الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب السجون

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2020 / 11 / 18
أوراق كتبت في وعن السجن


أدب السجون ليس كافياً، للإحاطة بعالم من الوحشية والحرمان، والقهر!
من الصعوبة أحياناً إشراك الآخرين بمعاناة وألم المعتقل


أدب السجون، في الغالب ليس متخيلا، كما قد يتصوره البعض، ليس نصّاً ابداعياً فانتازياً عابراً للحظة الحدث والمكان، لكنه أقرب إلى كتابة السيرة. هوفي معظمه شهادات عن محنة السجن، يقدمها كتّاب ومثقفون، عن تجارب مريرة مروا بها. وإن كانت تضم ما هو متخيل، فإنها سعي الكاتب نحو اختراق أسوار المعتقل، في واحدة من صور نزوع السجين إلى لحظة الحرية، وتطلعه إليها عبر توليد الحلم، وعبرالكتابة، كمحاولة لحمل الحلم على الانتقال الى حقيقة. وهي محاولة ايضاً لاستدعاء صور من الخيال ومن الذاكرة، لجعل الحكاية التي تُروى أقرب إلى الواقع، ذلك ان ما يحدث خلف الأسوار، تحت الأرض، في الظلمة، والأضواء الشحيحة، وفي الزنازين، ما يفوق التصور، والخيال. إنها الحقائق التي يصعب على الكاتب، أن يرويها، بروح الحدث، وبالشعور الذي يتولد عنها، أو أن يصف الحالة التي يقص.
أياً تكن مقدرة الكاتب الإبداعية، فإن استعادة الصورة، والتعبير عنها، تبقى عاجزة في الحقيقة عن الإلمام حتى ولو بجزء يسير منها، من لحظة تكونها، ومسارها، وتأثيراتها: التعذيب حتى الموت، كمثال.
في الحركة الثقافية العربية المعاصرة، ثمة اعمال أدبية مهمة وفارقة، في أدب السجون، في الرواية والشعر، بصورة أساسية، قدمت للقارئ العربي، صورة أخرى من الحياة المتستر عليها قسراً، بفعل الخوف من المقاربة، والترهيب بملاقاة مصير مماثل، وربما أشد لمصائر شخوص في روايات أدب السجون. ويُحسب لتلك الأعمال الادبية، أنها أعملت ثقباً في جدار الخوف والصمت، لم يلبث أن تحول إلى فضاء مفتوح للبوح، توالت فيه الرويات التي تتخذ من السجن موضوعاً رئيساً لها. لكن ذلك لم يحدث دون ثمن كبير، دفعه كتاب وأدباء، ومثقفون، من سنوات عمر مديد في غياهب السجون، على امتداد جغرافية السجون العربية، التي باتت تفوق بسمعتها سجون العالم الرهيبة التي كتب عنها الروس والأوربيون، وصنعت أفلام سينمائية من وحيها.
في ذاكرتنا اليوم أعمالاً أدبية، خارجة من أسر المعتقلات والسجون العربية، من العراق، إلى سوريا، إلى ليبيا والمغرب. ومنها خرجت تجارب مهمة لكتّاب نجوا من الموت، ليكتبوا روايتهم، وشهادتهم،عما حدث ويحدث في السجون من قهر وظلم وتعذيب وقتل، ووحشية لاحدود لتصورها. لم تكن شهادة عما جرى لهم، ولكنها أيضاً استذكار للضحايا ممن قضى تحت التعذيب، أو ممن لا يحسنون الكتابة او القول.
من اللاتعيين لمكان محدد، على سبيل المثال في رواية عبدالرحمن منيف " شرق المتوسط " الى الإشارة بدقة الى سجن تدمر، وصيدنايا الرهيبين، في روايات سورية عديدة. الحدث الجلل، يفرض كسر الإطار الذي يبعث على الرعب والخوف معاً. صارت الكتابة، تعبيراً عن رفض الواقع الذي تفرضه سلطة الإستبداد، وبهذا المنحى يأخذ أدب السجون صيغة أخرى، سوى ان يكون سيرة الكاتب في السجن، بأن تكون وثيقة تدين السجان، وأن يرتقى الكاتب بشهادته إلى نص أدبي، يكون محرضاً على الإنصاف وتحقيق العدالة.
شهدت السنوات العشر الأخيرة، تطورا ملحوظاً في أدب السجون، للسوريين نصيبٌ كبير من الأعمال الروائية والشعرية التي صدرت، وتعنى بتجربة السجن بصورة خاصة، إضافة إلى اعمال أخرى شكّل الإعتقال، وثنائية السجان والمعتقل، مساراً مهماً في تلك الأعمال. في اعتقادي أن ما كُتب حتى اليوم في أدب السجون ليس كافياً، للإحاطة بعوالم أخرى موازية للحياة الإنسانية. هناك عالم مختلف تماماً لا إنسانية البتة فيه، عالم من الوحشية التي لاحدود لها، والحرمان، والقهر الذي لا ينضب معينه.
لا شئ يشفى المعتقل الناجي/ الضحية، مما ألمّ به، ومما يحلّ بالذين ما يزالون مغيبين في المجهول. بالنسبة لي استطعت بمخاطرة كبيرة أن أكتب رواية داخل السجن، ونجحت في تهريبها، ثم صدرت " سراب بري " عام 2015. أشعر أنني لم أقل شيئا فيها بعد. لدي مخطوط عن المستبد والسجن، لم أستطع إنجازه بصورة نهائية، و اعمل على رواية جديدة عن المعتقل. أشعر أنني مخنوق، وقلق ومتعبٌ جداً، وأخاف من استدعاء ظلمة السجن الرهيبة، بكل مافيها..وأشعر بالعجز عن التعبير أحياناً. قد لا يمكننا مشاركة الآخرين بالألم الذي عشناه، أو أننا غير قادرين على ذلك حقاً. ما يزال لدي الكثير لأقوله، كل يوم هو حكاية، ولدى كل سجين حكاية، وفي صوت كل مزلاج وصرير باب، وفي كل قيدٍ ألف رواية!
لن أشفى إلا بالكتابة مجدداً، وربما مراراً عن السجن. لقد أنقذني تحالف القلم والورق والحرف. لولا ذلك ما كنت ناجياً من تلك المحنة العصيبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - امر مفرح ان اقراء مقالة لاديب عربي مقيم في مدينتي
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2020 / 11 / 18 - 21:41 )
تورونتو -التي اسكنها منذ 8 سنوات والتي اعتز بها ايما اعتزاز رغم مناخها البار زائدا برودة العلاقات بين سكانها من الاصول العربي-هذه اول مره اسمع عن ندوة شعرية عربية في تورونتو في هذه السنوات الثماناستمتعت مرة واحده بمحاشرة عن الصابئة المندائيين في التاريخ القاها الصديق د خزعل الماجدي قادما من هولنده وحضرت عدة مرات القاعة التابعه لاخوتنا الاكثر تنظيما وتجمعا الصابئه وكانت بمناسبات للاسف حزينه نسميها بالعراقي فواتح- وعندي جار من بلاد الشام-ليس سوريا يسكن تورونتو منذ اكثر من 40سنه وكلما ساءلته عن هل فعالية ثقافية لعرب تورونتو اجابني -الناس ملتهية بامور الحياة-ويؤلمني وجود شاعر فحل من العراق الاستاذ عيسى يعيش في اتاوا ولم يلتفت احد لتنظيم امسية له-وسمعت عن تشكيلي موجود هنا منذ التسعينات ولامره سمعت عن معرض له وقبل سنوات اخبرني مشكورا احد الزملاء عن مظاهرة تضامنية بمناسبة فاجعة الكرادة ببغداد وسرني اني التقيت بالمئات من العراقيين ان لم يكن الالاف هزتهم الفاجعه فجاؤا متضامنين وكم فرحت لاشتراكي بالمظاهره التي دامت ساعات وانا اردد بصوت عال الهتافات رغم عصاي والثامانينات-الان يظهر ستتحسن تورونتو

اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط


.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا




.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد