الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توماس هوبز (1588 – 1679 )

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 11 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




فيلسوف انجليزي، أحد فلاسفة القرن السابع عشر، تأثرت فلسفته المادية بالثورة البرجوازية الإنجليزية ضد الأرستقراطية الإقطاعية في تلك المرحلة؛ رفض هوبز في مذهبه في القانون والدولة نظريات الأصل الإلهي للمجتمع، وقدم أول محاولة في نظرية العقد الاجتماعي([1]) التي أكد فيها، أن النظام الملكي المطلق هو أفضل أشكال الدولة، ولكن " تفسيراته وتحفظاته العديدة تترك متسعاً للمبادئ الثورية، وتتركز فكرته لا على المبدأ الملكي بما هو كذلك وإنما على الطابع غير المقيد لسلطة الدولة (المركزي )؛ وهو يبين " أن سلطات الدولة تتفق مع مصالح الطبقات التي قامت بالثورة البرجوازية في القرن السابع عشر، كما تضمنت نظريته في المجتمع والدولة بذور مادية للظواهر الاجتماعية"([2]).

"اشتغل لبعض الوقت سكرتيراً لفرنسيس بيكون، وربما أسهمت هذه الخبرة المثيرة في تكوين فلسفته التجريبية بكل ما في هذه الكلمة من معنى"([3]).

في عام 1637، كتب رسالة بعنوان "مبادئ القانون الطبيعي والسياسي"، دافع فيها عن السلطة المطلقة للملك، بوصفها أمراً لاغنى عنه للنظام الاجتماعي والوحدة الوطنية، ولكنه – في 1651 جمع كل أفكاره في كتاب يجمع بين طرافة الفكر والأسلوب هو "لواياثان" (التنين) او "المادة والشكل"، و"سلطة الدولة دينية ومدنية"، يقول هوبز "إن الكلمات بالنسبة للعقلاء ليست سوى أنضاد "فيشات" أي وسائط للعد والحساب، ولكنها ثروة الأغبياء، التي تضفي عليهم قيمة وقدراً"([4]).

وعلى الصفحة الأولى من كتابه "يُعَرِّف "لواياثان" بأنه مصلحة مشتركة أو رابطة أو دولة، إنه وجد اللفظ في التوراة (سفر أيوب – الإصحاح 41) حيث استعملها الرب إسماً لحيوان بحرى هائل غير ذى نوع محدد، رمزا للقوة الإلهية، واقترح هوبز أن يجعل من الدولة نظاماً ضخماً عليه أن يستوعب كل النشاط الإنساني ويوجهه"([5]).

"تأثر هوبز بالحياة الفكرية النشطة التي عبرت عن بدايات الصراع بين الأرستقراطية والبرجوازية في أوروبا عموماً وانجلترا بوجه خاص، وكان موقفه منحازاً ضد المفاهيم المحافظة التي تطالب بإبقاء دور الكنيسة أو اللاهوت في السلطة السياسية وأعلن أن المسألة المحورية هي التأكيد على الطبيعة الدنيوية والبشرية للسلطة السياسية، والمصدر التعاقدي لسلطانها"([6]).

لابد من الإشارة هنا إلى أن هوبز، على الرغم من افكاره التقدمية في زمانه، إلا أنه "افترض مسبقاً وجود "طبيعة بشرية" فاسدة (العلة)، فَسَّرَ أو بَرر على أساسها قيام نظام "الذئب الأكبر" (المعلول)، وهذا خطأ أيضاً، والصحيح هو ان وجود نظام الذئاب (العلة) هو الذي ابتدع فكرة تلك الحقوق (المعلول)، وقس على ذلك"([7]).

لكن الفيلسوف الإنجليزي "هوبز" "لم يتزيد حين رَبَط قيام الدولة بالحاجة إلى الأمن وإلى حِفظ البقاء الإنسانيّ؛ فالأمن كان من الديناميّات الدافعة إلى قيام الدول، والهاجس الرئيسي لدى كلّ سلطةٍ في عمليّة الهندسة الاجتماعيّة والسياسيّة: قديماً وحديثاً. لكنّ قارئ أعمال هوبس في الفلسفة السياسيّة الحديثة -وهو مؤسّسُها- يَلْحظ أنّ الأمن وحده، عنده، دافعٌ إلى الانتقال من حالة اللادولة، أو ما قبل الدولة (يسمّيها هو حالة الطبيعة)، ووحده الذي يعيد تهذيب الطبيعة الإنسانيّة العدوانيّة وترويضها على العيش في كَنَفٍ اجتماعٍ إنسانيّ تحفظ قوانينه المدنيّة وقوانينَ الطبيعة، وفي القلب منها قانون حِفْظ النوع الإنسانيّ"([8]).

الأخلاق والسياسة:
"إعتقد هوبز أن الأفراد والأسرات كانت قبل ظهور التنظيم الاجتماعي، تعيش في حالة حرب دائمة، فعلية أو محتملة، كل إنسان ضد الآخر، وسلَّم بأن الإنسان كان عقلانياً في بعض الأحيان، ولكنه أدرك أنه "مخلوق ذو انفعالات وأهواء يستخدم العقل أداة للرغبة أو الاشتهاء، ولا يحكمه إلا الخوف من القوة، والحياة البدائية –أي الحياة قبل التنظيم الاجتماعي- كانت بلا قانون، عنيفة مخيفة، "قذرة كريهة وحشية فقيرة.

وفي تصور هوبز أنه من "حالة الطبيعة" المفترضة هذه، خرج الناس بإتفاق ضمني بين بعضهم بعضا، على أن يخضعوا جميعاً لسلطة عامة، وتلك هي نظرية "العقد الاجتماعي التي أصبحت مألوفة شائعة بفضل رسالة روسو التي تحمل هذا الاسم (1762). ولكنها كانت بالفعل قديمة مطروقة في أيام هوبز"([9]).

"ويكمن الوصول إلى هذه السلطة الملكية الحاكمة عن طريقين، أولهما القوة الطبيعية، كما هو الحال حين يعمد رجل ما إلى إخضاع بنيه وذرياتهم لحكومته، أو يخضع أعداءه لإراداته عن طريق الحرب، أما ثانيهما فهو حين يتفق الناس فيما بينهم على الخضوع طواعية واختياراً لرجل أو جماعة من الرجال، ثقة من الناس بأن هذا الرجل أو جماعة الرجال سيتولون حمايتهم ضد الآخرين، ويمكن أن يطلق على هذا "رابطة سياسية" (دولة).

ومهما كان الأساس الذي قام عليه الحاكم، "فإنه لكي يكون حاكماً وملكاً حقاً، لابد أن يكون ذا سلطة مطلقة، فإنه بدونها لا يستطيع أن يحقق أمن الفرد أو سلام الجماعة، وإن التزام الرعايا نحو الملك يبقى ما بقيت سلطته التي يستطيع بها حمايتهم، ولا بقاء لهذا الالتزام إذا فقد السلطان. والثورة دائماً جريمة إلا إذا حققت نجاحاً. إنها دائماً غير مشروعة، ولكن إذا أقامت الثورة حكومة مستقرة فعالة، فإن على المواطن أن يلتزم بطاعة السلطة الجديدة، أما الملك فلا يحكم بمقتضى الحق الإلهي، حيث أنه يستمد سلطته من الشعب، ولكن يجب أن تقيد سلطته جمعية شعبية أو قانون الكنيسة، وبناء على هذا يكون الشكل المنطقي للحكومة هو الملكية، ولابد أن تكون وراثية، لأن حق اختيار الخلف جزء من سيادة الملك، ونكرر القول بأن البديل لهذا هو الفوضى"([10]).

عاش هوبز في أوقات لم تكن مستقرة سياسياً خلال الحرب الأهلية التي اندلعت بين الملكيين والبرلمانيين. وركزت كتاباته السياسية على الحاجة إلى حكم قوي يؤمن السلام والنظام، لذا، أيد هوبز فكرة الملكية المطلقة، غير أن الدعم الأيديولوجي الذي قدمه هوبز كان غامضاً، وكان السلم والنظام جوهريين عنده، لكن مسألة ما يكون الحكم ملكياً او غير ملكي لم تكن بذات اهمية كبيرة عنده، ويمكن وصف نظرية هوبز السياسية بالقول إنها في الوقت ذاته نظرية فردية قوية ومطلقة بقوة، وهنا لا يوجد تناقض كما هو الحال في امثلة كثيرة أخرى. فالتفكك الاجتماعي أفراداً والتدخل السياسي الصارم مترافقان، فعندما لا يكون الشعب مترابطاً بعقود اجتماعية، يلزم عندئذ استخدام القوة الخارجية لمنع الفوضى، حيث نلاحظ في الانتروبولوجيا السياسية عند هوبز –كما يقول عبد الإله بلقزيز- "تَهجُّسْ قويّ بالحرب (الحرب داخل المجتمع) واتّصالها بغريزة العدوان والأنانيّة في الإنسان، لكنّ الحرب، كما يفترضها هوبز، ليست حربَ فريقٍ على فريق تنتهي بغلبة الأقوى؛ بل "حرب الجميع على الجميع" لأنّ الطبيعة مَنَحَتِ الناس كافّة المَلَكَات البدنيّة عينَها والحقَّ عينَه في الأشياء كافّة، ولذلك فهي "حربٌ دائمة" تهدِّد البقاء الإنسانيّ وبالتالي، ما من سبيلٍ إلى الخروج منها وإقرار السّلم إلاّ بالخروج من حالة الطبيعة، رُمَّةً، والذهاب إلى إقامة مجتمعٍ مدنيّ"([11]).

لكن يبدو أنه "كان لهوبز بعض آراء ميكافيلي، أي: يجب فهم المجتمع والسياسة فهماً عقلياً وعلمياً، والطبيعة الإنسانية ثابتة، ولا تاريخية، بشكل أساسي، غير أن هوبز لم يكتف بمنهج وصفي، وبتعميمات قائمة على درس أحداث جزئية، كما كان ميكافيلي، فهو بَحَثَ عن منهج آمن، وحاول الغوص إلى أساس يقدم شرحاً أعمق للظواهر الاجتماعية المباشرة، ولكونه فيلسوفاً في أواخر عصر النهضة، فقد بحث عن ذلك الأساس في الإنسان. والإنسان هو الذات، أي الأساس الذي انطلاقاً منه يجب شرح المجتمع، وكانت فكرته أن يقسم المجتمع إلى أجزاء بطريقة مماثلة، وأن تدرس الأجزاء، ثم تجمع من جديد بحيث يمكننا أن نرى روابطها، وكيفية عملها، وبفعلنا ذاك نفهم ما هو المجتمع، من خلال تأسس سلطة تُؤَمِّن الحياة والصحة لكل إنسان بما يضمن الشعوء بالأمان"([12]).

تلك كانت النقطة البارزة في نظرية هوبز، ومما لا ريب فيه أن حالة الطبيعة، تمثل بوضوح حلاً أقل إرضاءً من المجتمع القومي المنظم، منظوراً إليه من زاوية المصلحة الأنانية للفرد في تأمين الحياة والقدرة على الحياة والنشاط.

غير أن "هوبز اعتمد، في الوقت ذاته، على مصلحة ذاتية متنورة من نوع أعمق تفكيراً وأبعد نظراً، تقول تلك المصلحة الذاتية إن الأفضل هو المجتمع المنظم. فالنقطة المهمة هي كيف يمكن للأفراد المختلفين أن يصلوا إلى اتفاق لاتباع العقل ذي التفكير العميق وبُعد النظر لا العقل التلقائي العفوي القصير النظر، أي كيف يمكنهم أن يتحدوا لخلق دولة مشتركة، فإذا اعتبرنا المجتمع حقيقة ،وقلنا إنه تعبير عن اتفاق بين أفراد أنانيين، أملته المصلحة الذاتية المتنورة البعيدة النظر والمشتركة لكل واحد، يمكننا أن نفهم المجتمع على أنه مؤسس على عقد اجتماعي (Social Contract) أقَرَهَّ العقل، فالعقد الاجتماعي هو الذي أسس المجتمع.

يقول هوبز "إن العقد قام على فكرة تخلي كل واحد عن حريته للدولة، وتتميز الدولة بان القوة المادية الشرعية كلها مجمعة في جسم واحد. ومن دون القوة المادية قد يزول العقد. فالقوة المادية هي الوحيدة التي يمكنها منع الناس من انتهاك العقد المتفق عليه لهدف تأمين الحياة والصحة لكل واحد"([13]).

لم يَرَ هوبز العقد الذي يخلق الدولة بأنه عقد بين الملك والشعب، هو عقد معقود بين أفراد، والشخص الذي سيصبح رأساً للدولة ليس شريكاً في العقد، لذلك، فإن الحاكم لا يستطيع أن ينتهك دوره في الاتفاق، لأنه كحاكم ليس طرفاً في العقد. لذلك، يكون الحاكم صاحب سيادة مطلقة.

صحيح "رأى هوبز أنه يجب على الحاكم عدم التدخل بحق الفرد في أن يشتري ويبيع بحرية أو أن يدخل في اتفاقات مع آخرين. وفضلاً عن ذلك، ذكر أن الحاكم لا يستطيع أن يأمر الأفراد بقتل أنفسهم أو بأذيتها – فذلك مضاد لجوهر الفرد، أي: حفظ الذات. غير أن هذه الكلمات فارغة طالما ليست هناك سلطة تمنع الحاكم من التدخل في تلك المناطق"([14]).

غير أنه "لا يوجد في نظرية هوبز ما يفيد وجوب ملك واحد وحده. فنقطة هوبز الأساسية هي ان شخصاً أو بضعة أشخاص عليه أو عليهم أن يفرضوا القانون والنظام، وفي مثل هذه الحالة، كان دفاع هوبز عن الملكية المطلقة ضعيفاً. وفضلاً عن ذلك، كان الفرد هو الأساس عند هوبز، لا الملك، والصراع بين الأفراد الأنانيين والمنعزلين هو أساس الدولة والحكم الملكي"([15]).

الدين والدولة:
الدين –عند هوبز- "يمكن أن يكون قوة مدمرة متفجرة إذا تشدد فيه الناس، كان هوبز "ربوبياً" لا ملحداً، فاعترف "بكائن أسمى". وبعد أن حدد هوبز لكل من الدين والرب مكانه، عرض أن يستخدمهما أداتين للحكومة ليكونا في خدمتها"([16]).

وبناء على هذا "يفرض الملك مبادئ الدين وتعاليمه، وإذا كانت الكنيسة مستقلة، فإنه يكون هناك ملكان ومن ثم لا يكون هناك ملك أبداً، وتكون الرعية موزعة بين السيدين، أما إذا كانت هاتان السلطتان (الكنيسة والدولة) تناوئ الواحدة منهما الأخرى، فإن الدولة تتعرض لخطر كبير هو خطر الحرب الأهلية والتمزق، ويرى هوبز أن المَخْرَج الوحيد من مثل هذا المأزق الحرج أن تكون الكنيسة خاضعة للدولة. ولما كانت الكنيسة الكاثوليكية ترى في هذا رأيا آخر، فإن هوبز، في الجزء الرابع من "لواياثان" يهاجمها على أنها ألد وأقوى عدو لفلسفته. ثم يورد هوبز "نقداً أشد" للكتاب المقدس – يرتاب في تأليف موسى للأسفار الخمسة الأولى من التوراة، ويؤرخ "الأسفار التاريخية" في زمان متأخر عما هو وارد في النواميس التقليدية، ويرى ألا تتطلب المسيحية من معتنقيها إلا الإيمان "بيسوع المسيح" أما بالنسبة لبقية أركان العقيدة، فيجدر بها أن تجيز اختلاف الرأي بين الناس في نطاق الحدود الآمنة للنظام العام"([17]).

" برز أقوى تأثير لفلسفة هوبز في "ماديته" وسرت "أفكار هوبز" من الجماعات المفكرة إلى طبقات المهنيين ورجال الأعمال، وتقبلها كثير من رجال الحكومة فيما بينهم وبين أنفسهم، ولكنهم في العلن حجبوها باحترام أبدوه للكنيسة الرسمية"([18]).



هوبز والليبرالية:
اختلفت الآراء حول اعتبار هوبز ليبرالياً، ذلك إن نظريته السياسية ليست عقيدة متناسقة جداً فحسب، فهذه النظرية ملائمة أيضاً كتصوير مبسط لوضع المواطنة في زمن الرأسمالية الأولى، أي: هناك مجموعة من الذرات البشرية المتصارعة يومياً للبقاء في عالم ذي سلع مادية نادرة، كما أن الروابط التي تربط هذه الذرات البشرية معاً هي المصالح الذاتية المتنورة، وهي تحتاج إلى الدولة ذات الحكم المطلق، كوسيلة لتأمين الوفاء بالاتفاقات التجارية، وهنا تنتفي الليبرالية في الحكم المطلق، وإذا كنا نعني بالليبرالية نظرية سياسية تدعم التسامح، فهوبز ليس ليبرالياً. عندئذ يكون من الطبيعي العودة بالليبرالية مثلاً إلى لوك.

غير أننا إذا عرفنا الليبرالية بالتصورات الأساسية التي هي الفرد والعقد والدولة وليس بالمواقف البسيكولوجية أو بالقيم الأخلاقية، فيمكن –كما يقول مؤلفا تاريخ الفكر الغربي- "اعتبار هوبز بمثابة السلف لليبرالية"([19]).

على كل حال، "لابد من التاكيد أن مصطلح الليبرالية يطلق عادة على النظريات الاقتصادية – السياسية التي تعتبر الحرية قيمة أساسية ومصلحة الفرد الذاتية المتوترة بأنهما القوة الأساسية المحركة، في حين تكون مهمة الدولة تأمين ميدان الفعل للعاملين المستقلين، غير ان الانطلاق من الاستعمال الشائع لمصطلح ليبرالية – والذي يفيد أن الحريات الفردية حاسمة وأن على الدولة ان تعمل بما يمكن التنبؤ به – يجعلنا نقول إنه لأمر غير طبيعي أن يدعي هوبز ليبرالياً"([20]).

أخيراً، "إن ما كتبه هوبز دفاعاً عن الدولة لم يكن إنشاءً نظرياً مجرّداً؛ بل تأسّس على معايَنة ما تُحْدِثه الحروب من فظاعات وشروخ في العلاقات داخل الجماعات الإنسانيّة، فقد كانت وراءَه – وفي عصره- موجاتٌ دمويّة من الحروب الدينيّة التي مزّقت أوروبا، بين العام 1524 والعام 1648، ومنها حرب ال30 عاماً الأشدّ شراسة (1618 – 1648)، وكانت وراءَهُ، أيضاً وفي عصره، الحرب الأهليّة الإنجليزيّة بين الملكيّين، وهو منهم، وأنصار البرلمان، وليس صدفةً أن كتبه الثلاثة في الفلسفة السياسيّة ألَّفها أثناء الحرب الأهليّة بين العامين 1642 و1651.

في هذا الجانب، نشير إلى أن أطروحة الربط الماهويّ بين الدولة والأمن عند هوبز تعرضت لنقدٍ حادّ من فلاسفة السياسة اللاحقين (جون لوك، خاصّةً، وسبينوزا، وروسو، وكَانط)؛ الذين لم يُجارُوهُ في تشديده على مركزيّة مسألة الأمن في سيرورة تكوُّن الدولة، والذين رأوا في أفكاره تبريراً للسلطة المطلقة.

فمنذ جون لوك – الذي كان من أنصار البرلمانيين بعد سقوط الملكيّين في إنجلترا- بات مألوفاً، عند فلاسفة العقد الاجتماعيّ، أن يربطوا قيام الدولة بالحاجة إلى حماية الحرّية وحماية الحقّ في المُلكيّة، وأن يشدّدوا على وجوب تقييد السلطة بالقانون والإرادة العامّة للمواطنين، وحين تقدّمت أوروبا في إحراز التقدُّم السياسيّ وبناء الدولة الوطنيّة الحديثة – بعد إعلان الدستور الأمريكيّ ونجاح الثورتين الإنجليزيّة الأولى والثانية ثم الثورة الفرنسيّة – سينتصر مهندسو هذه الثورات لجون لوك وجان جاك روسو وأفكارهما، على حساب توماس هوبز، وستتّجه سياساتُهم إلى إقامة أنظمة تصون المُلكيّة والحرّية، ليستتبّ بذلك الأمرُ للنظام الديمقراطيّ الحديث"([21]).

"أشهر كتبه هو Leviathan التنين (أو المادة والصور والسلطة للحكم الديني والمدني) الذي نشر في عام 1651. ومن بين أعماله الأخرى نذكر حول المواطن (1642) وحول الجسد (1655) وحول الطبيعة الإنسانية (1658)"([22]).

وفي 4 ديسمبر 1679 فاضت روحه وقد بلغ من العمر اثنين وتسعين عاماً إلا أربعة أشهر.




([1]) نظرية العقد الاجتماعى نظرية مثالية فى نشوء الدولة والقانون كنتيجة لعقد أبرم عن وعى بين الناس، حيث يتنازل الناس عن حريتهم الشخصية لصالح الدولة لتأمين سلامتهم و أملاكهم وحقوقهم ، تطورت هذة النظرية فى القرن السابع عشر على يد هوفر وسبينوزا ولوك وروسو، وكان التبرير الايديولوجى لمطلب البرجوازية فى السلطة السياسية، تجلى قصور هذة النظرية في إعلانها أبدية القانون الطبيعى للملكية الخاصة وتبرر التفاوت الاقتصادى الطبيعى بين الناس.

([2]) الموسوعة الفلسفية-دار الطليعة-بيروت 1981-ص563 .

([3]) ول ديورانت - ترجمة: فؤاد أندراوس و محمد علي أبو دُرّة – قصة الحضارة "عصر لويس الرابع عشر" – المجلد السابع عشر (33/34)- الفصل العشرون – مكتبة الأسرة – القاهرة – 2001 - ص 3

([4]) المرجع نفسه – ص 5

([5]) المرجع نفسه- ص 6

([6]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – تاريخ الفكر الغربي .. من اليونان القديمة إلى القرن العشرين – ترجمة: د.حيدر حاج إسماعيل – مركز دراسات الوحدة العربية – الطبعة الأولى ، بيروت، نيسان (ابريل) 2012- ص 391

([7]) حامد خليل – مشكلات فلسفية – الطبعة الثالثة – دار الكتاب – دمشق – 1989/1990م – ص203.

([8]) عبد الإله بلقزيز – الدولة والأمن – موقع: التجدد – 27 مايو 2019.

([9]) ول ديورانت – مرجع سبق ذكره – قصة الحضارة – المجلد السابع عشر (33/34) – الفصل العشرون - ص 13

([10]) المرجع نفسه –ص 15

([11]) عبد الإله بلقزيز – الدولة والأمن – موقع: التجدد – 27 مايو 2019.

([12])غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 392-393

([13]) المرجع نفسه - ص 399

([14]) المرجع نفسه - ص 400

([15]) المرجع نفسه - - ص 407

([16])ول ديورانت - مرجع سبق ذكره - قصة الحضارة "عصر لويس الرابع عشر" – المجلد السابع عشر (33/34) - ص 17

([17]) المرجع نفسه –-ص 18

([18]) المرجع نفسه –ص 25

([19])غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 407

([20]) المرجع نفسه - ص 407

([21]) عبد الإله بلقزيز – الدولة والأمن – موقع: التجدد – 27 مايو 2019.

([22]) غنارسكيربك و نلز غيلجي – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفكر الغربي - ص 391








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن