الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن موناليزا الحزينة: الفصل الثامن عشر/ 2

دلور ميقري

2020 / 11 / 5
الادب والفن


في بداية الصيف، وكانت العاصمة تحتفلُ بقرب إعلان الوحدة، عادت رودا من الزبداني وهيَ في غاية الارهاق بسبب تقدّم حملها. بيان، رافقتها مع الأسرة. إنها مَن كانت قد اقترحت على شقيقتها قضاء أسبوعين في بلدة الاصطياف، وذلك لمحاولة تخفيف الاحتقان، المعانية منه على خلفية خلافاتها اليومية مع رجلها. هذا الأخير، وكان غير موافق على مغادرة رودا إلى بلدة جدّته بغيّة الاصطياف، أوغرَ صدرُهُ مجدداً بالحنق والسخط. قالت له بصوتٍ كالصراخ، كي يتمكن من سماعها، بعدما أنصتت لكلماته المضطربة وغير المترابطة: " ماذا؟ هل تعبّأت جيداً في غيابي؟ ". كانت تضع اللائمة على شقيقتيّ الزوج، وأنهما من عمدتا إلى تحريضه ضدها في كل سانحةٍ متاحة.
فيّو، عانى مجدداً من البطالة في أحرج وقت من حياة الأسرة. كان لديه ثلاثة أولاد، والرابع في بطن والدته. بطالته جدَّت، نتيجة إغلاق النول اليدويّ، بسبب مرض صاحبه سلو. عمه هذا، المعاني من المرارة، أجرى عملية جراحية وهوَ في عمره المقارب السبعين. العم الآخر، فَدو، دبّرَ لابن أخيه العمل كناطور في البستان، وذلك مقابل إمداده بالمؤونة اللازمة للعيش. الحال العسرة، فاقمت من خلافات الرجل مع امرأته؛ وكانت هذه تلجأ في بعض الأحيان مع أولادها إلى والدتها، المقيمة مع زوجها في ضاحية جوبر. تكرر مرات لجوئها إلى كنف الأم، أشعلت مزيداً من الوساوس في رأس رجلها.

***
بغيَة تحسين دخل الأسرة، كان فيّو قد عمدَ إلى عرض إحدى حجرات منزله للإيجار. مثلما ألمعنا في حينه، أن انفتاح أبناء الحي على الحياة العامة في العاصمة، المستهل منذ منتصف القرن، شجّع الأغرابَ على التوطن هناك؛ بالأخص أولئك الريفيين، المتطوعين في الجيش والشرطة والأمن. لقد رأينا حالة مأسوية، ترتبت على هذه البدعة الجديدة، لما دفعت ابنة زينو حياتها ثمناً لشكوكٍ بعلاقة سرية ربطتها مع الشاب، المستأجر في مسكن أسرتها. لكن فيّو، المعاني من وضع شبيهٍ بالعَوَز، اضطرَ أن يغضَّ الطرفَ عن ذلك الاعتبار. المستأجر، كان رجلاً ثلاثينياً، ترك عائلته في أحد أرياف الشمال ريثما تتحسّن أحواله بالعمل في العاصمة. كأغلب الريفيين من تلك المناطق، أظهرَ الرجلُ تقواه وكان لا يقطع فرضَ الصلاة.
طبيعة عمل الليليّ، فرضت على فيّو النومَ طوال الصباح إلى ما بعد الظهر. كونه بلا أصدقاء، عقبَ انتقال خدمة خلّو إلى حوران، فإنه أعتاد على التواجد في دار أبيه، لتبادل الحديث مع المقيمة الوحيدة هنالك؛ وهيَ شقيقته الكبيرة. أمّو، من ناحيتها، كانت تشعر أيضاً بالوحشة والوحدة، اللهم إلا عند ذهابها إلى منزل شقيقتها، التي أنجبت صبياً في بداية الصيف. أحياناً، كان فيّو يرافقها في تلك الزيارات ثم يؤوب إلى منزله قبيل موعد العمل، لينفجر مجدداً بوجه امرأته. مع دخول رجل غريب للمنزل، كمستأجر، صارَ من الضروري أن تنام أمّو لديهم. لما أضحت هذه الأخيرة تحت سقفها ليلاً، زادَ توترُ رودا. قالت لشقيقة رجلها ذات مساء: " لقد وجد عملاً أخيراً، ولم يعُد من الضروري تأجير الحجرة "
" هناك في الحارة عائلات تحشر نفسها في حجرة واحدة، وتأجّر بقية الحجرات؛ مع أن وضعها المعيشيّ أفضل بكثير من وضعكم "، ردّت أمّو. ثم أضافت، مثبتة عينيها الصغيرتين بعينيّ الأخرى: " وهذا المستأجر، رجلٌ تقيّ لا يكاد يخرج من حجرته إلا لعمله أو قضاء حاجة ملحّة ".

***
بعد أيام، استدعيت القابلة بعدما شعرت رودا بآلام الوضع. مثلما كان متوقعاً، أنجبت صبياً. كون والدها قد رحل حديثاً عن الدنيا، شاءت أن تطلق على المولود اسمَ " صالح ". لكن أمّو، وكانت حاضرة كالعادة، أملت على شقيقها أن يمنح الطفل اسم أبيهما. هذا زاد من مشاعر الكراهية بين المرأتين، وكثيراً ما كانتا تتشاحنان على مرأى من فيّو، القادر على فهم الكلمات من خلال حركة الشفاه. إحدى تلك المشادات، حصلت غبَّ قرار الزوج إخراج الابنة الكبيرة من المدرسة وكانت تستعد في الخريف للبدء في الصف الثالث. آلم ذلك رودا بشدّة، كونها جرّبت مشاعر البنت المحرومة من إكمال دراستها. طلبت عندئذٍ من جمّو التدخل، لاقناع ابن أخيه بالعدول عن قراره. عبثاً كان ذلك، ولم يَزِد فيّو عن هزّ رأسه وعلى فمه ابتسامته المعتادة.
" شدّد على امرأتك أن تحتشم في ملبسها عندما تتجول في البيت، وذلك أمام أنظار المستأجر الغريب "، قالت أمّو لشقيقها عندما همّ ذات مساء بالخروج إلى عمله. هذه الملاحظة، جعلته فيما تلى من الأيام شخصاً ريّاباً، يرصدُ بعين الشك حركات امرأته؛ حدّ أن يعود للمنزل في أوقات مختلفة من الليل، متحججاً كل مرةٍ بنسيان غرضٍ ما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في