الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجديد برامج وبنى الحركة الوطنية الفلسطينية

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2020 / 11 / 9
القضية الفلسطينية


جديد برامج وبنى الوطنية الفلسطينية
بقلم: نهاد أبو غوش*
بات المشهد مألوفا ومكررا إلى درجة الملل: تدعو القوى والفصائل الوطنية والإسلامية إلى "يوم غضب عارم" أو إلى "فعالية جماهيرية حاشدة"، فيأتي بضع عشرات من الناس معظمهم من المتفرغين والكوادر المتقدمة. تحضر وسائل الإعلام أيضا، ويردد المسؤولون الخطابات نفسها، ويعيدون إطلاق التصريحات عينها، وتكتمل المفارقة في هذا المشهد، حين يتساءل المارّة ببعض الفضول عما يجري دون أن يدفعهم ذلك للمشاركة، بل يطلق بعض السائقين أبواق سياراتهم تبرما من إعاقة حركة السير.
قطعا لا يعني ما سبق أن ثمة خطأ في دعوات القوى السياسية، ولا في ضرورة تحركها لإحياء المناسبات وإبداء مواقفها تجاه التطورات، لكن المشكلة الكبرى هي في الثقة التي تراجعت، والفجوة الآخذة في الاتساع بين هذه القوى وبين الجمهور إلى درجة يدّعي البعض فيها أن زمان الفصائل والأحزاب قد ولّى، ويفترضون أن المرحلة المقبلة هي مرحلة ما بعد الفصائل، مع أن العمل السياسي العام هو سمة ملازمة لأي مجتمع بشري معاصر، والأحزاب هي التي تدير الشؤون السياسية والاجتماعية، العامة والمحلية، لأكثر الدول تقدما في العالم.
مشكلتنا إذن ليست في مبدأ وجود الأحزاب، ولكن في جمود وتكلس الفصائل والأحزاب الموجودة، في بناها التنظيمية وهياكلها ونمط حياتها الداخلية كما في علاقتها بالناس، وأساليب عملها، وخطابها، وبالنتيجة في قدرتها على التواؤم مع المتغيرات والمستجدات والتحولات المتسارعة في العالم وفي منطقتنا.
حين انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، وانتزعت اعتراف العالم بتمثيلها لشعبنا الفلسطيني، كانت معظم القيادات في العقد الثالث أو الرابع من العمر، والآن بعد أكثر من خمسة عقود ما زالت كثير من هذه القيادات في مواقعها، وكأن التغيير هو فقط من اختصاص الإرادة الإلهية، أو الاعتبارات البيولوجية، وليس الحراك الداخلي والعملية الديمقراطية والتنافس بين البرامج.
هذه الحالة الداخلية لبنى الحركة الوطنية الفلسطينية ومؤسساتها، ويمكن لنا أن نسميها الأسباب الذاتية التي هي من صنع أيدينا وليس الظروف الخارجية والموضوعية المستقلة عن إرادتنا، باتت تشكل عبئا ثقيلا على قدرة هذه الحركة على مواجهة الأخطار التي تهدد الحقوق الوطنية، ويمكن القول ودون كثير مجازفة، أن هذه الحالة أغرت الإسرائيلي، مستفيدا من وجود ترامب في البيت الأبيض وعوامل إقليمية ودولية أخرى، بالتجاسر على الحقوق الفلسطينية، ومحاولة تصفيتها وإنهاء الصراع بفرض أطماع الاحتلال التوسعية وتحقيق إسرائيل الكبرى وتجسيد نظام التمييز العنصري على حساب فرص قيام الدولة الفلسطينية علاوة على شطب حق العودة للاجئين.
الحالة الداخلية مسؤولة قطعا عن بطء الاستجابة المحلية للتحديات، وعن ضعف التعبئة الشعبية، وعن إهمال وتهميش خيارات كفاحية عديدة. كما أن هذه الحالة، ومن عناصرها البارزة استمرار الانقسام، مسؤولة إلى حد كبير عن انفضاض العرب، شعوبا ومؤسسات وحركات وحكومات، عن قضيتهم المركزية، وعن سلبية وميوعة مواقف أصدقائنا التاريخيين وإضعاف التضامن الدولي معنا.
ولا شك أن التطورات الإيجابية الأخيرة، وأبرزها لقاءات المصالحة ونتائج اجتماع الأمناء العامين، والاتجاه إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة، هي أخبار مُبشرّة، ومن واجب كل فلسطيني حريص أن يشجعها ويدعمها، وأن يساهم إن أمكنه ذلك في إنجاحها وفي الضغط من أجل تسريع وصولها إلى نتائج عملية ملموسة، ولكن الاعتقاد انه يمكن بصحوة مفاجئة، أو بقرار أو ضربة سحرية، إصلاح أخطاء تراكمت عبر سنوات طويلة، هو ضرب من الخيال.
نظامنا السياسي كله أصابه الترهل، وذلك يشمل المؤسسات كافة، وفي مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية وهيئاتها ودوائرها والاتحادات الشعبية والمؤسسات المرتبطة بها، والسلطة ومؤسساتها بما في ذلك الحكومة وأجهزتها، والفصائل والقوى السياسية بما فيها تلك التي هي خارج إطار المنظمة، ومن تصنف نفسها أنها معارضة، وإذا ادعت أو زعمت بعض المؤسسات غير الحكومية أنها بديل جاهز للمرحلة المقبلة فهي أيضا واهمة لأنها جزء لا يتجزأ من هذا النظام السياسي وإحدى إفرازاته.
من الطبيعي أن الأدوات التي جرت في مواجهة الأزمات الماضية، لن تتمكن من مواجهة المرحلة القادمة وتعقيداتها، حتى لو جرى شحذها وتشذيبها، ولذلك لا بد من عملية اجتماعية وطنية واسعة وجريئة تعيد تجديد الحركة الوطنية الفلسطينية، وتبني على ما أنجز وهو ليس بسيطا، ومسؤولية القيادة المجرّبة هي في ضمان الانتقال السلس لهذه المرحلة دونما خضّات أو هزّات، وعبر عملية ديمقراطية قوامها الاحتكام للشعب. والتجديد المطلوب سيطال على الأغلب البنى والهياكل التنظيمية للحركة الوطنية، أساليب وطرائق عملها ونمط علاقتها بالجمهور، خطابها المحلي والخارجي، العلاقات بين مكوّنات هذه الحركة، وكذلك وجوهها ورموزها وتشكيلاتها القيادية التي يجب أن تنفتح لاستيعاب الشباب والمرأة بشكل خاص.
تجديد الحركة الوطنية ليس بدعة جديدة، فالأحداث الكبرى التي مر بها النضال الفلسطيني على امتداد قرن كامل ساهم في تجديد هذه الحركة عند المحطات المفصلية الكبرى، وتحديدا بعد وقوع النكبة وكذلك هزيمة حزيران عام 1967، وفي كل مرة تجددت البنى والهياكل والبرامج والوجوه القيادية بشكل كامل تقريبا، واللافت أن هذه المرحلة الأخيرة التي ما زلنا نعيش وسطها هي الأطول زمنيا، مع أن ضرورات تجديدها بدأت تضغط وتطرح نفسها بقوة منذ فشل المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو والانتفاضة الثانية.

*عضو المجلس الوطني الفلسطيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا