الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
توقفوا عن تدوير هذه الزبالة السياسية
اسماعيل شاكر الرفاعي
2020 / 11 / 13مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد للانتخابات رائحة زكية تعطر الجو ، وتملأ جوانح الانسان بالشعور العظيم بأنه يمارس حريته ويؤكد ذاته حين يمارس حرية اختيار : حكامه ...
ذلك لأننا في العراق : مارسنا حرية الاختيار كجزء من واجب ديني لا واجب وطني ، حين ادخلت الاحزاب الاسلامية : التصويت في دائرة الثواب والعقاب ، وأوحت للعراقيين : بأن الله سيحاسب الناس الذين لا يصوتون على اساس طائفي : لابن الطائفة السنية ، او لابن الطائفة الشيعية ، او لابن القومية الكردية او لابن الاقليات القومية او الدينية الأخرى . لقد حولت هذه الاحزاب ممارسة حرية اختيار الحاكم : من فعل دنيوي محض : يشير الى حق المواطن في المشاركة السياسية عن طريق الاختيار الحر بين المرشحين ، الى طقس ديني : يجب على المواطن فيه ان يصوت لصالح قائمة مغلقة لا يعرف أفرادها . فالانتخابات في عرف الاحزاب الدينية : ليست مناسبة لان يثبت فيها الفرد حريته وإرادته الذاتية ، بل هي مناسبة لأن يضع يديه مجدداً في قيود اشد إيلاماً من قيود الماضي اللاانتخابي ، حتى اصبحت الانتخابات : مناسبة يتطوع فيها العراقيون الى العمل ضد حريتهم ، والذهاب طائعين الى عبوديتهم ...
وهكذا تحولت الدورة الانتخابية الى مناسبة : يتعاقد فيها العراقيون من السنة والشيعة مع احزابهم الاسلامية على تجديد عبوديتهم لها ، مثلما يتعاقد فيها الكرد مع : احزابهم القومية على تجديد عبوديتهم لزعامات هذه الاحزاب ، ولمن يرثهم من الابناء والأحفاد .
ومع ان القن في مجتمعات العبودية القديمة لا يراوده أمل بالتحرر من نظام العبودية هذا ، كما لو كان قدراً مقدراً ، كذلك اصبحت جموع العراقيين تؤمن : بأن لا مفر لها من طاعة هذا القدر ، وانها ستسقط في ممارسة جماعية للأثم : لو انها فكرت بوجود امكانية للتحرر من هذه العبودية المفروضة عليهم : اكثر حرية وأعمق تعبيراً عن حرية الاختيار ...
لقد أصيب العراقي من خلال هذه الممارسة بمرض : الخوف من التجريب . كانت طلائعه الثقافية والسياسية قبل اكثر من نصف قرن اجرأ منه : أسست احزاباً سياسية حديثة من غير ان يتآكلها الخوف من الشعور بالإثم من اوامر الموروث الديني ، واجترحت معجزة كسر قيود الوزن الشعري الموروث منذ اكثر من 15 قرناً ، وحررت الذائقة الشعرية من الاعتماد الكلي على خاصية السماع الشفاهية ، ومنحتها بعداً جمالياً جديداً متمثلاً بتأمل النص ، بل ان تلك الطلائع الثقافية حررت نفسها من ثقافة كتابة الهوامش ، وهوامش الهوامش على متون نصوص دينية وأدبية ثابتة ، ودخلت معترك الحراك الثقافي الحديث بالرسم : اذ بدأ الرسام العراقي يمارس رؤيته الفنية بتصوير : ذوات النفس ، التي حرم عليه الموروث تصويرها . وهكذا جاء الجديد في الفنون الأخرى ، كفن المسرح الذي يتطلب الاختلاط ضداً على عزل الجنسين والتحجب . وفن الموسيقى والرياضة اللذان لم يعد التجمع فيهما مبنياً على اساس ديني بل على اساس دنيوي بحت . الخوف من التجريب المصحوب بالشكوى صفات جديدة اكتسبها العراقي خلال هذه السبع عشرة سنة التي تلت الغزو الأمريكي والتي ارتقى فيها الاسلام السياسي الى سدة الحكم ، مع نواهيه الكثيرة التي صنعت لنا عراقياً خائفاً متذبذب المواقف : يقدم رجلاً ويؤخر اخرى ، وأعظم مثال على ذلك التردد يتمثل بثورة اكتوبر من العام الماضي التي لم يحسم فيها العراقي موقفه من التيارات والاحزاب الحاكمة : فانتهى الى تنفيذ ما قررته : وأرضت غروره بالقول : بأن حكومة الكاظمي جاءت تنفيذاً لمطالبه . أصبحت الشكوى ، في بحر السنوات ( الديمقراطية ) هذه : جزء من طبيعتنا ، فمنذ 17 عاماً ونحن نشكوا من عودة الوجوه التي كلما تهيأنا لان نغيبها عن الحضور السياسي : تعود أقوى سياسياً وهي ترفع عالياً الآلاف من الاصوات التي حصلت عليها ، ومنها أصواتنا : لا نعرف كيف !! فأول سمة من سمات هذا اللون من الوان الديمقراطية البرلمانية او النيابية هو : الكذب والتزوير ...
تطالبك الديمقراطية البرلمانية او النيابية : بالتنازل عن حقك في المشاركة السياسية في ادارة الشأن العام لبلادك لمدة اربع سنوات : للسيد النائب ، لشخص موجود في قائمة انتخابية مغلقة لا تعرف عنه شيئاً : تفرضه الاحزاب ممثلاً لك : اي يقرر بالنيابة عنك لفترة زمنية طويلة مستوى معيشتك ونمط حياتك .
في التطبيق العملي أوصلتنا هذه الكذبة التي يسمونها ديمقراطية الى الشعور بخواء حياتنا الروحية والمادية في آن معاً ، والإحساس بالعجز ، ونحن نشاهد سياسيينا بلا إنجاز ، همهم الوحيد هو المزيد من نهب المال العام بأساليب مبتكرة شتى . فثاني سمة من سمات هذه اللون من ألوان ( الديمقراطية ) : يتمثل بسحق كرامة المواطن عن طريق مصادرة حريته واستثمارها في الغيبيات والخرافات ...
،
انه ابشع عنف نمارسه ضد أنفسنا
والحق ان النظام البرلماني كان عنيفاً منذ البدء : حاصر البعد الإنساني في الثورة الفرنسية 1789 ، وقدم طريقاً سهلاً لتفتح الميول الدكتاتورية والإمبراطورية بزعامة نابليون الذي عسكر المجتمع الفرنسي ، وباشر حروبه الاستعمارية في اوربا ، وفي الشرق باحتلاله لمصر عام 1798. وقام البرلمان بثورته العنيفة في بريطانيا عام 1688 ، ومنح السلطة في امريكا بعد نجاح الثورة لأصحاب العبيد ، ممن حصلوا على ملكيات كبيرة من
الارض . صحيح انه ارقى سياسياً واخلاقياً من أنظمة الطغاة الأفراد ولكنه يظل في التحليل الاخير : نظاماً اقلوياً يمثل مصالح الأقلية من اصحاب البنوك ومعامل انتاج السلاح . ولم يثبت هذا النظام اي حيوية وابتكارية في العراق او في سواه من البلدان المتخلفة في تطويرها وتحديثها ، وظل النظام البرلماني مصنعاً لإنتاج آرستقراطية . انه نظام لا يمثل عموم الشعب ، بل هو يستخدم اصوات العوام لصالح منح شرعية انتخابية لمن رشحهم هذا النظام ليكونوا من الأقلية الحاكمة والثرية ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز
.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود
.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991
.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع
.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست