الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المافيات وحكومة الظل

جليل البصري

2006 / 7 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لعل الملك فيصل الأول (رحمه الله) كان أول من شخص العلة في هذه الدولة التي تشكلت مطلع القرن الماضي وحملت اسم (العراق) فقد كتب في رسالة إلى احد خلصائه نشرها المؤرخ عبد الرزاق الحسني ، أن ليس هناك شعب بعد بل كتل متنافرة وان هذه الكتل تملك من السلاح أكثر من الحكومة وهي أقوى وأكثر تنظيما منها ، إذا فالعقدة تكمن هنا ، إن الحكومة يجب أن تملك لوحدها السلاح ويجب أن تكون في الحدود الدنيا الأكثر قوة أو ذات القوة الحاسمة في البلد لكي تستطيع السيطرة على ما يجري وتفرض الأمن والاستقرار .. واليوم وبعد 85 عاما تجد الدولة نفسها أمام تحد مماثل أو أكثر تعقيدا اعتقد إنها تقر وجوده أو أقرت وجوده عبر أكثر من تصريح كان أخره مشروع المصالحة الوطنية ، الذي يكشف عن عظمة التحديات التي تواجه الحكومة من جهة وعن إصرار الحكومة على تثبيت إقدامها وتقف في طليعة هذه التحديات المشكلة الأمنية ، التي تعتبر مشكلة مركبة ومعقدة بسبب تعدد عناصرها من جهة وبقاء عناصر هامة فيها خارج تحكم الدولة .. فالحكومة قد بنت لنفسها قوات واسعة إذ لا يمكن الاستمرار في الاعتماد على القوات متعددة الجنسيات لضبط الأمن إلى ما لا نهاية إضافة إلى إن القوات المحلية أكثر قدرة ومعرفة وتمتلك فرصة اكبر في الحصول على تعاون الشعب وقبوله وهما شرطان أساسيان لأي حكومة وطنية . لكن المشكلة تكمن في عدم تناغم واندماج أقسام هذه القوات وولائاتها السياسية تضاف إليها مشكلة الحمايات الخاصة التي تضخمت وتحولت إلى قوات مؤثرة وتخلق إشكالية كبيرة نتيجة ولائاتها المتباينة التي تتبع التقسيم السياسي للشخصيات والمؤسسات التي تتولى حمايتها .. العنصر الأخر هم الإرهابيون القادمون من خارج الحدود وعناصر القاعدة الذين يسعون إلى تخريب الوضع والإخلال بالأمن بأي وسيلة وتعتبر معالجتهم من الأمور الصعبة في ظل الإمكانيات الراهنة ، يضاف إلى ذلك عنصر أعوان النظام السابق الذين يسعون إلى ذات الهدف ، والعصابات التي تخرب الأمن وتعمل في الكثير من الأحيان كمقاولين ثانويين للجهتين السالفتي الذكر في عمليات الخطف والاعتقال . فيما يعتبر السلاح في يد الأفراد والعشائر احتياطي خطر لأي حرب داخلية محتملة مثلما يعبر عن عدم استقرار الدولة وسيطرتها على الأمن في البلاد . ويلعب وجود المليشيات إلى جانب العناصر الأخرى دورا فعالا في إدامة عدم الاستقرار الذي يعتبر المظلة والبيئة الخصبة لنمو الفساد الذي اخذ مقاييس كبيرة جدا وهي تسعى كل يوم وتشكل خطرا كبيرا على الوضع في البلاد ، ليس لأنه يتسبب في خسائر اقتصادية أو إعاقة عملية إعادة الأعمار والبناء بل لأنه يؤدي باستمرار إلى خلق مافيات معقدة التركيب والمصالح يتداخل فيها مستفيدون سابقون وحكوميون جدد وانتهازيون وسياسيون وقضاة ورجال امن وغير ذلك مما يجعل مقاومة الفساد عبر المنابر الأساسية الثلاث البرلمان والإجراءات الحكومية والإعلام الحر مسألة صعبة ومعقدة ، بل إن سطوة هذه المافيات والإمكانيات المادية والمالية والسلطة التي تتجمع بين يديها يجعلها قادرة أو طموحة لتحقيق المزيد لأمنها واستقرارها عبر شراء المزيد من ذوي الضمائر الضعيفة ، وهذا يحولها إلى عامل مؤثر في الحكومة يعرقل خياراتها أو ينخرها من الداخل ويستنزف قدراتها لصالح نموه وزيادة سلطته مما يحوله إلى ما يشبه حكومة ظل .. وقد تلجأ بل لجأت هذه المافيات الفاسدة إلى العنف والجريمة المنظمة لتثبيت سلطتها والدفاع ضد أعدائها ، مما يجعلها خطرا وتحديا رئيسيا يواجه سلطة الدولة والحكومة المنتخبة ويهدد مستقبل الديمقراطية في البلد .. لذلك فان أي برنامج للحكومة يجب أن يستند إلى خطين متوازيين في آن واحد ، الأول هو العمل على تحقيق الاستقرار عبر المصالحة وتوفير الأمن والثاني محاربة الفساد والمافيات التي تكرسه وتوسعه وتفتيتها بإجراءات صارمة وعقابية وبتوفير الدعم الواسع والمفتوح للإعلام الحر والتعامل مع معطياته بجدية وتعزيز سلطة البرلمان في مجال محاربة الفساد واستجواب المسيئين والفاسدين ، وإلا ستجد الحكومة نفسها يوما تحت رحمة حكومة الظل الفاسدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي