الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما ساد الفساد

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2020 / 11 / 14
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


كان ياما كان، كان المذنب في بلادي يتوارى خجلا من أفعاله، وكان المجرم يعرف أنه خارج عن القانون، وقد يدعو الله أن يتوب عليه وأن يصلح أحواله قبل أن يلقاه، ولكن وكما يتطور كل شئ تطورت الجريمة، وتضخم المحرمون، وتولوا في غفلة من الزمن أرفع المناصب، فصاروا هم الأمرون الناهون على الأبرياء، وصار من يتحدث عن الفساد أو يشير إليه بلفظ أو إيماءة مستحقا لأقصى عقوبة، وقد يفعل به ما لا يخطر على أكثر العقول مرضا وخبلا.
ولذلك لم يكن غريبا أن يحرق محمد حسني نفسه في ميدان التحرير تعبيرا عن يأسه وحزنه وغضبه مما لاقاه بعد كشفه لبعض قضايا الفساد، وإصراره على معاقبة الفاسدين، وليس غريبا أيضا أن يتم وصمه بالجنون أو بالانتماء للإخوان أو غيرها من التهم المعلبة الجاهزة التي تقال في هذه المناسبات.
لم يكن حتى غريبا أن تخرج زوجته أو إبنه ليؤكدا مرضه النفسي فالبلد حرفيا تتحرك بإشارة من إصبع أصغر موظف في الأجهزة السيادية، ولا يمكن لأحد أن يرفض لهم طلبا مهما كان هذا الطلب، فالعواقب وخيمة.
وأسوأ ما في الأمر عندما يعاديك هؤلاء أنك لن تجد إلى جوارك سندا أو ظهيرا، وستعدم كلمة حق تقال أو شهادة صدق عند أقرب الناس إليك، كما أن هؤلاء لديهم تمويل ضخم من مئات المليارات وأجهزة التجسس والتتبع الأكثر تطورا في العالم، ووسائل تعذيب مبتكرة وقديمة ويمكنهم ببساطة شديدة أن يحاصروك في أدق تفاصيل حياتك، ويحيلون عيشتك إلى جحيم مقيم، وهم لا يعدمون المتعاونين الذين يكونون أشبه بالعبيد أو أقل شأنا فهم سيقومون بأدنى وأحط الأعمال بمقابل مادي، وربما مقابل التغاضي عن جرائم يرتكبوها، أو ابتغاء لرضى الأجهزة عليهم، أو خوفا منهم.
والأمثلة على ذلك كثيرة وأكثر من الحصر، أشهرها حالة المستشار هشام جنينة، الذي جعلوا منه عبرة لمن يعتبر، أو حالة الدكتورة ليلى سويف وأبنائها وما لاقوه من إيذاء واضطهاد بسبب ثباتهم على الحق، أو ما حدث للحقوقي جمال عيد.
وإذا نظرت إلى هؤلاء باعتبار أنهم مشاهير معروفون للجميع، لك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث للمجهولين من اضطهاد وإيذاء، عن نفسي واجهت من هؤلاء ما لا يمكن لعقل واعي تخيله، وأبسط شئ أنهم قد استأجروا الشقة التي تعلوا شقتي منذ أربعة سنوات، ومنذ ذلك الحين والطرق على الحوائط والضجة لا تنقطع لا ليلا ولا نهارا.
في البداية كانا زوجين ومعهما طفلين صغيرين، وبحسب زعمهما فإنه يعمل في أحد المتاجر والمرأة مغربية – لهجتها مصرية خالصة - والطفلة مصابة بالسرطان، ومنذ اللحظة الأولى والضجة الشديدة الغير محتملة تنبعث من شقتهما، بدأت بالحديث معهما بلطف ثم بدأ صوتي في العلو ثم طلبت الشرطة بلا فائدة.
في أحد الأيام قالت لي المرأة أنهم موظفون من أمن الدولة بسبب مقالاتي التي أكتبها وكتاباتي على مواقع التواصل، وبدأ الرجل في ملاحقتي كلما نزلت إلى الشارع وعندما واجهته ضحك وأنكر أنه يفعل ذلك، ولكني قمت بتصويره بالفيديو، ومن بعدها اختفى تماما من الصورة، وقالوا أنه يعمل في الكويت – ليس في متجر مصري – وأنه كان موجودا في إجازة وعاد لعمله.
لم ينتهي الأمر عند هذا الحد ولكن أصبحنا نجد عشرات الرجال والنساء يصعدون ويهبطون من هذه الشقة ليلا ونهارا وأيضا الضجة لا تنقطع من عندهم، أما الأطفال لديها فأحيانا بيض البشرة وأحيانا سمر البشرة، وأحيانا ثلاثة وأحيانا أربعة وعندما تأتي الشرطة ترفض عمل أي شيء وحتى عندما أردت معرفة شخصية مالك الشقة قال لي الشرطي "واحد ترك اقاربه في شقته من أنا لأسئله عن عقد الإيجار! أنا غير مسموح لي بالحديث معهم إلا إذا كان هناك أمر نيابة أو حكم محكمة"!
في أحد الأيام كنت في الخارج وجدتها أسفل العمارة وافتعلت شجار معي وحاولت إصابة عيني بشيء حاد في الشجار ولكني تغلبت عليها وقمت بضربها، وبعدها وجدت منشور لزوجها على أحد مجموعات الفيسبوك الخاصة بسكان المنطقة التي نعيش فيها، يتفق فيه مع أحدهم ليحل محله في الشقة.
وهذا ما حدث بالفعل فلقد تركوا الشقة، ولكن حل محلهم أشخاص يمارسون نفس الأفعال حرفيا بدون أي تغيير!!
كما أن الشقة المقابلة لشقتي على سبيل المثال ومساحتها 82 متر فقط يحضر إليها يوميا منذ ثلاثة سنوات عشرات العمال فيبدأون في إحداث ضجة شديدة لا يمكن لأحد احتمالها يوميا بحجة انهم يقومون بتشطيبها!!
وحتى الأن لا يوجد فيها اي شيء يستدعي كل هذه الضجة فهي مجرد شقة بحوائط عادية وأرضية عادية للغاية، ولا يمكن لعاقل فهم حقيقة ما يحدث فيها فعليا.
إذا تواجدت في أي مصلحة حكومية أو بنك يتم تعطيلي ودفعي للحضور مرات عديدة لأتفه الأشياء، حتى أن لدي قضية في العادة تنتهي خلال ستة أشهر على أقصى تقدير مازالت متداولة في المحاكم بعد ستة سنوات.
إن هؤلاء يمكنهم أن يدفعوك للانتحار بوسائل في غاية الحقارة والقذارة والفجر، ولا تخطر على أكثر العقول مرضا وخبلا، وأنا على ثقة أن ما يحدث معي يحدث مع الكثيرين غيري بدون أي عواقب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي