الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرهان التنموي في ظل أزمة الديمقراطية التمثيلية

سامر أبوالقاسم

2020 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كانت التنمية هي رهان كل الشعوب، فإن عمودها الفقري لا يقاس فقط بتوفر الكم الكبير من الأموال أو التوفر على ثراء كبير في المواد الأولية ومصادر الطاقة، ولا يقاس بالكم الكبير من العناصر البشرية المتعلمة والمؤهلة تقنيا وإداريا فحسب، كما أنه لا يقاس حصرا بما هو منصوص عليه في الدساتير والقوانين التنظيمية والعادية وما يُبَثُّ في الاستراتيجيات والخطط والبرامج الحكومية من كم هائل من الإجراءات والتدابير، وإنما هي نسق من العلاقات بين كل هذه العناصر والوسائل كاملة، والتي تجد لها أثرا في الواقع المعيش للمواطنين داخل بلدانهم.
فوجاهة الأسس النظرية للديمقراطية التمثيلية، لا يمكنها من الناحية العملية أن تحجب طرح العديد من الصعوبات، ومنها ما يتعلق بتعبير الانتخابات عن الإرادة العامة، خاصة في ظل تدني المشاركة السياسية والانتخابية لأعداد كبيرة من المواطنين، وفي سياق وضع انتخابي محكوم بسيطرة المال والدين على اختيار المرشحين واستمالة الناخبين.
وإذا كان الأمر يتعلق بنقد للديمقراطية التمثيلية من قبل مفكرين كبار بالنسبة للدول التي صارعت من أجل بناء النموذج الديمقراطي منذ أزيد من قرنين، فإن أزمة الديمقراطية التمثيلية في بعض الدول التي تتلمس طريقها نحو الديمقراطية، تكتسي طابعا حادا ومركبا، لكونها اكتفت في غالب الأحيان بتبني الواجهة الديمقراطية بمضمون متسلط.
فقد أعاد الضغط الشعبي على الحكومات تساؤلات جوهرية حول ماهية الديمقراطية التمثيلية وأزمتها. خاصة مع وجود ردود شعبية رافضة لإجراءات وقوانين ومشاريع حكومية، ومع استحضار أن عالم السياسة يجذب إليه أسوء أنواع البشر ويفسد أطيب من فيهم، وهو ما يفسر ظاهرة تطبيع الممارسين الحزبيين مع أسوأ ما في السياسة من آثار ضارة بالمصلحة العامة للوطن والمواطنين.
فالإذعان للضغط الشعبي يعتبر خروجا عن منطق الديمقراطية التمثيلية، وعدم التجاوب معه يعتبر طعنا في جوهر الديمقراطية. وبالتالي، فالنظام التمثيلي اليوم بين مطرقة الشرعية القانونية والتنظيمية وسندان المشروعية الشعبية والديمقراطية.
وما يتضح هو أن تقصير البرلمانات في أداء مهامها تجاه مجتمعاتها له من قوة التأثير السلبي ما يجعله يشكل سببا رئيسيا في مآلات أوضاع بعض البلدان التي عرفت حراكا اجتماعيا عاصفا. ومن غير المقبول أن تعاني البرلمانات من فقدان مصداقيتها، لعدم تركيز أهدافها على خوض معارك التمثيلية الحقيقية، في إطار استراتيجية مواجهة الإكراهات ورفع التحديات من أجل قيام مجتمعات العدالة وتكافؤ الفرص وبناء اقتصادات وطنية قادرة على محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي.
وليس من الديمقراطية في شيء زيادة الحواجز بين البرلمانات ومنتخبيها، وترك الفرصة سانحة للحكومات للاستمرار في عدم مراعاة حاجات الشعب ومشاكله، والسعي إلى إقامة علاقات تطبيعية مع سياسات تدبيرية في غير الصالح العام الشعبي والتسليم بالمعضلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كقضاء وقدر.
إن السؤال عما إذا كانت البرلمانات تشكل تعبيرا عن الديمقراطية أم عامل تعطيل لها مطروح من الناحية النظرية منذ القرن التاسع عشر، حيث تم الوقوف على معطى فقدانها لقاعدتها الأخلاقية والفكرية وعجزها عن أداء دورها بسبب صراعها مع الديمقراطية، وعلى نواقص المشاريع البرلمانية وأخطائها وعبثيتها وابتذالها في بعض الحالات بسبب هيمنة السياسات غير المحترفة والأزمات الحكومية المستمرة.
وفي تجربتنا الوطنية، على الرغم من التقدم النسبي المنصوص عليه دستوريا من حيث الفصل بين السلط، والاعتراف بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، وضمان الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الثقافية الأمازيغية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الرغم من استحضار التوازن المطلوب بين المؤسسات الدستورية من حيث إعادة تشكيل الهيئات المنتخبة وفقا لمقتضيات الدستور الجديد وأجرأة خيار الجهوية الموسعة واعتماد المقاربة التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وعلى الرغم من إقرار وضمان حقوق وحريات الإنسان وملاءمة القانون الداخلي مع القانون الدولي وضمان تعددية حزبية وتوفير الشروط القانونية للتنظيم والتعبير الحر عن الآراء، ومنح إمكانات أوسع للعمل المدني، وعلى الرغم من الالتزام بإقامة انتخابات منتظمة، واللجوء إلى تبني الكوطا النيابية كإجراء تدخلي لضمان حصول بعض الفئات (النساء والشباب) على نسبة محددة من المقاعد النيابية والجماعية في إطار تمييز إيجابي يعيد إليها الاعتبار، ويعمل على التخفيف من حدة التداعيات السلبية لأزمة الديمقراطية التمثيلية.
على الرغم من كل ذلك، يتبين أننا لم نَسِرْ بَعْدُ في اتجاه تعبير الانتخابات عن الإرادة العامة، وتقوية البناء الحزبي بالمغرب، والمساهمة في فرز أقطاب سياسية متنافسة فيما بينها على مشاريع مجتمعية واضحة وبرامج سياسية دقيقة، في إطار حكامة سياسية وإدارية جديدة في التدبير، تكمل النقص الحاصل في الممارسة الديموقراطية، وتسعى إلى الاستفادة أكثر من كل الطاقات والإمكانات البشرية على اختلاف تكويناتها الفكرية والسياسية وإلى الاستثمار في العنصر البشري وتحسين نوعية عيشه في إطار تنمية شاملة ومستدامة، وتهدف إلى ممارسة القيادات السياسية المنتخبة والأطر الإدارية المُعَيَّنَة الحكم من أجل تحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم.
وهو ما يفيد أن التغيير لا يقتصر على الرغبة في إحداثه، ولا ينحصر في إدراك سمات المرحلة وامتلاك رؤية حول طرق التدبير، بل يتعداه إلى معرفة طبيعة وشكل التحولات الاجتماعية ومدى تأثيرها على الحياة السياسية، واستيعاب رهان التحديث وعلاقته بالبعد الثقافي العام وما يتطلبه من رهان على التنشئة الاجتماعية للأجيال الصاعدة.
فقد يتفهم الناخبون صعوبات الوضع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، جراء الإكراهات الاعتيادية والطارئة، لكن ما لا يمكن هضمه هو غياب الإرادة في الذهاب بعيدا في مجالات إيقاف نزيف فضائح السياسة والسياسيين ومحاربة الفساد والقضاء على نظام الريع وعلاقات الزبونية والمحسوبية، وكذا تجاوز منطق إقصاء وتهميش الأشخاص المؤهلين للقيام بالمسؤولية داخل المؤسسات، وهو ما يحول دون الزيادة في انخراط المواطنين في النقاش العمومي والمشاركة السياسية.
لذلك، فعلى الرغم من أن بلادنا صبت اهتمامها على محاولة تطوير مستوى التعاطي مع الديمقراطية التمثيلية بأشكال وصيغ تصب في اتجاه التأكيد الرسمي على المشاركة الواسعة للناخبين في توجيه وإدارة النظم السياسية، وعلى الانخراط في ورشي الجهوية الموسعة وتعديل الميثاق الجماعي في إطار العمل على تطوير نظام اللامركزية الترابية، إلا أن كل ذلك لم يؤد عمليا إلى تجاوز أعطاب الديمقراطية التمثيلية.
فلا هي شكلت نقلة في تغيير العقليات، ولا هي جسدت مدرسة لممارسة الديمقراطية والعمل المدني، ولا هي زرعت نواة القرب من المواطنين، ولا هي يسرت أمر الانخراط الجماعي في السياسة وصنع القرار، بما يسمح بتحسين مجالات العيش وتحقيق وجود أفضل وإعطاء مؤشرات دالة على مستقبل مستجيب لحاجات وانتظارات المواطنين وطموحاتهم ومُطَمْئِن من حيث توحيد الإرادات حول مشروع مجتمعي قادر على تدبير الشأن العام الوطني والترابي في الفترات الفاصلة بين الاستشارات الانتخابية.
وهو ما يفسر النفور من الانخراط في مثل هذه الآليات العاجزة على التطور وتحقيق الغايات والأهداف، والاستعاضة عنها بأشكال جديدة في الفعل وفي التعبير عن المطالب الاجتماعية المختلفة، خارج نطاق المؤسسات (البرلمان والجماعات الترابية)، يعبر من خلالها الأفراد عن مواطنتهم في صيغ لا يتحمل مسؤولية تأطيرها وتعبئتها أي تنظيم سياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة على النشرة الخاصة حول المراسم الرسمية لإيقاد شعلة أولمب


.. إسرائيل تتعهد بالرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق وسط دعوا




.. بتشريعين منفصلين.. مباحثات أميركية لمساعدة أوكرانيا وإسرائيل


.. لماذا لا يغير هشام ماجد من مظهره الخارجي في أعمالة الفنية؟#ك




.. خارجية الأردن تستدعي السفير الإيراني للاحتجاج على تصريحات تش