الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نضال ماوتسى تونغ ضد لين بياو و كنفيشيوس - مقتطف 8 من - تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في- الماوية معادية للشيوعية -

ناظم الماوي

2020 / 11 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
و الروح الثوريّة للماوية المطوَّرة اليوم هي الخلاصة الجديدة للشيوعيّة – الشيوعيّة الجديدة
( عدد 38 - 39 / أفريل 2020 )
ناظم الماوي

ملاحظة : الثلاثيّة بأكملها متوفّرة للتنزيل بنسخة بى دى أف من مكتبة الحوار المتمدّن .

تعميقا لدحض أهمّ ترّهات حزب العمّال التونسي الخوجيّة الواردة في" الماوية معادية للشيوعية "
- الجزء الثاني من الكتاب الأوّل من ثلاثيّة " حفريّات في الخطّ الإيديولوجي والسياسي التحريفي و الإصلاحي لحزب العمّال[ البرجوازي] التونسي "

------------
(8)

دحض إنكار الخوجيّة لنضال ماوتسى تونغ ضد لين بياو و كنفيشيوس


من الأسس التي ينهض عليها كتاب محمّد لكيلانى ، كتاب حزب العمّال " الشيوعي " التونسي ، " الماويّة معادية للشيوعيّة " ، و من أسس الدغمائيّين التحريفيّين جميعا إدارة الظهر و إنكار النضالات التاريخيّة لماو تسى تونغ ضد لين بياو و كنفيشيوس من جهة و من الجهة الأخرى ، زرع المغالطات حول الصراع الطبقي في الصين و صراع الخطّين داخل الحزب الشيوعي الصيني لا لشيء إلاّ للنيل من الماويّة . و من هنا يتوجّب علينا فضح هذا التضليل و إعادة الأمور إلى نصابها أو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه . و في هذا الباب ، نقيم ردّنا على جانبين أولهما هو ملاحظات نسوقها بشأن الموضوع الذى نحن بصدده و ثانيهما إيراد ما جاء بهذا المضمار في كتاب ألّفه شادي الشماوي و نشره على الأنترنت وهو متوفّر للتنزيل من مكتبة موقع الحوار المتمدّن وعنوانه " الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا: الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة".

----------------------------------------

1- الوقائع المسجّلة تاريخيّا تنفّد المزاعم الخوجيّة :

بادئ ذى بدء تفنيدا لهذه الخزعبلات نطّلع معا على فقرتين من كتاب لجاك غيارماز " تاريخ الحزب الشيوعي الصيني : الجزء الثاني ، الحزب الشيوعي الصيني فى السلطة " ( بالفرنسية نشر يايوت ، باريس ) و مع أنّنا لا نتّفق مع هذا الكاتب فى تأويلاته لتاريخ الصين فإنّنا نأخذ عنه الفقرتين لا لشيء إلاّ لأنّهما تسجّلان حدثا تاريخيّا معلوما لدى المؤرّخين ، حتّى البرجوازيين منهم :

1- " فى الإجتماع الثاني [ للجنة المركزية للمؤتمر التاسع] إندلعت كذلك أو إنفجرت أزمة كبيرة تمسّ ، دون التصريح بذلك ، بخلافة ماو تسى تونغ و طبيعة النظام . فى مستوى النقطة الأولى ، دون أن يضع موضع الشكّ إختيار خلفه ، كان ماو تسى تونغ يرفض إمكانيّة أن يوجد فى مشروع الدستور الجديد منصب رئيس الجمهورية يرجع قبله أو بعده للين بياو . وكان كذلك يرفض لأسباب مشابهة " نظرية العبقري " المادحة له و التى قدّمها نائب رئيس الحزب [ لين بياوٍ] ، ليس دون خلفية ..." و كانت النقطة الثانية تتعلّق بدور الجيش فى المجتمع أي بعلاقته بالحزب ففى حين كان ماو يدافع عن تقليص نفوذ القادة العسكريّين كان لين بياو يريد العكس ." ( الصفحة 563)

2- " فى شهر أوت 1973 ، إندلعت حملة نقد ضد كنفيشيوس بمبادرة من ماو تسي تونغ " ثم " بدأت تتطوّر لدى الكوادر قبل أن تصبح حملة شعبيّة حقيقيّة ،" حربا شعبيّة " حقيقيّة مخاضة في صفوف العمّال و الفلاّحين ." ( الصفحة 575)

و ليقارن الجميع هذا التاريخ الواقعي الموضوعي الملموس الموثّق بروليتاريّا و حتى برجوازيّا بما يدّعيه الخوجيّون و بالمقولات التى نسبها الدغمائيّون التحريفيّون لماو دون ذكر مراجع وهو منها براء : " ماو هو الشمس التى تضيئ على العالم " و " ماو يعرف كلّ شيء " إلخ . و فى الحقيقة هذه المقولات الأخيرة تقرب كثيرا من الآراء الفلسفية لكنفيشيوس و لين بياو كما سنبيّن و صلة ماو المادي الجدلي بها صلة تناقض بين المادية و المثالية و بين الجدلية و الميتافيزيقا.

و تجدر الإشارة إلى أنّ تلك الحملة لم تكن الأولى لا بالنسبة لنقد كنفيشيوس و لا بالنسبة لنقد لين بياو فالصراع بين الخطّين، بين الخطّ الماوي البروليتاري الثوري و بين الخطّ اللين بياوي التحريفي تعود إلى الستّينات و بالخصوص إلى فترة الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى مرحلتها الأولى . أمّا نضال ماو ضد أفكار كنفيشيوس الرجعيّة فيعود حتّى إلى فترة ما قبل تأسيس الحزب الشيوعي الصيني ، إلى حركة 4 ماي 1919 التى رفعت شعار " ليسقط كنفيشيوس و من معه " و التى شارك فيها ماو عمليّا و قيّمها نظريّا تاليا .( " محادثات كنفيشيوس " بالفرنسية ، نشر سوي، باريس ، الصفحة 27)

و ما يلفت النظر منذ البداية هو أنّ الخوجيّين يعتمدون فى تلفيقهم للتهم للماويّة على مراجع برجوازيّة محضة . فمثلا إعتمد حزب العمّال " الشيوعي " التونسي فى كتاب " الماويّة معادية للشيوعيّة " ، فى الفصلين المخصّصين ل" لا علاقة للماويّة بالفلسفة الماركسيّة " و " اللينينية ماركسية عصرنا و ليست الماويّة " ، فى ال15 إستشهادا،على 8 مقتطفة من مصادر مؤلّفين برجوازيّين ( و طبعا نحن لسنا ضد إستعمال الحقائق التى يمكن أن يأتي بها بعض البرجوازيّين غير أنّه من الجليّ أن ما ورد فى المؤلفَين لا يعدو كونه محض كذب .

فقد إلتجأ محمّد الكيلاني الخوجي التونسي إلى : " فرانسوا مارمول ، الماوية ، ماذا أعرف ؟ " - 1976 و إلى " نقد مفاهيم ماوتسى تونغ " لمجموعة من الكتاب التحريفيين السوفيات و هو فى هذا الجانب أيضا يقتفى خطى ملهمه خوجا الذى لم يتورّع عن إيراد و تبنّى كافة وجهات نظر البرجوازي التحريفي دنك سياو بينغ فى صراعه ضد الماويّة معلنا للمغالطة و التضليل أنّ " النقد الذى نوجّهه نحن الماركسيين اللينينيين ل" فكر ماو تسى تونغ " لا علاقة له بالهجمات الموجّهة ضد ماو تسي تونغ من قبل دنك سياو بينغ فى صراعه من أجل السلطة ."(" الإمبريالية و الثورة "،الصفحة477)

و لسائل أن يسأل لماذا لم يقدّم الأب الروحي للدغمائيّين التحريفيين ، أنور خوجا – وقد نهل منهما ما نهل من موضوعات - على الإستشهاد صراحة و مباشرة بالكتابين الذين أتحفنا بهما الخوجي التونسي و الحال أنّهما كانا متوفّرين حين ألّف قائد حزب العمل الألباني كتابه فى 1978 إذ نشر الكتاب الفرنسي فى 1976 و نشر الكتاب السوفياتي فى 1974 ؟ الجواب بسيط للغاية وهو أنّه إلى حدود أواخر 1977 لم يكن حزب العمل الألباني يرى فى ما تنتجه الدعاية البرجوازية الليبرالية الفرنسية و التحريفية السوفياتية سوى إفتراءات ضد الحركة الماركسية - اللينينية ولم يكن صاحب " الإمبريالية و الثورة " يتجرّأ فى 1978 على العودة إلى هذين المؤلّفين صراحة و مباشرة خوفا من إفتضاح مآربه لدى شيوعيى العالم . وبمرور السنين و مع البلبلة التى أحدثها خوجا داخل صفوف الحركة الماركسية-اللينينية عالميّا و محليّا إعتقد صاحبنا الخوجي التونسي أن كلّ شيء غدا مسموحا به معوّلا على الثقة العمياء لبعض القراء و على أن عامل الزمن و النسيان يلعب لصالحه . و لكن هيهات !

هذه هي الملاحظة الأولى ، أمّا الملاحظة الثانية فهي أنّ الخوجي التونسي و من ورائه حزب العمّال " الشيوعي " التونسي عند بداية نقده للمقولات الفلسفية لماو تسى تونغ ذكر أسماء أهمّ مساهمات ماو فى الجبهة الفلسفيّة بيد أنّه لم يتناولها بالتحليل و التقييم . و لأنّه يلفق لماو زورا و بهتانا تهمة أنّه تلميذ لكنفيشيوس ( و سنتوسّع فى الموضوع لاحقا ) فإنّنا نمدّكم ببعض الإشارات حول أهمّ المراجع :

أوّلا، إليكم مراجع ثلاثة من أهمّ مؤلفات ماو تسى تونغ ، القائد البروليتاري العظيم ، الفلسفيّة :

1/ " فى الممارسة العملية " : عشر مراجع تفصيلها كالآتى : 6 لينين ،1ستالين ،1ماركس و 2 تاريخ الصين .
2/" فى التناقض " : 24 مرجعا تفصيلها كالآتى : 2 ماو نفسه ، 11لينين ، 2إنجلز، 1 ماركس ،1 من أتباع كنفيشيوس ينقده ماو بإعتباره ميتافيزيقيّا ،7 قصص و أحداث من تاريخ الصين.

3/ " فى المعالجة الصحيح للتناقضات بين صفوف الشعب " : ملاحظة واحدة دون مراجع .

فأين الحديث عن كنفيشيوس و فلاسفة صينيين آخرين كمعلّمي ماو ؟

و ثانيا، مراجع المؤلّفات الماركسية - اللينينية الكلاسيكية المستشهد بها فى المجلّدات الأربع من المؤلفات المختارة لماو تسى تونغ هي :

- ماركس : " مساهمة فى نقد الإقتصاد السياسي " و " أطروحات حول فورباخ "

- إنجلز : " ضد دوهرينغ "

- ستالين : " ثورة أكتوبر و المسألة الوطنية " و " حول المسألة الوطنية فى يوغسلافيا "و " مرّة أخرى حول المسألة الوطنية " و " مبادئ اللينينية " .

- لينين : " ما العمل؟ " و " الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " و " مرّة أخرى حول النقابات ، الوضع الحالي و أخطاء تروتسكي و بوخارين " و " ملخّص حول علم المنطق لهيغل " و " المادية و مذهب النقد التجريبي " و " ملخّص دروس تاريخ الفلسفة لهيغل " و " حول مسألة الديالكتيك ".

و ثالثا ، بتقريبا جميع الصفحات التى تعرض فيها ماو لكنفيشيوس على طول مؤلّفاته المختارة الخمسة هي الآتى ذكرها و ما فيها أيّ تتلمذ على يد كنفيشيوس بل أساسا نقد له و لأفكاره الرجعيّة :


النسخة العربية :

المجلد 1 : الصفحات 37و 456و501.
المجلد 2 : الصفحات 298و 340و 516.
المجلد 3 : الصفحات 87و 218و238و253 .
المجلد 4 : الصفحات 315و 478و 479و 555.

النسخة الفرنسية :

المجلد 1: الصفحات 27و 349 و 386.
المجلد2 : الصفحات 230و266و 395و408.
المجلد 3 : الصفحات 63 و167و 181 و 195 .
المجلد 4 : الصفحات 257 و 396و 397و 460.
المجلد 5 : الصفحات 135و 137و 296و 378و 397و 398.







( 2 )

مقتطف من كتاب شادى الشماوي ،" الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة " :

لمزيد فهم الخط اللين بياوي كأحد الخطّين التحريفيّين الذين هزمهما الخطّ الثوري

الماوي أثناء الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى

إنّ أسلوب التحليل هو الأسلوب الديالكتيكي . و نعنى بالتحليل تحليل التناقضات الكائنة فى الأشياء . و بدون معرفة تامة بالحياة و فهم حقيقيّ للتناقضات المراد بحثها ، يستحيل إجراء تحليل سديد .

( " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسي تونغ " ، ص 226، مارس / آذار 1957)
--------------------------------

النظرة الوحيدة الجانب معناها التطرّف المطلق فى التفكير، وهي النظرة الميتافيزيقيّة إلى القضايا.

( " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسي تونغ " ، ص 231 ، مارس / آذار 1957)

-------------------------------------------------------------------------------------------------------

كأعداء للماوية يعمدون إلى المثالية الميتافيزيقيّة بدلا من الماديّة الجدليّة لا يعير الخوجيّون و سواهم من الدغمائيّين و التحريفيّين أي إهتمام إلى الواقع و لا يتتبّعون أحداث تاريخ الثورة الصينية بل يفضّلون بناء قصور من الورق و التحليق كالطيور فى فضاء الأوهام و الخيالات التى يريدون فرضها على الواقع المادي المتناقض و المتحرّك الذى يأبى إلّا أن يوجه لهم الصفعة تلو الصفعة فيجعلهم بعد كلّ صفعة يستفيقون من أضغاث أحلامهم منزعجين إنزعاج الفأر عند رؤية القطّ غير أنّهم مع ذلك يسلكون سياسة النعامة فيعيدون غرس الرأس فى الأوهام من جديد آملين أن يمرّ خطر الواقع . و سعيهم المحموم هذا ليس ترفا فكريّا و إنّما هو يتغيّى هدم الحقائق الماديّة الجدليّة التى تخدم مصلحة البروليتاريا الثوريّة ليقيم مكانها الأباطيل التى لا يمكن أن تخدم إلاّ أعداء البروليتاريا بينما " يجب على الشيوعيين أن يكونوا مستعدين فى كل وقت للتمسّك بالحقيقة ، لأنّ الحقيقة ،أيّا كانت، تتفق مع مصلحة الشعب ، و يجب على الشيوعيين أن يكونوا فى كلّ وقت على إستعداد لإصلاح أخطائهم لأن الخطأ أيّا كان ،لا يتّفق مع مصلحة الشعب. "

( ماو تسى تونغ ،" حول الحكومة الإئتلافية " م3، ص 364-366 ، الطبعة العربية ) .

نقول هذا لأنّ التحريفيين المعاصرين و الخوجيين بألوانهم يغضّون الطرف عن الصراعات التى خاضها ماو تسى تونغ ضد لين بياو و كنفيشيوس و أدهى من ذلك يلصقون تهمة بماو على أنّه تلميذا لكنفيشيوس و حاملا لذات أفكار لين بياو . و الواقع يدلّل على عكس ذلك.



I/ " نظرية العبقري " و "عبادة ماو " ، كيف طرحت و موقف ماو منها نظريّا و عمليّا :

برز ماو من خلال صوره و مقولاته و على طول الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى و ما غاب طبعا عن المظاهرات و الجرائد و الحيطان إلخ. كانت شخصيّته محلّ تمجيد من الجميع فى الصين . و بالجميع نقصد الخطوط المتصارعة المتناقضة . و كما يشير إلى ذلك جان دوبيه فى " تاريخ الثورة الثقافية البروليتارية فى الصين 1965-1969 " ( دار الطليعة ، بيروت ، ص68 ) فإن تلك واحدة من خصوصيّات النظام الإجتماعي الصيني حيث أن " أخصام ماو يحترسون غالبا من الظهور على أنّهم كذلك و بالعكس فهم يعلنون إنتماءهم إليه و يستعيدون شعاراته غالبا ،على أن يغيّروا مراميها و يشوّهوا محتواها وهذا ما يسميه الصينيون " خفق الراية الحمراء من أجل إسقاطها . " لذلك لتشخيص الإختلافات يتعيّن التحقيق الدقيق فى الخطّين و فى الأحداث وهو ما لم يجريه و لم يشغل التحريفيّون المعاصرون والخوجيّون بأرهاطهمم بالهم به بل لم يدر بخلدهم هم الذين وضعوا ماو ولين بياو فى سلّة واحدة.

لقد كان لين بياو و أضرابه داخل الحزب الشيوعي الصيني يغالون كثيرا فى مدح ماو تسي تونغ – و نحن نعلم أن الشيء إذا وصل حدّه إنقلب ضدّه - غايتهم من ذلك فى الأخير الإطاحة بخطّه كما سنكتشف.

أمام المكتب السياسي الموسّع ، فى ماي 1966، أي عندما كان الصراع على أشدّه مع الخطّ الإنتهازي اليميني التحريفي للبرجوازية الجديدة داخل الحزب بقيادة ليوتشاوشى و دنك سياو بينغ ، تفوّه لين بياو بما يلى :

" خلال عدّة عشريات ، أكّد الرئيس ماو بإستمرار على العلاقات الديالكتيكية بين الفكر و المادة . نواة الماركسية هي الديالكتيك . و الرئيس يطبّقها بسهولة (...) الرئيس ماو طوّر الديالكتيك بشكل خلاقّ و تام .

ما قام به الرئيس ماو طوال حياته يفوق بكثير ما قام به ماركس و إنجلز و لينين . من الأكيد أنّ ماركس و إنجلز و لينين كانوا رجالا عظماء و كانت لثلاثتهم مفاهيم متطوّرة جدّا حيث كانوا وريثي الفكر الإجتماعي للطليعة و تنبؤوا بتطوّر المجتمع الإنساني . لكن ،على عكس الرئيس ، لم تكن لديهم تجربة فى القيادة المباشرة لثورة بروليتارية و الريادة المباشرة لمثل هذا العدد من الحملات السياسية الهامة و بالخصوص الحملات العسكرية (...) الرئيس عبقري . ما الذى يجعله يختلف عنّا ؟ قاتلنا معا ، بعضنا أكبر منه سنّا ، وآخرون أصغر منه سنّا و لدينا تجربة لا بأس بها . كذلك نقرأ الكتب لكن إمّا أنّنا لا نفهم شيئا أو نفهم جزءا منها فقط. الرئيس ماو يقرأ الكتب و يفهمها.(...) منذ عشرات السنين ، كان الرئيس ماو يفهم بعدُ الديالكتيك ، لكنّنا نحن لم نكن نفهمه . و لم يكن يملك ناصيته فحسب بل كان قادرا على تطبيقه بسهولة .(...) طبّق الرئيس ماو بصفة واسعة النظرية الماركسية - اللينينية و طوّرها و هو متقدّم على الجميع فى العالم المعاصر . كان ماركس و إنجلز عبقريّا القرن التاسع عشر . و لينين و ماو عبقريّا القرن العشرين (...) كلّ جملة لماو حقيقة و جملة له تساوى أكثر من عشرة آلاف من جملنا ..."

( " الصين الجديدة " عدد 14 ، باريس ، أكتوبر – نوفمبر 1973 ، ص 23-24) - ( التسطير لنا )

و فى فقرة أخرى من الخطاب عينه ، حذّر لين بياو : " ماو تسى تونغ هو أكبر قائد لحزبنا و كلّ كلماته هي مبادئ حركتنا .الحزب كلّه سيعاقب الذين يخالفونه ، كلّ الحزب سينقدهم ".

( الصفحة 75 من كتاب جون أيسماين ، " الثورة الثقافية " ، نشر سوي ، باريس 1970) - ( التسطير منا )

و نعثر على أقوال مثاليّة و إنتهازيّة يساريّة أخرى فى تقديم ماو تسى تونغ ، على غرار:

" فكر ماو تسى تونغ الذى لا يقهر هو الماركسية اللينينية فى مرحلة الإمبريالية السائرة نحو إفلاسها الكامل و حيث الإشتراكية تتقدّم نحو الإنتصار عبر العالم بأسره " .

( " وثائق هامة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى " بالفرنسية ، ص 316-317) .

ينمّ هذا المديح المبالغ فيه عن مثالية فى فهم دور الفرد فى التاريخ ، هذا الفرد الذى لا يؤثر فى التاريخ إلاّ فى حدود القوانين الموضوعيّة لتطوّر الصراع الطبقي و بقدر ما تكون المنظمة التى يعمل ضمنها متفاعلة مع هذا الصراع الطبقي .( بليخافوف ، " دور الفرد فى التاريخ " ) و من هنا يطمس لين بياو إحدى أهمّ المقولات الماوية الشهيرة ألا وهي " إن الشعب و الشعب وحده هو القوّة المحرّكة فى خلق تاريخ العالم " . ( وهو نفس الفكر البائس الذى يصدر عنه الخوجيون المتحدثون عن ماو على أنّه " سوبرمان " منبع أكثر الثورات شعبيّة و جماهيرية و إمتدادا زمنيا و وعيا طبقيّا و أعلن أنّ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى إنقلاب قصر هدفه تركيز عبادة شخصية ماو ).

هذا من جهة و من جهة أخرى ، سعى لين بياو إلى تقديم مقولات الرئيس ماو بشكل جاف دغمائي و طلب حفظها عن ظهر قلب و فرض ذلك على الجماهير مدّعيا أنّ " دراسة فكر ماو تسى تونغ تعنى دراسة الماركسية- اللينينية على نحو أسرع " ( أنباء بيكين عدد 46 ، ص24 ، 1967) . و غايته من ذلك هي تحنيط الماويّة و جعلها مقدّسة كما هو الحال بالنسبة لكتب مثل القرآن و الإنجيل و التوراة و غيرها . فى حين أنّ ماو تسى تونغ على النقيض منه دعا فى خطاب أمام ندوة موسّعة للعمل بدعوة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فى جانفى 1962، إلى تطبيق قانون التناقض/ إزدواج الواحد على أعماله هو ذاته أي نقده بما يكشف الجانب الخاطئ فى هذه الأعمال .

و يثرثر لين بياو و لا يتوقّف عن الثرثرة حول وفائه للماركسية - اللينينية - فكر ماو تسى تونغ آنذاك وهو أبعد ما يكون عنها و لا أدلّ على ذلك من الكتاب الذى أخرجه فى شكل " مقولات الرئيس ماو تسى تونغ " سنة 1967 و الذى قدم له هو ذاته فى النسخة الأصليّة الصينيّة . فلا وجود فيه لكلمة واحدة – و لا نقول فصلا – عن دكتاتورية البروليتاريا وهي أساس من اسس علم الثورة البروليتارية العالمية و من أجلها خاض ماو تسى تونغ المعارك الطاحنة طوال عقود ذائدا عنه حتى ضد التحريفية المعاصرة السوفياتية و اليوغسلافية و غيرها فتمكن من تطوير دكتاتورية البروليتاريا إنطلاقا من التجربة السوفياتية و خاصة من التجربة الصينية مضيفا ما صار يسمّى عالميّا نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا كأحد أهمّ بل حجر زاوية مساهماته فى تطوير علم الشيوعية .

هدف لين بياو إذن هو شلّ تفكير الجماهير لجعلها تتّبع عن عمى القادة وهو بهذا يعيد بشكل جديد ما ذهب إليه التحريفي ليوتشاوشى ، الملقّب بخروتشوف الصين ، فى كتابه " كيف تكون شيوعيا جيدا " من دعوة للجماهير و مناضلي الحزب للإنقياد و الإنصياع دون تفكير لأوامر القادة تحضيرا للرأي العام داخل الحزب و خارجه للإنقياد لليوتشاوشى أو للين بياو الذى توصل فى المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني ،على الرغم من معارضة ماو ، إلى جعل نفسه نائب رئيس الحزب.

و إثر خطاب لين بياو أمام المكتب السياسي الموسع ، فى ماي 1966، بعث ماو تسى تونغ لرفيقته شيانغ تشنغ ، الرئيسة المساعدة للمجموعة المكلفة بالثورة الثقافية – م.م.ث.ث- ( وهي زوجته ) برسالة مؤرخة فى 8 جويلية 1966 يعارض فيها بشدّة " نظرية العبقريّ " ( بالفرنسية " لومند " ، 2 ديسمبر 1972 و ضمن " لومند 40 سنة من الصين الشعبية " ، ص 18، بمناسبة ما سمّي ربيع 1989) . سنضطرّ لإيراد النصّ بكامله بحثا عن تعرية الحقيقة و فضحا لأراجيف أنور خوجا الذى كتب زورا أن فى تلك الرسالة أفكارا غامضة و يمكن أن يستعملها اليمين و اليسار ( " إن اليمين فى السلطة يمكنه أن يستعمل أقواله ليصبح أقوى لوقت معيّن لكن اليسار يمكنه أن يستعمل أقواله الأخرى و ينظّم صفوفه من أجل قلب اليمين "ً ، ص418 من " الإمبريالية و الثورة " ).

