الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاه واليسار -سطور من تاريخ الثورة الاسلامية في ايران-

ربيع نعيم مهدي

2020 / 11 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


(1)
في مقال سابق استشهدت برواية ينقلها "محمد حسنين هيكل "عن الشاه محمد، جاء فيها عن الاخير قوله "إذا كشطت جذع شجرة في طهران فسوف يسيل منه دم أحمر لأن الشيوعيين ما زالوا يتحركون في الشارع، ثم إن الاتحاد السوفيتي يريد أن يأخذ إيران.. يأخذها عن طريق صناديق الاقتراع إذا أمكن أو عن طريق الصياح في الشوارع إذا استطاع، لكني لن اسمح لهم بذلك".
واذا تفحصنا في تاريخ الدولة البهلوية سنجد ان قوله لا يفتقر للمصداقية بل ان الوصف دقيق جداً لما كان يجري في الشارع الايراني، الذي شكل إحدى أزقة الصراع الدولي في الحرب الباردة، والتي سبقت بداياتها نهاية الحرب العالمية الثانية.
علماً ان الفضل في وجود نظام آل بهلوي يعود الى الحركة اليسارية، لا باعتبارهم داعمين له بل لان وجودهم شكل السبب الذي دفع بريطانيا للبحث عن شخص يستطيع السيطرة على بلاد فارس وما سيُلحق بها لمنع الروس من الوصول الى مياه الخليج.
(2)
ان صفحات التاريخ تخبرنا بأن الوجود اليساري في ايران كانت له بدايات ونشاط سبق انقلاب رضا بهلوي واعلان ملكه على بلاد فارس، فبعد انتصار الثورة البلشفية في عام 1917، عقدت عدد من المنظمات اليسارية مؤتمرها الذي أثمر عن توحيد تنظيماتها تحت مسمى "الحزب الشيوعي الإيراني"، والذي دخل في مواجهة مع رضا بهلوي من خلال تنفيذ احتجاجات واضرابات عمالية في عدد من القطاعات كالمطاحن ومعامل النسيج والسكك والنفط، وفي المحصلة تم اعتقال عدد كبير من الشيوعيين بعد ان اصدر رضا بهلوي قانون "حظر النشاط الاشتراكي" في عام 1929، القانون الذي لم يفقد سريانه حتى سقوط الحكم البهلوي في عام 1979.
وهنا لا بد من الاشارة الى عدد من المفارقات التي اتسم بها الصراع بين الشيوعيين والشاه المخلوع رضا بهلوي، فبالرغم من اتخاذ الأخير للقمع كسياسة ثابتة لنظامه، إلا ان ماكنة الصحافة السوفيتية كانت تصف رضا بهلوي بأنه "شخصية وطنية معادية للإمبريالية"، وهذا ما أثار الكثير من الاستياء لدى بعض قيادات الحزب المتهم بالعمالة والتبعية للاتحاد السوفييتي، والمُجبر ايضاً على الابتعاد عن ممارسة أي نشاط علني لأن ذلك سيعرض عناصره لقمع مفرط.
لكن.. مع اندلاع الحرب العالمية الثانية خضعت ايران للتقسيم بعد احتلالها من قبل بريطانيا والاتحاد السوفييتي، وخُلع رضا بهلوي بإعلان تنازله عن العرش لنجله محمد، والذي اطلق سراح المعتقلين من الشيوعيين، ليستعيد الحزب نشاطه ويعيد هيكلة تنظيمه تحت راية "حزب توده" - حزب الشعب- في 29 ايلول 1941.
(3)
ان ظروف الحرب العالمية الثانية واحتلال شمال البلاد من قبل السوفييت دفع الشاه محمد الى محاولة احتواء اليساريين، ربما لتأجيل المواجهة معهم، إذ منح "حزب توده" ثلاث وزارات في حكومة "قوام السلطنة" الائتلافي.
وبعد انتهاء الحرب العالمية أُبعِد اليساريين عن تشكيلة مجلس الوزراء، وبدأت مرحلة من المواجهة حملت في طياتها تجارب واحداث يصعب معها فتح صفحات جديدة بين الطرفين، فاليساريون كانوا داعمين لحركات الاستقلال في اذربيجان وكردستان، والتي تمكنت من اقامة انظمة جمهورية مستفيدةً من النفوذ السوفييتي شمال ايران، لكن هذه الجمهوريات الفتيّة لم تستطع الصمود بعد انسحاب الجيش السوفيتي التزاماً باتفاقيات دولية عقدت في زمن الحرب.
يضاف الى ما تقدم محاولة الاغتيال التي تعرض لها محمد رضا اثناء زيارته لجامعة طهران في 4 شباط 1949 بتدبير من حزب توده.
(4)
وبالرغم من صدور حظر على نشاط الحزب والقاء القبض على عناصره إلا ان الحزب لم يغب عن الشارع الايراني ولعب دور كبير في دعم حكومة مصدق لتحقيق مشروع تأميم شركة النفط، من خلال تنظيم الحركات والاضرابات العمالية بين اعوام 1951-1953.
وعند النظر في الاحداث التي صنعت التأميم وسقوط حكومة مصدق نجد مفارقات غريبة يصعب فهمها، فالانقسام في المواقف بين عناصر الحزب بعد الانقلاب الذي اطاح بمصدق لا يجد له تفسير مقنع، وكذلك الدعوات التي أثيرت لمنح السوفييت امتيازات في النفط الايراني بحجة "التضامن الاشتراكي ضد الرأسمالية والاستعمار".
وفي المحصلة ضاعت قضية مصدق والغي التأميم ودخلت الشركات الامريكية لتحصد حصة الاسد من النفط الايراني بعد ان كان لبريطانيا النصيب الاكبر ، أما الشيوعيون فلم يكن نصيبهم من هذه المواجهة سوى سجون السافاك ومشانق الشاه.
(5)
ان سمة الانقسام والانشقاقات لم تفارق التيار اليساري في ظل الدولة البهلوية، بعضها لأسباب ومؤثرات خارجية والبعض الآخر داخلي، لكن محورها في الغالب يدور حول تبعية اليسار للاتحاد السوفيتي، فالكثير من الكوادر رفضت الولاء للسوفييت، فيما تدور النقاط الخلافية الأخرى حول طبيعة العمل السياسي وضرورة اعتماد الكفاح المسلح لتحقيق الاهداف.
اكثر المستفيدين مما تقدم ذكره هو الشاه محمد، فحربه مع اليسار الايراني لم تكن تفرّق بين الرفاق، كما ان حالة الانشقاق في صفوف المعارضة الايرانية أكسبته نوعاً من القوة جعلته يخرج في حربه بعيداً عن حدود ايران، ففي سبعينيات القرن الماضي تدخل الشاه بعسكره في سلطنة عمان لمواجهة "متمردي ظفار"، - وهم يشكلون عماد حركة اشتراكية مسلحة، اتخذت لها عنوان "الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل" في عام 1968، كان اهم اهدافها توحيد سلطنة عمان مع باقي إمارات الخليج بأكملها تحت راية نظام جمهوري اشتراكي- .
ان وجود هذه الحركة أثار مخاوف الشاه محمد وحلفائه من سيطرتها على ساحل الخليج، فدفع بـ 3500 إيراني للقتال في صفوف التحالف الذي استطاع ان ينهي الحركة، علماً ان القوة الايرانية لم تنسحب من سلطنة عمان إلا بعد سقوط الشاه في 1979.
(6)
ان اهم نقطة تلفت النظر عند البحث في موضوعة اليسار الايراني هي ان حالة الانقسام والانشقاق لم تؤثر على حجم النفوذ في الشارع الايراني، فالثورة التي اجبرت محمد رضا على ترك البلاد كان لليسار فيها دور كبير ومعزز لباقي القوى المعارضة للشاه.
وإذا اردنا الصدق في القول، ان دخول القوى الاسلامية على خطوط المواجهة لم يكن في حقيقته سوى خطة لإنقاذ ايران من الدوران في فُلك الشيوعية، - اجد من المناسب هنا الاستشهاد بقول منسوب لرجل الدين أبو القاسم الكاشاني جاء فيه : "ان سقوط الشاه يعني سقوط العمائم في ايران" - . ووجهة النظر هذه تفصح عن الأولويات في الاهداف والسياسات لدى الملالي، وهي تتخلف عما كان يراه الأخرين من قوى المعارضة، فبحسب ما ينقل عن منصور حكمت: ان نجاح الثورة في ايران بقيادة الامام الخميني يعود الى أنها ثورة نفي وليست ثورة اثبات وهذا ما ساعدها على النجاح، إذ اعتمدت على نفي ملكية الشاه وليس اثبات الحكم الاسلامي، لذلك التف حول الثورة الشيوعيين الذين لم يكونوا يريدون الحكومة الاسلامية لكنهم ارادوا اسقاط الشاه.
وفي الختام نستطيع القول ان الملالي كانوا المستفيد الأول من الصراع الطويل بين اليسار والشاه المخلوع محمد رضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز