال وتستنبط الأحكام بناء على الاستنتاج، وكما نكرر دائما هناك تداخل في الاستخدامات وفوارق لدى الباحثين.
يامن:
تمام يعني هكذا ثبتنا على استقراء واستنباط ، قياس استقرائي inductive syllogism، وقياس استنباطي deductive syllogism
إحسان:
نعم حسب التعريف الأخير الاستقراء والاستنباط يكون التطابق قريب للغاية مع المصطلحات الانكليزية، لكنني في الواقع لست واثقا تماما في عبارة القياس الاستقرائي، لأن حالة الاستقراء هي القياس الجزئي الذي هو أداة معيارية أقصد القياس …….
يامن:
المنطق إذا أردنا شرحه ببساطة فهو الاستدلال (inference) عن شيء بشيء آخر، كاستدلالنا عن نتيجة (conclusion) ما عن طريق مقدمات (premises) مقولة (حجة) ما (argument). من مقدمة كتاب مقدمة عن المنطق لهيرلي (A concise introcuction to logic, Hurley)
إحسان:
المنطق معياري، بحيث هناك ترابط بين المقدمات فإذا كانت صحيحة يلزم دائمًا أن تكون النتيجة صحيحة، لكن المعيار يفتح إمكانية كون النتيجة صحيحة أو أقرب إلى الصحة في بعض الحالات الاستقرائية أو كون المقدمة ليست معقولة ربما على نحو شامل. لأن الاستدلال مبني على الفرض والتسليم في أساسه.
المقدمة هي مسلمة في أساسها تعطي توجيه الإمكانية.
يامن:
إذن، طالما أن الإمكانية في سيرورة وصيرورة في التحقق يتشكل معيار معين يؤدي إلى قانون أو ربط صحيح لمجموعة من المواضيع التي إذا ترابطت أو أشير إليها من جهة إحداها إلى الأخرى سيكون هناك حقيقة ما.

نور الدين:
بحسب المعجم الفلسفي لمصطفى حسيبة - صفحة ٦٨ تحت باب "استدلال واستنتاج Inference & Deduction”
الاستدلال Inference هو عملية استخراج جواب أو نتيجة بناء على معلومات معروفة مسبقاً فقط، وقد تكون صحيحة أو خاطئة.
يتم الاستدلال بطريقتين: إما استنتاجية deduction أو استقرائية Induction وتتم دراسة هذه العملية في العديد من الفروع العلمية: (ثم يذكر بعض الأمثلة)
يامن
أجد أن كلمة استدلال (inferecne) مستخدمة أكثر في الكتب الحديثة، لكن في مواضع أخرى خاصة في المنطق الصوري الأرسطي أجد كلمة قياس (Syllogism) مستخدمة، إذن سؤالي هل الاستدلال موافق للقياس؟ وإن لم يكونا كذلك فما الفرق المنطقي بينهما؟ أيضًا أعتقد أن هذا يتبع طبيعة المدرسة المنطقية التي قد تستخدم اصطلاحات معينة أكثر من غيرها؟
إحسان:
لاستقراء مبحث أولي يفترض معطيات ثم يحاول التدليل عليها أو اثباتها، فهو تجريبي أما بمفهوم المنطق الرياضي فالاستقراء لا يفضي إلى نتيجة سوى نتيجة جزئية كحقيقة، نقطة المفارقة هنا أن العلم أكثر تواضعا من الفلسفة لأن الأخيرة تريد الوصول لحقائق شاملة وكلة لا تتقيد بالمكان والزمان ولا حتى الظروف الفردية، أما العلم فهو تراكمي ، خبرات وتجارب مستمرة، يقبل الحقائق الجزئية ويشتغل على إكمالها، لكن الإشكال العلمي أخلاقي ، الفلسفة ترى الخيرية عقلانية أما الوضعانية أو العلماوية فهم تهتم بالنتيجة المجردة فما كان مطابقا للعلم أو الطبيعة فهو حقيقة خارج المقياس الأخلاقي ومن هنا جاءت أهمية الفلسفة، لأن الإنسان في ماهيته خير أي عاقل ، لا يكون إنسانا إلا بها ، أقصد الخيرية، في حين العلم يركز على الطبيعية كوجود مجرد.
استخدام المصطلح لا يعني صوابيته الكاملة يستخدم البعض القياس الاستقرائي هو قياس ناقص والنقص هنا لا تعني القلة بل أنه يحتاج لاستكمال ، أي جزئي، والعلم يجمع الجزئيات ويستكمل المعرفة أما القياس الاستنتاجي فهو قياس كامل وعلية إما أن يكون الاستدلال إما استقرائيا و إما استنتاجيا، فإذا كان الأول كان ناقصا وإذا كان الأخير كان كاملا. …….
يامن:
أعتقد أن المنطق يتأثر بالفلسفة والفلاسفة، حيث يختلف بين الفلسفة التجريبية والمثالية والبراجماتية، فالعلم من زمن بيكون يعتمد على المنطق الاستقرائي لكن الرياضيات تعتمد على المنطق القياسي.
نور الدين:
ما فهمته من التعريف الذي ذكرته، في التعليق أعلاه، من المعجم الفلسفي لمصطفى حسيبة، أن الاستدلال (inference) هو المظلة الأوسع التي تضم الاستقراء والاستنتاج الذي يكون من خلال المنطق، فأنا أفهم الاستنتاج على أنه من الممكن أن يعطي معرفة يقينية أو معرفة غير يقينية، أما الاستقراء فلا يمكن أن يعطي معرفة يقينية بسبب طبيعته التي ذكرناها، فهو غالباً ما يكون استقراءً جزئيًا ولا يكون استقراءً تامًا، وبالتالي لا يعتبر مصدرًا لمعرفة يقينية وإنما هو مصدر لمعرفة عملية مفيدة، ويمكن أن يعطينا مقدمات تستخدم وفق قواعد المنطق للخروج بنتائج معينة، أما إذا أتينا إلى الاستنتاج فهو يعتمد على المقدمات التي ينطلق منها، فإذا كانت المقدمات التي استخدمناها يقينية يكون الاستنتاج وفق قواعد المنطق يقينيًا، بينما إذا كانت المقدمات غير يقينية كما في أكثر الأحيان حيث تكون المقدمات مستمدة من الاستقراء فيكون الاستنتاج غير يقينيًا.
إحسان:
كلام سليم، لذلك ديكارت لا يرى الاستقراء سبيلا قويما للحقيقة، هوسرل أيضا لا يبرئ الاستقراء من الزلل، لنلاجظ مثلا في قضية الكرونا، كان الاستقراء ومازال مضللا إلى حد ما، نعم يحاول المناطقة الرسميون الوصول لحدوس اختبرت الحقيقة وأصابتها، أي بديهية ما هوية ، البحث المنطقي الفلسفي يريد انتشال الإنسان من أزمته المتمثلة في مأزقه الأخلاقي، ففي الحاجة الضرورية بالفعل للعلم وعدم القدرة على الأستغناء عنه إلا ننا مازلنا، رغم ثورتنا العلمية عاجزين عن معرفة لماذا يقتل الأنسان الآخر.
كل ما ذكر من قبل أستاذ يامن ودكتور نور كلام سليم
يامن:
صحيح، حيث يأتي كانط بمثال هام لتوضيح الحدس وهو قضية مثل: لا يمكن مطلقا الا رسم مستقيم واحد من نقطة موازيا لمستقيم آخر
هذه قوة الحدس الاستنباطية، لا اعلم اذا كان هذا المثال له علاقة بما يجري في البحث
ولماذا يبدأ كانط من الرياضيات ليبدأ في نقد العقل وصولا الى الأخلاق؟
هناك أيضا سبينوزا في كتابه الأخلاق يعتمد على الاستنباط من البداية الى النهاية وقد سمى كتابه الأخلاق مبرهن عليها بطريقة هندسية.
إحسان:
تمام ، الجواب الأول، لأن المنطق الرياضي هو الوحيد الذي لا يمكن نقضه، الجواب الثاني، لأن العقلانية المطلقة هي أخلاقية، وخاصة بالمفهوم الكانطي، ولهذا أيضا حاول سبينوزا برهنة منطقه الأخلاقي، بالهندسة، لأن الحقائق الرياضية لديها من القوة البرهانية، ما يتجاوز الزمكان والظرف والإضافة، فضلا عن كونيتها
نور الدين:
ربما على اعتبار أن الهندسة تنطلق من مقدمات يقينية مثل مجموع زوايا المثلث لا بد وأن تكون ١٨٠ درجة، والخطان المتوازيان إلى ما لانهاية لا يمكن أن يلتقيا
يامن:
مام قوة الرياضيات لاحظ أن هوسرل بدأ من الرياضيات وأفلاطون كذلك
نور الدين:
ربما لذلك كانت تُصنَف الرياضيات قديماً تحت مظلة العلوم الإلهية
يامن:
صحيح هي بالنسبة لأفلاطون أشرف المعارف
إحسان:
صحيح ولهذا رغم التطور الذي طرأ على فلسفة هوسرل لكن مازالت دراسته الرياضية مهمة،باستثناء ربطه العمليات أو الأفعال النفسية بالرياضيات، لأن مجال البحث مفارق، في حين التحليل الظاهراتي قادر على جمع الاثنين
يامن:
عمليا تطور الرياضيات هو الذي أدى الى تطور المنطق لدى فريجه وهلبرت وجودل
والشيء الوحيد الذي يجعلني أقف حائرا أمام الرياضيات هي فكرة المطلق. حيث أنها فكرة لا يمكن التخلص منها
ولا سلبها ولا حتى تجاهلها وهي الوحيدة التي تجعلني أفكر بفكرة وجود لشيء يسمى العقل
ذلك الوعي المتجاوز وأفكر لماذا هو متجاوز؟ وكيف صار كذلك؟
نور الدين:
صحيح فعلاً شيء مدهش
لاحظ حتى في القرآن عند الحديث عن المعرفة الإلهية تجد فيها جانب رياضي وإحصائي، كما في قوله تعالى "...وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا"، وقوله: "لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا"
إحسان:
الكونية أو العالمية هي صفة الحكم أو الحقيقة الكلية المبرهنة وما في حكمها، المطلق أكثر شمولا بحيث يفترض أنه خارج الزمكان، مثلا الله مطلق والعقل كقيمة مجردة مطلق، الأعداد الأولية المجردة مطلقة، لكن يستعمل المطلق بصورة جزئية، أي بالإضافة، مثلا الوعي المطلق، أو العقل التاريخي، أو العدد الموصوف الخ علنا نلاحظ هنا أنني استخدمت بعضا من المقولات العشر، لا شك هي مواضيع مترابطة، وكلما كانت أنساق البحث محددة ومتقاربة جاءت التجربة بنتائج متقدمة.
يامن:
الموضوع الأساسي قائم وهو البحث المنطقي قادني إلى التأمل في الرياضيات ومن ثم مفهوم المطلق لدى الفلاسفة المثاليين ، وما قادني إلى فكرة المطلق هو مفهوم العالمية والشمولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل باتت الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله أقرب من أي وقت


.. حزمة المساعدات الأميركية لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان..إشعال ل




.. طلاب جامعة كولومبيا الأمريكية المؤيدون لغزة يواصلون الاعتصام


.. حكومة طالبان تعدم أطنانا من المخدرات والكحول في إطار حملة أم




.. الرئيس التنفيذي لـ -تيك توك-: لن نذهب إلى أي مكان وسنواصل ال