الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تعمل أوروبا على تغيير قوانينها بسبب الإسلام الراديكالي ؟

أحمد عصيد

2020 / 11 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في سنة 2008 أشرتُ إلى أن الدول الغربية قد تضطرّ إلى مراجعة ترسانتها القانونية بسبب التطرف الوهابي والإخواني الإسلامي، الذي يعكس مفهوما للتدين مغايرا كليا للتدين كما عرفته هذه الدول الديمقراطية، وكما وضعت على أساسه قوانينها في السابق.
وها قد أصبحت جلّ الدول الأوروبية التي اكتوت بنار الإرهاب ـ والتي تتحمل مسؤولية ذلك بسبب سياساتها السابقة ـ أصبحت ساعية بوضوح إلى فتح نقاش من أجل تجديد قوانينها المتعلقة بتواجد المسلمين على أراضيها بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة، حيث اقتنعت أكثر بأن قوانينها المتعلقة بالحريات الدينية لم تعُد تطابق وضعية المسلمين، الذين يستغلون هذه القوانين المنفتحة لتشكيل كيتوهات مغلقة ومعاكسة توجهات هذه الدول وقيمها ومرجعياتها.
ومن بين التدابير التي تمّ اللجوء إليها التراجع عن تبني بعض مواد الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، كما فعلت الدنمارك وبريطانيا وإيرلندا.
وفي فرنسا فلم ينطلق النقاش الجدّي بين النخب والطبقة السياسية من أجل مراجعة الدستور الفرنسي وإعادة النظر في قوانين تدبير الشأن الديني إلا بعد مقتل الأستاذ صامويل باتي مؤخرا، ومعلوم أن القوانين الفرنسية بهذا الصدد كانت قائمة على حياد الدولة العلمانية، ما تمّ التأكيد عليه في ما سُمي حاليا بمشروع قانون "النزعات الانفصالية" والداعي إلى مكافحة ما سماه الرئيس الفرنسي "النزعة الإسلاموية المتطرفة". ورغم أن المشروع قد وُضع أساسا بسبب الإسلام الراديكالي إلا أن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان اعتبره موجها لأتباع جميع الديانات ولذلك تمّ تعديل إسمه إلى "مشروع القانون الداعم للعلمانية وأسس الجمهورية." ومن المرتقب تقديمه لمجلس الوزراء بداية ديسمبر القادم ثم مناقشته في البرلمان في بداية عام 2021 . وقد صرح وزير الداخلية الفرنسي بأنه سيتم تطبيق "عقوبات إدارية وجنائية مشدّدة" على كل من لم يلتزم بنص القانون. ويشترط مشروع القانون الجديد على مسؤولي الجمعيات والمؤسسات الثقافية في فرنسا التمتع بسجل جنائي خال من أي اتهام "بالتطرف"، أو "التواطؤ مع الإرهاب أو الترويج له". كما أنه فيما يتعلق بالجمعيات التي تتلقى دعما أو تستفيد من قروض من الدولة، فيفرض عليها القانون الجديد الالتزام بـ "قيم الجمهورية" من لحظة تسلمها أول مقدار مادي.
أما في النمسا فقد صادق البرلمان منذ مدة على قانون جديد خاص بالمسلمين أطلق عليه "قانون الإسلام"، كما عمدت الدولة سنة 2018 إلى إغلاق سبعة مساجد وطرد أزيد من ستين إماما إخوانيا تركيا مع أسرهم، وأعلن المستشار النمساوي سباستيان كورتس آنذاك أنه "لا مكان للمجتمعات الموازية وللإسلام السياسي والتطرف في النمسا". ويُلزم القانون المذكور المسلمين بقواعد صارمة ضمانا لتواجدهم في النمسا، حيث شدّد هذا القانون في مادته الثانية على أن المسلمين في النمسا ملزمون بالاعتراف بسُمو قوانين الدولة النمساوية على عقيدتهم، وهو ما لا تتضمنه قوانين الديانات الأخرى، وقد صرّح ريشارد بوتس مدير معهد الفلسفة القانونية وقوانين الأديان والثقافة بجامعة فيينا لجريدة "دوتش فيلي" الألمانية قائلا إنّ هذا القانون :"شدّد على المسلمين دون غيرهم بأن قانون الدولة يعلو على القوانين الدينية، إذ أنه ألزم المسلمين لفظيا بالاعتراف بالدولة والقانون". ومن الواضح أن هذا التمييز السلبي ضدّ المسلمين وصلت إليه النمسا بسبب شعورها باختلاف نمط التدين الإسلامي عن تدين المجموعات الأخرى المسيحية واليهودية وغيرها، حيث أن الفارق الرئيسي هو سعي المسلمين ـ بسبب موجة التطرف الإسلاموي ـ إلى التمكين للشريعة الدينية الخاصة بهم على حساب قوانين الدولة التي يعيشون فيها، بينما تعمل المجموعات الدينية الأخرى على نوع من "الملائمة" بين عقيدتها وقوانين الدولة النمساوية، واعتبار هذه الأخيرة أسمى من الأديان. وجوابا على سؤال ما إذا لم يكن هذا القانون التمييزي للمسلمين إساءة لهم أجاب ريشارد بوتس: "من الطبيعي أن يكون القانون العام في دولة علمانية مقدما على القوانين الدينية. هذا أمر بديهي" ثم أضاف بأن هذه المادة الثانية في القانون الذي يتوجه إلى المسلمين قد تعني: "في الواقع نحن لا نثق فيكم"، موضحا أن" هناك شك تجاه المسلمين بأنهم سيمنحون الأولوية للقانون الديني في كل الأحوال حتى عندما يتعلق الأمر بالتزامات تجاه الدولة".
إضافة إلى هذه المادة القانونية ثمة مادة أخرى تمنع على المسلمين الحصول على تمويلات من الخارج، أو الإتيان بأئمة من خارج النمسا، ويبدو واضحا بأن هذا الإجراء موجه أساسا ضدّ تركيا والبلدان الخليجية وخاصة قطر حاضنة "الإخوان"، والسعودية حاضنة المشروع الوهابي قبل تخليها عنه مؤخرا.
أما في هولندا فقد طرحت العديد من الأطراف إمكانية تعديل بعض القوانين المتعلقة بحرية التدين، كما شرعت الدولة في اتخاذ إجراءات مكثفة للحدّ من التأثير السلبي للخطباء المتطرفين بلغت حدّ منعهم من التنقل إلى جهات معينة كما فعلت مع الشيخ فواز جنيد المعروف بنزوعاته الإرهابية وبمعاكسته لقوانين الدولة الهولندية من خلال التركيز على إشاعة أحكام الشريعة الإسلامية المخالفة لتلك القوانين، وبتحريضه للشباب المسلم على التوجه إلى بؤر التوتر بالشرق الأوسط بغرض "الجهاد"، ما أدى إلى مقتل العديد منهم.
وفي الدول السكندينافية التي تعدّ في ترتيبها أفضل الدول في جودة الحياة والتعليم والنزاهة والحكامة الاقتصادية، يُطرح موضوع الإسلام الراديكالي باعتباره تهديدا لاستقرارها ووحدتها، ففي مسجد هلسنكي في عمق فنلندا يخطب أحد دعاة التطرف قائلا إن أموال "الكفار" حلال على المسلمين، كما عرفت النرويج والدانمارك نقاشا متوترا بسبب طرح موضوع "الخصوصية الدينية الإسلامية" في مقابل الثوابت الديمقراطية التي ينبغي أن يخضع لها المسلمون. وقد بدأ يُطرح في الدانمارك منذ سنة 2016 موضوع تجريد أئمة المساجد المتطرفين من الجنسية الدنماركية، وصرح المتحدث باسم الهجرة من حزب الشعب الدنماركي مارتن هنريكسن للصحافة قائلا إن "الدستور الدانمركي يضع بالفعل قيودا على حرية ممارسة الدين" حيث ينصّ على أنّ "أي شخص يمكن له ممارسة دينه طالما أنه لا يتعارض مع الآداب العامة أو يتسبب في قلق للنظام العام". وأضاف المتحدث نفسه قائلا: "عندما يُقر الأئمة أو يوصون بالرجم، أو عندما يجيز الإمام ضرب المرأة من قبل زوجها، فإن ذلك يشكل تعكيرا لصفو النظام العام".
لقد تمتعت أوروبا بحريات دينية في غاية الانفتاح على مدى أزيد من قرن ونصف، وها هي اليوم تعمل على تضييق تلك الحريات بسبب الإسلام السياسي ، الذي دفع المسلمين إلى إساءة استعمال تلك الحرية، وكذا بسبب اليمين المتطرف الذي استغل بشكل واضح خوف الناس من الإسلام الراديكالي لكي يكثف من استعداداته لحصد المزيد من النتائج الإيجابية لصالحه في الانتخابات القادمة.
وقد انتبه العديد من الخبراء لهذه التحولات السلبية محمّلين مسؤوليتها لتقاعس تلك الدول الأوروبية عن تدارك أوضاع الجالية المسلمة في وقت مبكر، وتحالفها مع بعض بلدان الخليج كالسعودية وقطر من أجل بعض المكتسبات الاقتصادية والتجارية، لكن من جانب آخر صرّح العديد من هؤلاء الخبراء بمسوؤلية المسلمين أنفسهم عن القوانين التمييزية الجديدة ضدّهم، حيث قال رضوان مصمودي من مركز دراسات الإسلام والديمقراطية في واشنطن إن الجاليات المسلمة مقصرة جدا في التسويق لنفسها داخل المجتمعات الغربية مضيفا أن "جهود هذه الجالية منصبة فقط على بناء المساجد و المدارس و ليس لها برامج للتواصل مع غير المسلمين، والمشاركة في بناء هذه المجتمعات".
كما أكّد الدكتور محمد أمين الميداني وهو أستاذ القانون والباحث في المعهد الدولي للحريات و حقوق الإنسان بستراسبورغ، بأن المسلمين أنفسهم "يتحملون جزءا من المسؤولية في تراجع حرياتهم الدينية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يجب تغيير القوانين
بارباروسا آكيم ( 2020 / 11 / 11 - 17:47 )
و الله بالنسبة للسجن فهو إصلاح و تأديب بالإضافة إلى كونه عقوبة

و سجن الأئمة 60 أو 70 سنة في معسكرات خاصة و إجبارهم على العمل التطوعي مقابل الطعام و الشراب

و تجربة الأدوية و اللقاحات و العقارات الجديدة عليهم كعينات بشرية يعتبر عمل نافع من الناحية القانونية و الإجتماعية

و أنا أتصور بأن المستقبل في اوروبا سيكون بهذا الشكل


و من وجهة نظري يجب إستبدال الخطب الدينية التي تحرض على العنف و الشقاق الإجتماعي بمحاضرات عن القانون الدولي

تحياتي و تقديري


2 - الرهان على كتلة الجالية وانتشار الإسلام
عبد الله اغونان ( 2020 / 11 / 11 - 18:52 )
كتلة الجالية خاصة الفاعلة والنشيطة والمجنسة وعلى المسلمين الجدد من أصل أروبي سيغير المعادلة في أروبا قريبا


3 - المكانة
بلبل ( 2020 / 11 / 11 - 20:32 )
اروبا ان بقت على ما هي عليه ستجد نفسها قد ابتلعها الاسلامويين المتطرفين عليها ان تسن قوانين جديدة نطبقها على هؤلاء الكفرة بالنعمة التي منحتها لهم اوروبا والتي لم يجدوها في بلدانهم الاصلية ومن ضمنها حرية التعبير هؤلاء الكفرة تعدوا حدود اللباقة واصبحوا يعيثون فسادا في قوانين هذه الدول ويستغلون حقوق الانسان التي تجعلهم سوى سية بباقي مواطنيها يجب مراجعة كل الامور ووضعهم في المكانة التي يستحقونها


4 - الحل
على سالم ( 2020 / 11 / 11 - 21:29 )
سوف ابقى سعيد جدا اذا تم طرد العرب المسلمين كلهم من اوروبا , انهم وباء قاتل وسرطان خبيث


5 - المسلم بحكم ديانته قصير النظر وارعن
محمد البدري ( 2020 / 11 / 12 - 06:52 )
الفاضل المحترم استاذ عصيد
يفتقد المسلم النظرة العميقة للامور فهو طوال تاريخه يتعامل مع واقعه الخارجي بظاهر الاشياء اي بالـ face Value وليس بقيمة الشئ وثقله الكيفي. الدليل من العصر الحديث في مواقف عبد الناصر وصدام من اسرائيل والامريكيين علي التوالي وما تمخض عنها من نتائج. وعلي نفس المنوال يتعامل مسلموا اوروبا مع السكان الاوروبيين معنقدين انهم بمثل بنو قريظة او اهل خيبر يمكن السطو عليهم او تهديدهم متناسين اهم شئ انجزه التاريخ الاوروبي وهي المعرفة الحديثة التي يفكر بها العالم اجمع الا العرب والمسلمين. لا تتعجب لو حدثت تصفيات مثل تصفيات بادر ماينهوف او الالوية الحمراء لا لسبب الا لان علي المستوي العام فان ما استوردته اوروبا من الشرق لم ينفعها مثل المسيحية كعقيدة او الاحتضان للجاليات اليهودية. تخلصت اوروبا من المسيحة بطرق كلنا نعرفها لحساب الفكر والعلوم والمعرفة الحديثة اما بالنسبة لليهود فكان ان اعادوهم بوعد بلفور الي حيث نشات يهوديتهم في موطنها حسب كتبهم.
فاذا اعتقد المسلمون انهم سيجدون ماركس خاص بهم ليتحدث كما تحث في كتابه حول المسألة اليهودية فانه حلم بغال يملكون عقول عصافير


6 - الاندماج الحضاري
ابراهيم الثلجي ( 2020 / 11 / 12 - 12:57 )
ان اكبر خدمة يمكن ان تقدمها اوروبا للاسلام بمنع نشاط ما يسمى الاسلام السياسي في تلكم المجتمعات الاوروبية حتى لو وصلت لدرجة تجريم الفعل
فالمواطن الاوروبي المشتغل بالسياسة والحزبية في بلده يجب الا يقبل منابر تشتغل بسياسة ذلك البلد وتسمي انفسها سياسية اسلامية
بل المواطن الاوروبي مهما كانت ديانته عليه ان يعمل لخدمة مجتمعه بعيد عن الدكاكين الدينية السياسية وغيرها والا صارت لا تختلف عن انظمة الكهنوت الدينية التي عانت اوروبا وكثير من الشعوب الاخرى من سطوتها وتسلطها الباطل على قرار الانتماء الوطني بالذريعة الدينية
ننظر لليهود بالرغم من عدم اختلاف اثنين على تحكمهم بكثير من الانظمة السياسية العالمية ومنها العربية فانما صيغت بالانتماء الوطني لتلك الدول وليس تحت المسمى اليهودي
فتجدهم في الاركان السياسية للدول كمواطنين ذات نشاط سياسي حفظه دستور المواطنة
قادةى اورزبا يعرفون ان التوجه والتمسك بالمواطنة حقوقا وواجبا هي الميزة للحاصلين على جنسياتها ولكن نفر اعمى او مضلل او مدفوعين لغايات الضرر بمصلحة المهاجرين والمندمجين يفتعلون الازمات للحيلولة دون الاندماج الحضاري لعناصر وشرائح البشرية