الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الامريكية : انهزم ترامب فهل انتصرت امريكا مع فايده

محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)

2020 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


انهزم ترامب فهل انتصرت امريكا مع بايدن ؟؟
بعد فوزه المثير للجدل برئاسة الولايات المتحدة في 2016 ، ظهرت في دوائر مختلفة من القرار الأمريكي والدولي ( الجمهوري حتى ) امتعاض من تنامي الخطاب الشعبوي لترامب وانتهاجه لسياسة خارجية وداخلية موغلة في الشوفينية والتعجرف والاعتداد المرضي بالذات، مُقوِّضًا لثوابت هامّة في النظام الدولي الداعمة لاستقراره الحالي( مثل الانسحاب من منظمة الصحة ...) و مخترقا بشكل غير مسبوق الوحدة السياسية للمجتمع الأمريكي القائم على توازنات التنوع ، بهدف تأبيد سيادة قطب شُعبوي على توازنات السياسة الكلاسيكية للديمقراطية الأمريكية ، مهدِّدا بذلك لا مصالح الصين أو حتى حلفاء امريكا الاوروبيين فحسب بل حتى توازنات مصالح سادة القرار المالي الأمريكي في الداخل .
اشتغلت كل الماكينات ولوبيات المصالح في الداخل والخارج الأمريكي و ركبت موجة حاصد الارواح " الكوروني" و الرجات الشعبية الناتجة عن مقتل "فلويد" المأساوي لتستنفر قطاعات واسعة من الامريكيين في انتخابات رئاسية إستثنائية ضد غول شُعبوية الارعن دونالد ترامب ، فكانت النتيجة فوزا للديمقراطيين بقيادة جو بايدن وكامالا هاريس و انسحاب تاريخي لترامب ، 158 مليونا من الأمريكيين بما يفوق نسبة 68% ممن يحق لهم التصويت شاركوا بشكل لم تشهده امريكا منذ قرن من الزمن ، تعبئة إستثنائية كسب فيها "الشعبوي الارعن" ترامب رغم كل شيئ 8 مليون صوت إضافية على انتخابات 2016 ( أكثر من 70 مليون صوت في انتخابات 2020 ) ، وتمكن الديمقراطيون في أجواء صعبة ومشوبة بشبهات تطويع الأجهزة الإعلامية و الانتخابية من حشد أصوات غالبية النساء و ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية والأسيوية( باختصار ذوي البشرة الملونة ) و الشباب من ذوي التعليم المرتفع و ساكنة المدن ذات الكثافة العمالية لصالح جو بايدن ، ليصير الرئيس 46 للولايات المتحدة الأمريكية مُنقذا لها من تنامي الشعبوية و معيدا لها القها الدولي و مسترجعا ديمقراطيتها الكلاسيكية القائمة على توازن المصالح الداخلي في التنافس السياسي التداولي بين "الحمار" الديمقراطي و"الفيل" الجمهوري ضمن إطار المصالح الاستراتيجية القومية لشرطي العالم الحديث ومن ورائهم تداول المصالح المالية بين امبراطوريات صياغة سياسة " اللاحرب واللاسلم الدولية" الحقيقيين الموزعين بين رساميل صناعة الموت المسلّح و رساميل صناعة أسلحة الموت .
فاز الديمقراطيون اذا وانهزم دونالد ترامب في أوضاع دولية و أمريكية جِدُّ صعبة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي و في ظل تنامي المدّ الثوري في كل العالم مع اشتداد الأزمات وتعري زيف مقولة إستقرار السوق والرفاه العام الرأسمالي أكثر فاكثر حتى عند شعوب الدول الأكثر تقدُّما والأكثر تصنيعا واكتنازا للثروات ، ولكن حتى هذا الانتصار المهرجاني لبايدن على خصم "المنظومة" حتى وإن حظي بمباركة سريعة من بعض النواب الجمهوريين المشهورين ( رغم أن رئيسهم مازال يصرخ ويعربد ضد التزوير ) وهلّلت له وسائل اعلام أمريكية واوروبية ...الخ لم يحدث زلزالا امريكيا ولم يقترب حتى من الرجة في توازنات المجتمع الأمريكي ، فلا زال الجمهوريون يحافظون على أغلبية مجلس الشيوخ ولم يخسروا بعد بشكل جذري انتخابات مجلس النواب ، كما لم يتمكن الديمقراطيون من تغطية الانقسام الحاد للناخبين الامريكيين مناصفة تقريبا بينهم وبين الجمهوريين .
اما الأهم فإن شعب الولايات المتحدة لم يتمكن رغم حجم الخراب و التفقير والميز العنصري و مختلف الانتهاكات الرسمية الداخلية والخارجية المثيرة للفتن والحروب و رغم حجم تفاوت الثروات بين الأغنياء والفقراء داخل امريكا ( أي نعم الفقر موجود هناك أيضا ) وسطوة لوبيات الإعلام و انتهاك حقوق الأقليات العرقية والدينية وانتهاك حقوق العُمّال ... باختصار رغم قساوة الأزمة الاجتماعية والصحية على الامريكان و تزامنها مع التصدع " الشكلي" في منظومة الحكم الكلاسيكية و مع أزمة الكورونا وتنامي الحركات الاحتجاجية حول الحقوق والحريات !! لم يتمكن من كسر الحصار الديمقراطي-الجمهوري له وتشويه وعيه وإعادته لحظيرة ديمقراطية تداول المصالح بين سادة "الحزبين الكبيرين" رُعاة الاستقرار بالحديد والنار في بلاد العم سام !
مفارقة ال300 مليون ساكن في الدولة الأقوى اقتصاديا وسياسيا في التوازنات الدولية الحالية حيث تُكتنز الثروة المنتجة عالميا و داخليا بشكل غير مسبوق بيد أقلية من اثرى الاثرياء وتوزع الفتات على أقلية هامشية من اثرى سماسرة ومدراء البنوك وشركات المضاربة و تعويم الأموال وحيث ينتشر البؤس و الفقر و التهميش والتشرد وكل أشكال الفساد و الاجرام و المخدرات في صفوف العامة ومدن الهامش العمالي ... ، انهم مُحافظون تحكمهم سياسات تعمية وتربية رسمية و إعلامية ممنهجة وشعبوية على الطريقة الديمقراطية-الجمهورية الرسمية التي تنفخ بالقوة في الصورة البالونية الوهمية والمهترىة للحلم الليبرالي الأمريكي ، مُشيعة التقسيم الطائفي و العنصري و مقحمة بالقوة الدين في السياسة وحتى في قضايا الحريات ومنظمات الدفاع عن الحقوق المدنية ... حتى لا يستطيعوا استثمار بؤسهم لدك منظومة الاستغلال من اساسها ، وليرجعوا في النهاية إلى خيار المفاضلة الحتمي بين "الشعبوي الارعن" و "الشعبوي العقلاني " للتوازن الكلاسيكي الأمريكي!!!
من نافلة القول أن السياسة الرسمية الأمريكية لا تتغير دوريا مع هذا الرئيس أو ذاك ، هذه الإدارة أو تلك ، وان الرئيس وإن بايدن العقلاني وان كان يحتكم على سُلطات تنفيذية واسعة ، وان كان سيجنح إلى سياسة خارجية هادئة نسبيا وخاصة مع الصين وايران والمنظمات الدولية او تجاه القضية الفلسطينية وداخلية ذات توجه إصلاحي إجتماعية واقل حدة تجاه المهاجرين والأقليات ، الا أنه لن يتخلى عن الثوابت الأمريكية القائمة على التوسع الاقتصادي لليبرالية الأكثر توحُّشا و لن يمس المصالح الجوهرية لصناعة الأسلحة التي يُمَثَّلُها رمزيا الجندي الخارق الأمريكي وما يستوجبه من تواصل وجود ساحات الحرب و لن يسمح لقضية مقتل " جورج فلويد" من تحد من طموح مدراء وول ستريت في ابتلاع كل الذهب الأمريكي والعالمي الحديث محافظة على الحلم الأمريكي الكلاسيكي القائم على ( حوت يأكل حوت ) ، وهو في النهاية لن يقطع العلاقة الرسمية الأمريكية مع اليمين الديني والإسلام السياسي الحاكم في منطقتنا - وإن دفع لتغيير بعض وجوهه- طالما يضمن مصالح امريكا في تدفق ما يلزم لأنهاض اقتصادها والسماح بمرور ما يلزم لحماية أمنها ودفع شبابيك الحروب بالوكالة بعيدا عن حدودها .
في أمريكا حيث تتحدد بشكل كبير سياسات الحرب والسلم العالمية جنبا إلى جنب مع التقسيم العالمي للعمل وتوزيع الثروة ، سيكون كل حراك ثوري حقيقي مزلزلا لكل العلاقات الاقتصادية والسياسية في العالم و دافعا قويا لحراك ثوري عالمي ، عندما تكف آلة الدولة التوسعية الأمريكية عن إقحام أنفها في حياة بقية الشعوب وتستكين لسلم إنساني ولو مؤقت تحت ضربات ثوارها سترتبك اغلب أجهزة الآلة البرجوازية العالمية و تجد مختلف الشعوب والطبقات المضطهدة طريقا اوسع للتحرر ، حينها سينتصر الامريكان لذواتهم ولبقية العالم خارج الثنائية الحتمية للحمار والفيل العجوزين !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة