الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطاء جبهة البوليساريو

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2020 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الخطأ الأول : يرجع الفضل في انشاء جبهة البوليساريو الى المعارضين المغاربة اللاجئين بالجزائر ، وكان على رأسهم الفقيه محمد البصري ..
عندما تم انشاء الجبهة ، كانت تضم في بداية التأسيس طلابا من الأقاليم الجنوبية بالجامعة المغربية ، وكانوا مناضلين ضمن الحركة الثورية المغربية التي كانت تخطط للحكم ، وليس للحكومة ، بل كانت ترفض حتى مطلب اقتسام السلطة مع المؤسسة الملكية ..
هؤلاء الطلاب انتموا الى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وانتموا الى حزب التحرر والاشتراكية ( الحزب الشيوعي ) ، وانتموا الى حزب الاستقلال ، ومنهم من جذبته شعارات الحركة الماركسية اللينينية المغربية .. كما كانوا مناضلي الانتماء الى الاطار الطلابي الاتحاد الوطني لطبلة المغرب ..
عندما تم انشاء جبهة البوليساريو في سنة 1973 ، كان الهدف من ذلك ، من جهة اشعال حرب عصابات تحريرية مع اسبانيا للتمهيد لتحرير الصحراء ، وبعدها سبتة ومليلية ، ومن جهة توظيف الجبهة في عملية ، وفي مخطط الاستيلاء على الحكم في المغرب ، وهي الاستراتيجية التي سمتها منظمة الى الامام بالبؤرة الثورية ، أي انها اعتبرت الصحراء بؤرة ثورية لتحرير المغرب من الحكم العلوي ، وإقامة محله جمهورية ديمقراطية شعبية ، تمزج نضال الشعب المغربي ، بنضال الشعب الصحراوي ، وبنضال شعوب المنطقة ، كمقدمة لتوحيد نضال الشعوب العربية ..
ويتزامن تأسيس جبهة البوليساريو في سنة 1973 ، مع الحركة المسلحة المغربية الثورية ، واندلاع ثورة مسلحة في مارس من نفس السنة تحت راية 3 مارس 1973 ، وهي الاحداث المعروفة بخنيفرة / مولاي بوعزة / كلميمة .. وفي الثاني من هذا الشهر حلت ذكرى اعدام المسؤولين عن هذه الأحداث التي كانت ترمي الى بناء نظام الجمهورية البرلمانية ، الشبيهة بالجمهوريات العربية .. مجموعة عمر دهكون التي شكلت الجناح المسلح للحزب المذكور ..
فتأسيس جبهة البوليساريو كحركة تحرير ، ومن جهة كحركة ثورية تبنت الكفاح المسلح ، لم يكن غريبا ولا مفصولا عن الحركة الثورية لحركة 3 مارس 1973 ، التي تبنت بدورها الكفاح المسلح لإسقاط النظام ..
عندما سيتأزم وضع النظام الذي كان مهددا بالسقوط طيلة الستينات والسبعينات ، وحتى ينقلب على الأوضاع المهددة بسقوطه ، سيطرح قضية الصحراء كعامل لخلق اجماع حول العرش كان مفقودا ، فنجح بذلك من لعب دور أساسي في قلب موازين القوى لصالحه ، بحيث اضحى خصومه يعتبرونه نظاما وطنيا محررا ، ولم يعد يمثل لهم عدوا رئيسيا ، بل اصبح في مرحلة أولى عدوا ثانويا ، ومع مرور بعض الوقت ، ونجاح سياسة التدجين ، سيتخلى الجميع حتى عن اعتبار النظام عدو ثانويا ، ليرتموا كأعضاء وليس كأحزاب ، في حكومات الملك الذي اصبح الجميع يجتهد حتى يكون عند حسن الظن ..
في هذه المرحلة التي كانت جد حرجة ، لم تستطع جبهة البوليساريو الحفاظ على استقلاليتها ووطنيتها ، حين أصبحت الجزائر لاعب رئيسي في الصراع ، ونجحت في استقطاب الجبهة ليس لتحرير الصحراء ، بل وظفتها في خدمة اجندات تخدم المشروع الجزائري المتعارض مع مصالح الصحراويين ، والمنافس للمغرب في الهيمنة على شمال افريقيا ...
هكذا كان اول خطأ استراتيجي سقطت فيه الجبهة ، هو عندما تحولت من منظمة تحريرية وطنية كانت تدعو الى استرجاع الصحراء الى المغرب ، الى منظمة مرتزقة تخدم مخططات لا علاقة لها بمصالح الصحراويين ، الذين وظفتهم الجزائر وليبيا طيلة الحرب الباردة ، للقضاء على النظام في المغرب .. فكان من المفروض ان تنتهي هذه الحرب القذرة بانتهاء الحرب الباردة ... لكن اليد الجزائرية تمكنت من استعمال الجبهة لإزعاج المغرب ، والضغط عليه لتصغيره ، حتى يتراجع مثلما تنازل عن الصحراء الشرقية ، عن الصحراء الغربية كي تصبح احذية الجيش الجزائري النتنة تطوق المغرب من مياه الأطلسي ..
فانْ تتحول منظمة من منظمة ثورية تحريرية ، الى منظمة مرتزقة بيد النظام الجزائري ، أفقدها ذاك الزخم الوطني الذي كان لها غداة انشاءها في سنة 1973 ، وأصبحت هجوماتها على المغرب ، لا تختلف عن اي منظمة انفصالية تتنكر لأصلها ، وللتاريخ الذي طرحته كتناقض مع التاريخ الرسمي ، عندما رفض كل من عبدالرحيم بوعبيد ، وعبدالله إبراهيم ، وعلال الفاسي ، وعلي يعته ، وابراهام السرفاتي ، استقبال اطرها الطلبة الحاملين لفكرة عودة الصحراء الى المغرب ... بدعوى ان قضية الصحراء من اختصاص الملك ، وليست من اختصاص الأحزاب ... لكن إنْ نجن راجعنا كل مواقف النظام من الصحراء ، فرغم علّتها ، وتناقضاتها ، وكثرة اخطائها ، فان جميع الأحزاب وبدون استثناء ، كانت تقف وراء الملك في كل خطوة يخطوها في ملف الصحراء ، ولا اذل على ذلك حين ايد الجناح اليميني المخزني لمنظمة 23 مارس ، اتفاقية مدريد الثلاثية ( 1975 ) التي قسمت الصحراء كغنيمة بين النظام المغربي ، والنظام الموريتاني ، واسبانيا التي كانت قسمتها جزءا من ثروات الصحراء ، من فوسفاط ، ومناطق للصيد البحري .. فعندما لا يكون للأحزاب موقف استراتيجي من نزاع الصحراء ، ويذوب الكل في مسلسل النظام ، حتى عندما طرح الحكم الذاتي من دون استشارة الشعب ، واعترف بالجمهورية الصحراوية في يناير 2017 ، وتحدى الجميع عندما نشر اعترافه بالجريدة الرسمية للدولة ، فالسؤال : هل في المغرب أحزاب مستقلة القرار عن قرار النظام ، خاصة في قضية الصحراء كعامل يحافظ على وحدة التراب ، والوطن ، والشعب ... ام ان كل الأحزاب التي تنشط بترخيص من وزارة الداخلية ، يمكن اعتبارها بمثابة اذرع للنظام للجم الساكنة ببيعها الأوهام ، وجرها لتأييد كل خطوات النظام في معالجة قضية الصحراء ، حتى وان كانت في الكثير من المرات خاطئة .. والسؤال : لماذا سكتت جميع الأحزاب عندما طرح النظام حل الحكم الذاتي ، ولماذا لزمت الصمت عندما اعترف النظام بالجمهورية الصحراوية .. ؟ بل انها باركت جميعها حل الحكم الذاتي ، وباركت اعتراف النظام الجمهورية الصحراوية ، رغم ان هناك فرق بين الحلين . حل الحكم الذاتي ، وحل الجمهورية .
الخطأ الثاني : عندما اندلعت الحرب في الصحراء ، وبدافع من الجيش الجزائري ضد المغرب ، كانت الهجومات التي كانت تأتي بغتة ، مركزة .. ومع طول الحرب تأثر المغرب الذي اضحى له اسرى حرب تجاوز أربعة آلاف اسير ، مكثوا في سجون المخابرات الجزائرية سنين ، في ظروف اكثر قساوة من سجن تزمامارت الرهيب ..
لقد استغرقت الحرب ستة عشر سنة ، وبفعل غياب التسليح الجيد ، فان الحرب كادت ان تعطي نتائجها المنتظرة ، وكادت ان تسبب في تغيير النظام في المغرب ... لقد تسببت انعكاسات الحرب الاقتصادية والاجتماعية ، في انتفاضات رفعت شعارات اسقاط النظام ، وهي انتفاضة يونيو 1981 ، و يناير 1984 ، وفاس 1990 . وكان في كل مرة تحصل انتفاضة شعبية ، كان النظام يلجأ الى استعمال ورقة الصحراء لتهدئة الوضع ... فبعد انتفاضة 1981 ، سيعلن النظام تقرير المصير من نيروبي في سنة 1982 ، وبعد انتفاضة 1984 ، سيروج النظام للاستفتاء التأكيدي الغير موجود في القانون الدولي ، وبعد انتفاضة 1990 ، جاء توقيع وقف اطلاق النار في سنة 1991 ، وبعد مواصلة الصحراء تهديدها لوجود النظام ، سيتقدم باقتراح الحكم الذاتي في سنة 2007 ، وبعد العزلة الدولية والافريقية التي عانى منها بسبب طريقة تدبيره نزاع الصحراء ، سيعترف بالجمهورية الصحراوية في يناير 2017 ، كي يصبح عضوا بالاتحاد الافريقي ..
واضح اذن ان النظام المغربي البارع في فن التخلص من الورطات ، والتخلص من الازمات في كل مرة وجد نفسه امام امتحان عسير ، كان يجد له الحل في قضية الصحراء .. وهذا يثبت ان وجود النظام ، ومنذ تأسيس الدولة المخزنية ، يرتبط بالصحراء وبالجفاف ... فإذا حافظ على الصحراء ، حافظ على وجوده ، وانْ اضاعها تكون حتمية زواله ... ان جميع السلالات التي حكمت المغرب جاءت من الصحراء ، وسقطت من الصحراء .. فحرب الصحراء بالنسبة للنظام وبالنسبة للشعب المغربي ، هي قضية وجود بالأساس ، قبل ان تكون حرب حدود مع جار شرير سلطه الله علينا ، فامتص صحراءنا الشرقية ، ويريد امتصاص حتى الصحراء الغربية المغربية ...
عندما بدأت حرب الصحراء تهدد وجود النظام ، الانقلاب الفاشل للجنرال احمد الدليمي عشية زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب ، وبعد استشارات مكثفة مع الرئيس فرانسوا ميتيرن ، اقترح عليه مع السعودية ، التقدم الى الأمم المتحدة بمقترح وقف اطلاق النار، بغية الشروع في تنظيم الاستفتاء تحت اشراف الأمم المتحدة ... وقد روجت فرنسا لهذه الفكرة جيدا بأروقة الأمم المتحدة ، فكانت وراء ابرام وقف اطلاق النار في سنة 1991 ، وتحت اشراف الأمم المتحدة ، على ان يُشرع في تنظيم الاستفتاء في غضون سنة 1992 ، او 1993 على ابعد تقدير ... وكانت الغاية من الاقتراح الفخ ، اللعب على طول الوقت .. من جهة لإغراق الجبهة في حلم الدولة التي لن تكون ابدا ، لان الدولة الصحراوية تعني سقوط الملكية ، والغرب وعلى رأسه فرنسا وامريكا ، لن يفرطوا في صديق وحليف استراتيجي قدم لهم خدمات خطيرة اثناء الحرب الباردة ، لصالح تقوية النظام الجزائري الذي كان متخندقا مع المعسكر الاشتراكي ، ومع شعارات دول عدم الانحياز التي ماتت ، ومن جهة لإرهاقها بطول الوقت ، وطول الانتظار الذي يذيب الحجر وليس فقط البشر ، ومن جهة لإفراغها من نظرية الكفاح المسلح الذي دام ستة عشر سنة ، وجرها الى مستنقع المفاوضات الذي قد يدوم سنون وسنون ، دون ان يصل الى شيء ، اللهم تقوية وتدعيم ركائز النظام الحليف في انتظار حلول ساعة الصفر لتوجيه الضربة القاضية التي مثلها قرار 2548 الصادر في 30 أكتوبر 2020 ، وهو نفس الفخ سقطت فيه منظمة ( التحرير الفلسطينية ) التي انتظرت ، ولا تزال تنتظر حل الدولتين منذ ثمانية وثلاثين سنة ( مؤتمر مدريد 1982 ) ، وعندما ظهرت الحقيقية ، انتهى بها المطاف الى اسقاط هذا الحل ، لصالح الضم لما تبقى من الضفة وغور الاردن ...
وبالفعل ما ان وقّعت الجبهة على اتفاق 1991 ، واستبشرت خيرا بالقرار 690 الناتج عن الاتفاق ، حتى ارتمت بكل جوارحها واحلامها الطوباوية ، في ( معركة المفاوضات ) التي كانت فخا محكما ، وسلسلة مشدودة الى ربطة تلف العنق ، تحكم وتتحكم في مسير الجبهة ، كما أراد المغرب ، وفرنسا ، وامريكا ، والمجتمع الدولي ، لا كما ارادت الجبهة وعرابها الجزائر ...
وبالفعل سينجح الفخ بشكل لم يكن منتظرا ، عندما تفكك الاتحاد السوفياتي ، وسقطت الأنظمة البرجوازية الصغيرة في اوربة الشرقية ، وسقط جدار برلين ، وبدا الغرب وفي حمأت الانتصار ، يخطط لتصفية الحسابات مع كل الأنظمة التي كانت موالية ، ومتحالفة مع موسكو الضعيفة ، فتم تقسيم تشيكوسلوفاكية لتصبح دولتين ، دولة التشيك ، ودولة السلاف ، وتم تفكيك يوغسلافيا لتنفصل عنها البوسنة والهرسك ، والجبل الأسود ، وكرواتية ... كما تم فصل البانيا بين البان تيرانا والبان كوسوفو ، واستقلت جمهوريات البلطيق ... وامتد المخطط لسورية ، واليمن ، وليبيا ، والسودان ، والعراق ... وكاد ان يصيب الجزائر بشكل اكثر لو لا ظروف خاصة ناتجة عن الحرب الاهلية ... والى الآن الجزائر لا تزال في فوهة البندقية الغربية ، التي تنتظر المناسبة لتفعيل مخطط الشرق الأوسط وشمال افريقيا .. ، وقد اصبح باب الدخول ، هو الإعلان عن ميلاد الجمهورية القبائلية التي تلقى دعما قويا من تحت الطاولة ، من قبل باريس ، وامريكا ، وإسرائيل ، ويجب ان تلقى دعما من قبل المغرب ، ومن قبل الامارات العربية ، ومن سلطة عمان ، ودولة البحرين والأردن ... لخ .. فان يربط الرئيس عبد المجيد تبون بين الصحراء وبين فلسطين ، وان يعلن تمسكه ولو من باب المتاجرة والتنفيس عن ضيق الصدر ، بما تنازل عنه محمود عباس والقيادة الفلسطينية ، ويوجه انتقادا قريبا من لغة التخوين للمطبعين ، وبشكل غير مباشر للأمارات العربية المتحدة ، من جهة لن يمر مرور الكرام ، ومن جهة اعطى منتوجه وبالسرعة القصوى ، عندما فتحت الامارات قنصلية لها بمدينة العيون المغربية ، والقادم ، وسيأتي بغتة ، وستكون البحرين ، وعمان ، والأردن ... والعاطي باقي غادي يعطي .. دون ان ننسى ثمانية عشر دولة افريقية فتحت لها قنصليات بالصحراء المسترجعة ..
الخطأ الثالث : عندما تم ابرام اتفاق وقف اطلاق النار في سنة 1991 ، وتحت اشراف مجلس الامن ، كانت الغاية من ذلك ، ليس إيجاد حل ُيشرْعن مطالب الانفصال ، بل كان الهدف كما خططت له فرنسا والحسن الثاني ، جرجرت النزاع أطول مدة ممكنة ، لإسقاط نظرية الكفاح المسلح التي نفخت فيها الحرب الباردة ، ومن جهة استغلال الوقت الأطول ، لإعادة بناء الجيش المغربي عدة وعددا من الطراز الرفيع ... وكان من نتائج اتفاق 1991 ، القرار 690 الذي خلق " هيئة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية " ، " المينورسو " ، التي اوكلها القرار المذكور ثلاثة مهمات اساسية : الأولى سياسية وهي تنظيم الاستفتاء ، والثانية إجرائية وهي إزالة الألغام ، والثالثة الاشراف على وقف اطلاق النار ..
فهل كان الهدف الحقيقي من خلق " المينورسو " ، هو تنظيم الاستفتاء الذي سيُشرْعن للانفصال ، وسيُشرْعن لإسقاط النظام الذي يرتبط وجوده بوجود بقاء سيطرته على الصحراء ؟
وهل الغرب وعلى راسه فرنسا وامريكا ، سيوافقون على استفتاء نتيجته اكيد ستسقط النظام المغربي الحليف ، وستقوي النظام الجزائري ( العدو .. بالشعارات ) ..؟
ان اكبر خطأ قامت به الجزائر ومعها جبهة البوليساريو ، هو حين القت البندقية ، وطلقت الكفاح المسلح الذي اثر اجتماعيا واقتصاديا على الدولة المغربية ، وارتموا ومن دون مقدمات ، في مفاوضات عقيمة كحوار الطرشان ، او حوار الصم والبكم ... فاتفاق وقف الحرب تم ابرامه سنة 1991 ، لكن مر عليه الى اليوم ثلاثون سنة ، دون ان ينجح في تحقيق ما تنتظره الجبهة الذي هو تقرير المصير ... بل ان مجلس الامن الذي اشرف على توقيع الاتفاق في سنة 1991 ، وقدم ضمانات لتنفيذ كل بنوده ، وخاصة منطوق القرار 690 ، اصبح اليوم متحللا من الاتفاق المذكور الذي ضمن تنفيذه ، واصبح المجلس مقتنعا ان ما يسمى بالاستفتاء هو حل معطوب ، وتعجيزي ، وغير مقبول ، لان الانفصال سيؤدي الى سقوط النظام الحليف الاستراتيجي للغرب ، ومن ثم فان أي حل لا بد ان يكون سياسيا ، وليس قانونيا ، وان يحظى بموافقة وقبول اطراف النزاع ، ومن بينها الجزائر التي ذكرها مجلس الامن في قراره الأخير كطرف رئيسي في الصراع ...
وما زاد من هذه الحقيقية الدامغة ، لان أعضاء المجلس الذين يملكون الفيتو يدركون التاريخ جيدا ، هو ان الحل السياسي التوافقي في منطوق قرارات المجلس ، لا يعني الانفصال لتستأثر الجزائر وجبهة البوليساريو بما شيده الشعب المغربي من ضرائبه المختلفة ، من بنايات بالأقاليم المغربية المسترجعة ، ومنها مدينة العيون التي تضاهي مدنا اوربية بإسبانيا، والبرتغال ، وإيطاليا ، واحسن من مدن كثير بدول اوربة الشرقية ... لكن الحل السياسي التوافقي يعني حل الحكم الذاتي الذي سيحافظ للصحراويين على تمايزهم الثقافي ... فالمغرب عندما اقترح حل الحكم الذاتي الذي ايدته واشنطن بعد صدور قرار مجلس الامن 2548 ، فهو يكون قد قدم تنازلا لم يكن من الممكن تخيله في بداية الصراع ، ومن ثم يكون المغرب قد خلخل الوضع بما يحافظ على الدولة التي ستعرف لأول مرة حكما ذاتيا فرضته الواقعية السياسية ، والأمنية ، ووحدة التراب الوطني ... اما الجزائر والجبهة العاجزتان عن تقديم مقاربة واقعية تأخذ في الاعتبار حل لا غالب ولا مغلوب ، فقد ظلتا مرتهنتين لمواقفهما التعجيزية التي رفضها مجلس الامن حين صوت على القرار 2548 . فالحل السياسي التوافقي هو اشادة بحل الحكم الذاتي ، ورفض صريح لحل الاستفتاء الذي ضرب به مجلس الامن عرض الحائط ..
والسؤال : بعد ان اصدر مجلس الامن قراراه التاريخي في 30 أكتوبر 2020 ( القرار 2548 ) ، الذي كان تحولا جذريا في تعامل المجلس مع قضية الصحراء ، وبعد تهديد جبهة البوليساريو بعد القرار المذكور ب ( إعادة النظر ) في مجمل العملية السلمية التي قوم بها مجلس الامن ... هل تستطع الجبهة حقا مراجعة طريقة عملية السلام ، وهل تستطع مقاطعة المجلس ، وهل تستطع العودة الى الحرب التي هي اكبر منها ، والخطورة انها ستكون قد خرقت بنود اتفاق 1991 التي وقعته بمحض ادارتها ، لان المسؤولية هنا ستتحملها الجزائر والبوليساريو امام مجلس الامن ، وامام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وامام المحكمة الجنائية الدولية ....
ان الجواب عن هذه التساؤلات هو ان فاقد الشيء لا يعطيه ..
الخطأ الرابع : عندما تم ابرام اتفاق 1991 ، وتحت اشراف الأمم المتحدة التي ضمنت تنفيذه ، كم سنة مرت على الاتفاق المذكور ، حتى اصبح عبارة عن ورقة كلينكس ، بعد قضاء الحاجة منها ، يتم رميها في المزبلة ..
كان من المرجح ومن المتوقع ، ان تشرف " المينورسو " على تنظيم اكبر مهمة أسندت لها ، التي هي الاستفتاء في غضون سنة 1992 ، او في غضون سنة 1993 ، وفي ابعد تقدير في غضون سنة 1994 ... لكن كم سنة مرت منذ سنة 1991 ؟
لقد مرت ثلاثون سنة ، وجبهة البوليساريو لا تزال تنتظر ان تنوب عنها الأمم المتحدة / مجلس الامن ، في تنظيم الاستفتاء الذي يتطلب مسطرة خاصة ، وشكليات تقنية ، ليس من السهل الشروع فيها دون موافقة الطرف الرئيسي في العملية السلمية ... أي المغرب .. فماذا اجبر قيادة البوليساريو ان تنتظر ثلاثين سنة لتحقيق شيء اضحى منذ اليوم الأول ، وبشهادة دول الفيتو في مجلس الامن ، صعب التحقيق ، بل مستحيل التحقيق .. ؟
بل كيف نفسر او كيف نفهم ، انه رغم مرور ثلاثين سنة من ابرام اتفاق 1991 ، ورغم ان المخطط نجح في تذويب الجبهة ، وهي تعلم ذلك وتتغاضى عنه ، لأنه يؤلمها ويوجعها ، وليس من خيار اخر غير القبول بما وصل اليه الصراع .. ان تستمر تناشد مجلس الامن ان ينوب عنها في تنظيم الاستفتاء ، وهي تحق ان هذا المجلس قد افرغ " المينورسو " من اختصاصاتها التي أصبحت فقط مراقبة وقف اطلاق النار ، وان أي حل خارج حل الحكم الذاتي لن يكون مقبولا ..؟
لقد انتظرت الجبهة ثلاثين سنة لتنظيم الاستفتاء :
--- انتظرت الخمس سنوات الأولى بعد اتفاق 1991 لتنظيم الاستفتاء ، وهذا ليس انه لم ينفذ ، بل لأنه مستحيل التنفيذ .
--- وانتظرت الخمس سنوات الثانية ، والاستفتاء لم ينفذ .
--- وانتظرت الخمس سنوات الثالثة ، والاستفتاء لم ينفذ .
--- كما انتظرت الخمس سنوات الرابعة ، والاستفتاء ظل حلما .
--- ومرت الخمس سنوات الخامسة ، والجبهة لم تفق من سباتها الابدي وليس الشتوي ، ولم تفارق احلامها التي تتبخرت يوما عن آخره .
--- ومرت الخمس سنوات السادسة ، والجبهة هي الجبهة مضروبة ب ( بوغطّاطْ ) ..
--- ونحن في الخمس سنوات السابعة ، والجبهة لا تزال تنتظر ان ينوب عنها مجلس الامن في تنظيم استفتاء لم يعد المجلس يؤمن به ، وكانت المفاجئة هي توقيت ما تم التنظير له ، والتخطيط له من طرف فرنسا ، وأميركا ، والسعودية ، وذكاء ودهاء عبقرية الحسن الثاني ، الذي هو القرار 2548 لمجلس الامن الذي نص على الحل السياسي التوافقي الذي هو حل الحكم الذاتي ، لا غيره ... فهل الحل السياسي التوافقي كما يؤكد مجلس الامن ، يعني الانفصال ؟
عندما كانت مفاوضات باريس في بداية سبعينات القرن الماضي ، بين الفتنام وبين الولايات المتحدة الامريكية ، كانت الحرب تزداد سعيرا وقوة ، ورغم المفاوضات الجارية ، لم تتوقف الحرب ، بل كانت بنومبين Phnom Penh الفتنام الشمالية الشيوعية Vietnam ، تزحم بثلاثة مليون جندي على سايگون Saigon الفتنام الجنوبية . وبقدر ما كان الشمال ينتصر على الجنوب ، بقدر ما كان النصر يفرض شروط المفاوضات الجارية بباريس ، فكان النصر هو من يحدد شروط الاتفاق ... وليس الاتفاق من يحدد شروط السلام ... هكذا سيفر الفيتناميون الجنوبيون ، وسيفر الامريكان ، وستتحرر الفيتنام دون اتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية ...
ان مرور ثلاثين سنة من إبرام اتفاق 1991 ، فعل فعلته في تنظيم الجبهة ، ومع مرور الوقت وغياب الصقور الذين طبعوا فترة ما قبل 1991 ، ورحيل العديد منهم ، وتحول الكثيرين الى شيوخ متجاوزين من قبل القيادة الفاشلة التي غلّبت القبيلة ، ومصلحة عبدالعزيز المراكشي الذي ربط مصالحه بمصالح النظام الجزائري ، وارتهان إبراهيم غالي الى المفاوضات العقيمة ، دون استيعابه للفخ المنصوب ، لان اية حرب هي خدعة ومكيدة ، لا نقول لم يفطن بها الرئيس الفاشل ، بل انه اصبح يدرك انه في وضع اكبر منه ، وان لا سبيل له ، غير الاستمرار في استجداء مجلس الامن من جهة لإخفاء فشله ، ومن جهة للتعتيم على الصحراويين المحتجزين بالمخيمات ، حتى يواصل الاسترزاق باسم آلامهم ، وزفراتهم ، وآهاتهم التي دامت ثلاثين سنة ، ليجد نفسه قد أضاع اهم فرصة سانحة لإخراج الصحراويين من قمع النظام الجزائري التي هل الحكم الذاتي ...
الخطأ الخامس : عندما تم ابرام وقف اطلاق النار في سنة 1991 ، ونظرا لان الوضع ظل على ما هو عليه ، لان حسابات الأطراف كانت متناقضة ، ومتضاربة ، من جهة الملك الحسن الثاني ومعه فرنسا ، وامريكيا ، واسبانيا ، والغرب الذين كان مخططهم الجرجرة ، واستعمال الوقت للتهرب ، آملين اللحظة المناسبة للانتهاء مع المخططات التعجيزية التي نفخت فيها الحرب الباردة ، ومن جهة حلم البوليساريو ومعه الجزائر لفصل الصحراء عن المغرب ... هنا الكل يتذكر ان سنة 1996 كانت سنة متميزة ، فبقدر ما زكت قوة المغرب ، وشرعنت تضامن الدول الكبرى مع أطروحة مغربية الصحراء ، بقدر ما افقدت جبهة البوليساريو فرصة لن تعوضها ابدا اليوم ، ومهما حاولت استدراك الوضع الذي فاتها ، الذي تسبب فيه النظام الجزائري ، لان مصيرها المحتوم لا يخرج عن احد امرين : اما الرجوع الى الوطن ومن دون شروط ، لان المغرب الآن في موقع يجعله يرفض اية مفاوضات مع طرف قراراه ليس بيديه بل بيد النظام الجزائري ، ... واما البقاء في مخيمات لحمادة ، وهو حل يستجيب لواقع الجبهة التي أضحت مجرد اطلال تتباكى على ماضي فرطت فيه ، عندما وجهت ولوحدها رصاصة الرحمة الى راسها بتوقيعها اتفاق 1991 ، وبتخليها عن البندقية ، وتطليقها للكفاح المسلح الذي كان من نتائج الحرب الباردة ..
في هذه السنة 1996 ، وبمقلب فني رفيع ، ساهمت فيه عبقرية الحسن الثاني ، وفرنسا لجس النبض البوايساريو ، تَمّ تفريش الأرضية لزيارة وفد من الجبهة الى المغرب لكسر الجليد ، ولجس النبض ، ولمحاولة اكتشاف نقطة من نقط ضعف الجبهة ، للركوب عليها ، واستعمالها كسلاح في الحرب السياسية والدبلوماسية التي امامها أشواط قادمة ... سافر وفد من الجبهة الى المغرب معتقدا ان هذا ، أي المغرب ، ربما سيخضع للمخطط الجزائري بسبب الازمة الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية ، ومن ثم اعتبروا المحاولة جيدة ، وستختصر الطريق الذي دام الى حدود سنة 1996 حوالي احدى وعشرين سنة .. منها ستة عشر سنة كانت حربا ، ومنها ستة سنوات لم تعرف جديدا بخصوص الحل السياسي والدبلوماسي ..
عندما حل الفريق الصحراوي بالمغرب ، وحتى يحتقرهم ويقلل من شأنهم ، وحتى يضعهم في صورتهم الحقيقية التي هي ، الانفصاليون المرتزقة الذين يتأمرون على بلادهم ، لحساب الجزائر التي تضمر لهم الشر قبل شرها إزاء المغرب ... رفض الملك الحسن الثاني استقبالهم ، لأنهم ليسوا من المستوى والطينة التي تستحق الاستقبال ... فبعث لهم نيابة عنه ابنه محمد السادس ، مرفقا بإدريس البصري جلاد المملكة الأول ...
كان ما اقترحه عليهم ولي العهد الذي أشاد به اخ الوالي مصطفى السيد ، اخ البشير السيد ، وبحضور ادريس البصري ، هو حل الحكم الذاتي الذي سيمكن الصحراويين من تنظيم انفسهم بأنفسهم ، طبعا مع احتفاظ المغرب بالجيش ، وبالتمثيل الدبلوماسي ...
ان هذا الاقتراح وفي ذاك الابّان ، كان يعتبر خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح ، رغم ان الحسن الثاني حين تفضل بطرح حل الحكم الذاتي ، فهو كان يعتبره اكثر من تجرع السم .. خاصة وهو الذي سبق ان قال ابّان الحرب ، أي قبل سنة 1991 ، مجيبا احد الصحفيين الفرنسيين الذي اقترح عليه منحهم حكما ذاتيا في اطار الدولة : " كيف ؟ هل يريدون مني ان أكون ملكا على جمهورية صحراوية ؟ ابدا .. " ..
الاقتراح الملكي بتمكين الصحراويين من حكم ذاتي ، سيقبل به احد القادة التاريخيين المؤسسين للجبهة ، وهو أيوب لحبيب ، الذي دعا الى استغلال الفرصة والعرض الملكي ، على أساس خذْ وطالبْ .. لكن الأغلبية التي كان على راسها الانفصالي المراكشي محمد عبدالعزيز ، رفضت العرض ، معتقدة ان العرض الملكي هو دليل بيّن على ضعف النظام الذي قربت ساعة خروجه من الصحراء ، وهو تقييم مغلوط ، لانهم تناسوا انهم يتعاملون مع نظام مخزني فريد من نوعه في العالم ، ولا يركع بسهولة .. ومن جهة كان الرفض يخدم اجندة الجزائر التي لا علاقة لها بمصالح الصحراويين .. لهذا رفضت قيادة الجبهة العرض .. وكان المقابل ان لفظهم الحسن الثاني ، بعد ان تأكد ان القرار ليس باديهم ، بل هو قرار الجزائر ..
فكم سنة مرت على ذلك العرض الحاتمي الذي تفضل به عليهم الملك ؟ ربع قرن .. فمن 1996 الى 2020 ، تكون قد مرت أربعة وعشرين سنة ، ضاعت في الانتظارية القاتلة التي افرغت في النهاية القرار 690 ، واتفاق 1991 من مضامينهما الأساسية التي أصبحت مرفوضة من قبل مجلس الامن نفسه قبل ان تكون مرفوضة من قبل المغرب ..
ان أي تفسير للقرار 2548 ، لا يخرج اليوم عن انّ أي حل بالمنطقة غير حل المغرب ، وبيان الولايات المتحدة الامريكية بعد صدور قرار مجلس الامن ناطق بما فيه ، وواضح ولا يحتاج الى بذل جهد ذهني لفهمه . يقول قرار واشنطن : " .. نحن ننظر الى خطة الحكم الذاتي المغربية ، على أساس انها جادة ، وذات مصداقية وواقعية ، وتمثل مقاربة محتملة واحدة لتلبية تطلعات الشعب في الصحراء الغربية لإدارة شؤونهم الخاصة بسلام وكرامة .." .
ان رفض العرض الملكي في سنة 1996 بمنح الصحراويين حكما ذاتيا ضمن سيادة الدولة المغربية ، كان من الأخطاء الاستراتيجية التي قدمت خدمة للمغرب ، وسهلت في الوصول الى اصل المخطط الذي هدفه اتفاق 1991 ، الذي هو الجرجرة حتى افراغ العدو من شروط وجوده ، والوصول به الى وضع اليتيم الذي يستجدي اعداءه كي يكونون رحيمين به ، ويشفقوا عليه ، لان حالته اليوم لا يحسد عليها ...
ولنفرض جدلا نهاية الجبهة بقبول حل الحكم الذاتي ، فحتى في هذه الحالة المزرية المشفق عليها ، فان نظام الحكم الذاتي سيكون كما أراد المغرب ، لا كما يريد الانفصاليون .. فالحكم لن يكون لهم ابدا ، بل سيكون عبر انتخابات يشارك فيها كل الصحراويون ، ومن دون اقصاء او استثناء ، واكيد ان جماعة إبراهيم غالي الفاسد ، والفاشل ، القبائلي ، العاشق للظهور ، وللطاووسية في مناسبات متعددة ، قصد إضفاء نوع من الهالة و الابّهة التي يفتقدها عند لقاءاته ، وهي لقاءات فخاخ للنفخ فيه ، وهو يصافح أنطونيو غتريس ، او واقفا مع احد الحكام الافارقة ، او عند تعيينه سفيرا بجنوب افرقيا ، او بكوبا ، او فنزويلا ... او عند حضور اشغال الاتحاد الافريقي ، او عند حضور لقاء الاتحادات الدولية ، كلقاء الاتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي ، وهو يحلم ، ويتخايل بضرّاعيته الصحراوية كالديك الرومي ، لمجرد وقوفه ضمن جوقة الرؤساء مع الرئيس الفرنسي امانويل مكرون ... انه حقا اصبح رئيسا بدون شك ، وبدون منازع للجمهورية الصحراوية .. في حين ان فرنسا هي من نصبت له كل الفخاخ التي جعلته والجبهة اسفل سافلين ...
هذه هي الحقيقة التي وصل اليها النزاع ، والذي يرجع الفضل فيها مؤخرا للقرار 2548 الذي أصدره مجلس الامن ... ان هذه الحقيقة الصادمة التي نطق بها القرار المذكور تعني شيئا واحدا : هناك فقط المغرب بكل ترابه . وليس هناك لا استفتاء ، ولا تقرير المصير ، ولا استقلال ، بل لن يكون هناك حتى الحكم الذاتي الاّ طبقا لما أراده ، ويريده المغرب .. كما لن تكون هناك مفاوضات مع طرف اصبح عالة على المجتمع الدولي ، يبحث للتخلص منه .. فالقرار ليس قرار البوليساريو . انه قرار الجزائر .. فليكن التفاوض معها ، لأنها هي من يحتضن الجبهة ، ويمولها بالوقود ، ويسلحها بمختلف أنواع الأسلحة ... ويصرف أجور ( سفراءها وقناصلها ... ) ... وتسترزق وتتسول بمآسيهم في الأسواق الدولية ...
ان حل الحكم الذاتي وكما أراد المغرب ، يبقى حل اخف الضررين .. فإما العودة بدون شروط في ظل هذا الحل، وامّا البقاء في مخيمات لحمادة الى ان يرث الله الدنيا وما عليها .. وهذا الوضع المريض لن يخدم مصالح الصحراويين في شيء ، بل يخدم قيادة الجبهة الفاشلة ، ويخدم الجزائر ، كما يخدم الصحراويين من أصول جزائرية ، وستبقى القضية التي اكيد سيتناساها العالم تراوح مكانها ، وستتحول الثورة الى ثروة ، وستتحول معاناة الصحراويين الى مقايضة في اطار الصراع بين المغرب والجزائر من اجل الهيمنة على شمال افريقيا ...
انها نفس النهاية آلت اليها منظمة ( التحرير الفلسطينية ) ...
فالدول الكبرى اليوم ارهقها هذا النزاع الذي دام خمسة وأربعين سنة ، ومن ثم بدأت منذ ثلاثين سنة تخطط للانتهاء منه ، وبشكل دائم ... وهناك اخبار مؤكدة ، خاصة بعد ربط الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بين الصحراء وبين فلسطين ، تفيد ان مجلس الامن يتجه صوب اصدار قرار سيتخلى بموجبه عن اية إشارة الى كلمة الاستفتاء ، او تقرير المصير ، ويتجه الى تبني حل الحكم الذاتي بشكل صريح ... كما تؤكد نفس الاخبار ان مجلس الامن بصدد التفكير في طلب الصحراويين ، بتغيير القيادة الفاسدة والفاشلة المرتهنة عند النظام الجزائري ، بقيادة جديدة تعمل على حل الحكم الذاتي الذي يجنح اليه المجلس ... والقرار الأخير لمجلس الامن 2548 مؤشر يؤكد صحة هذه الاخبار ...
