الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الولادة العليلة للديمقراطية في العراق

جليل البصري

2006 / 7 / 13
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في التاسع من نيسان سقطت الدكتاتورية في بغداد ، تاركة لنا إضافة إلى الخراب والدمار والاقتصاد المتردي ، أثارها الثقافية والنفسية والسلوكية في نفوس العراقيين وعقولهم سواء من كان منهم في داخل البلاد أو خارجها .. فالدكتاتورية العراقية الممثلة في سلطة البعث هي سلطة معقدة التركيب تقوم على أساس تركيبة جهازيه شديدة الوطأة يشكل الهاجس الأمني محركها الأول والأخير الذي يتعامل مع الجميع على أساس الشك والإخضاع للرقابة والحد من الحركة .. كما إنها سلطة تعتمد التخويف كمبدأ إيديولوجي لاعتقال عقل المواطنين وتحويله إلى رهينة لمجموعة من المخاوف والهواجس التي تعيش في داخله كرقيب . وكنا في المعارضة العراقية نلمس الكثير من هذه الآثار تنعكس على شكل تصرفات وسلوكيات مشابهة لسلوك الدكتاتورية التي تعارضها رغم إنها تطرح باستمرار وتؤكد في أدبياتها ومؤتمراتها على ضرورة تحقيق الديمقراطية ، ووصل الحال بالبعض إلى أن يصبح مقفلا تماما للهاجس الأمني بل ويشعر باللذة في الأغراق فيه والتخلي عن الأنشطة الجماهيرية وإشراك ضحايا الدكتاتورية الهاربين إلى خارج حدودها في العمل والرأي ، وكان هذا الهاجس تغطي على نقاط الضعف الكثيرة سواء في القدرات القيادية أو الثقافية ويجعل الوضع بشكل عام فاقدا لأي مستوى من الشفافية التي تعتبر عماد الديمقراطية وجوهرها . ولما كان التغيير في العراق عملية قيصرية كان الدور الأبرز فيها إلى التحالف الدولي ولم يتم عبر مشاركة شعبية جماهيرية هي حقا كانت كامنة ومستاءة إلى حد القرف من الدكتاتورية وأكاذيبها ، فان الوضع بعد التغيير مباشرة كان وضعا غامضا للقوى السياسية العراقية ، ولم تكن هناك رؤية واضحة لما يجب عمله وكيف يمكن توظيف وإشراك هذه الجماهير المستاءة التواقة إلى حياة جديدة في عملية صنع هذه الحياة . وبدلا من اللجوء إلى الشفافية والمكاشفة وفضح أثار العهد السابق جرت عملية تكريس لفواصل جديدة لتحقيق الأمن السياسي لهذه القوى في مواجهة غول اسمه (الانتخابات) ، وجرت عملية إعادة استثمار أثار الدكتاتورية بطريقة تكريس الإيديولوجية الضيقة بدلا من جعلها مفتاحاً لخلق مجتمع منفتح على مستقبل جديد بدون هذه الآثار .. ولم تشكل عمليات اكتشاف المقابر الجماعية ومحاكمة صدام رادعاً أمام إعادة إنتاج لون أخر من العنف يتمثل في القتل الجماعي بدون مقابر بكل أشكاله من المفخخات إلى الإعدام بدون محاكمة إلى التعذيب في السجون السرية . وعزز الإعلام الذي استمر في كونه ظاهرة ملحقة وتكميلية للكيانات السياسية ، عزز هذا الوضع ، وبات المطلع على الأمور قادراً على معرفة المطبوع وعائديته من المصطلحات التي يستخدمها أو من الصور التي يعرضها على صفحته الأولى ، وجرت عملية إعادة تكريس للإعلام الموجه التي جرت في صحافة المعارضة وصحافة النظام الدكتاتوري السابق كمرجع ، وساهم انخراط الإعلاميين السابقين ممن عملوا في أجهزة النظام وتقصوا هذا الأسلوب والسلوك السهل لضمانة المديح والمحاباة والتوجيه ألقسري و ( الحرب على الأعداء ) ، في دفع عجلة الإعلام بهذا الاتجاه وإعادة إنتاج إعلام النظام السابق قلبا وروحا إذا لم يكن بشكل أسوء .. ولم تجد نفعا المحاولات التي دعمها التحالف الدولي لخلق صحافة مستقلة واعدة ، فقد أنجبت هذه المحاولة صحافة تتحاشى انتقاد جهات الدعم نقدا بناء يهدف إلى خلق جسور ثقة وتعاون معها بما يخدم هذا البلد ، لا النقد الذي تمارسه بعض الجهات لغرض تشويه صورتها وإلغاء فضائل التغيير الذي أنجزته والحرية التي تتمتع بها المواطن والتي يجري الآن سلبها من قبل هذه الجهات ، في محاولة جادة لإنتاج قطعانية جديدة يتحول فيها المواطن من فرد حر ذو رأي وصوت إلى رقم في قائمة الأتباع لا يملك حق التصرف . ورغم وجود شذرات هنا وهناك فان المواطن خسر الإعلام كوسيلة من وسائل الشفافية والتصحيح وكونه سلطة مستقلة تقف بين الناقد للخطأ والداعم للصواب في العلمية السياسية برمتها .. وعاد الأسلوب القديم الذي يجعل السلطة تنوب عن المواطن معتمدة على كذبة الديمقراطية والتمثيل النيابي ، فها نحن نرى من هيئة علماء المسلمين دعوة للأحزاب وإغلاق المساجد مثلما نرى دعوة من مجلس كربلاء للاضراب العام لمدة أربعة أيام احتجاجا على اعتقال رئيسه فيما يبقى موقف المواطن الذي حرم من مكان العبادة أو حرم من الكسب الحلال لأهله وعياله ، وترك تحت رحمة ردود الأفعال السياسية المقابلة أو نتائج التعطيل التي انعكست على البنزين وأسعار المواد الغذائية وغير ذلك من نتائج يفرزها أحزاب في زمن الخراب والأوضاع المتدهورة . إن الحديث عن الديمقراطية يجب أن يكون حديثا عن نضال وفضح ضد كل سلوك حزبي أو حكومي أو من أي جهة كانت يسيء إلى هوية المواطن ومصالحه إذ ماذا يعنيه أن يعتقل رئيس مجلس المحافظة كما قالها مواطن مادام هناك قانون ومحاكم وما الحاجة إلى أحزاب يشل حياته ورزقه ؟!. إن ((الديمقراطية)) في العراق هي ديمقراطية عليلة لأنها أصيبت في الطفولة وإنها سائرة نحو حتفها ، إذا لم تجد من ينقذها أو يصنع ديمقراطية جديدة على أسس سليمة وصحيحة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في