الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجدران الغليظة

حسن مدن

2020 / 11 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


المصادفة وحدها أخذتني، قبل سنوات، لمشاهدة برنامج على الفضائية الألمانية الناطقة بالعربية، بمناسبة الذكرى السنوية لسقوط جدار برلين، يتوقف أمام قضية التغلب على الآثار النفسية الناجمة عن عقود من العزلة بين أبناء أمة، وجدوا أنفسهم يعيشون في دولتين، وتنقسم عاصمتهم التاريخية إلى جزءين، يفصل بينهما جدار .
البرنامج يعرج على تجارب مشابهة في بلدان أخرى عانت الانقسام، حتى لو لم تكن هناك جدران تفصل بين أجزائها، فالجدران ليست مادية فقط، من طوب وإسمنت تعلوهما أسلاك شائكة، إنما هي من أفكار ومشاعر وظنون وهواجس ومخاوف، ومن تلك البلدان كانت جنوب إفريقيا بعد تصفية نظام الفصل العنصري .
استهواني البرنامج، لأني كنت في الفترة نفسها منغمساً في قراءة رواية للكاتب الألماني رالف روتمان، عنوانها: "نار لا تشتعل"، ومع أن أحداثها تدور حول كاتب روائي موزع بين حبين، حب قديم ينبعث مجدداً، فيما هو قد ولج علاقة حب جمعته بطالبة دكتوراه، وعلى ما في الحكاية من تشويق، إلا أن أهمية الرواية تكمن في كون أحداثها تجري على خلفية التحولات في ألمانيا بعيد سقوط الجدار، حين تعيّن على الأمة أن تداوي جروح انقسامها، وتعمل على إعادة بناء جسور الفهم والثقة بين أبنائها الموزعين بين الشرق والغرب.
أي أن الرواية تعالج، من زاويتها الخاصة، ذات الموضوع الذي جرى تناوله في البرنامج، حيث يبدو البطل الذي نشأ في الغرب الألماني متوجساً ومرتاباً إزاء من يلتقيهم من بني جلدته الذين شاء حظهم أن ينشأوا في الجزء الشرقي فترة التقسيم، لدرجة أن يدهشه لطف هؤلاء الذين سبق له أن تجنى عليهم، كنتاج للصورة النمطية التي تكونت في الغرب عنهم خلال عقود.
إنه أمر يهمنا في شرقنا العربي من زاويتين على الأقل، فمن الزاوية الأولى نجد أن كثيراً من الشعوب العربية وجدت نفسها متورطة في جدران من الكراهية والخوف بين أبنائها، نتيجة الانقسامات الحادة، مذهبياً وطائفياً وعشائرياً، وهي معنية باليقظة كيلا تزداد هذه الجدران غلاظة.
من الزاوية الثانية يلفتنا أن الغرب المفتون والمبتهج بسقوط جدار برلين، وهو سقوط لم يكن ثمة مناص منه لأنه ضد منطق التاريخ، هو نفسه الغرب الذي يصمت، كيلا نقول يبارك جدار العزل في فلسطين .
الشجاعة ليست في إدانة جدار سقط، وإنما في إدانة جدار ماثل أمام الأعين، وفي العمل على إزلة جدران غليظة حتى وإن لم تكن من الحجارة والإسمنت والحديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE