الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوردانو برونو ( 1548 م. _ 1600 م. )

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 11 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




هو الفيلسوف الايطالي العقلاني المادي الثائر (المولود في مدينة نولا بمملكة نابولي) وهو أيضاً العالِم الفيزيائي والفلكي العظيم بجرأته في مجابهة تخلف الكنيسة ونظامها الغيبي الرجعي، ودفاعاً عن مواقفه وقناعاته العلمية عموماً وفي علم الفلك خصوصاً.

قام بتطوير وتصحيح نظرية كوبرنيكس، " آمن بـ "لا نهائية" المكان أو لانهائية الطبيعة، ورفض مركزية الشمس في الكون مؤكداُ على أن لا وجود لهذا المركز إلا كمركز نسبي فقط "فشمسنا ليست النجم الوحيد الذي له أقمار تدور حوله" فالنجوم البعيدة هي شموس أيضاً لها توابعها، كما افترض أن جميع العوالم في هذا الكون مأهولة، يدفعه إلى ذلك إيمانه بأن كل ما في الطبيعة ذو نفس استناداً إلى إيمانه بمذهب حيوية المادة الذي اعتنقه كغيره من الفلاسفة الطبيعيون؛ وهو –حسب العديد من المصادر- أول من قال بوجود التجانس الفيزيائي بين الأرض والكواكب وهذه التنبؤات لم تؤكد علمياً إلا في أواسط القرن العشرين.

لقد حطم برونو التصورات القديمة عن العالم المخلوق ليجعل الكون ممتداً إلى ما لا نهاية، وهو القائل بأن: "الكلمة الأخيرة في كل مجال من مجالات المعرفة تكمن في العقل وحده"، وعلى أثر مواقفه وقناعاته الجريئة هذه، حوكم برونو بالهرطقة عام 1593 من قبل محاكم التفتيش الرومانية بتهمة إنكاره للعقائد الكاثوليكية الأساسية (بما في ذلك عقيدة الجحيم، والثالوث، وعذرية مريم، والإستحالة الجوهرية)، ووجدته محاكم التفتيش مذنبًا، وفي 17 فبراير 1600 عوقب حرقًا في روما في ساحة كامبو دي فيوري بعدما رفض إنكار قناعاته وأفكاره وفلسفته وتوجهاته العلمية.

" جوردانو برونو ذلك الثائر الإيطالي العظيم الذي طاف متنقلاً من بلد إلى بلد، ومن عقيدة إلى عقيدة، وكان دائماً يخرج من نفس الباب الذي دخل منه باحثاً متعجباً، والذي حكمت عليه محكمة التفتيش بالموت بغير إراقة دمه وذلك بان يحرق حيا"([1]).

أي ثروة من الأفكار والآراء كانت في هذا الفيلسوف "جوردانو برونو" الإيطالي الثائر أولها، فكرة وحدة الوجود العظيمة، كل الحقيقة واحدة في العنصر، واحدة في العلة، واحدة في الأصل، والله وهذه الحقيقة شيء واحد، واعتقد برونو أيضاً بان العقل والمادة شيء واحد، وكل ذرة من الحقيقة تتألف من عنصر مادي وعنصر روحي غير منفصلين، لذلك فإن موضوع الفلسفة هو إدراك وحدة الوجود في تعدد مظاهره والعقل في المادة، والمادة في العقل، وإيجاد التركيب الذي تتقابل فيه الاضداد والمتناقضات وتندمج، والارتفاع إلى ذروة المعرفة عن الوحدة الكلية التي تتساوى فكرياً مع محبة الله.

وعلى هذا النحو، "يصبح الله هو الجوهر، وتأثيراته هي الاعراض، أي المظاهر العابرة لذلك الجوهر الوحيد، ولكي نعرفه، لا نعود بحاجة إلى توسط الكنيسة، حاملة مفاتيح الما – وراء، اذ يكفي لذلك أن نعرف صورته التي هي الكون، وهذا يتأتى لنا حين ندرك أنه لا يوجد في الكون سوى مبدأ واحد، هو صوري ومادي في آن معاً، أي أن الكون هو في جوهره واحد ولا متناه، بينما تكون كل الاشياء الجزئية مجرد أعراض له، أما الكثرة البادية في الكون فهي ليست كثرة جواهر، وانما هي مجرد كثرة مظاهر لجوهر واحد هو هو بعينه"([2])، وطبقاً لهذا التفسير، يختفي التمايز بين الله والكون، ويصبح في الامكان التوجه إلى الله مباشرة بالتعرف على صورته التي هي الكون المفتوح مباشرة لعقولنا، والتي يمكن لتلك العقول التقدم، من خلال قراءة تلك الصورة بلا حدود، صوب تلك الطبيعة اللا متناهية التي هي الله.

وبموجب هذه النظرة الجديدة -كما يقول د. حامد خليل- "لم يعد ثمة مجال لان يعيش الإنسان في خوف وقلق دائمين من عالم مسكون بقوى خفية، فقد تكشف كل شيء له، وأفصح عن نفسه، وسيصبح في مقدور الإنسان التحليق في الفضاء اللا متناهي أنى وكيفما شاء، وبهذا الصدد أحدث "برونو" تحولاً كبيراً، بدد فيه كل المخاوف التي يمكن أن تستبد بالإنسان من جراء ذلك النظام الكوبرنيقي الجديد"([3]).

صحيح أن "برونو" -كما يستطرد د. حامد خليل- "عّبر عن الامكانات اللا محدودة للعقل البشري بلغة أقرب إلى أن تكون لغة شعرية، غير أنه شق الطريق لغاليليو وديكارت من بعده، والحقيقة أن "غاليليو" مدح فيما بعد شعر "برونو" الرومانسي حين بين بلغة رياضية دقيقة أن الحقائق التي يعرفها العقل البشري عن الكون، لا تختلف من حيث اليقين عما هي لدى الله، وفي ضوء ذلك لا يعود من الجائز للإنسان الهروب من هذا العالم، أو لا يعود بحاجة إلى هذا الهروب، فقد أصبح في مقدوره الآن أن يصبح قويا في معرفته لقوانين هذا العالم، إلى الدرجة التي تسمح له بتحويله عن وعي لصالحه، عوضاً عن أن يظل وجلا وخائفاً من ألغازه، مستسلما له، ولاهثا وراء أصحاب الكرامات لكي يخلصه من شروره على حد تعبير "فرنسيس بيكون""([4]).

لقد وصل برونو في نقده للكنيسة إلى الحد الذي حملها فيه مسؤولية كل ما يظهر من شرور في هذا العالم، فهي – في دعواتها المتلاحقة لاحتمال الآلام طمعا في الفردوس – قَدَّمَت العالم لقمة سائغة للأشرار الذين أداروه بنجاح عن الطريقة المثلى للتحمل، بدلاً من الطريقة المثلى للثأر مما أصابهم من أضرار، واستحق بذلك لقب رمز الفكر الحر الذي يتمرد على العقيدة الدينية، ويجهر بمعتقده في جميع بلدان أوروبا أمام أقوياء الأمم جميعاً وعلمائها.

فبسبب أفكاره ومعتقداته الفلسفية واكتشافاته العلمية، قامت الكنيسة باعتقاله وحبسه لمدة ثماني سنوات رفض برونو خلالها التراجع عن أفكاره، وتم حرقه -كما أشرنا من قبل- في روما في 17 فبراير 1600، ومن هذا المنظور ينزل برونو منزلة بطل الإنسانية المصممه على المطالبة بحقها في التفكير وفق عقل مستقل وفلسفي محض وعلى الدفاع عنه، ولو كان الثمن الحياة نفسها.

قالوا عنه :

- "برونو هو من أبرز تظاهرات التيار الطبيعي الذي كان واحداً من مركبات عصر النهضة". وما يميزه عن سائر فلاسفة زمانه أنه بقي وفياً لحقيقته حتى موته : فبعد كثرة من الشهداء المسيحيين يمثل برونو بعد سقراط، الوجه الأكثر جلاء لجميع شهداء الحقيقة العلمية". (إرنست بلوخ)"([5]).




([1]) ول ديورانت– قصة الفلسفة– ترجمة:د.فتح الله محمد المشعشع- مكتبة المعارف – بيروت – الطبعة الخامسة 1985م – ص189

([2]) حامد خليل – مشكلات فلسفية – الطبعة الثالثة – دار الكتاب – دمشق – 1989/1990م - ص 96

([3]) المرجع نفسه –ص 97

([4]) المرجع نفسه –ص 98

([5]) جورج طرابيشي – معجم الفلاسفة – دار الطليعة – بيروت – ط1 – أيار (مايو) 1987 – ص175-176








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح