الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرجوك لا تقاطعني!

ضيا اسكندر

2020 / 11 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لطالما صفعت أذني عبارة «بلا مقطوع لحديثك» التي يتمّ تداولها أثناء الجلسات والحوارات التي تجري بين الأصدقاء. والغاية من استخدامها هو إبداء رأي، أو تذكّر حادثة، خطرت على بال المستمع ويراها ضروريةً ومفيداً ذكرها على وجه السرعة دون تأجيل خشية نسيانها. فيلجأ إلى مقاطعة المتحدّث، مستهلّاً مداخلته بتلك العبارة الدبلوماسية «بلا مقطوع لحديثك» وينبري متحدّثاً.
أتفهّم أن تحصل المقاطعة لمرة واحدة أو اثنتين خلال الجلسة من قِبل أصحاب تلك العبارة. أمّا أن تكون لازمة على الطالعة والنازلة ليبرّر مقاطعته، فهذا يدلّ على عدم احترام آداب الحوار المتعارف عليها. وما يزيد في الطنبور نغماً، أنه قد يستغني كلياً عن تلك العبارة المهذّبة ويخوّل نفسه أحقّية الاستئثار بالوقت ليطرح ما يريد من تعليقات وحكايا.. ويفرض نفسه على الجلسة متسيّداً الحديث بمفرده. وكلما حاول أحد الحضور تقديم وجهة نظره يتم مقاطعته واستلام دفّة قيادة الحديث دون تفويض من أحد.
شخصياً، ومنذ زمنٍ طويل، اعتدتُ على التزام الصمت في أحوالٍ كهذه. ولا أُحرِقُ أعصابي باستجداء الحضور السماح لي بتقديم رأيي، ما لم يُطلب مني ذلك وبإلحاح.
وللاستزادة حول هذا الموضوع، قمتُ بزيارة صديقٍ لي يعمل طبيباً نفسياً لأستوضح منه التفاصيل فقال:
- لا شكّ أن المقاطعة عادة مذمومة ومزعجة لكل شخص، لكن الأمر يتحول إلى مشكلة إذا كان من يتعرّض للمقاطعة خجولاً، منطوياً، وقليل الكلام. إذ تغدو المقاطعة محبطة له، وقد تحدُّ من قدرته على التواصل مع الآخرين. ومن الجدير ذكره أن الهدف من المقاطعة ليس دائماً سلبياً، بل قد تكون محمودة. إذ إن البعض يقاطع بسبب رغبته في مساعدة الطرف الآخر، فقد يكون غير قادر على توضيح فكرته، أو أن يكون لديه إضافة لكلام المتحدث. لكن حتى لو كان هدفك من المقاطعة بريئاً، فإن الأمر مزعج للطرف الآخر. وطبعاً ليس من المريح أن يقاطعك أحدهم، فهو تصرّف يوحي بعدم الاحترام، وقد يقطع عليك حبل أفكارك. لكن الشخص الذي قاطعك قد لا يضمر لك أية نيّة خبيثة. وقد..
فما كان منّي إلّا وقاطعتُه قائلاً:
- عذراً دكتور، وعفواً للمقاطعة، كيف يمكن التغلّب على هذه المعضلة؟!
أجاب مبتسماً:
- ها أنت مثلاً، قاطعتني بلباقة وتهذيب دون أن يكون لديك أيّة نيّة سلبية تجاهي، وإنما فقط للاستفادة. يا عزيزي، هناك الكثير من العبارات يمكنك استخدامها في هذا الصدد، كأن تقول للذي دأبَ على مقاطعتك: «رجاءً لا تقاطعني، دعْني أُكمِلُ فكرتي» أو «الحقيقة أرغب في إنهاء فكرتي كاملةً، وسوف أعطيك الفرصة كاملة للحديث بعد أن أنتهي من كلامي». وإذا أصرَّ من تتحدث معه على مقاطعتك، فالأفضل أن تقول له: «إن النقاش هكذا غير مثمر ولن يؤدي إلى نتيجة. ومن الأفضل أن نكمل حديثنا في وقت آخر». وينبغي أن تتحدث بهدوء مع من يصرّ على مقاطعتك، رغم أنك أخبرته أن الأمر يضايقك. وفي هذه الحالة يمكنك القول له: «عفواً يا صديقي، حين تصبح مستعداً للاستماع لفكرتي كاملةً، سأكون مسروراً بإكمال الحديث معك».
قلتُ له وأنا في غاية السعادة كونه ينصحني بإرشادات أتّبعها وأعمل بها من تلقاء ذاتي:
- دكتور، سأنتقل إلى الضفّة الأخرى من هذا الموضوع. هناك بعض الأشخاص، يسترسلون في أحاديثهم ويستأثرون بكامل وقت الجلسة. ومن الصعب عليك، بل من غير المستحسن مقاطعتهم. فقد يكون المتحدّث مثقفاً بارعاً تغلبه الحماسة في المحادثة ويقدّم ما لديه من أفكار وتحليلات في غاية الأهمية، لكنه يستطرد كثيراً لدرجة الضجر أحياناً ولا يترك دوراً لغيره. ألا ينبغي مقاطعة هكذا أشخاص؟
- في هذه الحال يتوجّب عليك وعلى الآخرين الاستفادة من خبرات هذا المتحدّث المثقف. وليس بالضرورة دائماً أن يتم توزيع الوقت بعدالة بين الحاضرين. وفي الوقت ذاته، من المؤكّد أنه ينبغي على ذلك المثقف أن يترك مجالاً للآخرين ليدلوا بدلوهم. وفي جلساتٍ كهذه، عليكم جميعاً الإصغاء والتركيز لما يقوله، ومساعدته في زجر كل من تسوّل له نفسه مقاطعته. إنما برباطة جأش وباحترام وبهدوء.
- كيف نساعده في هذه الحالة دكتور؟
- كأنْ تنبّه الشخص المُقاطِع بذكر اسمه، وبطريقة إيجابية. فعندما تذكر اسم المُقاطِع، فإنه في المعتاد، يتوقف فوراً عن الحديث. ثم تابِعْ كلامك وعبِّرْ له عن مدى تقديرك لفطنته، وأنك تودّ سماع رأيه بعد أن يُنهي المتحدث المثقف من مداخلته. وعليك ألّا تنسى وعدك بعد انتهاء المثقف من حديثه، فيمكنك التوجّه إلى (المُقاطِع) والقول مثلاً: «أعتقد من المفيد أن نستمع باهتمام الآن إليك يا صديقي!». فإنك بهذه العبارة تكسب ودّه وتريحه وتشعره بإنسانيته، وتجعله يُقبل على إبداء رأيه بمنتهى الارتياح، فتحفظ له كرامته وكبرياءه.
وختم قوله متحسّراً:
- بكل حزن أقول: لم نتعوّد بعد على مهارة الاستماع. ومكافحة ظاهرة المقاطعة تحتاج إلى ثقافة وتربية بدءاً من البيت والأسرة، مروراً بالمدرسة، وانتهاءً بوسائل إعلامنا وأحزابنا ومنتدياتنا.. وهذه تتطلّب مناخاً ديمقراطياً وحياةً آمنة رغيدة راقية نفتقدها تاريخياً مع كل أسف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار