الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم تخلينا عن ابن رشد

حسن مدن

2020 / 11 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كي ندرك بعض جذور محنتنا الفكرية والحضارية الراهنة، علينا العودة إلى صفحات من تاريخنا، أقصيت مع سابق الإصرار والتعمد، هي بالذات الصفحات التي كان يمكن أن تمهد لحال من التنوير، الذي لو سلكناه، ما وجدنا أنفسنا في الدرك الأسفل الذي نحن فيه اليوم، بالقياس لما بلغته الأمم الراقية التي استلت من تراثنا هذه الصفحات المضيئة وأحسنت توظيفها في تجديد ذاتها.
حدث ذلك حين أصدر الإمبراطور فريدريدك الثاني أمراً بترجمة مؤلفات ابن رشد، فما انتصف القرن الثالث عشر إلا وأصبحت هذه المؤلفات منقولة من أصلها العربي إلى اللغة اللاتينية. لقد ترافق ذلك مع تحولات اجتماعية واقتصادية كبرى فراجت التجارة وظهرت طبقة من أصحاب الحرف في المدن الأوروبية وانتعشت الآراء التي ترفض الحكومات الثيوقراطية والخضوع إلى روما.
أدرك الإمبراطور أن صون تلك التحولات وتقويتها يستلزمان توفر العدة الفكرية والعقلية لمقاومة التزمت والتعصب، بالإعلاء من دور العقل وحرية التفكير، وأشار عليه مستشاروه بأن يأمر بترجمة ابن رشد فمؤلفاته ستكون خير معين في المعركة الفكرية الناشبة وقتها.
أطلق الأوروبيون على ابن رشد لقب الشارح، قاصدين أنه خير من شرح فلسفة أرسطو ويسَّر انتشارها، لأنه عاد إلى أصولها وحررها مما لحق بها من تشويهات على أيدي من أتوا بعده، ولكن في الاكتفاء بوصف ابن رشد بالشارح غبن للرجل، ذلك أن شروحاته عن أرسطو كما يعرف دارسو الفلسفة الكبار كانت إضافة للتراث الفلسفي الإنساني.
ومع أن محاكم التفتيش تصدت لأطروحات ومريدي ابن رشد من الأوروبيين، لأن السلطات أدركت بغريزتها أن اتجاهاته العقلانية تشكل خطراً على مواقع الاستبداد والتسلط السياسي والفكري، إلا أنه لكون مؤلفاته باتت في متناول أيادي الباحثين والشراح بعد ترجمتها، فإن أوروبا سرعان ما تمثلتها، مستلهمة منها التراث الفلسفي الإغريقي، ومنطلقة منها في معركة التجديد الفكري والحضاري التي حملت أوروبا إلى ما هي عليه اليوم من تقدم وتنظيم وحُسن إدارة للدولة، واحترام لحرية العقل والتفكير، وإعلاء لحقوق الانسان.
لكن نصيب ابن رشد في بيئته العربية الإسلامية كان النقيض، ففضلاً عما تعرض له من اضطهاد ومن حرق لكتبه في حياته ومن ثم نفيه، فإنه جرى تعمد إسقاط اسمه من قبل الرواة الذين أتوا بعده بغية محو تراثه من الذاكرة الفكرية العربية.
كي تنجح معركة التنوير العربية، علينا استعادة ابن رشد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س