الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراء في كتاب - الأقلية الإسلامية في صقلية بين الاندماج والصدام وصراع الهوية (484 591ه./ 1091 1194م.)- لدكتور ابراهيم القادري بوتشيش

حنضوري حميد
كاتب وباحث في التاريخ

(Hamid Handouri)

2020 / 11 / 9
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


القراءة التي نريد أن نقدمها هذا اليوم هي للكتاب " الأقلية الإسلامية في صقلية بين الاندماج والصدام وصراع الهوية (484ـ 591هـ./ 1091ـ 1194م.)" من تأليف الدكتور ابراهيم القادري بوتشيش، فهو أستاذ و الباحث ولد سنة 1955م. حاصل على شهادة الإجازة بفاس سنة 1977م. تخصص تاريخ والجغرافيا، كما حصل على شهادة الكفاءة التربوية من المدرسة العليا للأساتذة بالرباط 1979م. ثم دبلوم الدراسات العليا في التاريخ الوسيط سنة 1984م. بجامعة محمد بن عبد الله بفاس. ليستمر على هذا المنوال حتى حصل على شهادة دكتوراه دولة سنة 1991م. بجماعة مولاي اسماعيل بمكناس تخصص التاريخ الإسلامي الوسيط.
للمؤلف ابراهيم القادري كتابات عديدة وانتاجات غزيرة تفوق عشر مؤلفات، ساهمت بشكل كبير في إغناء المكتبات الوطنية، ومن بين هاته الإنتاجات نذكر "خطاب العدالة في كتب الآداب السلطانية"، "التصوف السني في تاريخ المغرب"، "بين أخلاقيات العرب وذهنيات الغرب"... إضافة إلى مقالات عديدة لا تقل أهمية.
اشتغل الدكتور ابراهيم القادري في مناصب عدة، فكان مستشار في جمعية المؤرخين المغاربة في الرباط، ورئيس المجموعة المغاربية للدراسات التاريخية والأثرية والحضارات المقارنة ... والآن يشتغل منصب أستاذ جامعي بجامعة مولى اسماعيل بمكناس ومحاضر في جامعات عدة في العالم.
هذا عن الكاتب أما الكتاب الذي نشتغل بقراءته اليوم فهو تحت عنوان " الأقلية الإسلامية في صقلية بين الاندماج والصدام وصراع الهوية (484ـ 591هـ./ 1091ـ 1194م.)" الصادر عن دار النشر المجوعة المغاربية للدراسات التاريخية والحضارات المقارنة بتعاون مع جامعة مولى اسماعيل مكناس سنة 2016م.، فهو كتاب من الحجم المتوسط يتكون من 205 صفحة و يكتسي أهمية بالغة إذ يعتبر إنجازا عظيما لاهتمامه بدراسة الأقليات الإسلامية في صقلية وهو حقل بكر يتسم بالندرة الدراسة والبحث فيه. ولهذا قرر الباحث ابراهيم القادري الخوض في ركوب موجة المغامرة البحث، بالعودة إلى طرح مجموعة من الإشكالات الموضوعية، والتنقيب في ثنايا الكتب والوثائق الأرشيفية للكشف و رفع لبس عن وضعية بشرية إسلامية جسّدت أقلية مغتربة ومنعزلة في "دار الكفر" على حد تعبير الكاتب. وهذه الأقلية أفلّ نجمها و لعبت دور المغلوب بعد أن حكمت ما يربو قرنين من الزمان.
وهذا الانفراد الجميل عند الباحث، هي من الأسباب التي شجعتني لقراءة هذا الكتاب. إضافة إلى هذا، كان لي شرف الحصول على نسخة من هذا الكتاب من طرف الأستاذ ابراهيم القادري بوتشيش تحفيزا منه
باعتباري أحد طلابه. ولعلي من خلال هذه القراءة المتواضعة أفتح شهيتكم لاطلاع عليه واعتماده مرجعا لكم في البحث. و ما يثير الانتباه والفضول معا، هو أن نقف مع هذا الباحث وهو يدلي بدلوه في محاولة معرفة وكشف النقاب عن الوضعيات التي عاشها الأقلية الإسلامية في جزيرة صقلية خلال الحكم النورماني. وكيف حاولت هذه الأقلية أن تتأقلم و تتعايش مع مجتمع جديد، بالرغم من الاختلاف السائد بينهم في التوجه والحكم أيام السيادة.
ولهذا الأمر، شمر الباحث عن ساعد الجد مستهدفا الكشف عن بعض الصفحات المطوية من تاريخ صقلية، معلنا أن كل الدراسات العربية المنجزة حول هذا الموضوع دراسات محترمة إلا أنها تناولته بشكل واسع وفضفاض، وفي سياق زمني يغطي قرونا عديدة تبدأ من الفتح الإسلامي لهذا البلد، وعالجت مواضيع عدة طغت عليها الكتابة السياسية والعسكرية...وهذا ما جعل البحث في تاريخ الاجتماعي والاقتصادي لصقلية فقير.
فالهدف إذن من هذه الدراسة، هو النبش في خبايا وثنايا حلقات هذا التاريخ الغامض، رغم ما كتب حوله. وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأقلية الإسلامية في صقلية التي انقلب عليها الأمر لتنتقل من موقع الحاكم إلى موقع المحكوم. وفي ظل هذا التغيير الراديكالي الذي ستختلف فيه موازين القوى في الحكم، ستقع تغيرات جديدة على مستوى نمط العيش و الحياة الاجتماعية و الاقتصادية، أثناء بروز معالم مجتمع جديد الذي يختلف تماما عن ذي قبل.( صفحة 4 من المقدمة).
ثم يتضح الهدف من الكتاب أكثر في صفحة 5 من المقدمة قائلا " رغم خطورة هذه التحولات التي طالت جسد الإنسان المسلم في صقلية ومشاعره وهويته وحياته اليومية، فإن المصادر العربية لم تكشف عنها إلا بكيفية شاحبة" وربما هذا هو الهدف الأوضح والأسمى من هذه الدراسة من أجل تعريف بهذه الأقلية وانقاذها من تلف والاضطراب الهوياتي.
أما الطريقة التي اتبعها للوصول للهدف فهي الاعتماد على المنهج المقارن من خلال جمع نصوص كثيرة من مصادر ومراجع متنوعة منها كتب الرحلات الجغرافية، الآداب السلطانية، النوازل الفقهية، والوثائق الأرشيفية الصقلية... إضافة إلى الدراسات المنجزة من طرف الباحثين الغربيين كما أشار إليها الباحث في صفحة 6و7ومقارنتها بعضها البعض. كما اعتمد أيضا على المنهج تاريخي تحليلي من خلال رصد وتتبع أحداث تاريخية للأقلية الإسلامية في صقلية منذ سيادتها إلى أن سقطت تحت لواء الحكم النورماني.
ولحل هذه الاشكالية، رسم لها المؤلف تصميما محكما يتكون من مقدمة وستة مباحث ، ويمكن اعتبار المقدمة تمهيدا نظريا ـ كما يبدو لي ـ خصصه الباحث لمحاولة ضبط مفهوم الأقلية وجعله أكثرا وضوحا من خلال استعراضه لمجموعة من المقاربات والدراسات متنوعة ليستشف منها مفهوم دقيقا للأقلية. أما المبحث الأول فقد تتبع فيه الباحث التغيير التدريجي والسياق التاريخي الذي تحولت فيه السيادة من المسلمين إلى النورمانيين، وذلك من خلال التعريف بالصقلية وثرواتها الاقتصادية ومقوماتها الجغرافية وبنيتها القبلية التي كانت عليها من قبل. كما استحضر الباحث أيضا في هذا السياق أصل النورمان وكيفية استغلال الضرفية وعوامل عدة لتسقط صقلية بين أيديهم وتنتهي المقاومة الإسلامية في صقلية. أما المبحث الثاني فهو ـ كما يبدو لي ـ محاولة الباحث التطرق إلى الصدمة التي واجهت الأقلية الإسلامية في اندماجها في مجتمع جديد، ورغبتها في استرجاع مكانتها الحضارية. لتقف أمام أمر الواقع لتصبح محكومة في وقت الذي كانت ذات السيادة.
أما المبحث الثالث والرابع يتحدثان عن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للأقلية الإسلامية، فهما مبحثان متكاملان لفهم التركيبة القبلية والاثنية والدينامية في ظل هذه الأحداث الجديدة. فقد تحدث الباحث في الشق الأول عن التوزيع السكاني في أرجاء جزيرة صقلية وكذا مكونات القبلية التي تتميز بتنوع بين أعراق العرب والبربر والفرس والأفارقة، الناتجة عن الهجرة، سواء كانت اضطرارية قسرية، أو جماعية، أو نخبوية إسلامية سواء في اتجاهها التصاعدي أو التنازلي. كما رصد المؤلف تشخيصا دقيقا للوضعية الاجتماعية لهذه الأقلية في ممارسة عاداتها وتقليدها وقيامها وشعائرها الدينية، وفق منهج توليفي توافقي مع اثنيات أخرى كالنصارى واليهود والوافدين الأخرين الجدد في المجتمع الجديد. وهنا وسع الباحث دائرة البحث في الأقليات أخرى ليبن الشعور بالنقص الذي يعيشونها جميعا كمواطنين من درجة ثانية.
أما الشق الثاني أي الجانب الاقتصادي، فقد تحدث فيه الباحث القادري بوتشيش عن الوضعية المتردية للأقلية الإسلامية، بسبب الانتقال إلى اقتصاد الفيودالي الذي أدى إلى انعكاسات وخيمة عليها. ولقد توصل الباحث من خلال تشريحه واستنطاقه لمجموعة من الوثائق لاتينية و إسلامية إلى استخراج معطيات ذات أهمية مفادها أن ممارسات وتجاوزات وخروقات ألا انسانية في حق الأقلية الإسلامية، لتنازل و بيع أراضي المسلمين في صقلية غصبا من النورمان، ليتحولوا من أصحاب الملكية إلى أقنان يتحكم فيهم ويثقل كاهلهم بالضرائب.
ومن الملاحظ أن في هذين المبحثين، استعمل الباحث ابراهيم القادري، خطابا تحليليا من خلال عبوره لتخصصات أخرى واستعانته بها لكي تتضح الرؤية من كل جوانب للكشف عن الحقيقة، كما استعمل أيضا مجموعة من المفاهيم والمصطلحات أسهمت في غنى المعجم التاريخي وتطويره، مما أعطى رونقا جماليا للغة التاريخية.
أما المبحث الخامس من هذا الكتاب الذي عنونه الباحث بـ" المسألة الدينية بين مسار التسامح ومشاهد الاضطهاد" فقد رسم فيه مسارين متناقضين الأول انساني تسامحي مع الأقلية الإسلامية رغم أنه طرحها بنوع من الأحكام الفضفاضة تبعد عن الدقة. أما المسار الثاني فهو اضطهادي يتمثل في تهويد المقدسات والاعتداء على حرمات المساجد وتحويلها لكنائس والقضاء على صلاة الجمعة التي لها رمزية في نفوس المسلمين وتسلط البلاط الحاكم على حريات المعتقد ومنع الجهر بالإسلام، إلى جانب المساس بالكينونة الحضارية للمسلمين من خلال اغتيالات وتنصير البقية وتزوير أسماء العربية في محاولة تطهير العرقيّ لهذه الأقلية.
وما يحسب للباحث هنا، أنه التزم الموضوعية والحيادية العلمية، رغم ما يطرحه هذا الموضوع من حساسية، في اختلاف الأديان والمعتقد. ولهدا أخذ الباحث الموضوع بجدية وخضعه لدراسة والتحليل من منظور مؤرخ حيادي، باستعمال المنهج المقارن.
أما المبحث السادس والأخير من هذا الكتاب، فيبدو لي أنه الحصيلة التي وصلت إليها الأقلية الإسلامية في صقلية بعد أن تتبعنا مسارها التاريخي وتواجدها فيها، وذلك من خلال رصد الباحث لإسهامات هذه الأقلية الإسلامية في بناء وتنمية مجتمع صقلي وحضورها في محطات عدة، ومشاركتها الفعلية والإبداعية في صقلية زد على ذلك اهتمامها بالإنتاج المعرفي والتقني والتصنيع والهندسة إضافة إلى مجال الخدمات الإدارية والعسكرية. أما المحور الثاني من هذا المبحث، فقد تحدث الباحث عن أخر حلقة التي وصلت إليها الأقلية الإسلامية في صقلية بعد أن سقط الحكم من يدها، وهي "الاضطهاد السياسي" ووقعه البسيكولوجي على هذه الجماعة، وما يترتب عنه من المعاناة والاغتراب والاحباط وضرب في الشرف وطمس الهوية. وتجدر الإشارة أن هذا المبحث، عرف ندرة في الوثائق التي تحدثت عنه، ولهذا ترك الباحث ابراهيم القادري لنفسه هامش الاجتهاد لتشريح الموضوع ووضع الفرضيات والتأويلات والخروج من قدسية وسلطة النص ليبني هذا المبحث بشكل نظري معتمدا فيه على الاستنتاجات التي وصل إليها للإجابة عن الاشكال الذي طرحه في المقدمة.
وكما هو المألوف والمعتاد عند الباحث ابراهيم القادري، وكما أشرت آنفا، أنه وظف مجموعة من مفاهيم ومصطلحات لغوية جعلت هذه الدراسة تغني البحث التاريخي، وتجلب انتباه القارئ لكي يتفاعل مع وقائع تاريخية وتصنع في مخيلته خيطا ناظما لمعرفة اوضع الأقلية الإسلامية في صقلية إبان حكم النورمانديين.
وفي الختام يمكن القول أن الباحث ابراهيم القادري بوتشيش، حاول في هذا الكتاب "الأقلية الإسلامية في صقلية.." الكشف لنا عن تاريخ مطموس قد يندرج ضمن تاريخ المهمشين، من خلال الخروج عن المألوف في الدراسات التاريخية ليدرس تاريخ المشاعر( الاضطراب في الشعور، القلق، طمس الهوية..) وغيرها من المفاهيم السوسيولوجية التي درسها بخلفية المؤرخ وعمل على تشريحها بأدوات دقيقة، باعتماد على المنهجية تحليلية وعلى المنهج التاريخي والمنهج المقارن...
وعليه، فالباحث ابراهيم القادري بوتشيش، يعتبر من الباحثين الأوائل وهم قلة، الذين بحثوا في تاريخ من الأسفل الذي يرتكز على دراسة الأقليات والذهنيات.. في الغرب الإسلامي و أعطى نفسا جديد في دراسات تاريخية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا