الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة تعلم اللغات الأجنبية وتعليمها في المجتمعات العربية

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2020 / 11 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


قد يكون تعلم اللغات الأجنبية والتفاعل الحضاري الإنتاجي من خلالها أحد أهم سمات المعاصرة والتكيف مع شروط الحياة الراهنة، والتي تقتضي استنباط قنوات فاعلة مع شرط التواصل الحضاري من موقع التآثر وليس الانفعال السلبي فقط مع العالم المحيط، والذي قد يكون أحد أهم معالمه هو تحوله إلى قرية صغيرة يحكم العلاقات فيما بين جزئياتها قنوات تقنيات المعلومات وثورة الاتصالات والأتمتة المتسارعة لكل أحياز حيواتنا اليومية.

وفي خضم تلك الضرورة قد يكون تعلم اللغات الأجنبية أحد أهم الأولويات الضرورية للقيام بتلك المهمة السالفة الذكر، مع التأكيد على جوهرية توجيه تلك الأولوية من خلال التجذر النوعي لتلك المهمة انطلاقاً من حاجات المجتمع والفرد الذي يعيش في ذلك المجتمع استناداً إلى أنّ المعرفة بأشكالها المختلفة ومن ضمنها اللغات الأجنبية كائن عضوي يُشترط ارتباطه بهدف معرفي إبداعي ذي طابع إنساني اجتماعي، وإلاّ غدا تهويمات معرفية تدور في فلك التزويق الشكلي أو الترف البرجوازي الصغير دون مدلول إنتاجي لها على أرض الواقع بالنسبة للمجتمع والإنسان على حد سواء.

النزعة الانسحاقية في تعلم اللغات الأجنبية:
إنّ تبصراً فيما يجري من سعي محموم لتعلم اللغات الأجنبية، والذي غالباً يتم من خلال المدخل الأكثر شيوعاً والمتمثل في الدورات الدراسية المحمومة والمكثفة والتي تستنزف القدرات المادية للشرائح الشعبية البسيطة المهتمة بتعلم اللغات الأجنبية، يبدي الكثير من عناصر الفوات التي يمكن إجمالها بالمحورين التاليين:

أولاً: التعليم السطحي:
والذي يركز على مواضيع حياتية محضة قد لا يستفيد ولا يحتاجها المتعلم طيلة حياته، والتي لا ضير منها إن كانت تعطى وفقاً لصيغة قواعدية سليمة تمهد لاتساع قدرة المتعلم على فهم اللغة بشكل مضطرد؛ ولكن الطامة الكبرى تكمن في تلك النزعة التي تبصر في لغة الأجنبي لغة لانتصار حضاري هو طرفه القوي ونحن الآخرون المهزومون، مما يستدعي منا تماهياً انسحاقياً وتقمصاً للسلوك (الحضاري) للمنتصر بعجره وبجره وملبسه ومأكله وصولاً إلى لغته، والتي هي بالتأكيد هنا ليست لغة مثقفيه، وإنّما لغة الشارع ومصطلحاتها الرقيعة في كثير من الأحايين، والتي هي بالتأكيد ملائمة لمتابعة الأفلام السوبرمانية الخارقة لأبطال الكاوبوي و ما كان على شاكلتهم، و التي لا بد من أن تقف خرقاء أمام أي مقال علمي أو فكري رصين بتلك اللغة الأجنبية.

ثانياً: فن الثرثرة:
والمتمثل في تلك الموضة الجديدة والتي تعتمد تعلم اللغة الأجنبية عبر استحفاظ جملة من العبارات والجمل كقوالب جاهزة يتم استعمالها بشكل أصم دون تحليل قواعدي لأصول تكوينها، وهو الواقع البائس الذي يفصح عن نفسه بالاستخدام المتزايد والمخزي للمفردات الأجنبية حتّى أصبح رهط يعتد به من جيل الشباب فاقداً لمفردات ( عفواً، حسناً، وشكراً) من لغته اليومية ومستبدلاً إياها بتلك الموجودة في اللغة الأجنبية بطريقة توحي بخطورة تغير في سلوك ووعي الجيل الذي يناط به الحفاظ على وجود مجتمعه وقدرته على إعادة إنتاج ذاته حضارياً و إنتاجياً.

وإنّ نظرة متفحصة للتكون الأولي لذلك الإخفاق في تعليم اللغات الأجنبية ومعاوضته بتلك النزعة المحمومة للدورات الدراسية التي ذكرناها آنفاً تنقلنا إلى أنّ المسببات تتوزع عمقاً وسطحاً فيما آلت إليه مجتمعاتنا وطموحها النهضوي الموؤود؛ ولكن هناك جملة أسباب هي الأكثر التصاقاً بصيرورة تلك الظاهرة، والتي قد يكون على رأس قائمتها حقيقة إخفاق حاضنة التكوين التعليم الذي يمتد على فترة زمنية تشمل التعليم الابتدائي والثانوي وصولاً إلى مرحلة التعليم الجامعي. ويفصح ذلك الإخفاق عن نفسه بمحورين كبيرين:

أ ـ إخفاق المناهج المحدثة والمطورة لتعليم اللغات الأجنبية في المجتمعات العربية، والتي انساقت في ركاب العولمة وأزمة الانسحاقية الحضارية والمعرفية التي عرجنا عليها آنفاً، فأصبحت مفرغة من المحتوى الضروري للتعلم المتدرج للغة وبمنهج قواعدي تحليلي، وانزلقت إلى تعلم مسطح واستذكار لبعض العبارات وأساليب الكلام المبسط والسطحي في كثير من الأحيان.

ب ـ إنّ انخفاض مستوى التأهيل الحقيقي لدى الكثير من معلمي اللغة الأجنبية كانعكاس مباشر لتقهقر حال الجامعات العربية الذي تحول في سياق تنكس المجتمعات العربية في ظل غيلان الاستبداد و الفساد و الإفساد إلى محض مدارس ثانوية عملاقة، بالتوازي مع انخفاض المردود المادي الضروري للمدرس للبقاء على قيد الحياة مما يجعله مضطراً للخضوع إلى التراخي في أداء واجبه في التعليم المدرسي الأساسي، والاتكاء على الدروس الخصوصية لما تدره من دخل مادي إضافي عليه، و التي أقل ما يقال عنها هو أنّها تجارية آنية يصعب لأن تكون مقدمة لتأسيس معرفي حقيقي عند الطالب.



ولابد في هذا السياق من أن نشير إلى جملة من الأطروحات التي قد تمثل رؤية جنينية للمعارج التي لا بد من السير فيها لتسوية العوار في مسألة تعليم وتعلم اللغات الأجنبية في المجتمعات العربية، وهي المعارج التي قد يستقيم المجادلة بمحوريتها النظرية وأهمية مفاعليها التطبيقية في حال السعي في نهجها، ومنها:

ـ التركيز على مفهوم اللغة الثقافية أي اللغة التي تستند في جوهرها على محورية تعلم القراءة والكتابة والترجمة المقتدرة باللغة الأجنبية، مع تعلم أساليب التعبير القواعدية الفصحى في اللغة الأجنبية وليس فن الثرثرة ولغة الشارع السطحية، و هو ما يكون أساساً بالاستناد إلى مناهج تعليمية رصينة تستبطن في جوهرها هدف تحصيل المعرفة الحقة و المفيدة و استدماجها ضمن آليات التفكير والعلم الذي يختزنه الطالب والمتعلم عموماً دون الخضوع إلى منهج الانسياق في ترهات بعض التقليعات التي تقترحها بعض المراكز البحثية والتي تستند أساساً في نتائجها على دراسات إحصائية مبتورة في معظم الأحيان ومسيرة من قبل مصالح الشركات الكبرى التي يهمها تسويق العولمة و نتاجها الاستهلاكي في المقام الأول من قبيل المناهج التعليمية الخلبية السطحية التي تسوقها شركة شل النفطية العابرة للقارات لطلاب المدراس الابتدائية في جل أرجاء الأرضين و تم تبنيها في غير موضع من الجغرافيا العربية.

ـ تشجيع عملية الترجمة والتوطين الحضاري للمعرفة والتوثيق الإلكتروني للمشاريع المترجمة، مع نشر جزء منها باللغة الأصل حيث يمكن للقارئ العربي الاطلاع والمقارنة مما يجعله أكثر ثقة بقدرة لغته على تأمين التواصل الحضاري الضروري مع العالم ويحفز عملية تضافر التعلم المعرفي واللغوي في آن معاً.

ـ إعادة الاعتبار لضرورة إعادة النظر بمناهج تعليم اللغات الأجنبية في التعليم الأساسي المدرسي بتعديل تدريجي لما هو غير صالح في نهجها وأسلوب تقديمها مع التأكيد على ضرورة رفع الدخل المادي للمدرس وتأهيله علمياً وتربوياً .


و في الختام لابد من الـتأكيد على الأهمية الاستثنائية لإعادة الاعتبار لمبدأ التدريس باللغة العربية و اجتراح كل المقدمات الضرورية لتحقق ذلك كجزء من عملية الاستنهاض و التنوير التي لا بد لكل قادر عليها الانخراط بها في لحظة أصبح إحصاء التهديدات التي تنال بشكل مباشر من طموح المجتمعات العربية في عدم الاندثار الحضاري مهمة كأداء و شبه مستحيلة في نظر الكثيرين من الخلان و الأعدقاء؛ و هي مهمة تاريخية لابد لكل العقلاء من الناطقين بلسان الضاد التصدر لمواجهتها بالاجتهاد و الصبر و المصابرة إن كان لذلك اللسان البقاء حضارياً و عدم التسرب إلى شقوق تأريخ الأمم الذاوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي