الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنت حر بين قول لي من الأول أو من الأخير!

ردوان كريم
(Redouane Krim)

2020 / 11 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


أ

"التحدث بدون تفكير هو قصف بلا تصويب" يقول ميغال دو سيرفنتس و يتبعه وليام شكسبير بعبارة "الأفضل أن تموت غير مفهوم على أن تقضي حياتك تحاول الشرح"
أصبحنا نعيش في عالم لا يحاول أن يفهم ما تقول بل يبحث عن الأخطاء في كلامك ليشرع في النقد من أجل النقد أو يطلب منك خلاصة الكلام و لا يعلم أن من يفكر قبل أن يتكلم يلخص أفكاره قدر المستطاع. العالم اليوم لا يستمع لما تقوله بل ينظر إلى الزناد بدلا من النظر إلى النقطة التي تصوب عليها، و كلما حاولت الشرح أكثر كلما زادت المأساة تعقيدا. الناس تعلمت عبارة "قول لي من الأخير" بمعنى ليس لدينا الوقت! نريد الخاتمة مباشرة؛ نريد النهاية! لكن أعقد المسائل نهاياتها مفتوحة، و كل شيء موجود في لب النص أو الحديث، و الخاتمة كل شخص حر في التصرف إذا ما كانت دراسة الموضوع مبنية على أسس صحيحة. نقول عن(1+1=2) هي عملية حسابية و لكن 2 مجرد رقم لوحده و العدد ليس عملية حسابية أو نتيجة لمليون عملية حسابية مختلفة عن بعضها البعض. لهذا لو اتبعنا مبدأ الحمقى الذين يدعون الشطارة و الخفة من ذهب و دب يقنعنا أن النتيجة هي سبعة و لا نعلم أن العملية الحسابية كانت (1+1) فقط،
هكذا هم ضحايا "قول لي من الأخير" المتعجرفين.
يقول ألدوس هوكسلي( Aldous Huxley) أن: " ضحية التلاعب تجهل أنها ضحية. جدران سجنها غير مرئية لها لهذا تعتقد أنها حرة."
هكذا هي الشعوب المتخلفة التي تعيش تحت الأنظمة الديكتاتورية التي تحكم بقوة الجهل و إعلام الترقيد. عندما يكون النظام التربوي و برامج التدريس غير محايدة و تفتقد المنهج العلمي و القائمين عليها يفتقرون الواجب الأخلاقي للمهنة الإنسانية، ينشأ جراء ذلك مجتمع منشق عن مبدأ السعي وراء العلم و التطور الثقافي و يصبح مجتمع فخور بجهله و يسعى إلى إثبات الخرافات التي يؤمن بها و تقديسها. و إجتماع الخرافات في عقل الفرد و المجتمع هو الجهل بحد ذاته.
تعتمد ديكتاتوريات العالم المتخلف على إعلام الترقيد الذي هو إعلام مبني على "قول لي من الأخير " ، فبدلا من إعلام الناس بالأخبار الصحيحة و المفيدة، و تعقب مصدر المعلومة لكشف الحقائق ، يكتفي إعلام الترقيد بالإلهاء، الأخبار السخيفة، مقدما أحكام بدلا عن الحقائق، نتائج جاهزة فورية بدون بحث، مشاعر بدلا من أفكار ، أحاسيس شعبوية بدلا من أراء منطقية، و الدعوة إلى الإلتزام بالأوامر ولو كانت غير صائبة، بدلا من الحث على التفكير الديموقراطي. يختصر جيم موريسون( Jim Morrison) الأمر فيقول :" من يراقب(يسيطر على) الإعلام يراقب (يسيطر على) الأرواح".
بما أنه لا يوجد من يصغي لمن، أصبحت الكتابة من الواجب لعل عبر الصمت الذي تأخذه تصل الأفكار المكتوبة إلى الأذهان. و لهذا نجد المثقفون في كل أرجاء الأرض يدعون إلى القراءة، معتقدين أن القراءة هي المنقذ من ظلام الجهل و الفوضى التي تتبعه، حيث يقول دانيال بيناك(Danniel Pennac) في هذا الصدد: " كل مطالعة هي عملية مقاومة. فكل مطالعة مأخوذة بجدية تنقذ من كل شيء، و من النفس بحد ذاتها". و لكن أغلب من يؤمن بعبارة "قول لي من الأخير " يعتبر أن القراءة متعبة أو هروب من الواقع، أو تضيع للوقت أو يتحججون بندرة الوقت، أو أنها عادة لم يكتسبوها و لا يدركون أن لكل عادة بداية ثم تكرار، و أن "قراءة كتاب ليس خروج من العالم بل دخول إلى العالم من مدخل آخر " كما يقول فابريزيو كاراماغنا( Fabrizio Caramagna). و من هنا نفهم أن الإنسان هو وحده المسؤول على السجن الذي يحتجز نفسه فيه، فإذا لم يحطم جدران زنزانته بنفسه لن يخرجه أحد منها، لأن " الجدران الأصعب للتهديم هي جدران الروح" كما ذكر محمد أركون. عندما يدعوا المثقف الناس للقراءة تجدهم يلحون على أبنائهم أن يطالعوا الكتب فيفشلون في ذلك في أغلب الأحيان. لأنهم لا يدركون أن الدعوة وحدها لا تكفي لصناعة مجتمع يقرأ. القدوة الأولى للطفل هي أمه و أبوه. و إذا نجح الأولياء في إقناع الطفل بالقراءة و كانوا هم القدوة يبقى ذلك غير كافيا. لإزالة الجهل المظلم على المجتمعات يجب أن يعرض القارىء ما يطالعه للنقد، التحقيق، و التحري يتدبر عقلاني. فإن كنت تقرأ و لا تسأل هل ما يقوله الكاتب كائن من كان صحيح أم خطأ ؟ نافع أم مضر؟ ما هو الشيء الذي يجب الإحتفاظ به و ما هو الشيء المعارض للمنطق و العلم، و عليه يجب إزاحته من فكري؟ بدون نقد بناء و تحقق بمنهج علمي يصبح القاريء مجرد وعاء.
كل هؤلاء الذين يبحثون عن النهايات بدون معرفة أصل المشكلات، البدايات، السبب و المسبب، الحلول الممكنة، الحل الأنسب و الأقل تكلفة لن يتعلموا و لن يتغيروا و يضيع المجتمع معهم كلما كبر عددهم، فهؤلاء لا يسألون " قول لي من الأول؟" بل "قول لي من الأخير؟". فالجاهز، السهل، و السريع فيه كثير من الغلط و الخطأ و الحشو. المعرفة ليست ثمرة تستهلك على الجاهز بل شجرة تثمر لسنوات طويلة وفوائدها أكثر من ثمرة. و في الأخير نكتفي بقول إبن رشد الذي كان خير من أوجز حين أفصح :"الجهل يؤدي إلى الخوف، و الخوف يؤدي إلى الكره، و الكره يؤدي إلى العنف، هذه هي المعادلة".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة