الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة العربية الإسلامية (أطوار التحول من الغزو التوسعي إلى الانحطاط والتبعية والسقوط المدوي) 12

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 11 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تلاقح الثقافة العربية/الإسلامية مع الثقافات الحضارية للأمم القديمة

لمدة نصف القرن، واصل خلفا أكبر، "جاهنجر" و"شاه جهان"، سياساتهم. وتم إضافة عاصمة جديدة، أعيد بناؤها في دلهي إلى العاصمتين القديمتين في "فاتحبور سيكري" و"أغرا"، موقع أشهر مباني شاه جهان، تاج محل.
وتم التعبير عن اختلاط التقاليد الهندوسية والإسلامية في جميع الفنون، وخاصة في الرسم الطبيعي والحسي. وكان لهذا التلاقح دوره في إنتاج تصاميم راقية ومتطورة إلى حدٍ ما في السيراميك، وأعمال التطعيم والمنسوجات؛ وفي هندسة معمارية خاصة وضخمة.
كان ابن شاه جهان، "دارا شيخيه" (1615-1659)، مفكرًا وكاتبًا صوفيًا، حاول إنشاء أرضية مشتركة للمسلمين والهندوس. رداً على مثل هذه المحاولات، نشأت حركة طائفية متشددة ذات عقلية إسلامية/شرعية، مرتبطة بزعيم للطريقة النقشبندية اسمه الشيخ أحمد السرهندي.
مع انضمام "أورنجزيب" (1658 - 1707)، تم استبدال تقليد الحركة المسكونية المتحمسة، التي عاودت الظهور بعد عدة قرون في شخص غير مسلم يُدعى Mohandas K. (Mahatma) Gandhi، بشيوعٍ في التشدد أكثر صرامة؛ حيث فرض عقوبات على "الكفار" من غير المسلمين المحمين.
شدد المسلمون على دور الشاه كقائد للأمة بحكم تطبيقه للشريعة. في هذه الأثناء؛ وعلى عكس المجالين العثمانيين والصفويين، كانت الإمبراطورية الهندية التيمورية لا تزال تتوسع حتى بداية القرن الثامن عشر، لكن الإمبراطورية بدأت تتفكك بعد فترة وجيزة من نهاية حكم "أورنجزيب"، عندما كانت قوة الصفويين والعثمانيين تتراجع أيضًا بسرعة.
ولأن الثقافة العربية/الإسلامية/البدوية لم تكن تمتلك من الفنون سوى "الشِعر"؛ كانوا تواقين لمعرفة المزيد عن ثقافات الأمم الأخرى، واجتهدوا في تبنيها؛ شريطة ألا تتعارض (تلك القاعدة الصارمة) مع شرع الله، وإن تجاوزتها رغبتهم في الكثير من مناحي الحياة الثقافية، والتي نسبوها إلى أنفسهم، لاحقًا، من الناحية الحضارية؛ وصكوا لاقتباساتهم وسرقاتهم تلك؛ تبعًا لذلك، ومعهم بعض المؤرخين، مفهوم "الحضارة العربية الإسلامية".
وبين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، أصبح استخدام القهوة والشاي والتبغ، على الرغم من اعتراضات العلماء! شائعًا في جميع الإمبراطوريات الثلاث. حيث أصبحت المقاهي مراكز جديدة مهمة للتنشئة الاجتماعية للذكور، بالإضافة إلى المنزل والمسجد والسوق والحمام العام.
بينما اقتصرت التنشئة الاجتماعية للإناث إلى حد كبير على المنزل والحمام). في المقاهي، يمكن للرجال ممارسة فن سرد القصص المتطور بالفعل والاستمتاع بالتطويع الفني للغة ألف ليلة وليلة، وهي من أقدم مخطوطاتها التي يعود تاريخها إلى هذه الفترة.
ولا بد أن قصص البطلين العربيين عنتر بن شداد والهلالي سلامة، بكل مُبالغاتها، كانتا شائعتين، ومثلهما حكايات الأحمق الحكيم، الملقب بـ "الملا نصر آل دين" بالفارسية (نصر الدين)، "هوكا" باللغة التركية، وجحا باللغة العربية.
إن مآثر نصر الدين، قد أتت أحيانًا تحت ستار الدرويش الصوفي أو المستشار الملكي، غالبًا ما تصور بشكل فكاهي الاستبداد والتصوف المركزيين.
تلك الشخصية الحكيمة، والتي يبدو أنها في الواقع خيالية معروفة بالفكاهة والمتعة ومحبوبة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وحققت قصة "جُحا" وحكاياته الخيالية القصيرة المضحكة، نجاحًا كبيرًا وانتشارًا واسعًا، حيث ظهرت نسخ من الشخصية باللغة التركية والإيرانية، بل والإيطالية والرومانية وبعض اللغات الأجنبية الأخرى.

ومن مآثره واسعة الانتشار في تلك الأصقاع: أنه في أحد أيام الشتاء البارد، كان جحا جالس في قصر الملك، فقال الملك لجحا مداعبا اياه: هل تستطيع يا جحا أن تجلس خارج القصر في العراء، وفى ليلة من ليالي الشتاء الباردة وأنت عاري الصدر؟ فرد عليه جحا بمنتهى الشجاعة والتحدي: نعم يا مولاي، بل وزاد من تحديه، وترك أيضا للملك تحديد الليلة التي يريد أن يقضيها جحا في العراء. فاندهش الملك وقال لجحا: إذا فعلت ذلك يا جحا سوف يكون لك مكافأة كبيره، وسوف أعطيك ألفا من الدنانير الذهبية في المقابل. واختار الملك ليلة من ليالي الشتاء شديدة البرودة، فأمر الملك حراسه أن يصعدوا مع جحا لقمة الجبل، ويجردونه من الملابس، ويظلوا بالقرب منه طوال الليل، يراقبونه حتى لا يشعل نارًا تدفئه وبالفعل قام الحراس بلبس ملابسهم الشتوية الثقيلة التي تحميهم من البرد القارص، وقاموا بالصعود مع جحا إلى قمة الجبل، وجردوه من ملابسه وجلسوا بعيدًا عنه قليلًا يراقبونه كما أمر الملك. وقضي جحا ليلته وهو متيقظ من شدة البرد، حتى كاد الدم يتجمد في عروقه، وفي اليوم التالي، قام الحراس باصطحاب حجا من أعلى قمة الجبل ونزلوا به الى قصر الملك، وقد كان جحا سليمًا تمامًا ولم يمسسه أي سوء، مما أثار دهشة الملك، وظل يحكي جحا عن ليلته التي قضاها فوق قمة الجبل والأهوال التي مر بها وحيدًا وفى البرد القارص .
خداع الملك :
وهنا سأله الملك هل رأيت أي نار مشتعلة في أي مكان وأنت بقمة الجبل؟ فرد عليه جحا: نعم لقد رأيت ضوءً ضعيفا لمصباح يومض من بعيد جدًا، من نافذة أحد بيوت القرية التي على سفح الجبل .وهنا رد عليه الملك أي أنك استدفأت بضوء ذلك المصباح وخسرت هديتي إليك. هنا اشتد غضب جحا ولاذ بالصمت، ثم أخذ يفكر بحيله ليستعيد بها مكافأته التي وعده بها هذا الملك المخادع .
ذكاء جحا:
وبعد مرور أسابيع ذهب جحا إلى قصر الملك، وقام بدعوته هو والحاشية، إلى الغذاء عنده، وأنه سيعد لهم مائدة شهية جدًا في المروج بين الأزهار والأشجار، وبالفعل لبى الملك وحاشيته طلب جحا .وذهبوا إلى منزله، وكان قد خصص لهم جحا بالفعل مكان متميز بين الأشجار اليانعة، وأخذ يلقي النكات والدعابات المضحكة عليهم، حتى فات موعد الغذاء، فشعر الملك بالجوع. وكان جحا بين الحين والحين يترك الجالسين ويغيب برهة من الوقت ويعود مجددًا، ولما اشتد الجوع بالملك سأل جحا أين الطعام؟ فلقد اشتد بنا الجوع يا حجا، فرد عليه جحا: بأن الطعام لم ينضج بعد .وأن ذلك ليس ذنبه وإنما ذنب النار، فقام الملك من مجلسه وقال لحاشيته: هيا بنا لكي نرى ما يصنع لنا جحا، وبالفعل ذهبوا جميعا ليروا ماذا أعد لهم جحا من طعام، فرأوا أن جحا وضع عدة قدور بها طعام وعلقها بأعلى شجره والنار أشعلها في الأرض، بحيث لا تصل النار إلى القدور، بل يصعد للقدور دخان النار فقط .هنا غضب الملك وقال: ما هذا يا جحا، أتسخر منا؟ فرد عليه جحا: أتذكر يا مولاي تلك الليلة التي قضيتها في أعلى الجبل، لما رأيت الضوء الخافت يضوي من مصباح بعيد جدًا؛ وحكمت عليّ يا مولاي آنذاك بأنني استدفأت به، فكيف لم ينضج الطعام وليس بينه وبين النار إلا عدة أمتار بسيطة فقط ؟ هنا ضحك الملك من ذكاء جحا وزال غضبه، ثم أمر بإعطائه مكافأته التي وعده بها، وهي ألف دينار ذهبًا .
وفي أحد الأيام، كان هناك ملك لديه حمار، أراد منه أن يتكلم، لذلك أمر الملك جحا بتعليم الحمار الكلام، وإذا لم يستطع فعل ذلك، فسيقوم الملك بقتله. وافق جحا على تعليم الحمار التحدث بشرط أن يمنحه الملك 20 عامًا للقيام بذلك، فوافق الملك، ثم عاد جحا إلى منزله وأخبر زوجته بما أمره الملك أن يفعله. فقالت زوجته القلقة عليه: "هل رأيت حمارًا يتحدث؟ هل تريد أن تُقتل؟"، ضحك جحا وقال: "لا تقلقي، لدي 20 سنة للقيام بذلك، خلال هذه السنوات العشرين، إما أن يموت الحمار أو سأموت أنا أو يموت الملك".
وكان جحا (نصر الدين) يسخر دومًا من المؤسسين والمعلمين من الصوفيين الشرقيين العظام، الذين ماتوا جميعًا في مدارسهم. والذين كانوا محط الحكايات والمعجزات ومآثر الأقوال، من قِبل الناس البسطاء/البلهاء، وكان دائمًا ما يصفهم بكلمة واحدة "جزر"، وعندما يستدعيه الملك ليشرح مغزاه بنفسه؛ فيقول للملك: هناك قلة من الناس يعرفون - باستثناء المزارع – الجزر باللون الأخضر، لأن الجزء الأفضل من الجزرة هو المدفون في الأرض؛ وفي المقابل هناك عدد كبير من (الحمير) يظنون بأن هناك برتقالة تحت الأرض!


وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على