الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين العمومي و الافتراء على ماركس

سعيد زارا

2020 / 11 / 10
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لتبرير غيهم و ضلا لتهم في تفسير ازمة الديون الراهنة التي لم يعرف مثلها العالم قبل سبعينيات القرن العشرين، غالبا ما يرجع دعاة الماركسية الى ما كتبه ماركس حول ديون الدولة او الديون العمومية (1) في كتابه راس المال ، في التراكم الاولي لراس المال بخصوص منشأ راس المال الصناعي، فيصيحون بأن الديون العمومية و الديون بشكل عام هي خصيصة رأسمالية و انها ليست بالجديدة و ان من يدعي بانهيار الرأسمالية لم يقرأ ماركس قط ، وهم بذلك يظنون انهم بالرجوع الى كتابات ماركس حول الدين العمومي و سردها على القارئ ور بطها بشكل تعسفي بالمرحلة الراهنة سيسكتوننا. بلى يا ادعياء الماركسية ، ما من نص سترجعون اليه فيما كتبه ماركس الا و انقلب ضدكم لانه ببساطة تحرفون ماركس ، فلم يعد هناك على المسرح الدولي ما يؤكد قيام الرأسمالية او توحشها كما تعتقدون.


لم نخالف ماركس في كون تطور الديون العمومية، او ديون الدولة، هي سمة ميزت نشوء الرأسمالية بل هي كما يوضح في منشأ راس المال الصناعي مصدر او ينبوع ساهم بتوليفة مع مصادر و ينابيع اخرى كالسياسة الجبائية ( الضريبية) و انتزاع اراضي السكان الزراعيين ...الخ في التراكم الاولي لراس المال " ...و تتوزع مختلف لحظات التراكم الاولي في تسلسل زمني متعاقب الى هذا الحد او ذاك بين مختلف البلدان ، و بخاصة اسبانيا و البرتغال و هولندا و فرنسا و انكلترا. و قد اندمجت هذه اللحظات في انكلترا، نحو اواخر القرن السابع عشر، في مجموع منتظم، يشمل معا نظام المستعمرات و نظام الاقتراض الحكومي، و نظام الضرائب الحديث، و نظام الحماية الجمركية. و اعتمدت هذه الطرائق في جانب منها على العنف الوحشي، كالنظام الاستعماري مثلا . و لكنها جميعا تستخدم سلطة الدولة، اي العنف المنظم و المركز في المجتمع ، بغية انما عملية تحويل نمط الانتاج الاقطاعي الى نمط رأسمالي، و تقليص مراحله الانتقالية .." ،و بذلك نؤكد ان الدين العمومي هو "واحدا من اقوى الروافع الجبارة للتراكم الاولي ".

ان نقيس القاعدة التي تقول بان "شعبا من الشعوب يزداد ثراءا بقدر ما يكون دينه أكبر" على واقعنا الراهن هو ذر الرماد في الاعين. أيد ماركس هذه القاعدة لان بحثه اوصله الى ان الدين العمومي و نظام الائتمان ساهما في ازدهار الانتاج الرأسمالي البضاعي و هو جذر الثروة في المجتمعات الرأسمالية المتطورة و على راسها انجلترا حيث يقول في بداية كتابة راس المال "تبرز ثروة المجتمعات التي يسودها الاسلوب الرأسمالي للإنتاج بوصفها تكديسا هائلا من البضائع، بينما تبرز كل بضاعة على حدة كشكل اولي لهذه الثروة، لذلك يبتدئ بحثنا بالبضاعة." . تبين كل الاحصائيات كما يجمع كل الاقتصاديين ان الديون العالمية تضاعفت بشكل صاروخي بعد سبعينيات القرن الماضي و ان هذا الوضع لم تعشه المجتمعات الرأسمالية من قبل، لكن لم يتساءل دعاة الماركسية عن سبب ذلك، و بدون تمحيص و تفكير أرجعوا ذلك الى توحش الرأسمالية. انفجار و تضاعف ديون الدول العظمى يعني حسب القاعدة أعلاه ، بعزلها عن شروطها التاريخية، ازدهار صناعتها بما يوازي تضخم ديونها و لكن الحقائق تقول عكس ذلك تماما. لما كانت امريكا ، القوة العظمى، اكبر دولة مديونية في العالم لا تغطي حاجيات شعبها من البضائع ، لتكون اكبر مستورد للبضائع فذلك يعني حصرا ان الديون المتعاظمة فيها لا توفر الشروط اللازمة للزيادة في الانتاج البضاعي كما كان الحال مع طيلة حياة الرأسمالية ، بل اصبحت تثقل عليه و تهوي به الى الاقلاع عنه. ان يشير ماركس الى ان الدين العمومي هو من احد الروافع الجبارة لتراكم راس المال الصناعي يعني ان هذه الرافعة ساهمت في تطوير قوى الانتاج و تثويرها باستمرار، لكن عندما غير هذا الدين العمومي وجهته لتتكدس الاموال بعيدا عن انتاج البضاعة جاز لنا القول بان الديون هو دعامة اساسية للاقتصاد الاستهلاكي المدمر لقوى الانتاج.

نقلد ماركس دائما بأن ثروة الامم الرأسمالية هي في الانتاج الكثيف للبضائع و ان الرأسمال النقدي ،نقطة انطلاق الدورة الرأسمالية ، سواء كان مسلفا (دينا ) او مدخرا او هما معا ، لا يزيد و لا ينمو بدون انتاج فائض القيمة، و ان الاخيرة تنعدم خارج دائرة الانتاج الرأسمالي البضاعي. ان تصب الديون في خلق الدفئ لهذه الدورة الحيوية تكون فعلا قوة دفع لتوسيع الانتاج البضاعي الرأسمالي ، و ان تجري خارجها لتكون غطاءا للإنتاج الخدماتي المعادي للإنتاج البضاعي لا يجعل منها مصدرا لازدهار الامم بل ايذانا بالانهيار و الانحطاط.

ان نستنتج عن ماركس بأن "الدول الاكثر مديونية هي الاكثر ثراء" انما يجب ان يقترن ببحثه العلمي حول:
*تدفق صبيب الديون عبر الائتمان (الوطني او العالمي) يعطي الدفئ للانتاج الراسمالي الصناعي، و تعبيد طريق سيره هو ما يجعل تلك الديون رافعة جبارة للتراكم.
*ان النقود مهما تكدست، ان لم تلج الدورة الحيوية الراسمالية نقد-سلعة-نقد زائد، فهي لا تنتج ثروة، ومنها راس المال الربوي و التجاري رغم ضرورتهما للانتاج البضاعي.
من غير هذا الاقتران فان الرجوع الى نص ماركس حول الدين العمومي لتفسير الوضع الراهن انما هو كذب و افتراء على ماركس و تضليل لمجموع الطبقة العاملة. ان حركة رؤوس الاموال عبر الائتمان العالمي التي تحدث عنها ماركس بهذا الخصوص لعبت دورا "خفيا" في تنامي التفوق الصناعي و التجاري للامة الصاعدة كهولندا بفضل القروض الاتية من البندقية المنهارة، و فيما بعد، كذلك انجلترا الصاعدة، في مطلع القرن الثامن عشر، بفضل رؤوس الاموال الضخمة الاتية من هولندا المنهارة ، و كذلك نفس الشيء بين انجلترا و الولايات المتحدة خلال القرن التاسع عشر.

امريكا اليوم التي ينعتها دعاة الماركسية بأعتى الرأسماليات تستدين من اجل تغطية عجزها في الميزان التجاري(500 ما يناهز مليار دولار عجز في موازنة البضائع اتجاه الصين) ، تستدين لتستورد البضائع و تستدين من الخارج (ما يزيد عن تريليون و 300 مليار دولار من سندات الخزينة الامريكية هي ملك الصين) لكي تغطي نفقات قطاعاتها السيادية من عسكر و موظفين ...الخ.
نضطر دائما لنذكر دعاة الماركسية بهذا لعلهم ينزعون نظاراتهم الوسخة ليروا حال العالم اليوم الذي تسوده البورجوازية الوضيعة "الطبقة" التي تفتقد لكل مقومات الطبقة ، تستدين من اجل رفاهها. رفاه انخدعوا به فاعتقدوا انه ثروة حقيقية. لم يتبصر هؤلاء الى البضاعة و النقد كما درسهما ماركس في راس المال بحيث لا علاقة لهما بالبضاعة و النقد بعد منتصف سبعينيات القرن العشرين. لا الدولارات المتكدسة في هيئة اوراق نقدية او سندات خزينة... لها قيمة، فهي في انهيار مدو منذ اعلان رامبوييه عندما فكت ارتباطها بالذهب و لا علاقة لها بالنقود المليئة التي تحدث عنها ماركس، و لا البضاعة الصينية التي تغمر السوق الامريكية بضاعة . انكماش الطبقتين المنتجتين حصريا للثروة و هما الرأسماليون و البروليتاريا جعل من رفاه هذه الشعوب زيفا و لحظة عابرة يتحقق على حساب الاجيال القادمة لتجد نفسها مضطرة للاستدانة كل سنة من اجل تغطية نفقاتها السيادية ( عسكر و موظفين و رواتب المتقاعدين و صيانة الممتلكات العمومية...الخ). في الربع الاول من سنة 2019 اعلن الرئيس الامريكي ترمب :"يجب علي ان اعيد ترتيب الجيش قبل الاهتمام ب22000 مليار من الديون" .

يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون ان الدين العمومي هو اداة تغتني بها الطغمة المالية المسيطرة على دواليب الحكم، و لكأن الاستدانة انما هي سياسة اقتصادية موجهة عن طواعية لتغتني هذه الطغمة. قبل ان تغتني الطغمة المالية يتوجب على دولة البورجوازية الوضيعة ان تستدين لتغطي تكاليف خدماتها ، و هنا لا يهمنا اغتناء هذه الطغمة بمقدار ما يهمنا ان هذه الديون المتراكمة لا تساهم في ازدهار الرأسمال الخالق للثروة، و عليه تجد دولة البورجوازية الوضيعة نفسها في مأزق تراكم الديون دون تراكم الثروة الحقيقية، فتضطر لرفع سقف الدين كل
سنة كما هو حال الولايات المتحدة الامريكية، حلقة مفرغة لن تنكسر الا بالعودة الى الانتاج البضاعي و هو ما صرح به اوباما خلال ازمة الرهن العقاري 2007/2008.

نرجع الى ماركس لنفضح الكذبة و المضللين ، و نلتزم ببوصلته لنهتدي الى نجم الشمال و نتعرف على وضعنا الدولي معرفة علمية . بل نرجع اليه ليس كما يرجع اليه الذين على عيونهم غشاوة فقرؤوا نصوص ماركس ليعادوا بها ماركس نفسه و البلاشفة الجدد تلامذة لينين و ستالين هم الاكثر حرصا على تنظيف منظار الماركسية من اوساخ اعداء الشيوعية .


----------------------------------------------

(1)- النص من الصفحة 928 الى 933 ، راس المال ، المجلد الاول ترجمة فالح عبد الجبار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا