الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روزنامة الأسبوع سِرُّ المِهْنَة!

كمال الجزولي

2020 / 11 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الإثنين
رغم أنني كنت مِمَّن استخدمتهم الحكومة كخبراء في الورشة غير الرَّسميَّة مع الحركة الشَّعبيَّة ـ الحلو، حول «الدِّين والدَّولة»، إلا أنني فوجئت بالخبر الذي نشرته صحيفة (الجَّريدة)، ونقله عنها موقع (سودانايل)، بتاريخ الخامس من نوفمبر الجَّاري، وفحواه أن «فريق الخبراء والمسهِّلين نقل للبرهان، وحميدتي، وحمدوك، نتائج الورشة» .. الخ. غير أن الخبر لم يشتمل على واقعة تدمير الفريق أوّل كباشي لكلِّ الجَّهد الذي بُذل في الورشة، وما نتج عنه من توافق على «فصل الدِّين عن الدَّولة»! ويهمُّني أن أؤكد عدم مقابلتي لأيٍّ من المذكورين، دَعْ مشاركتي في نقل نتائج الورشة لهم بهذا القصور! وقد عبَّرت لصديقي البروفيسير جمعة كندة، مستشار رئيس الوزراء للسَّلام، عن ضيقي بالخبر، فأمَّن على حقي في ذلك، ووعدني بالتَّصحيح، لكنه، للأسف، لم يفعل!
مهما يكن من أمر، فإن الحركة الشَّعبيَّة كانت قد اشترطت، في السَّابق، تضمين مصطلح «العلمانيَّة» في أيِّ اتِّفاق سلام، ومن ثمَّ في أيَّة صيغة دستوريَّة يتمُّ التَّوافق عليها مستقبلاً، أو، بالعدم، منحها حقَّ «تقرير المصير». وحيث أنه لم يتم التَّوافق على ذلك، في حينه، مِمَّا ترتَّب عليه غيابها عن مفاوضات جوبا، بين الحكومة والحركات، ومن ثمَّ عدم توقيعها على ما اعتُبر اتِّفاق سلام في الثَّالث من أكتوبر المنصرم، فقد جرى لقاء أديس أبابا بين حمدوك والحلو، بوساطة إثيوبيَّة، لحثِّ الأخير على الالتحاق بالاتِّفاق، واقتُرح تنظيم بعض الورش بين الطرفين، كورشة «الدِّين والدَّولة» المشار إليها.
وبما أن أيَّ مصطلح هو تاريخه؛ فإن من أبرز ما تقصَّته تلك الورشة، وما شكَّل مضمون أهمِّ مداخلاتي المفاهيميَّة النَّظريَّة فيها، الدلالة الاصطلاحيَّة التَّاريخيَّة لمفهوم «العلمانيَّة» Secularism، بالمصطلح الغربى العام، أو اللائكية laicisme، في الطور الفرنسي الخاص، عبر نشأته في الفكر الأوربِّى، مطلع عصر الحداثة، بحقبه الثَّلاث (النَّهضة ـ الإصلاح الدِّيني ـ التَّنوير)، بدلالة تحرير «السُّلطة الزَّمنيَّة» من قبضة «الاكليروس الكنسي» الذي ارتبط بمظالم الاقطاع، قبل أن تهبَّ الثَّورات البرجوازيَّة التَّاريخيَّة، كالثَّورة الفرنسيَّة (1789م)، لتقوِّض سلطة ذلك «الإكليروس»، وتصدر «الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن»، تحت التَّأثير المباشر لفلسفة الأنوار. لقد دفعت عوامل تاريخيَّة بـ «العلمانيَّة»، خصوصاً طبعتها الفرنسيَّة «اللائكيَّة»، إلى معاداة «الإكليروس» المتحوِّل، في الذِّهنيَّة الأوربيَّة العامَّة، إلى معادل موضوعي لمفهوم «الدِّين». هكذا، وبما أن لكلِّ ثقافة وحضارة «عقلانيَّتها»، فإن «العلمانيَّة» هي جنين «العقلانية الغربيَّة»، ومنجزها الثَّقافي الحضارى التَّاريخي، علماً بأنها لا تضمن تحقيق المطلب الأساسي لشعوب بلادنا، وهو الدِّيموقراطيَّة، حيث كانت النَّازيَّة والفاشيَّة، مثلاً، علمانيَّتين، كما كان نظام النِّميري الشُّمولي الدَّموي، علمانيَّاً حتَّى 1978م.
أمَّا «العقلانيَّة الإسلاميَّة» فيلزمنا لمقاربتها مدخلان:
أوَّلهما استصحاب المعياريَّة التي لخَّصها الفاروق عمر (رض) بقوله: «ولَّانا الله على الأمَّة لنسدَّ لهم جوعتهم، ونوفِّر لهم حرفتهم، فإن أعجزنا ذلك اعتزلناهم». بهذا لا يمكن تصوُّر «دولة دينيَّة» في الإسلام، بصرف النَّظر عن إدِّعائها في التَّاريخ، أو في دعاوى «الأخوان المسلمين»، وحركات «الإسلام السِّياسي» عموماً. ومِمَّا يسند المنطق القويم لهذه المعياريَّة أنه، لو كانت ثمَّة «دولة دينيَّة» في الإسلام، لكان الأولى أن تكون هي دولة النَّبي. لكن الأخيرة تأسَّست بيثرب، في العام الأوَّل للهجرة، على حريَّة التَّنوُّع الهويوي، وفق (الصحيفة) التي هي ما كتبه (ص)، بين المهاجرين والأنصار واليهود، حيث اعتبر المؤمنين والمسلمين من قريش، وأهل يثرب، ومن اتَّبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أمة واحدة من دون النَّاس، وجعل لكل طائفة من طوائفهم حقوقاً وواجبات، وكذلك اعتبر يهود بني عوف، وبني النَّجَّار، وبني ساعدة وغيرهم، أمة مع المؤمنين، لكن لليهود دينهم وللمسلمين دينهم .. الخ، كما حدَّد قواعد التَّساكن العادل في ما بينهم.
وأمَّا المدخل الثَّاني فيقوم على تفنيد تأويل «الخوارج الجُّدد» لمصطلح «الحُكم» القرآني، كي يطابق «السُّلطة السِّياسيَّة»، متحجِّجين بالآيات الكريمات (44 ـ 45 ـ 47) من سورة (المائدة): «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ الله فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ، الظَالِمُونَ، الفَاسِقُونَ ». غير أن منهج التَّفسير بمناسبة التَّنزيل يكشف زيف ما يدَّعون، حيث تجمع أعمَّ المسانيد، وأكبر الأئمة، كابن كثير، والسَّيوطي، والواحدي النيسابوري، وغيرهم، على نزول هذه الآيات في واقعة بعض اليهود الذين تحاكموا إلى النَّبي (ص) في شأن قاتل منهم، مضمرين أن يأخذوا منه إذا حكم بالدِّيَّة، ولا يأخذوا إذا حكم بالقصاص كما في التَّوراة!

الثُّلاثاء
من أهمِّ الخطوات الحداثيَّة التي اتَّخذها الملك محمد السَّادس، بعد توليه عرش المغرب عام 1999م، الإصلاحات المهمَّة على صعيد حقوق الإنسان، والتي شملت عزل إدريس البصري، وكان معتبراً الرَّمز الأبشع للقمع، كونه كان المسؤول الأساسي عن التَّعذيب الوحشي للمعرضين، وتمَّ، إلى ذلك، طرده من الخدمة، بل ومن المغرب كله، حيث انتهى نهاية بائسة في مستشفى بباريس توفي فيه بالسَّرطان.
بعدها فتح الملك الشاب باباً لبعض تطبيقات «العدالة الانتقاليَّة»، كالمعالجات الجَّماعيَّة والمناطقيَّة في «تازمامرت»، وهي منطقة معزولة اشتهرت، على أيَّام البصري، بزنازينها الشَّوهاء المحفورة تحت الأرض، حيث كان المعتقلون يُودعون فيهـا، ويُهملون بالسنين الطويلة، حتى فاضت أرواح الكثيرين منهم.
في إطار المعالجات التي أجريت، تحوَّلت «تازمامرت» إلى منطقة سياحة من نوع مغاير. فبالإضافة إلى يد التَّجميل التي امتدَّت إليها، جرت المحافظة على تلك الزَّنازين القديمة كأثر تذكاري ناطق بالعبر، سواء للسُّوَّاح من الدَّاخل أو من الخارج. ولدى زيارتنا، فيصل محمَّد صالح، وفيصل الباقر، ومرتضى الغالي، وشخصي، للمنطقة في شكلها المتحفي، أثناء مشاركتنا في بعض مؤتمرات «العدالة الانتقالية» بالرباط، شهدنا أعداداً غفيرة من هؤلاء الزَّائرين، خصوصاً تلاميذ المدارس الذين تنظَّم لهم مثل هذه الزِّيارات، كنوع من التربية الوطنيَّة. وقد أثارت فينا الغثيان رؤيتنا لحوائط تلك الزَّنازين ملطخة، ما تزال، بلطعات الدَّم، والصَّديد، والمخاط والغائط؛ وإلى ذلك الآنية المقفَّعة الصَّدئة التي كان يوضع فيها الطعام والماء للمعتقلين، وعموماً كان المكان كله ينشع برائحة الموت!
ذكَّرنا المشهد، على الفور، بما كان يُعرف، وقتها، في السُّودان، بـ «بيوت الأشباح» سيِّئة السُّمعة، والتي أقامها الإسلامويُّون لتعذيب خصومهم! لكن المؤسف، الآن، أننا لو أردنا أن ننظم فيها «زنازين متحفيَّة» كتلك التي رأيناها في المغرب، لتوفِّر مثل هذه الدروس، فلن نجدها (!) ذلك أن النظام البائد، وقد ضاقت عليه حلقات الرَّقابة من داخل السُّودان وخارجه، أقدم، بعد اتِّفاقيَّة نيفاشا، على تدمير أهمِّها، وطمس آثارها! أحد تلك البيوت، على سبيل المثال، كان منزلاً حكوميَّاً، إلى الجِّوار من سيتي بانك بالخرطوم، عاديَّ الشَّكل من الخارج، ومقسوماً إلى قسمين، بحيث تحوَّل القسم الذي يفترض أن يكون مخصصاً للحديقة إلى زنازين في شكل حرف «يو» الإنجليزي، تتوسطها مساحة ملأى بتراب شاطئ النيل الأسود النَّاعم «تراب البحر»، تسلط عليه خراطيم المياه طوال النهار، ويتم التَّعذيب فيه أثناء الليل! وهو التَّعذيب الذي يعرفه المعتقلون السَّابقون جيِّداً، والذي يتمثل في الإرغام على أداء تمارين رياضيَّة شاقة وسط لجَّة ذلك الطين اللبيك، على حين تنعدم، عمليَّاً، أيَّة إمكانيَّة للحركة فيه! مع ذلك فالويل لمن يبدي عجزاً عن أداء أيٍّ من تلك التَّمارين، خاصَّة كبار السِّن، إذ ما تلبث أن تنهال عليه السِّياط والعصي الغليظة بالضرب المبرح من زبانية النِّظام، حتى يعود سريعاً إلى الحركة، أو يسقط فاقداً الوعي! كان ذلك أخفَّ أشكال التعذيب، دع الطعام الردئ، والأواني القذرة، والحرمان من الملح، ومن أشعة الشمس، ومن شرب الماء أغلب اليوم، ومن العلاج، ومن الحمام، ومن الزيارة، ومن القراءة، ومن الورق والأقلام، ومن الاستماع للراديو، دع الضَّرب لأوهى الأسباب، والإساءات المقذعة طوال الوقت، وفرض النوم على الأرض الخرسانيَّة مباشرة، والإرغام على البقاء في حالة مستمرة من القذارة، بل وما هو أقسى من كلِّ ذلك: التَّعليق من الأقدام على مرواح الأسقف، والحبس في المراحيض الطَّافحة بالأيَّام الطِّوال، والإرغام على البقاء في وضع الوقوف، بالسَّاعات، والأيدي مصفَّدة بالقيود الحديديَّة أعلى أبواب الزَّنازين!
غير أنك، إذا حاولت، الآن، أن تعثر على بيت الرُّعب الشائه هذا، كي تجعل منه متحفاً، فستفشل، قطعاً، إذ تحوَّل، فجأة، في أخريات أيَّام نِّظام المخلوع، إلى فيللا فاخرة، بها حديقة مليئة بالزُّهور الجَّميلة، ولعلهم استخدموه مقراً لمؤسَّسة رسميَّة!

الأربعاء
عندما لاحظ الزَّعيم السَّابق بجبال النوبا، الأب فيليب عباس غبُّوش، خلال «مؤتمر المائدة المستديرة» عام 1965م، أن التُّرابي يتحايل، بأسلوب ديني، لكسب تعاطف المسلمين، مخفياً مراميه السِّياسيَّة الحقيقيَّة، نهض يقول محتجَّاً: «البعض يحاول أن يجعل النَّاس يميلون ميلاً واضحاً»، ثمَّ ما لبث أن أردف ساخراً: «أعرف سرَّ المهنة، فأنا أيضاً .. واعظ»!

الخميس
على خلفيَّة الغبن المتراكم لدى إثنيَّة التِّقراي، والنَّاشئ عن فقدانهم سلطة المركز، بعد أن كانت حكراً عليهم من 1991م إلى 2008م، إضافة لاعتقادهم الرَّاسخ بأن آبي آحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي، قد قام بتهميشهم، فإن الإرهاص بتردِّي الأوضاع في إقليمهم الكائن في شمال البلاد، والذي تحكمه، فيدراليَّاً، «جبهة تحرير شعب التِّقراي»، قد بدأ، فعليَّاً، في سبتمبر الماضي، بسبب الانتخابات التي أجرتها حكومة الإقليم، في تحدٍّ صارخ للحكومة الاتِّحاديَّة التي كانت وجَّهت بتأجيلها إلى العام القادم تحسُّباً لوباء الكورونا، مِمَّا اعتبرته عملاً «غير قانوني». ومن ثمَّ تبادل الجانبان الاتهامات بالتَّخطيط لمواجهات عسكريَّة! لكن الصِّدام الفعلي بلغ أشُدَّه في إثر اتِّهام رئيس الوزراء لجبهة التَّحرير بمهاجمة قاعدة عسكريَّة فيدراليَّة، فأصدر توجيهاته للجَّيش الاتِّحادي بالتَّدخُّل الفوري، شاملاً الغارات الجَّويَّة. هكذا انفجرت المعارك بالأربعاء 4 نوفمبر، بين قوات الحكومة الاتِّحادية، وقوَّات جبهة التَّحرير، وتركَّزت، بوجه مخصوص، حول منطقة «الحُمْرَة» الإثيوبيَّة، مِمَّا أدى لسقوط مئات القتلى والجَّرحى من الطرفين، ففرضت الحكومة الاتِّحاديَّة حالة الطوارئ، وقطعت جميع وسائل الاتِّصالات وخدمات الإنترنت، كما حجبت عن الإقليم نصيبه المقرَّر في الميزانيَّة العامَّة.
مهما يكن من شئ، فقد حقَّ للسُّودان أن يغلق حدوده الشَّرقيَّة، ابتداءً من الخميس 5 نوفمبر، وإلى حين إشعار آخر، وذلك إزاء تفاقم الأوضاع الحربيَّة المتسارعة في الإقليم المتاخم لولايتي كسلا والقضارف السُّودانيَّتين، خشية أيِّ انعكاس أمني أو انساني على السُّودان الذي فيه ما يكفيه، خصوصاً لجهة تسلل محاربين ومتفلتين إلى داخل أراضيه. فكسلا ما تزال مثخنة بجراح الصِّدامات المؤسفة بين مجموعاتها السُّكانيَّة، مِمَّا اضطرَّ الجَّيش لتعزيز قوَّاته على حدود لم يجر ترسيمها، حتَّى الآن، بين البلدين! ومعلوم أن هذه المناطق الحدوديَّة تعاني، أصلاً، من الهشاشة الأمنيَّة، حيث تروج تجارة السِّلاح، والاتجار بالبشر، والهجرة غير الشَّرعيَّة، فضلاً عن عصابات «الشِّفتة» الإثيوبيَّة. فبسبب هذه الظروف تكرَّرت الاعتداءات على أراضي السُّودان، خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي أفضى إلى مقتل وإصابة أعداد كبيرة من قوَّات الجَّيش السُّوداني والمدنيين. وهكذا، فمن شأن تمدُّد اضطرابات إقليم التِّقراي باتِّجاه السُّودان أن يفاقم، ليس، فقط، من هذه الأزمة الأمنيَّة، بل ومن أزمة اقتصاديَّة طاحنة يُتوقَّع أن تتمثَّل في تدفُّق مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، من اللاجئين الذين لا قِبَل لظروف السُّودان بتحمُّلهم! ومن سوء الطالع أن تتزامن هذه المهدِّدات، ضغثاً على إبالة، مع اصطدام مفاوضات سدِّ النهضة، بين السُّودان وإثيوبيا ومصر، بحائط صدٍّ شديد الغلظة، حيث أعلنت الدُّول الثَّلاث عن فشلها في إحراز أيِّ تقدُّم في التَّوافق على الملفِّ محلِّ التَّفاوض، مِمَّا اضطـرَّها لأن تقـرِّر إعادته إلى الاتِّحاد الأفريقـي!
مع ذلك، ومن منطلق العلاقات المتميِّزة بين السُّودان وإثيوبيا، وتقدير السُّودان لتعقيدات ظروف إثيوبيا الدَّاخليّة، وتبايناتها الإثتيَّة، فضلاً عن رئاسة عبد الله حمدوك للدَّورة الحاليَّة لمنظمة «الإيقاد» المعنيَّة بحلِّ النِّزاعات في وسط وشرق أفريقيا، أجرى رئيس الوزراء السُّوداني اتِّصالاً هاتفيَّاً، ليلة الثُّلاثاء، 3 نوفمبر، مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد، معرباً له عن حرصه على استقرار بلاده، ما يعني، بالضَّرورة، استقرار السُّودان والمنطقة، وقد طمـأنه الأخـير على أن حكومـته تعمـل لإعادة الأمور إلى طبيعتها.
لكن، لأن الإصلاحات في إثيوبيا لم تكتمل، بعد، برغم التَّقدُّم المُحرز، نسبيَّاً، فإن هنالك أكثر من سبب للإحساس بالرُّعب من ألا يقتصر التَّمرُّد على هذا الإقليم، وأن تتمدَّد عدواه إلى أقاليم إثيوبيَّة أخرى لا تنقصها المبرِّرات، ولا المليشيات، ولا السِّلاح!

الجُّمعة
زمااااان .. شاهدت في موسكو، في حديقة اسمها «كريلوفسكي بيريأولَك»، أوركسترا «دجاج» تعزف، بمناقيرها، على آلات موسيقيَّة حقيقيّة! واليوم شاهدت فيديو لمباراة ساخنة في كرة السَّلة بين فريقين من «الحمام» يلعبان بأجنحتهما! تُرى ما الذي تبقَّى كي يُحكم الإنسان سيطرته على البيئة من حوله؟!

السَّبت
قبل أسابيع قلائل احتفلنا بالذكرى السَّادسة والخمسين لثورة الحادي والعشرين من أكتوبر 1964م التي أطاحت بدكتاتوريَّة الفريق إبراهيم عبُود العسكريَّة، ودخلت تاريخ السُّودان الحديث كأولى ثوراته ضدَّ الشُّموليَّة والقهر. لكنها، على هذه السِّيرة الوضيئة، دشَّنت، أيضاً، أوَّل اختبار جدِّي، في العهد الوطني، ومرحلة ما بعد الاستقلال، لأجهزة القمع، من قوى الجَّيش، والشُّرطة، والأمن، التي ما انفكَّت تمارس أقسى وأبشع مناهج العنف في التَّعاطي مع أبسط المطالبات المدنيَّة بالحقوق والحريَّات، وفي مقدِّمتها حقُّ التَّعبير، وحـريَّة الضَّمير.
في ثورة أكتوبر كانت البداية برصاصات انطلقت من بنادق جنود لا نعلمهم، الله يعلمهم، فاستقرَّت في صدور طلاب بجامعة الخرطوم، في مقدِّمتهم الشَّهيد القرشي، وذلك أثناء ندوة عقدوها، في الحادي والعشرين، حول ما كان يُطلق عليها «مشكلة الجَّنوب». ثم ما نشِب نفس الرَّصاص أن انتقل، خلال الأيَّام التَّالية، إلى الشَّارع ليُسقط من الشهداء والجَّرحى، رجالاً ونساءً، أضعاف ما أسقط من الطلاب، مساء يوم النَّدوة، تنفيذاً لأوامر ظلَّ يصدرها كبار مسؤولي ذلك النِّظام العسكري الباطش للجِّنود، علناً، عبر أجهزة المذياع، في تلك الأيَّام الملحميَّات الخوالد، بأن «أطلقوا النَّار لتقتلوا .. shoot to kill»! ثمَّ كان طبيعيَّاً أن يتكتَّم النِّظام على هويَّات قنَّاصته القتلة!
انتصرت الثَّورة، رغم كلِّ شئ، فارتفع المطلب الشَّعبي بمحاكمة عبود وزمرته على انقلابهم العسكري الذي قوَّض أوَّل نظام ديموقراطي في 17 نوفمبر 1958م، بعد أقلِّ من ثلاث سنوات على نيل بلادنا استقلالها السِّياسي مطلع يناير 1956م! غير أن الأحزاب التَّقليديَّة التي قفزت، بعد الثَّورة، إلى سدَّة الدِّيموقراطيَّة الثَّانية، أقدمت، للأسف، على اتِّخاذ قرار بإعفاء عبُّود وزمرته من المساءلة! أقول للأسف، أوَّلاً لأن ذلك القرار لم يصدر لوجه الله تعالى، وإنما لخشية تلك الأحزاب من أن تجرَّ المساءلة أرجل بعض قياداتها ورموزها البارزة بسبب دورهم في ذلك الانقلاب! وثانياً لأن قرار الإعفاء، بصرف النَّظر عن أيِّ تقويم له، سلباً أم إيجاباً، صار، لاحقاً، من العوامل التي ما فتئت تيسِّر الطريق أمام كلِّ الانقلابيِّين على الدِّيموقراطيَّة، حيث ظلَّوا يستصحبون إمكانيَّة تكراره، في كلِّ مرَّة، كوسيلة للافلات من العقاب impunity، وكحقيقة أساسيَّة من حقائق حياتنا السِّياسيَّة، مقارنة بالشَّراسة الدَّمويَّة التي اعتادت الأنظمة العسكريَّة أن تواجه بها محاولات التَّمرُّد ضدَّها، أو الانقلاب عليها، بل وأن تشيع بها، على غرار نفس منهج عبُّود، مناخاً عامَّاً من القهر لأبسط مطالب الجّماهير.
هكذا، ومع تشبُّع دم الدَّولة بسموم العنف، جيلاً بعد جيل، وعلى مدى نصف قرن من حكم العسكر، باتت أجهزة القمع غير محتاجة، أصلاً، لنظام دكتاتوري تمارس، في ظله، نهجها الدَّموي، إذ أضحت تنطلق بهذا النَّهج، بدفع ذاتي تلقائي، حتَّى تحت نظام يُفترض أنه ديموقراطي، ولكنه عاجز عن حماية هذه الدِّيموقراطيَّة، كنظام الفترة الانتقاليَّة الحاليَّة! ومن لديه تفسير غير هذا لتساقط المزيد من الشُّهداء والجَّرحى، حتَّى في ظلِّ حكومة الحريَّة والتَّغيير، فليتقدَّم به!

الأحد
انفضَّ سامر الانتخابات الأمريكيَّة بخسارة فادحة لسئ الذِّكر رونالد ترامب، القادم من خارج واشنطن، ومن خارج السِّياسة، بل ومن خارج الحزب الجُّمهوري نفسه، والذي ظلَّ يعتقد، دائماً، أن الأمور تؤخذ «فهلوة»، وأن كلَّ شئ يمكن شراؤه بالفلوس، لدرجة أنه استأجر «مستشارة روحيَّة» لتجنِّد له «ملائكة» يساعدونه على البقاء، دورة أخرى، في البيت الأبيض! لكن حتَّى «الملائكة»، في ما يبدو، وقفوا ضدَّه!

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكتل- الجزائر وتونس وليبيا.. من المستفيد الأكبر؟ | المسائي


.. مصائد تحاكي رائحة الإنسان، تعقيم البعوض أو تعديل جيناته..بعض




.. الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال الألعاب الأولمبية في فرنسا


.. إسرائيل تعلن عزمها على اجتياح رفح.. ما الهدف؟ • فرانس 24




.. وضع كارثي في غزة ومناشدات دولية لثني إسرائيل عن اجتياح رفح