الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكارٌ تعارضُ السائدَ وقد تحرّكُ الراكدَ! جزء 7

محمد كشكار

2020 / 11 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


24. يقولون: ثقافة القوالب الجاهزة (الكليشيهات) تقول: "الاعتراف سيد الأدلة".
أقول: أما ثقافة العلم الحديث فتقول: "البصمات الجلدية (Digitale) أو الجينية (ADN) هي اليوم سيدة الأدلة". قد يعترف متهم تحت التهديد أو التعذيب بجريمة لم يقترفها لذلك قد يتغير الاعتراف بتغيير المحقق أو قد يأتي اعتراف إرادي متأخر يبطل اعترافا سابقا بالإكراه، أما الدليل الجيني فهو ثابت لا يتغير ولا يأتي بالإكراه بل نحصل عليه باستعمال المجهر (Microscope électronique) ولا يمكن لنا أن نتهم المجهر بممارسة التعذيب أو الانحياز لأحد. أنا أناهض ممارسة التعذيب مهما كانت الجريمة المقترفة ومهما كانت إيديولوجية الموقوف أو جنسيته حتى لو كان إرهابيا أو جنديًّا إسرائيليّا معتديًا. بعد القبض على الإرهابي وتجريده من سلاحه، يبدو لي أنه يجب على الأمن -أثناء التحقيق معه وأثناء سجنه- أن لا يدوس على كرامته و يحترم انتماءه للجنس البشري. الدولة لا تثأر من المجرم مثل ما يفكر في فعله أي مواطن -لا أستثني نفسي- بل تسلط عليه عقوبة عادلة.

25. يقولون: "الشك طريق إلى اليقين".
أقول: يختلف التفكير الديني والتفكير العلمي ولا يلتقيان إلا في المقاصد الأخلاقية السامية وفي رفض هذه المقولة "الشك طريق إلى اليقين". أما الأول فيرفضها لأنه مبني على اليقين من أساسه ولا يحتاج للشك كطريق للوصول إلى اليقين لأنه يقين وتسليم من بدايته إلى آخرته. أما الثاني فيرفضها لأنه يعتبر الشك طريقا إلى شك أكثر تعقيدا وليس من مهامه ولا من أهدافه الوصول إلى اليقين، ولو وصل إلى اليقين لا قدّر الله، لتوقف إنتاجه ونفى نفسه بنفسه لأنه بطبيعته دائما مُعرّض للدحض وقابل للتكذيب.

26. يقولون: " الإنسان أناني بطبعه والفنان موهوب بطبعه والعربي عنيف بطبعه والمسلم إرهابي بطبعه والغربي متحضّر بطبعه واليهودي بخيل بطبعه والمسيحي متسامح بطبعه وغيرها من الصفات البشرية المنسوبة خطأ إلى الطبع أو الموروث".
أقول: ماذا يعني بطبعه؟ العلم الحديث (L`épigenèse, sujet de ma these, UCBL1, 2007) يؤكد أن الطبع البشري الجيني موروث ومشترك بين البشر جميعا وتحدده بصفة متفاوتة 46 صبغية (Chromosome) تحتوي على حوالي 30 ألف مورِّثة (Gène) أما المكتسبات فهي التي تختلف من شخص إلى آخر والنتيجة: كل فردٍ تنبثق صفاتُه الذهنية -وليست البدنية- من تفاعل الموروث الجيني مع المكتسب البيئي والحضاري فسلوك الفرد إذن هو مائة بالمائة وراثي ومائة بالمائة مكتسب في نفس الوقت، تفرزه علاقات تفاعلية معقدة بين العاملين (l’inné et l’acquis) إلى درجة أننا لا نستطيع الفصل بينهما أو تحديد نسبة معينة لمشاركة كل عامل على حده. علم الوراثة يتساءل (la génétique): هل كُتبت هذه الصفات الذهنية برموز الشفرة الجينية على جينات البشر قبل ولادتهم؟ طبعا سيكون الجواب العلمي بالنفي، فإذا كان الغربي متحضّرا بطبعه فمَن يا تُرى يرمينا بالقنابل العنقودية المحرّمة دوليا و من يحرقنا بالفوسفور الأبيض وبالنابالم؟ وإذا كان المسلم إرهابيا بطبعه فمِن أين أتانا العباقرة المسلمون أمثال أحمد زويل وفاروق الباز ونجيب محفوظ ومحمد الأوسط العياري؟ وإذا كان العربي عنيفا بطبعه فمن أين أتانا الفنانون العرب أمثال نزار قباني ومحمود درويش وأم كلثوم ونجاة الصغيرة وفيروز ومارسيل؟ نحن نعرف أن رموز الشفرة الجينية تكوّن موروثا مشتركا بين الكائنات الحية (Végétaux et animaux dont l`homme) وليس بين البشر فقط، فلو أخذنا مثلا الجينة البشرية المسؤولة عن صناعة هرمون الأنسولين في الجسم وأدرجناها بيوتكنولوجيا في الحمض النووي لخلية بكتيريا لَصَنعت هذه الأخيرة أنسولين بمواصفات بشرية وليست بكتيرية. وهنا أطرح السؤال التالي: هل توجد جينات بشرية مسؤولة عن ظهور قدرات ذهنية كالذكاء والعنف والفن؟ إلى حد الآن لم يثبت العلم وجود مثل هذه الجينات. مع العلم أن الإنسان والقرد يشتركان في ما يقارب 99 في المائة من طبيعة جينات الحمض النووي وتركيبها، والفارق الواحد في المائة المتبقي وحده هو الذي أنتج كل هذا الفرق في الذكاء بتفاعله مع المحيط نتيجة نقلة نوعية وقعت إثر خطأ كيميائي في الحمض النووي البشري لذلك لا يمكن للقرد أن يصبح بشرا حتى ولو علّمناه ودرّبناه لأنه كقرد لم يرث مخا بشريا (مخا بشريا اكتسب تطوره البيولوجي وتعقده الفيزيولوجي عبر ملايين السنين). مع العلم أيضا أن عدد الجينات عند الإنسان لا يتخطى الـ25 ألف وهي بهذا العدد القليل نسبيا عاجزة مثلا عن التخطيط الكامل المسبق لمليون مليار من الوصلات العصبية بين الخلايا العصبية داخل المخ البشري (L`épigenèse cérébrale fait émerger un million de milliards de synapses entre les neurones dans le cerveau humain).

27. يقولون: "ما رضا الله إلا برضا الوالدين".
أقول: كيف يكون رضا المطلق المنزّه مشروطا برضا البشر الخطائين؟ لذلك يبدو لي أننا لو عكسنا لأصبنا: "ما رضا الوالدين إلا برضا الله". يكفي أن نتذكر في هذا المقام قول الله تعالى معاتبا رسوله الأكرم عليه الصلاة والسلام: "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه".

إمضائي:
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على الفيسبوك: حمام الشط في 21 أوت 2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد