الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسألة اليهودية والصراع العربي الصهيوني

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 11 / 17
القضية الفلسطينية




منذ نشوء الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر، ثم تأسيس "دولة إسرائيل" في 15/5/1948 تم استخدام الأساطير الدينية والتوراتية ، لحساب الأهداف السياسية التي تخدم الكذبة الكبرى التي تقول بأن اليهود أمه، فالأساطير الدينية والتوراتية استخدمت تاريخياً – ولازالت- لحساب الأهداف السياسية، وذلك على قاعدة أن الصهيونية هي الجانب القومي في اليهودية ، واليهودية هي الجانب الديني في الصهيونية ، وبالتالي فإن "إسرائيل" تحقيق سياسي وتجسيد عملي وسياسي للظاهرتين معاً، في إطار العلاقة العضوية بين الحركة الصهيونية من ناحية، ومصالح النظام الاستعماري والامبريالي الرأسمالي من ناحية ثانية، وهذه العلاقة تؤكد على أن "إسرائيل" انطلاقاً من دورها ووظيفتها ، لم تنشأ إلا كشكل من أشكال الاستعمار الاستيطاني العنصري في بلادنا، المستند إلى دواعي القوة الغاشمة والاغتصاب، لحماية مصالح العولمة الرأسمالية في بلدان وطننا العربي، وهي دولة لا يمكن أن ترقى عبر هذا الدور الوظيفي لتصبح جزءا من نسيج هذه المنطقة العربية ومستقبلها بأي شكل من الأشكال مهما بلغت درجة انحطاط وخضوع واستسلام النظام العربي واعترافه او تطبيعه مع هذا الكيان .
وها نحن في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وما زال شعبنا الفلسطيني –الذي قدم الآلاف من قوافل الشهداء- مستمراً في صموده ونضاله رغم كل التنازلات السياسية والمفاوضات العبثية ، ورغم الانقسام الناجم عن الصراع الدموي ، على المصالح والكوتات ، بين حركتي فتح وحماس، الأمر الذي يفرض على كافة القوى اليسارية الديمقراطية العربية مزيداً من الوحدة والنضال الديمقراطي لتثبيت أسس وبرامج الثورة الوطنية الديمقراطية ارتباطاً بمنظور الثورة القومية التحررية الديمقراطية في إطارها الأممي الإنساني، بمثل ما يفرض أيضاً على القوى اليسارية الفلسطينية مراجعة خطابها السياسي بما في ذلك خطاب حل الدولتين ، من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وفق قواعد النضال القومي الديمقراطي باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي صهيوني من الدرجة الأولى.
ففي ظل موازين القوى الدولية والعربية المختلة لصالح التحالف الإمبريالي الصهيوني وموقفه النقيض للحد الأدنى من ثوابت وأهداف شعبنا الوطنية ، بات واضحاً ، أن التصوّر الصهيوني يتمسك بلاءات خمسة هي: لا انسحاب من القدس، لا انسحاب من وادي الأردن، لا إزالة للمستوطنات، لا عودة للاجئين، ولا للدولة الفلسطينية المستقلة، الأمر الذي يفرض على القوى الماركسية الثورية أعباء ومسئوليات كبرى ارتباطاً بدورها في المرحلة الراهنة عموماً ودورها المستقبلي الطليعي على وجه الخصوص، وهذا يتطلب إسهام الجميع في مناقشة القضايا المطروحة بكل مسئولية ووعي – من اجل بلورة الأسس الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تكفل نهوضها ، بما يمكنها من تحديد رؤيتها ومهامها ووحدتها الداخلية للمرحلة القادمة بدقة . ذلك إن صحة الوظائف السياسية والتنظيمية والفكرية والاجتماعية والجماهيرية لهذه القوى الثورية تتحدد في ضوء مدى تأسيس تلك الوظائف على رؤية صائبة ، وأن تصاغ بدورها انطلاقا من قراءة واعية وموضوعية لكافة المتغيرات السياسية والمجتمعية والفكرية ، سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي أو الدولي ، وهنا بالضبط يتجسد المعنى الحقيقي للأعباء والمسئولية الملقاة على عاتق كل عضو من أعضائها، وصولاً إلى النتائج المأمولة التي ستمكنهم من تحقيق عملية النهوض صوب دورها الطليعي المنشود.
لذلك فإن المهمة العاجلة أمام حركات وفصائل اليسار العربي عموما والفلسطينية خصوصا ، أن تعيد النظر في الرؤية الإستراتيجية التحررية الديمقراطية ، الوطنية/القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ، انطلاقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية، ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف –بنفس الدرجة- ضمان السيطرة الإمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره . وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار القومي العربية، وفي المقدمة اليسار الثوري الفلسطيني، انطلاقاً من ذلك وليس من خارجه، فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الامبريالي في الوطن العربي، ووجودها حاسم لاستمرار السيطرة الامبريالية، وضمان استمرار التجزئة والتخلف العربيين. لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية من قلب الرؤية التقدمية القومية الديمقراطية الأشمل، التي تنطلق من فهم عميق للمشروع الامبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية، من أجل أن يعاد تأسيس نضالنا الوطني التحرري والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية. ولا شك في أن هذه المهمة هي أولاً مهمة الماركسيين في فلسطين والوطن العربي، وفي طليعتهم اليسار الثوري الفلسطيني المناضل من اجل استرداد الحقوق التاريخية على ارض فلسطين …. والى أن تتوافر هذه الشروط تدريجيا سوف يستمر الصراع كما هو، مهما طال واستمر الحديث عن التفاوض من اجل ما يسمى حل الدولتين وفق الشروط والمخططات الإسرائيلية الأمريكية وخاصة ما يسمى صفقة القرن، فلن يكون في ذلك سوى تكريسا للهيمنة والسيطرة الأمريكية الإسرائيلية على مقدرات الشعوب العربية واستمرار احتجاز تطورها واستتباعها وتخلفها. وبالتالي فإن حديثي عن حل الدولة الديمقراطية العلمانية هو حديث يستدعي-على الأقل نظرياً في هذه المرحلة- استنفار كل طاقات اليسار من أجل إعادة النظر في الخطاب السياسي وصولاً إلى خطاب/برنامج يستجيب لمعطيات وضرورات المرحلة الراهنة والمستقبل، الأمر الذي يستدعي حواراً جاداً ومعمقاً بين أطراف اليسار الماركسي العربي لتحقيق هذه الغاية، ليبدأ مرحلة جديدة في نضاله من اجل إعادة تأسيس المشروع القومي التحرري الديمقراطي النهضوي ، كفكرة مركزية توحيدية تلتف حولها الجماهير الشعبية في فلسطين وبلدان الوطن العربي ، وفي الطليعة منها الطبقة العاملة وكل الكادحين والفقراء والمضطهدين والمُستَغَلين العرب الذين سيمثلون روح هذه النهضة وقيادتها وأدواتها .
من ناحية ثانية لا بد لي من التأكيد على ان النضال من أجل تحقيق هدف إقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها ، كفيل بحل المسألة اليهودية في إطار المجتمع العربي الديمقراطي الموحد، وهذه القضية قد يفترض البعض محقا أو بدون وجه حق بأنه موقف طوباوي ، فإنني أقول بوضوح أن هذا ليس موقفاً طوباوياً بقدر ما هو حلم ثوري تتوافر مقوماته وإمكاناته في نسيج مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية عموما، وفي أوساط الشرائح المضطهدة من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة التي تتطلع بشوق كبير إلى المشاركة في تحقيق هذا الحلم الثوري الذي يجسد الأهداف الوطنية والديمقراطية المستقبلية للشعوب العربية .
إن فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية تتبدى اليوم ، باعتبارها التجسيد الثوري للحل الاستراتيجي الأمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة ثانية، كحل استراتيجي، يكفل ويضمن استعادة شعبنا لحقوقه التاريخية والسياسية والسيادية في فلسطين وهو حل مرهون بتغيير موازين القوى، ما يعيدنا إلى تفعيل فكرة الصراع العربي الصهيوني، التي تتطلب بالضرورة العمل على تجاوز وتغيير هذا النظام العربي ومن ثم تغيير ميزان القوى تمهيداً لفرض الحل النهائي في دولة فلسطين الديمقراطية لكل مواطنيها. لذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي جذري ديمقراطي من منطلق الصراع الطبقي ضد أنظمة التبعية والتطبيع والاستبداد والاستغلال والفساد التي تحكمها، وذلك انطلاقاً من وعينا بأن هذه الأنظمة شكلت الأساس الرئيسي في تزايد واتساع الهيمنة الامبريالية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية، كما شكلت الأساس الرئيسي لتزايد واتساع عنصرية وصلف وهمجية "دولة" العدو الإسرائيلي.
أخيراً إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية كلها، في هذه اللحظة الثورية ، لا يعني أننا نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دوراً رئيسياً وأحادياً فيها، بل يعني – من خلال أحزاب وفصائل اليسار الماركسي الثوري -تفعيل وإنضاج عوامل وأدوات التغيير الديمقراطية الحديثة والمعاصرة ، والبحث عن مبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن. لذلك كله، "ينبغي علينا أن نحلم" بشرط أن ندرك سر قوة الحلم الثوري الذي يشكل منبع التغيير و الثورة ، وأن القوة الثورية هي مالك هذا الحلم ودون أن تغادر أقدامه تعرجات الواقع، للوصول لهدف نبيل وغاية واضحة، وهل هناك أنبل من غاية تحقيق دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها تلتزم سياسياً وقانونياً وأخلاقيا بحل المسألة اليهودية في إطارها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السامية اليهودية 1
ابراهيم الثلجي ( 2020 / 11 / 17 - 13:40 )
اليهود في الماضي كانوا قبائل بني اسرائيل وقد اسسوا ممالك ورحلوا سويا للشرق ابان الغزو البابلي الاول والثاني للشرق الاوسط حيث صنع كهنة تلك القبائل الايدولوجيا اليهودية واخرجوها بانتاج فكري مختلف عن الاخرين ودعوا ان لهم اله خاص لشعب اسرائيل وتركوا التوراة وراء ظهورهم وجعلوا لانفسهم منهاجا اخر من تاليف كهنتهم بدعوى ان تعريفه للاله بانه قوة جبارة ولكن فيزيائيا لا تسمع ولا ترى كالقوة النووية مثل والاشعة الكونية وغيرها واعتبروا ان الاله مركب من اسمى العناصر وعلى راسها الذهب وهم الاقرب للسمو هذا على الجدول الكيميائي الدوري وبقي ذلك في باطنهم لانهم يوم اعلنوها صراحة نبذتهم الامم لدعوى السمو (السامية) لما لها من عنصرية وادعاء تفوق عرقي
ومن حماقة العرب انهم ايدوا الرواية اليهودية بان السامية تبعا لسام بن نوح واكثر من اسيء لهم باسم السامية هم العرب الساميون عرقا لابن نوح
ولكن السامية المقصودة هي
Semitic
التي تعني النوعية المميزة او السمو والعلو تلك المفردات التي يتم التحايل في معناها منذ القدم
حيث ان تلك القبائل اقنعها الكهنة انهم ارباب يمشون على الارض وذات سمو عرقي يركبون ظهور الناس بسموهم


2 - الصهيونية والافساد 2
ابراهيم الثلجي ( 2020 / 11 / 17 - 13:56 )
اما عن الصهيونية فقد ظهرت كحركة ثورية ضد سلطة الكهنة تماما كما حصل مع الثورات ضد ولاية الكنيسة وتحكمها بتشريعات وحياة الناس اليومية وخاصة اليهود الذين الزموا بالعيش ضمن كنتونات او ما يعرف بحارات اليهود ليبقوا دائما تحت عين وسيطرة الكهنة وسط تعاون بين الكاهن والامبراطور او ملك تلك الجغرافيا المسكونة وكان يتطلب من شباب اليهود ان يعطوا اموالا من عرقهم للكاهن تبع الحارة ومعلومات عن شؤون العامة لتنقل ضمن صفقات تعاون بين مخترة الحارة وحاكم البلد
فانتفض شباب اليهود ضد الحارة ومنهم من كان تقدميا مشعل ثورات وحقوق مثل ماركس ولينين ورفاقهم
ومنهم من انتفض وربط علاقات مباشرة مع الحكام ورجال الاعمال والقضاة دون اي مرجعية للكاهن واعتمدوا على القطاعات الفاسدة في المدينة والصناعات ودعم المجهود الاستعماري وكانهم جزء منه
وقد وجدوا ضرورة اللجوء للخداع الديني من اجل جمع الاموال وتجنيد العوام معهم فكتبوا كتبا مقدسة وخاصة التي تبرر الوحشية الاستعمارية الانجليزية وصارت مصلحتهم تقتضي ان يكونوا طيفا استعمارا متحالفين متعاضدين في العدوان على البشرية
وكله تحت اسم الحالمين بان يدفنوا بجبل صهيون
بعد افساد الارض

اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة