الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دونالد ترامب وأربع سنوات من الفظائع.. والمقاومة من أسفل

كورديليا حسين

2020 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ترجمة كورديليا حسين

ينظر هذا المقال إلى سنوات ترامب الأربع في البيت الأبيض لدراسة كيف قوبلت كل خطوة منه بنضال آتٍ من الأسفل.
———-
لقد كانت الفترة الرئاسية لدونالد ترامب فترةً مليئة بالرعب، وبالمقاومة أيضًا في الوقت ذاته. حيث إن خطابه المتعصب العنصري الذكوري والمعادي للمثليين والمسلمين قد قاد إلى انخفاضٍ في الخدمات العامة وصعودٍ لليمين المتطرِّف وإلى تهديداتٍ باحتمالية اندلاع حرب نووية. أدَّت سياساته النيوليبرالية التي تعطي الأولوية للأرباح إلى زيادة تفاوت الثروة بين المواطنين في الولايات المتحدة بشكلٍ لم يُشهَد منذ ما يقرب من خمسين سنة.

إن ترامب كذلك كاذبٌ لا يتوقَّف عن الكذب، فقد أدلى بما قد يُقدَّر بـ 19,127 تعليق مضلِّل أو كاذب خلال فترة رئاسته حتى 29 مايو الماضي.

أثناء حملته الانتخابية الأولى، أطلق ترامب وعودًا شعبوية كالقضاء على الفساد في واشنطن عن طريق ما سمَّاه “تجفيف المستنقع”. كما أن وعده المشهور بـ”جعل أمريكا عظيمة مرةً أخرى” وشيطنته لوسائل الإعلام المنتقدة لسياساته قد أصبحا الآن عباراتٍ مبتذلة ورائجة وسط التيار اليميني المؤيد له.

والشيء الملاحظ أن العنصرية عاملٌ محوري في كلتا حملتيه الانتخابيتين. وقد وجَّه ترامب خلال المناظرة الرئاسية عام 2020 حديثه إلى منظمة “Broud Boys” الفاشية طالبًا منهم أن يدعموه ويقفوا خلفه.

كما أنه قد ألمح إلى أنه سيحشد مؤيديه العنصريين وأتباعه من داخل الدولة في حالة خسارته الانتخابات كي يتمسَّكوا بمقعده الرئاسي. يذكِّرنا هذا بما حدث خلال انتخابات عام 2000، التي سرقها جورج دابليو بوش من آل جور، ولكن على صعيدٍ أعلى وأعنف.

لقد مَنَحَ ترامب خلال فترة رئاسته ثقةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة وقنَّن للعنصرية التي هي جزءٌ من بنية المجتمع الأمريكي. فعندنا هاجَمَ أحد الفاشيين متظاهرين مناهضين للفاشية بسيارته عام 2017 بمدينة شارلوتزفيل، أصرَّ ترامب على أن “هناك أناسًا طيبين على كلا الطرفين”. وفي المظاهرة الفاشية على الجانب الآخر كانت بحضور النازيين الجدد والمؤمنين بسيادة العرق الأبيض.

وفي عام 2019 غرَّد ترامب على تويتر قائلًا إن هؤلاء العضوات الديمقراطيات الأربع في الكونجرس (كنَّ جميعًا من ذوات البشرة السوداء) عليهن أن يعدن إلى البلاد التي أتين منها.

أسهم خطاب دونالد ترامب العنصري كذلك في زيادة أعداد منظمات القوميين الداعية للكراهية بنسبة 55% عمَّا كانت عليه قبل وصوله إلى سدة الحكم.

إن إرث ترامب لهو حقًّا إرث قسوة ووحشية، ولكن سياساته تلك قادت المجتمع نحو نضالٍ تاريخيّ. كانت هناك مقاومةٌ من أسفل في كلِّ منعطف سدَّت في بعض الأحيان الطريق أمامه.

فأثناء حكمه وصلت حركة “حياة السود مهمة” إلى ذروةٍ جديدة، فبعد أن قتلت الشرطة العنصرية جورج فلويد في مايو الماضي، خرج الملايين إلى الشارع في آلاف المدن والقرى على امتداد الولايات المتحدة.

زيادة في البطالة وانخفاض في ضرائب الأغنياء
تباهى ترامب منذ يناير 2017 أكثر من 250 مرة بأن الاقتصاد الأمريكي أفضل مما كان عليه قبلًا. ولكن، على النقيض من ذلك، ارتفعت نسبة البطالة في الفترة بين يناير 2017 وأغسطس 2020 من 4.7% إلى 8.4% -وبلغت 14.7% في أبريل 2020. وارتفع الدين العام من 15 تريليون دولار إلى 21.2 تريليونًا، وذلك رغم وعود حملة ترامب الانتخابية بخفض الدين العام خلال ثمان سنوات. والرابح الوحيد في تلك المعادلة هم الأثرياء.

وحين وقَّع ترامب قانون الإصلاح الضريبي والوظيفي عام 2017، فقد خفض نسبة ضريبة الشركات 35% إلى 20%. وقد أشارت التحليلات الرسمية إلى أن الشريحة الـ1% الأعلى من دافعي الضرائب -من الذين تزيد دخولهم عن 750 ألف دولار سنويًّا- قد ترتفع مدخلاتهم بنسبة 83% بحلول عام 2027 نتيجةً للقانون.

اختفاء الأمان الصحي متزامنًا مع إنكار وجود الكورونا
أدَّى التعامل الكارثي لترامب مع أزمة الكورونا إلى وقوع أكثر من 207 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة وإصابة ما يزيد عن سبعة ملايين بالمرض، منهم ترامب نفسه. وقد صرَّح ترامب قبل إصابته بيوم واحد قائلًا إن “انتهاء الجائحة أصبح على مرمى البصر، وسيكون العام القادم واحدًا من أفضل الأعوام في تاريخ الولايات المتحدة”.

دفع ترامب في اتجاه إنهاء قيود الإغلاق التام وفتح الاقتصاد من جديد عن طريق التقليل من حجم خطر الجائحة، وقال للجمهور إن حقن أجسامهم بالمبيِّضات قد يساعدهم في الشفاء من الفيروس.

ورفض ترامب الاعتراف بأية أخطاء في طريقة إدارته لأزمة تفشي الجائحة، ملقيًا اللوم على حكَّام الولايات الديمقراطيين ومنظمة الصحة العالمية. وفي المقابل، وعد بإلغاء قانون الرعاية الصحية ميسور التكلفة (ACA) وإحلال آخر محله. وكان ذلك القانون، الذي قدَّمه باراك أوباما عام 2010، ليشرِّع َلتغطيةٍ صحيةٍ تشمل أكثر من 24 مليون مواطن إضافي تحت مظلتها. وأسهم قانون الإصلاح الضريبي الذي أقرَّه ترامب عام 2017 أيضًا في إلغاء قانون الرعاية الصحية للأفراد مما أدَّى إلى زيادة بنسبة 10% في أقساط التأمين.

ورغم إخفاق ترامب في إلغاء قانون الرعاية الصحية بالكامل، فقد نجح في وعده “بدفع قانون أوباما للرعاية الصحية نحو الفشل” كما هدَّد دائمًا. وكان يأمل في أن تلغي المحكمة العليا القانون إجمالًا حينما تصبح مشكّلةً من أغلبية يمينية. إن هجماته تلك تعني أن هناك الآن أكثر من 27 مليون مواطن أمريكي يعيشون دون تأمين صحي، بينما تزيد شركات التأمين من أرباحها.

التهديد بنزاعاتٍ عالمية جديدة
دفع ترامب بأجندةٍ إمبريالية جديدة، مع العلم أن الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن سيتبنى الأجندة ذاتها!

حاول ترامب على وجه الخصوص عرقلة الصعود الاقتصادي والسياسي للصين. ففي عام 2019 زادت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على السلع الصينية بمقدار أكثر من 200 مليار دولار، وفرضت قيودًا على الشركات الصينية في الولايات المتحدة.

انسحب ترامب كذلك من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018، فارضًا عقوباتٍ جديدة على إيران استمرَّت حتى أثناء تفشي الوباء، مما أدَّى إلى افتقار إيران إلى كثيرٍ من الأدوية والمعدات الحيوية. وفي عام 2017 أعلن ترامب حالة طوارئ وطنية بشأن توتُّر العلاقات مع كوريا الشمالية، ليعود في عام 2019 متفاخرًا بعلاقته “الممتازة” مع الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونج أون.

سحق ترامب حقوق الفلسطينيين حينما اعترف رسميًّا بالقدس عاصمةً لإسرائيل في ديسمبر 2017، ناقلًا السفارة الأمريكية إليها. وانسحبت الولايات المتحدة في عهده كذلك من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب “انحيازه الدائم ضد إسرائيل”، كما ادَّعته إدارة ترامب.

إعلان الحرب على المهاجرين
استمرت هجمات ترامب على المهاجرين طوال فترة رئاسته، الأمر الذي استحق عليه بجدارة لقب واحد من أكبر وأعنف العنصريين في العالم. لقد تمسَّك بلا هوادة بوعدٍ أطلقه أثناء حملته الانتخابية عام 2016 لخفض عدد المهاجرين الذين تقبلهم الولايات المتحدة سنويًّا ليصل إلى 18 ألف مهاجرٍ. وطلَّ علينا في أسبوعه الأول من رئاسته بقانون “حظر المسلمين”. بموجب هذا القانون، مُنِعَ دخول اللاجئين بشكل عام إلى الولايات المتحدة خلال 120 يوم، ومُنِعَ مواطنو دول العراق وإيران وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن من السفر إلى الولايات المتحدة خلال 90 يومًا.

وفرَّقَت إدارة ترامب بين أكثر من 5400 طفل ووالديهم على الحدود بين أمريكا والمكسيك. وأُجبِرَ هؤلاء الأطفال على دخول مراكز احتجاز المهاجرين غير الشرعيين وحُبِسوا في أقفاصٍ معدنية. لقد عانى المهاجرون بشكل عام من فترات حبس طويلة في سجون مكتظة تعاني من سوء معايير النظافة العامة وغياب التعقيم.

تعهَّدَ ترامب ببناء جدارِ فصلٍ إسمنتي يمتد إلى 1600 كيلومتر على طول الحدود الأمريكية المكسيكية لمنع تدفق “المهاجرين غير الشرعيين”. اكتمل من الجدار 548 كيلومتر في سبتمبر 2020، وهناك أقل من 16 كيلو مترًا قيد التشييد الآن. ورغم تعهُّده بدفع دولة المكسيك لتكاليف المشروع، موُِّل المشروع من الخزينة الأمريكية العامة.

أدَّت سياسة ترامب المتطرِّفة تجاه المهاجرين إلى إرسال آلاف من أفراد الشرطة الأمريكية إلى الحدود لمنع دخول المهاجرين إلى الولايات المتحدة، سامحًا للقوات بإطلاق النار عليهم إذا لزم الأمر.

إلا أن سياساته تلك قد قابلتها مقاومة شديدة. فقد دعت مظاهرة “يوم بلا هجرة” عام 2017 إلى عدم ذهاب المواطنين للعمل، وتجنب إنفاق الأموال، وتغييب الأطفال عن المدارس. واحتشد آلاف المتظاهرين داخل المطارات الأمريكية المختلفة للتظاهر ضد قرار حظر السفر.

خطر محدق بالحق في الإجهاض
رغم محاولات ترامب إخفاء كراهيته للمرأة، فقد اتهمته 27 امرأةً على الأقل بالتحرش الجنسي.

يعدُّ ترامب واحدًا من أعنف مناهضي الحق في الإجهاض. ففي عام 2019 وضعت إدارته قيودًا على التمويل المخصص لمرافق تنظيم الأسرة. وأدَّى ذلك إلى عجز مقدّمي الرعاية الصحية عن إخبار النساء بإمكانية الإجهاض أو إجرائهم للعملية.

قاد ترامب حملةً شرسة لإلغاء قانون الإجهاض الذي أقرَّته المحكمة العليا عام 1973، والذي يعطي النساء الحرية في اختيار الاحتفاظ بالحمل أو إجهاضه (1). وقد أفضت جهوده تلك إلى إلغاء قانون الحق في الإجهاض في بعض الولايات الأمريكية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القيود الجديدة، وإغلاق العيادات، والرسوم الطبية المرتفعة أثقلت كاهل النساء الفقيرات وجعلت من الصعب عليهنّ ممارسة حقهنّ في الاختيار.

وعلى النقيض، لم توقف تشريعاته عمليات الإجهاض، بل جعلت النساء الفقيرات يلجأن إلى أماكن خطرة وغير قانونية لإجراء العملية.

وقد تمثَّل المشهد الافتتاحي للمقاومة ضد رئاسة ترامب فيما أُطلِقَ عليه “مسيرة النساء” في شهر يناير من عام 2017 (ثاني أكبر مظاهرة في تاريخ الولايات المتحدة) حينما تجمهر ما يزيد عن خمسة ملايين شخص في الولايات المتحدة، وما يفوق 470 ألف في العاصمة واشنطن وحدها، مطالبين بحقوق النساء، وبإصلاح نظام الرعاية الصحية، وحقوق مجتمع الميم.

إذكاء الفوضى المناخية
لم يتوقف ترامب عن تسمية التغير المناخي “بالخدعة”.

فقد وقَّع في مارس 2017 أمرًا تنفيذيًّا بإعادة إحياء صناعات السيارات ومناجم الفحم عن طريق إقصاء خطة أوباما للطاقات النظيفة. كما قدَّم مشروعه “خطة الطاقة الأمريكية الأولى” الذي يحمي استعمال الوقود البترولي المضرّ بالبيئة، ويفرض زيادةً ضريبية تقدَّر بـ30% على استيراد ألواح الطاقة الشمسية.

مما أدّى إلى زيادة تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية وخفض الوظائف بتسريح عدد من العمال، على الرغم من أن تلك الصناعة كانت توظّف أربع أضعاف عدد عمال المناجم. وقطع ترامب كذلك وعدًا حاسمًا بالانسحاب من اتفاقية باريس 2016 للمناخ.

اشتعلت في عهده حرائق في غابات كاليفورنيا تعد الأسوأ تاريخيًّا، مدمِّرة ما يربو على الثلاثة ملايين ونصف فدان في عام 2020. ولكن مجددًا جادل دونالد ترامب بأن السبب في تلك الحقائق ليس التغير المناخي وإنما نقص مساحات الغابات الخضراء.

وهنا، ومرة أخرى، قوبلت سياساته بمقاومةٍ شعبية.

شهدت الولايات المتحدة في اليوم المائة من حكمه مسيراتٍ بيئية في أكثر من 300 منطقة بالولايات المتحدة. وشهدنا أكثر من ألف إضرابٍ عن العمل على امتداد 50 ولاية أمريكية أثناء فترة إضرابات سبتمبر ٢٠١٩ البيئية (2).

هوامش:
(1) يسمى ذلك القانون بـ”روي مقابل وايد”، في إشارة إلى السيدة جاين روي (اسم مستعار) التي أرادت إجهاض حملها الثالث، الأمر الذي منعته حينها قوانين ولايتها تكساس، ولذا قامت بتوكيل المحامية “سارة ودينجتون” لرفع قضية عدم دستورية قانون منع الإجهاض في تكساس مقاضيةً حاكم الولاية حينها “هنري وايد” بصفته.

(2) تُعرَف إضرابات سبتمبر 2019 البيئية أيضًا باسم “الأسبوع العالمي من أجل التاريخ”، وهي سلسلة من الإضرابات العالمية امتدت من العشرين إلى السابع والعشرين من سبتمبر لعام 2019، وشارك فيها ما يزيد عن 7 ملايين شخص من حوالي مئة وخمسين دولة.

* المقال بقلم: إيزابيل رينجروز – جريدة العامل الاشتراكي البريطانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة


.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا




.. الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي:الموقف المصري واضح من رفض تهج


.. مسؤولون أمنيون دوليون يبحثـــون في قطر قريبا فرص تحقيق تسوية




.. THE ECONOMIST: إيران استبدلت الرادار الذي استهدفته إسرائيل ب