الخطأ السادس : إضافة الى تناغم إبراهيم غالي وحبه للطاووسية ، والألوان المزركشة ، خاصة عندما يستقبله رئيس افريقي ، او عندما يقف في لقاء اتحادي يحضره الرئيس إمنويل ماكرون ، او يبادر للسلام على أنطونيو غيتيريس ... وهويرتدي ضرّاعيته الصحراوية لإثارة الانتباه اليه ... فما لم يستوعبه الرجل ، انه يجهل كونه سريع النسيان ، وانه يهضم الاهانات والانهزامات بصدر رحب ، وكأنها لم تحصل ابدا .. فبالأمس تجاهله الرئيس الروسي عندما لم يستدعيه لحضور اشغال اللقاء بين الاتحاد الافريقي ، وبين روسيا الاتحادية ، كما نسي تجاهل اليابان له لحضور نفس اللقاء ... ، ومع ذلك وكعسكري مهزوم ، بارع في تحويل الهزائم الى انتصارات ، طبل لموقف روسيا عندما امتنعت عن التصويت على القرار 2548 ، واعتبر هذا الموقف الى جانب موقف جنوب افريقيا ، بمثابة انتصار عظيم ما بعده انتصار ... ولو كانت روسيا ضد قرار مجلس الامن ، لماذا لم تستعمل حق الفيتو ضد القرار المذكور .. ام ان روسيا بموقفها المتميز هذا هي مع المغرب في قضيته لا ضده ....
ان الاستمرار في تبرير الهزائم ، وفي هضم الاهانات التي تتقاطر من كل حدب وصوب ، واخرها اعتراف خمسة عشر دولة افريقية بمغربية الصحراء ، حين افتتحت لها قنصليات بمدينة العيون وبمدينة الداخلة .. لم يفتح اعين القيادة الفاشلة لتستوعب حقيقة التغييرات القادمة ، بل ستكون الصدمة الكبرى للجزائر وللجبهة ، حين قررت الامارات العربية المتحدة كأول دولة عربية ، فتح قنصلية لها بمدينة العيون ... والخطورة في هذا الاعتراف الإماراتي بمغربية الصحراء ، انه مقدمة لاعترافات قادمة من دولة البحرين ، من سلطنة عمان ، من الأردن ...
ان فتح الامارات لقنصلية بالعيون ليس بالأمر البسيط او الهيّن ، لكن له دلالاته السياسية القصوى ، ووزنه وسياقه ، وله قراءاته التي تختلف عن كل القراءات ، لان الامارات أصبحت امبراطورية مالية ضخمة ، وتملك قدرات مالية ، وسياسية ، وإعلامية رهيبة ، ولها تواجد استثماري كبير في موريتانية ، وتملك لوبي داخل مراكز القرار الأمريكي يفوق كل التوقعات ، وداخل التكتلات الاقتصادية الكبرى ، ولها امتداد مالي عميق في البنك الدولي ، وتتحكم في حوالي ربع المبادلات التجارية الكونية ، بسبب امتلاكها الكثير من الموانئ البحرية ، والاساطيل الجوية في القارات الخمس ، كما لها اختراق ووصول لشركات التسلح العالمية داخل أمريكا ، واوربة ، وآسيا ، والأكثر خطرا انها دولة قوية إعلاميا ، وتمتلك التأثير والقدرة على توجيه الرأي العام ..
ان هذه المكانة المتميزة لدولة الامارات العربية المتحدة ، هو ما أخاف الجزائر، واخاف اكثر جبهة البوليساريو ، وقد تتطور المواقف في المستقبل القريب انْ تعترف الامارات بجمهورية القبائل الجزائرية ، وستلحق بها بهذا الاعتراف كل الدول الخليجية ، كما قد تظهر قرارات خليجية مستقلا تحدو حدو الامارات بفتح قنصليات لها بمدن الصحراء الغربية المغربية ..
ان تلاقي كل هذه الهزائم المسترسلة ، الاعتراف الافريقي بمغربية الصحراء بفتح قنصليات افريقية بمدن الصحراء ، تدشين الامارات العربية المتحدة لقنصليتها بالعيون ، وهو الاجراء الذي ستكون له تبعات في نفس الاتجاه ، وصدور قرار مجلس الامن 2548 الذي دفن مطلب الاستفتاء وتقرير المصير لصالح حل الحكم الذاتي كما أراد المغرب لا كما أراد غيره ، ومرور ثلاثين سنة من توقيع اتفاق 1991 ، ولتجد البوليساريو ان مجلس الامن لم يعد يؤمن بالقرار 690 ، وانه قد انقلب على الاتفاق المذكور لأنه عصي عن الحل ، وان مجلس الامن بصدد القطع مع أي ذكر لكلمة استفتاء ، او تقرير المصير ، او الاستقلال ، وانه سيصدر قراراه النهائي بتبني حل الحكم الذاتي ، وان المجلس سيوجه دعوة للصحراويين كي يغيروا القيادة الفاسدة والفاشلة المرتهنة للقرار الجزائري ... ومع ذلك يصم إبراهيم غالي اذنيه ، ويواصل غيّه سابحا ضد التيار ... فان المغرب حين يرفض التفاوض مع من لا يملك قراراه المستقل ، ويصر على التفاوض مع الجزائر التي تقف وراء هذا الصراع .. يكون محقا في قراراه .. ويكون من تسبب في الوضع المزري التي تعيشه الجبهة ، هو إبراهيم غالي وجماعته ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نداءات لتدخل دولي لحماية الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية | #


.. غارات إسرائيلية استهدفت بلدة إيعات في البقاع شرقي لبنان




.. عقوبات أوروبية منتظرة على إيران بعد الهجوم على إسرائيل.. وال


.. شاهد| لحظة الإفراج عن أسرى فلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرا




.. مسؤول أمريكي: الإسرائيليون يبحثون جميع الخيارات بما فيها الر