و إليكم فحوى الرسالة :

" شيانغ تشنغ ،

بلغتنى رسالتك المؤرخة فى 29 جوان . منذ 15 جوان ، بقيت أكثر من عشرة أيّام فى الغرب ، فى حفرة فى جبل حيث لم تكن تصلنى الأخبار إلاّ بصعوبة . ومنذ 28 جوان ، أقرأ يوميّا وثائقا ، هذا هام جدّا. تركت الفوضى فوق الأرض مكانها للنظام . بعد سبع أو ثماني سنوات ستعود الفوضى .الشياطين المسعورة تظهر عفويّا ، محدّدة بطبيعتها الطبقية .

اللجنة المركزية مستعجلة على نشر خطاب صديقي ( لين بياو ) . و أنا مستعدّ أن أوافق . فى خطابه يتحدّث بالخصوص عن مشكل إنقلاب ( كانت متّهمة فيه الضحايا الأولى للثورة الثقافية ) . إلى حد الآن لم يتكلم على هذا النحو . فبعض أفكاره تحيّرنى بعمق . لم أكن أبدا لأعتقد أن بعض كتبى الصغيرة لها مثل هذه السلطة السحريّة . الآن و قد مدحها فإنّ البلاد كلّها تتّبعه ممّا يذكر المرء بالمرأة العجوز التى تبيع البطيخ و تغالي فى قيمة سلعتها . ضغط علي صديقي و جماعته و لا أستطيع ، على ما يبدو ، أن أفعل شيئا سوى أن أوافق .

هذه هي المرّة الأولى فى حياتى التى أكون فيها ، بصدد مشكلة أساسيّة ، متّفقا مع الآخرين بالرغم عن إرادتى. و هذا ما نسمّيه تغيير الوجهة دون إرادة ذلك !

فى العالم ثمّة أكثر من مائة حزب شيوعي ما عادت غالبيّتها الساحقة تعتقد فى الماركسية – اللينينية و حطّمت حتّى ماركس و لينين إلى فتات . بالتالي لما لا يحدث ما حدث عندهم عندنا نحن بالذات ؟ أعتقد أنّه عليك أنت أيضا أن تعيري إهتماما لهذا المشكل . لا يجب أن تتبجّحى عند الإنتصار بل عليك التفكير دائما فى نقاط الضعف و النقائص و الأخطاء . لست أدرى كم مرّة حدثّتك عن هذا . كنت حدّثتك عنه أيضا فى شهر أفريل ، فى شنغاي.

ما يجعلنى أختلف مع العصابة السوداء هو أنّنى أتكلّم عن ردود فعلي أنا بينما تسعى العصابة إلى قلب حزبنا و قلبى أنا .

ما أقوله هنا لا يمكن أن يعلن للعموم الآن . حاليّا ، كلّ عناصر اليسار تتكلّم نفس الكلام و لو نشرنا ما أقوله الآن سيكون بمثابة صبّ الماء البارد عليها بما يساعد اليمين. فمهمّتنا الحاليّة تتمثّل فى القلب الجزئي لليمين ( و ليس الكلي لأنّ ذلك غير ممكن ) فى كلّ الحزب و كلّ البلاد. بعد سبع أو ثماني سنوات سنشنّ حركة أخرى لمسح الشياطين المسعورة . و هذه الحركة ينبغى إعادتها بعد ذلك عديد المرّات .

لا أعرف إلى الآن متى يمكن نشر ما أقوله هنا ،لأنّ ما أقوله لا يعجب اليسار و الجماهير الواسعة ".

( ماو تسى تونغ ، 8 جويلية 1966- التسطير منا ) .

و نحلّل بما يفيدنا كلام ماو هذا فنقول إنّه يفيدنا أوّلا بأنّ ما كتبه أنور خوجا لا وجود لكلمة منه فى الرسالة و ثانيا بأنّ ماو يستهزء من " نظرية العبقري "و " السلطة السحرية " و ثالثا بأنّ ماو لا يتناقض فقط مع لين بياو وأضرابه فحسب بل ينعتهم ب" العصابة السوداء " ورابعا بأنّ لين بياو يستعمل " خفق الراية الحمراء لأجل إسقاطها " حيث " تسعى العصابة إلى قلب حزبنا و قلبى أنا " و جعل الحزب الشيوعي الصيني حزبا تحريفيا لا يعتقد فى الماركسية اللينينية كالأحزاب التحريفية الأخرى التى إستولت عليها التحريفية و خامسا بأنّ ماو وجد نفسه ،على علمه بغرض العصابة السوداء ، محمولا حملا على الموافقة التكتيكية المؤقتة ،"حاليا "، وأشار إلى أن صراعا ضدّهم سيخاض بعد 7 أو 8 سنوات و هذا ما وقع فعلا مع حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس التى إمتدّت طوال السنوات الأولى من سبعينات القرن العشرين ؛ كما يفيدنا ، سادسا و أخيرا ، بأنّ ماو تعرّض للضغط فى وقت لم يكن فيه مستعدّا هو وأنصار الخطّ البروليتاري الثوريّ و الجماهير الواسعة للمواجهة إذ كان اليسار مركّزا جهوده على المهمّة الرئيسيّة حينها وهي القلب الجزئي لليمين و موافقة ماو تأتى إستجابة لعدم مساعدة اليمين الذى كان على رأسه ليوتشاوشى و دنك سياو بينغ .

و لم يبق الماويّون مكتوفي الأيدى و إنّما عملوا على الحدّ من تأثير لين بياو الذى حين فشل فى فرض خطّه التحريفي فى الإجتماع الثاني للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ، حاول فى 1971 حبك مؤامرة لإغتيال ماو تسى تونغ و لكنّه لم يوفّق فى مؤامرته الخسيسة و كان مآل المرتدّ الموت على الحدود الصينية السوفياتية عند ما إنفجرت به طائرة كانت تقلّه إلى أحبابه التحريفيين السوفيات.

و من المفيد أن نطلع معا على ملاحظة غاية فى الأهمية وردت بالصفحة 248 من كتاب " تاريخ الثورة الثقافية فى الصين 1966-1969" :

" عام 1967 ألغي ماو بيده عبارة " المربّى الكبير و المرشد و القائد و الربّان " المستعملَة لوصفه فى البيان الذى يعلن تفجير القنبلة الهدروجينية . و عام 1968 منع الكلام عن "غرس السيطرة المطلقة " لفكره . و منذ وقت قريب إستنكر الإنتاج الفخم لشارات تحمل صورته . و أعلن أنّ هذا كان تبذيرا لمعدن له إستعمالات أكثر ضرورة."

و هذا ليس بالغريب من ماوتسى تونغ والحزب الشيوعي الصيني فى ظلّ قيادته فما فتأ يدعو إلى التواضع : " لم ترد بالتقرير عدّة قرارت إتّخذها الإجتماع الموسّع للجنة المركزية للمؤتمر السابع . أوّلا ،عدم الإحتفال بأعياد الميلاد . و أمنيات طوال العمر لا تعطى طول العمر . المهمّ هو أن نقوم بعملنا على أفضل وجه . ثانيا ،عدم تقديم الهدايا ،على الأقل داخل الحزب . ثالثا، تجنّب قدر الإمكان الشرب على نخب شخص ما مع إمكانية القيام بذلك فى بعض الحالات . رابعا ، التصفيق أقل ما أمكن مع عدم منع التصفيق :حين تطفح الجماهير حماسا لا يجب أن نصب عليها ماءا باردا . خامسا ، عدم إعطاء أسماء أشخاص للأماكن . سادسا ،عدم وضع الرّفاق الصينيّين على نفس مستوى ماركس و إنجلز و لينين و ستالين .هذا ما يتعيّن القيام به لأن الأوائل نسبة للأخيرين نسبة التلامذة إلى أساتذتهم . التواضع يتجسد فى إحترام هذه القرارات ".(ماو تسى تونغ ، م 5 بالفرنسية ،صفحة 117-118).

عند قراءة النقطة السادسة قد يقفز أحد الخوجيين ليفرك يديه و يصفق فرحا كالطفل الصغير ، مطلقا صيحة أرخميدس : وجدتها ! وجدتها ! " ثم يوجّه إلينا سؤالا :لماذا لا تمارسون ما قاله ماوتسى تونغ فتكفّوا عن إعتباره هو أيضا فى مستوى ماركس و إنجلز و لينين و ستالين ؟ و الجواب بسيط لمن يضع الدغمائية جانبا . فماو تلفظ بذلك الكلام المتعلّق بالتواضع و الموجّه للرفاق سنة 1953 و حينذاك رغم المساهمات اللامعة لماو فى مجال الثورة الديمقراطية الجديدة و الإستراتيجيا العسكرية البروليتارية و كذلك فى الفلسفة الماديّة الجدليّة التى ستزداد تطوّرا لاحقا ، لم يطوّر ماو بعد جميع إضافاته لعلم الشيوعية ، هذه الإضافات التى ستكون نابعة من تقييم التجربة السوفياتية و تطبيقات التجربة الإشتراكية الصينية منذ 1953 فصاعدا إلى 1976 . و فى بداية الخمسينات ، مع بعض الإختلافات ، كانت الصين تتّبع بالأساس النموذج السوفياتي فى بناء الإشتراكية و لكن مع أواسط الخمسينات و الصراع ضد التحريفيّة المعاصرة التى إغتصبت السلطة فى الإتّحاد السوفياتي و التحريفيّة التى كانت تحاول تغيير لون النظام فى الصين، و الدراسة و النقد و التقييم الذين قام بهما ماو للتجربة السوفياتية ، سيتّخذ البناء الإشتراكي فى الصين منحى أرقى متجاوزا الأخطاء فى التجارب السابقة .هذا من جهة و من جهة ثانية ، خوّل الصراع الطبقي فى الصين بوجه خاص و عالميّا لماو تسى تونغ أن يصوغ و يكرّس نظريّة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا فتطوّر بالتالي نوعياّ علم الثورة البروليتارية العالمية من الماركسية – اللينينية إلى مرحلة ثالثة ، جديدة و أرقى هي الماركسية - اللينينية - الماوية .

II) محطّات من صراع الماويّين ضد لين بياو :

كما مرّ بنا فى الفقرات السابقة ، منذ أواسط الستّينات تفطّن ماو تسى تونغ للخطّ التحريفي الذى كان ينتهجه لين بياو و لكنّه كان مضطرّا تكتيكيّا بحكم موازين القوى داخل الحزب و التركيز على النضال ضد طغمة ليوتشاوشى إلى تأجيل الصراع و لو أنّه أدرك حتميّة إندلاعه و تفجّره فى السنوات اللاحقة .

و فعلا شهد الحزب الشيوعي الصيني مواجهة الماويّين مع لين بياو بمناسبة مشروع تقرير المؤتمر التاسع فى 1969. فقد صاغ لين بياو مشروع تقرير فحوى أفكاره الرئيسية هي الدفاع على أن الثورة الثقافية البروليتاريّة قد بلغت أهدافها و أنّه حان الوقت لإيقافها و صبّ الإهتمام على دفع الإقتصاد . و دعا لين بياو فى مشروع تقريره إلى إيجاد تسوية مع الإتّحاد السوفياتي الذى كثّف من ضغوطاته على الصين و فى أفريل 1969 هاجمها عسكريّا و كذلك إلى التعويل على الأسلحة الثقيلة فى إعادة تشكيل الجيش . و خاض الماويّون ضدّه نضالا مبدئيا و أطاحوا بهذا التقرير الذى يذهب ضد الخطّ الشيوعي الماوي فالثورة الثقافيّة كوسيلة و طريقة للصراع الطبقي ، السياسي ، مثلما أكّد ماو ، ينبغى أن تستمرّ و تثابر على تطبيق " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج "و التسوية مع الإتّحاد السوفياتي لا يمكن أن تعني سوى الإستسلام و فى الحرب الإنسان هو المحدّد و ليست الأسلحة . و هُزم مشروع لين بياو و حلّ محله تقرير آخر صاغه الماويّون و حظي بمصادقة المؤتمر التاسع ما مثّل إنتصارا للماوية .

و مع ذلك تابع لين بياو مآربه و مؤامراته ملتجأ إلى الخداع و " رفع راية ماو لإسقاطها ".

و " فى الإجتماع الثاني [ للجنة المركزية للمؤتمر التاسع] إندلعت كذلك أو إحتدّت أزمة كبيرة تمسّ ، دون التصريح بذلك ، بخلافة ماو تسى تونغ و طبيعة النظام . فى مستوى النقطة الأولى ، دون أن يضع موضع الشكّ إختيار خلفه، كان ماو تسى تونغ يرفض إمكانيّة أن يوجد فى مشروع الدستور الجديد منصب رئيس الجمهورية يرجع قبله أو بعده للين بياو . وكان كذلك يرفض لأسباب مشابهة " نظرية العبقري " المادحة له و التى قدّمها نائب رئيس الحزب [ لين بياو ] ، ليس دون خلفية ..." و كانت النقطة الثانية تتعلّق بدور الجيش فى المجتمع أي بعلاقته بالحزب ففى حين كان ماو يدافع عن تقليص نفوذ القادة العسكريين كان لين بياو يريد العكس."

(ص563 من كتاب جاك غيارماز ، " تاريخ الحزب الشيوعي الصيني : الجزء الثاني ، الحزب الشيوعي الصيني فى السلطة "( بالفرنسية ، نشر بايوت ، باريس ).

و فى 1970 وهو يروّج لنظرية العبقريّ ، شنّ لين بياو هجوما على مكاسب الثورة الثقافيّة – الأشياء الجديدة الإشتراكية – بما هي مناقضة لبرنامجه ،العمل على إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين . فشبّه مشاركة الكوادر فى العمل الإنتاجي بالحكم بالأشغال الشاقة و إعتبر أنّ إرسال الشباب إلى الريف بطالة مقنّعة . و إدّعي أنّ الجماهير سئمت الصراع الطبقي و الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى و لا هم ّ لها سوى البحث عن قوتها اليومي و لا شيء غير قوتها اليومي .

و لمّا تصدّت له القوى الماويّة و فضحت معاداته للخطّ الثوري و تقلّص إشعاعه و تأثيره و صار منعزلا ، لم يجد من سبيل لتحقيق مبتغاه سوى حبك مؤامرة إنقلاب عسكري فى سبتمبر 1971 . و فشل فى مسعاه و لقي حتفه حين إنفجرت به طائرة كانت تقلّه إلى الإتّحاد السوفياتي حيث أصدقاؤه التحريفيّون المعاصرون .

و كان لذلك الأثر العميق على الصين لعدّة إعتبارات منها :

1- أنّ المعركة تمّت فى فترة تضاعف فيها التهديد السوفياتي للصين ، خارجياّ ،

2- و داخليّا، سمحت الأحداث لليمين بقيادة خاصّة شوآن لاي هذه المرّة بفرصة إستغلّها لإعادة تجميع قواه و إعادة بعض قادته إلى عشرات المناصب التى أضحت شاغرة بعد الإطاحة بأتباع لين بياو ،

3- و كذلك ، أدخل الحدث إضطرابا فى صفوف الجيش و الشعب على السواء بحكم أنّ لين بياو كان نائبا لماو و بحكم أنّ إسمه إرتبط بالثورة الثقافيّة التى وضعت بالتالي موضع تساؤل .

و قدّم هذا جميعه أجلّ الخدمات لليمين - التحريفيين داخل صفوف الحزب والدولة فوظّفوه لصالحهم أيّما توظيف.

و فى شهر أوت 1973 ، إندلعت حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس بمبادرة من ماو تسي تونغ ثم " بدأت تتطوّر لدى الكوادر قبل أن تصبح حملة شعبيّة حقيقية ، "حربا شعبيّة " حقيقية مخاضة على نطاق العمّال و الفلاّحين ".

(ص575 من كتاب جاك غيارماز ، " تاريخ الحزب الشيوعي الصيني : الجزء الثاني ، الحزب الشيوعي الصيني فى السلطة "( بالفرنسية ، نشر بايوت ، باريس ).

III) من محاور الصراع المثارة علنيّا فى "حملة نقد لين بياو و كنفيشيوس "

( بالإعتماد جوهريا على كتابين أساسيين هما :

- 1 "حول المادية الجدلية " نشر 100، باريس جانفى 1975.

و-2 " محادثات مع كنفيشيوس" ، طبعة فرنسية أيضا ، نشر سوي ، باريس )

-1-المادية و المثالية :

لقد أعاد لين بياو إحياء مقولات منشيوس و لو خوان من مثل " لنجد طريقة لوضع قوى الفكر لكي تعوّض قوى المادة " أو " العشرة آلاف شيء تتحقّق فيّ " ( " حول المادية الجدلية " نشر 100، باريس جانفى 1975) فهو يتّبع هكذا كنفيشيوس فى فهمه لعلاقة الفكر بالمادة إذ هو يستبدل المقولة المادية عن تحوّل المادّة إلى فكر و تحوّل الفكر إلى مادة بقوله قوى الفكر " تعوّض " المادة .




-2- السبب الباطني أم الخارجي هو أساس التغيير :

يقول ماو: " العلّة الأساسيّة فى تطوّر الشيء إنّما تكمن فى باطنه لا خارجه ، فى تناقضه الباطني . و هذا التناقض الباطني موجود فى كل الأشياء وهو الذى يبعث فيها الحركة و التطوّر . إن هذا التناقض الكامن فى باطن الأشياء هو العلّة الأساسيّة فى تطوّرها ، أمّا الصلة القائمة و التأثير المتبادل بين شيء و آخر فهي علّة ثانوية . و هكذا فإنّ الديالكتيك المادي قد دحض بصورة قاطعة نظرية الأسباب الخارجية أو نظرية القوة الدافعة ، التى ينادي بها أنصار المادية الميكانيكية الميتافيزيقية و مذهب التطور المبتذل الميتافيزيقي . "

( ماو تسى تونغ ، " فى التناقض " ، م1 ، ص456 )

فى حين كان كنفيشيوس ينافح ، محافظة منه على مصالح ملاّك العبيد ، عن أنّ " إنحطاط العادات و الموسيقى " لم يكن سببه النظام العبودي بل " رجال القلّة " ( " محادثات مع كنفيشيوس" ، الكتاب الثالث) . و كان ينافح كذلك عن نظرية " التفويض السماوي " (المصدر السابق ،الكتاب التاسع ) و مفادها أنّ كلّ المخلوقات و الأشياء منتظمة من قبل إلاه له يعود مصيرها ؛ كان لين بياو ، وهو يعتمد على النظرة الميتافيزيقيّة للسبب الخارجي ، يصرح بأنّ الصراع داخل الحزب مصطنع تماما و فى هذا يلتقى مع الخوجيّين . و حسب رأيه لم توجد أبدا صراعات فى صفوف الحزب و قد أدخلت إليه من الخارج بالقوّة فسماه "إصطناع تناقض " . و فى الواقع كان يستعمل هذه المقولات لتغطية نشاطه المعادي للحزب و الدولة البروليتاريّين حيث كان يخوض صراعا خطّيا ضد ماوتسى تونغ و الخطّ البروليتاري الثوري كما رأينا سابقا و فى ذات الوقت يشيع أنّه لا وجود لصراعات بعد الإطاحة بليوتشاوشى .

-3- " إزدواج الواحد " أم " دمج الإثنين فى واحد " :

" تخضع كافة الأشياء و كافة الظواهر لمبدأ " إزدواج الواحد " ( ماو تسى تونغ ،" حول المعالجة الصحيحة للتناقضات فى صفوف الشعب " ) وهو تعميم شعبيّ لقانون التناقض/ وحدة الأضداد و أكّد ماو: " إنّ قانون التناقض فى الأشياء ، أي قانون وحدة الضدّين هو القانون الأساسيّ الأوّل فى الديالكتيك المادي ".( " فى التناقض"، م1 ، ص453).

أمّا لين بياو فكان ينشر ، شانه فى ذلك شأن الخوجيّين ، النظرية الرجعية ل"دمج الإثنين فى واحد " و يدعو كذلك إلى أن يصحّح المبدأ الذى أعلنه ماو و الذى حسب رأي لين بياو ، لم يكن يحتوى " مفهوم الوحدة " لذلك يتعيّن تعويضه ب " دمج الإثنين فى واحد " . و كان يقوم بالدّعاية لمقولة " يجب منع التناقضات من تجاوز الحدود ، من أن تكسر الوحدة " ، ف "طريق الوسط ... معقول ".

و نظريّة لين بياو الأخيرة هذه تستمدّ جذورها من نظريّة " طريق الوسط " لكنفيشيوس التى تنكر التناقضات و تغطّى الصراعات و تحول دون التحوّلات الثوريّة . و يرمى هذا التحريفيّ من وراء مثل هذا الخطّ الإيديولوجيّ و السياسيّ إلى غرس الرؤى البرجوازية حول " إضمحلال الصراع الطبقي " فى المجتمع الإشتراكي و حول " الوحدة تفيد الجانبين " الذى يعنى أن الوحدة بين البروليتاريا و البرجوازية الجديدة مفيدة للطبقتين المتناقضتين و الحال أنّ الطبقة العاملة تعمل ، إنطلاقا من إدراك مهمّتها التاريخية ،على القضاء على البرجوازية بكلّ أشكالها و كيفما و أينما وجدت وهي مهمّة ممارسة دكتاتورية البروليتاريا على الأعداء الطبقيّين كمرحلة إنتقاليّة من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة كما عيّنها ماركس فى " نقد برنامج غوتا " و لينين فى " الدولة و الثورة " .

-4- التحليل الملموس للواقع الملموس أم الأفكار الصالحة لكل زمان و مكان ؟

معروف عن كنفيشيوس و أتباعه شعر مفاده " ما لا تريد أن يفعل لك ، لا تفعله للآخرين " و فى الواقع الملموس لا تخدم هذه المقولة آنذاك إلاّ اسياد العبيد الذين كانوا فى طور الإنحطاط . و معروفة هي جملة لين بياو" الذين يعتمدون على الفضيلة ينمون و الذين يعتمدون على القوّة يضمحلّون " . من الأكيد أنّه لا وجود لمعنى مطلق لكلمة " قوّة " فمسحوبة على المجتمع الإشتراكي ، ثمّة قوّة البروليتاريا أو دكتاتورية البروليتاريا التى تستعمل ضد أعداء العمّال و الفلاّحين و الشعب عامة و ثمّة من ناحية ثانية قوّة البرجوازية الجديدة التى تسعى إلى إعادة تركيز الرأسمالية. و مقولة لين بياو فائدتها عظيمة بالنسبة للبرجوازية الجديدة و تبعاتها وخيمة بالنسبة للبروليتاريا .

-5- نظرية المعرفة :

كان كنفيشيوس يروج ل" المعرفة الفطريّة " ( " محادثات كنفيشيوس "، الكتاب السابع ، ص 66 ) و كان لين بياو يقتفى خطاه فيروج ل" نظرية العبقري " التى مّرت بنا معالجتها . كان الأوّل يقول " الفكر يحتوى على عشرة آلاف نظرية ، عشرة آلاف نظريّة توجد فى الفكر " و " خارج الفكر لا يوجد أي شيء " و كان لين بياو يقول " إلى الأعلى الذكاء، إلى الأسفل الحماقة " و" لحل مشكل يجب القيام بثورة فى داخل المرء".(" حول المادية الجدلية "، نشر 100 بالفرنسية ، ص 153) و فى المقابل ، كان ماو تسى تونغ يعلى راية الجمل التالية : " من أين تأتى الأفكار الصحيحة ؟ هل تسقط من السماء ؟ لا. هل هي فطرية ؟ لا . لا يمكن أن تأتي إلاّ من الممارسة الإجتماعية ، من الأنواع الثلاثة من الممارسة الاجتماعية : الصراع من أجل الإنتاج و الصراع الطبقي و التجربة العلمية ."( ماو تسى تونغ ، "من أين تأتى الأفكار الصحيحة ؟ " )

و عندئذ يتبيّن أنّ العلاقة بين كنفيشيوس و لين بياو علاقة حميميّة مثّلت فيها أفكار الأوّل الخطّ الإيديولوجي الذى بنى على أساسه الثانى خطّه السياسيّ فى التعامل مع الصراعات الطبقيّة الدائر رحاها فى الصين و فى تحقيق مأربه فى قلب دكتاتوريّة البروليتاريا و ماوتسى تونغ ذاته بغرض إعادة تركيز الرأسماليّة فى الصين .

------------------------------------------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024