الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السرد التعبيري ...وديوان همس المرايا للشاعرة ....جميلة بلطي عطوي

محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)

2020 / 11 / 11
الادب والفن


السرد التعبيري ...وديوان همس المرايا
للشاعرة ....جميلة بلطي عطوي
مرّ الشعر العربي بمراحل عديدة وتطورات متنوعة ، فطبيعة الإنسان تميل دائما إلى التجديد وإلى الثورة على القديم كلما سمحت الظروف ، وأصبح التخلص من قوالب الشعر القديم بكل أنواعه هاجس شعراء الحداثة ، فبرز في الآونة الأخيرة ما يسمى بالسرد التعبيري ، أو السردية التعبيرية ، وهي مرحلة من مراحل تطور القصيدة العربية ، فلم ينته بعد الجدال حول قصيدة النثر ومكانتها ومدى الرضا والقبول بها حتى برزت على الساحة الأدبية ما يسمى (بالسردية التعبيرية ) وهي تطور لقصيدة النثر المعاصرة ، تعتمد على الرمز والإيحاء والإحساس العميق ، والدلالات والعواطف ، تُشعر القارئ أو المتلقي بكتلة من الجمال والأحاسيس .
ومن الدواوين الصادرة حديثاً ، ديوان الشاعرة جميلة بلطي عطوي من تونس ، ديوان بعنوان (همس المرايا) ، جاء الديوان في 105 صفحات من القطع المتوسط ، وضم بين دفتيه أكثر من خمسين عنواناً ، تنوّعت هذه العناوين حاملةً معها أحاسيس شاعرة مرهفة الحس ، احترفت رسم الصور الشعرية المبتكرة ، وقد أهدت الشاعرة ديوانها
" إلى الأرْواح المتسربلةِ بالغِياب
أهلِي فِي عُمق المَلكوتِ يمْرحُون
والرّوحُ في يَمِّ الوَجع تُجَدّف
يَعْترِيها الشّوقُ حَدّ الجُنُون."
وقد قدم الأستاذ كريم عبد الله من العراق مقدمة عرّج فيها على السردية التعبيرية وبين فيها عناصر الجمال في نص (السرد التعبيري ) فذكر اللغة المتموجة ،و الكتلة التعبيريّة المتوهّجة ، الواقعيّة التعبيريّة ، وختم مقدمته بالحديث عن لغة المرايا والنّصّ الفسيفسائي .
وما ميّر هذا الديوان وجعل منه لوحةً تكاملت فيها عناصر التميّز و الإبداع هذا التنوع في طرح المواضيع المختلفة ،
ففي اللوحة التي عنونتها الشاعرة (همس المرايا) وتعمدت أن تجعلها اللوحة الأخيرة في ترتيب قصائد الديوان وقد حمل الديوان عنوانها ،نجد الشاعرة جميلة بلطي ، قد طاف خيالها الجميل وهمست مراياها ، فهي تستدعي مرايا أبجديات الزمن ، تحاول نفض الغبار عنها وتلميع زجاجها ، في دلالة بلاغية جميلة في استدعاء الماضي ، فهي تفتح الخزائن لتقص الحكايا ، صور شعرية تحمل في طياتها الكثير من الدلالات والعواطف التي ذابت في جملة من الأبيات . " تِلكَ المَرَايَا المُعَلّقَة علَى صَدر أبْجَديّاتِ الزَّمَنِ المُتكلِّسِ يُزْعِجُها الغيْمُ
المُلْتفُّ حوْل صَفحتِها، تَهُزُّ كُتلتَها المُتْعبَة لِتنْفُضَ الضّبَابَ وتُلمِّع زُجاجَها المُغْبَرّ، تَبذلُ قُصارَى جُهدِهَا لِتسْتعِيدَ البَريقَ الهَاربَ، تَتلوَّنُ، تُداعبُ نَسائم التّوِقِ فيُزْهر عَلى صَفحتِها عَالمٌ منْشودٌ تَفتحُ خَزائنَها، سِلسِلة الحَكايَا، قِصّةُ البَدْءِ تَضخُّ فِي الوَرِيدِ هَمْسَ رِحْلة مَاتِعَةٍ، تُوَشوشُ فِي عُمقِ الرُّوحِ نجْوَى الرّاحِلينَ والقادِمِين علَى حَدٍّ سَواء."
وفي قصيدة (عشق أبدي ) تختلط الصور مشكلة حكاية جميلة تشد المتلقي إلى عالم من الخيال والحلم ، في سرد جميل ليس كالمألوف بل تتشكل الكلمات وتتحول إلى كائنات تدب فيها الحياة ويختلط الماضي بالحاضر في لوحة إبداعية رائعة الجمال . فالأمنية التي سقطت سهوا تتحول إلى زهرة حالمة ، فهي زهرة عجز الزمن عن فك طلاسمها
" وأنا أَركض سقطت منّي أمنية تحوّلتْ زهرة حالمة منْ
أجلها أركبُ كلّ ليلة ظهر شهاب مُتمرّد، أنزل حيث هي، عنْد سفح الصّخرة العجوز، التقيها لِرتق كلوم الشّوْق، وأمسح بِوجْدي وجهَها الشّاحب فتبثّني شوقها لِيوم صَفاء، ساقية تغمس فيها ساقيْها فيتمطّى الماء في العروقِ رغبة واشتهاء زهرتي أحجية عجز الزّمن عن فكّ طلاسمها وهي هناك تنتظرني كلّ ليلة لأوقظها كأميرات الأساطير، أمسح من عينيها عبرة عَنَتٍ في أرض الشّقاء أنا يا صديقي مِنْ سُلالة الخصْب، غزَانا الجدبُ فالتهم بذْرنا وحاصر"
وفي قصيدة بعنوان (قاب الكشف ) نرى الشاعرة وهي تنسج مفرداتها وصورها الجميلة وتخاطب البحر ، بعد أن غابت عنه طويلاً ، تتأمله ، تتأمل أمواجه ، تصفه وتصف هدوء مياهه ، فهو يغري الشاعرة بالسفر " أغراني بالسّفَر فأمسكتُ بتلابيبه وهمستُ في خاطره: يا لكَ مِنْ نقيّ أيّها البحرُ، هاكَ يدي أيّها الماهرُ فأنتَ دليلِي، قُدْنِي إلى المحاريبِ الخفيّة، هناك الخُلوة الحقّ، هناك نُمارسُ عبادةً مُثلى ونسجدُ سجْدة تلغي المسافات، تُزيح الضّباب المتراكمَ ويُصبح " البصرُ حَديدا " ، لقاءُ الأسْفار، محطّاتُ الرّحلة البشريّة، طريقٌ موحّدة والمقصدُ ينبُوع الحق"
قد يكون المجال لا يسمح لنا بالاسترسال مع الكثير من قصائد الديوان ،فهذا يحتاج إلى دراسة وافية وعميقة للكثير من القصائد التي أضفت المزيد من الجمال على هذا العمل الأدبي الرائع ، نبارك للشاعرة جميلة بلطي عطوي من تونس هذا المولود الشعري الرائع ونتمنى لها مزيداً من الألق .






.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3