الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توظيف القصيدة النثرية الأفقية كقصة قصيرة

سعد الساعدي

2020 / 11 / 14
الادب والفن


في القصيدة التجديدية النثرية الأفقية تكمن صفة مهمة، قد تكون مضمرة بصورة قصدية، أو واضحة جلية للمتابع والمتلقي، وهي الامكانية السهلة لإحالة النص الشعري الى قصة قصيرة مكثفة فيها كل مقومات كتابة القصة القصيرة الحديثة، مع الاضافات الرمزية الجمالية للقصيدة، وبذا فهناك عامل مشترك في البناء والمعنى بين (القصة الشاعرة) كنمط أدبي جديد، و (القصيدة الأفقية التجديدية) الجديدة على الساحة الادبية كلون نثري يحمل صفة الشعر التجديدي.
اللونان أو النمطان ربما ولدا معاً (في مرحلة التجديدية) مع عدم نسيان قدم (قصيدة النثر الأفقية) زمانياً، ويختلفان مكانياً، حيث تمتد جذور القصيدة التجديدية النثرية الأفقية في العراق لتنتشر لاحقاً في الوطن العربي، والنمط الثاني بين مصر والاردن؛ هذه الاشارة كإيضاح توثيقي موضوعي لابد منه. فيما لو موضوع القصة الشاعرة سنتعرف على أهم جوانب هذا النمط التجديدي المستحدث وما قيل عنه؛ لعلها تأتي في وقت آخر.
اذن فالقصيدة النثرية التجديدية تُستبدل باقل جهد الى قصة قصيرة بإضافات بسيطة، وتعديلات سهلة، خالية من التعقيد، لاسيما مع القصائد المكتظة بالصيغ الفعلية وإحالتها الى أسماء وصِفات في حوارية غير مكشوفة بصيغة السرد الحكائي الماثل للشرح والتفصيل، ما يعني أن الاضافات اجرائية ممكنة الاستعمال بدخولها على النص، على العكس من القصيدة النثرية الواقفة، ولا نعني بذلك أن سرد القصيدة التجديدية هو (قصة) بل هو الفكرة المكثفة، والعمق البنائي، والرمز المتداخل بين الجمل النثرية وإن كانت واصافة بشكل أعمق غالباً، وسنأتي بمثال على ذلك في محاولة تجريبية شخصية (للمؤلف) كقصيدة نثرية أفقية تجديدية منشورة، وهي ما يعبر عنها النص السردي بالكتلة الواحدة أحلناها الى قصة قصيرة نترك معرفة مختلف جوانبها للمتخصص والقارئ، ولهما حرية انشاء الرأي والمقارنة مهما كانتا:
القصة القصيرة بعد احالتها من قصيدة نثرية تجديدية بعنوان " في ليلة من عيد جديد" الى اسم آخر هو "لوحة صامتة ترسمها الضوضاء" .
القصة القصيرة : لوحة صامتة ترسمها الضوضاء ..1
"أوراقٌ مازالت مبللة كألوان الطواويس تميّزت حماماتها، مرفوعةَ الرؤوس يمشينَ منتفخات الصدور، طرزّنَ كلَّ غرورِ المساء قلائدَ، وتعطّرنَ بأنفةٍ زائفة تَتْبَعهُن غربانٌ كسيحة من شارعٍ لآخر.. اللصوص لم يخافوا تلكَ الليلة؛ فارقوا كؤوس نذالتهم وامتطَوا جيادَ الشهوات. بشغفٍ كان جالساً يرسم بلا عين ترصده الى من ينتظرون النفّاثاتِ في مصائد شعوذاتهنّ.. حتى الأشجار أماطت لثامَ عريها تنتظرُ الاستباحة الملعونة مادامتِ العتمةُ استرخت بعد نهارٍ شاقٍ من انتظارِ مواويلِ الكذبِ المنسلخِ من مستنقعِ الشّرورِ والدناءة حتى قطّعَ أنفاسَ الصّباح المتّسخ، لكنه كان هناك.. صبرَ وصمدَ طويلاً؛ ربما نفدت سكائره، وقنينة الماء بقربه آذنت هي الأخرى بالرحيل، وما زال يراقب تلك الطيور العارية، ويلونها بالوانٍ صنعها في مختبراته الخاصّة بخليطٍ من مواد تجميلٍ مغشوشة.
قُربَ (خضرِ الياس)، تحت واحدٍ من جسور بغداد المثقلة بأنينِ الحواجز، وكدمات اللون الممسوخ في ساعات الغفلة، هناك مزارٌ لمن أتعبه العشق اللاعذريّ، أحاطت به اسلاكٌ الخيانة الشائكة دائماً والتي مزّقتها زفراتُ بعض الغانياتِ اللواتي جلبنَ عصافيرَهنَّ البريئة، وبعض حقائبٍ صَبَغتها الوانُ العفّة المُجهضةِ بانتظار سمسارٍ برائحة العاهرات وملابس بلا كرامة، وفي جوارٍ كئيب يجلس بائع الحلوى البالية بلحيته الطويلة التي بيّضتها أثقال السنين الغامضة لعل احداهنَّ تتوحم مع دناءة نفسها وتشتري قطعة!
كشفت الأضواءُ الليليةُ عورةَ من ينادي شوارعَ صوته المتخاذل، وبؤس جيوبه المترعة، في حين كانت سياراتُ الاعراسِ ترقصُ لخيبتها، وبياض الملابس الشفافة تركت صلاتها عند أول خطوة قرب بيوت المَسكَنة بانتظار حلمٍ متفسّخ قبل أن ترفعَ الوانُ تبرجٍ موهومٍ مترفٍ بحفنة من ورقٍ بالٍ، وقطعٍ بلونٍ أصفر يصيب العيون بعمىً ليس بوقتيٍّ.. حاول أن يخفي لوحة رسمه، لكنه قرر الانتهاء، لان المشهدَ مكررٌ!" .
أما القصيدة النثرية التجديدية فكانت كالتالي :
" في ليلة من عيد جديد.."
(أوراقٌ مازالت مبللة كألوان الطواويس تميّزت حماماتها، مرفوعةَ الرؤوس يمشينَ، منتفخاتِ الصدورِ، طرزنَ كلَّ غرورِ المساء قلائدَ، وتعطّرنَ بأنفةٍ زائفة تَتْبعن غربانٌ كسيحة من شارعٍ لآخر، واللصوص لم يخافوا تلكَ الليلة، فارقوا كؤوس نذالتهم وامتطَوا جيادَ الشهوات، ينتظرون النفّاثاتِ في مصائد شعوذاتهنّ، حتى الأشجار أماطت لثامَ عريها تنتظرُ الاستباحة الملعونة مادامتِ العتمةُ استرخت بعد نهارٍ شاقٍ من انتظارِ مواويل الكذب المنسلخ من مستنقع الشرور والدناءة حتى قطّع أنفاس الصباح المتسخ.
قرب خضر الياس، تحت واحدٍ من جسور بغداد المثقلة بأنين الحواجز، وكدمات اللون الممسوخ في ساعات الغفلة، هناك مزارٌ لمن أتعبه العشق اللاعذريّ أحاطت به أسلاكٌ الخيانة الشائكة دائماً، مزّقتها زفراتُ بعض الغانيات اللواتي جلبنَ عصافيرهن البريئة وبعض حقائب صَبَغتها الوانُ العفّة المُجهضةِ بانتظار سمسارٍ برائحة العاهرات وملابس بلا كرامة.
كشفت الأضواء الليلية عورة من ينادي شوارع صوته المتخاذل، وبؤس جيوبه المترعة، كل سيارات الاعراس رقصت لخيبتها، وبياض الملابس الشفافة تركت صلاتها عند أول خطوة قرب بيوت المَسكَنة بانتظار حلمٍ متفسّخ) .
اضافات بسيطة على هذه القصيدة أحالتها الى قصة قصيرة من خلال اضافة شخصية رسام يرسم الواقع أمامه، جالس في مكان بعيد يراقب ما يفعلنه أولئك الغانيات مع بناتهن، وكيف يعلمنهنَّ أشياء لا يصح أن يمارسنها رغم ما جاء به النص من رمزية ليست معقدة، ورجل كبير السن يبيع الحلوى لعل إحداهن تشتري، واخيراً يكمل الرسام لوحته الى هذا الحدّ ويغادر المكان لان ما يراه مشهداً يوميّاً مبتذلاً لا يستحق٢
......
1ـ سعد الساعدي / قصة قصيرة من المجموعة القصصية غيوم لا تعرف الغزل / دار المتن / بغداد / 2019
2ـ اختار الكاتب واحدة من قصائده وقصصه كمثال تجريبي تلافياً للإحراج فيما لو اُختيرت قصيدة لشاعر آخر وتحولت لقصة قصيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/