الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله بين يوسف كرم وإيمانويل كانط

منسى موريس

2020 / 11 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تحدثت في المقالة السابقة عن "فلسفة يوسف كرم" كما جاءت في كتابه " العقل والوجود " وقد أشرت فيها إلى نقده إلى فلسفة الفيلسوف الألماني الكبير" كانط " وقلت أننى سوف أخصص مقالة بحيالها لهذا الموضوع لأنه في غاية الأهمية وسأبدأ هذه المقالة بعرض موجز لنظرية " كانط " فى المعرفة ثم بعد ذلك سأعرض نقد "يوسف كرم "
أولاً فلسفة كانط : كتب "كانط " كتاب هام بعنوان " نقد العقل الخالص " ومعنى النقد الذى يقصده ليس هدم العقل لكن " التمييز " فهو بحث في ماهية العقل وأدواته وقدراته على تعقل الوجود ويرى أن العقل يعمل وفق " مقولات " وعددهم "إثنى عشر" وهذه المقولات ليس لها وجود خارجى في العالم الطبيعى بل طبيعتها ذهنية وسابقة على أي تجربة ومن ضمن هذه المقولات " العلية ، الزمان ، المكان " وهذه المقولات تؤهل العقل على تعقل الوجود في ظاهره أي أن العقل يدرك " العالم الظاهر " ولايمكنه أن يدرك " العالم النومينى " أي عالم الماهيات والأشياء في ذاتها وبذلك يكون " كانط " كان موقفه وسطاً بين الحسيين والعقليين،
طبعاً فلسفة " كانط " هذه تعد جد خطيرة بالنسبة لكل فلسفة ميتافيزيقية لأن الميتافيزيقا تبحث في الماهيات والوجود بما هو موجود ، لكن حسب فلسفة " كانط " لايمكن للعقل أن يتعاطى مع التصورات الماورائية لأن هذه التصورات تتعارض مع إمكانيات العقل فيترتب على ذلك حسب " كانط " أن العقل لايمكنه إثبات القضايا اللاهوتية مثل " وجود الله ، الحرية ، الخلود " لأن العقل غير مؤهل للبحث في هذه الأمور ويمكننا حصر رؤية " كانط" كالتالى
1- برهان العلية : الفلاسفة المؤمنون يستدلون على الوجود الإلهى بواسطة هذا البرهان ويقولون أن هذا القانون عقلى وموضوعى أيضاً بمعنى أن العالم الطبيعى يعمل وفق السبب والنتيجة وأن كل مايوجد لابد وأن يكون له علة وهذا العالم لايحمل في طبيعته الوجود لأنه حادث فالنتيجة لابد وأن يكون له مسبب أول أخرج هذا العالم من العدم إلى الوجود ، لكن بحسب " كانط" مقولة العلية " لا وجود لها في العالم الطبيعى وليست موضوعاً للإدراك لكن وجودها يكمن في الذهن فقط مثلها مثل " الزمان والمكان ، وباقى المقولات " لا يوجد لها أساس في العالم الخارجي لكنها مجرد أدوات ذهنية عن طريقها ندرك ظواهر هذا العالم ومن هذا المنطلق فبرهان العلية لايمكن أن يثبت لنا وجود الله لأن العلية مجرد تصور يوجد في العقل وليس لها أي وجود خارجى.
2- العقل لا يدرك الماهيات : كما ذكرت أن " كانط" يرى أن عقولنا مؤهلة فقط لإدراك العالم الظاهر وليس حقائق الأشياء وهذا سينعكس بالسلب على كل قضايا الميتافيزيقا لأن الفلسفة الميتافيزيقية تبحث في جواهر الأشياء وحقائقها وفى الماهيات .
3- العقل لا يستطيع أن يخوض في أي قضية من القضايا الميتافيزيقية مثل إثبات وجود الله لأن طبيعته عاجزه ولاتستطيع أن تفصل في هذه القضايا لأنها خارجه عن قدراته وبنيته ، لكن " كانط " كان يؤمن بالله لإعتبارات أخلاقية فقط وليس على أسس عقلية .
ثانياً نقد " يوسف كرم " لفلسفة كانط : وكما قلت في المقالة السابقة أن " يوسف كرم " فيلسوف عقلى معتدل فهو يؤمن بالعقل وبالوجود وعلى قدرة العقل على تعقله ويرى أن القضايا الميتافيزيقية يمكن البرهنة عليها بشكل عقلى فهو يعارض " كانط " وسأختار بعض الإنتقادات الهامة جداً التي سددها " يوسف كرم " لنسق " كانط" الفلسفى من ضمن السبعة إنتقادات التي وجهها له .
1-التناقض بين إثبات وجود الأشياء وبين إمتناع معرفتها : يرى " يوسف كرم " أن التناقض الذى وقع فيه " كانط" أنه يقول أننا لانستطيع أن نعرف الأشياء في ذاتها ونعرف فقط العالم الظاهرى بينما في نفس الوقت نجده يحلل طبيعة العقل ويرى أنه أدرك ماهيته ، وبالفعل هذا التناقض الذى أورده " يوسف كرم " وحده يكفى لتقويض نسق " كانط" الفلسفى فكيف يمكن أن يقول " كانط " أننا لانستطيع إدراك حقائق الأشياء وفى نفس الوقت يعتقد أن أدرك حقيقة العقل؟ ومادام إستطاع معرفة حقيقة العقل فهذا يتيح مجالاً كبيراً للميتافيزيقا ومعرفة حقائق الأشياء.
2- التناقض بين تصورية المقولات وموضوعيتها: كما قلنا أن " كانط " يرى أن العقل يعمل وفق مقولات " كالزمان والمكان والعلية ..، " وهذه المقولات ليست مواضيع للإدراك لكنها وسائل ندرك بها العالم ولاتوجود في العالم الخارجي إنما توجد في الذهن فقط ، لكن " يوسف كرم" يرى أن " كانط " وقع في تناقض أيضاً لأنه يقول أن هذه المقولات ليست موضوعات للمعرفة ونجده يضع لها تعريفات ومعلومات وتصورات أيضاً وهذا أيضاً تناقض واضح في فلسفته .
3- التناقض بين إعتبار العلية مجرد مقولة لايجوز تطبيقها إلا لربط ظاهرتين محسوستين وبين إستخدامه إياها كما لو كان لها قيمة وجودية ، وهذا النقد في غاية الذكاء لأنه لولا وجود العلية في العالم الخارجي لايمكن أن يتحقق العلم .
4- التناقض بين الإقرار بالعلم وإنكار الماهيات الطبيعية : قول " كانط" بأن العقل لايدرك الماهيات الطبيعية هذا سيشكل خطورة تتعارض مع طبيعة العلم لأن العلم يتقدم حين نعرف قوانين الوجود وحقائقه أما لو سلمنا بكلام " كانط" أننا لاندرك حقائق الأشياء لن يبقى لدينا ضمان للعلم .
سأكتفى بهذه الإنتقادات لأنها قوية جداً ويمكننا أن نستخلص مما سبق حسب " يوسف كرم" أن العقل مؤهل لإدراك حقائق الوجود ولإدراك القضايا الميتافيزيقية كالوجود الإلهى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق