الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سهام المقريني في ميزان العدالة المغربية

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2020 / 11 / 20
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


يعود سؤال حقوق الإنسان و مدى احترام الدولة للحريات العامة من جديد , إلى الساحة المغربية , بعد فترة من خَفت نسبي بسبب فرض الحجر الصحي الشامل بالبلد , حيث فتح الإمكان الأوسع لتحييد الإحتاجات التي كانت قائمة ,و أعاد بسط العقيدة البوليسية التي رفعت تحت شعار الأمن أولا و اَخرا . لكن بعد إعادة الأمور إلى نصابها و إبعاد خطر العدوى الشاملة, أعيد فتح المجال العمومي ليجتر معه سيلا من المظاهرات و المطالبات المعيشية و الحياتية و القانونية .
من بين هذه الملفات الشائكة على مكتب وزارة الداخلية المغربية , نجد ملف الأساتذة محل عقد الإذعان أو عقد مردوخ المشؤوم , الذي صاغته حكومة تمتهن السحر و الشعوذة السياسية , و تُجيد رسم طلاسم الرفض و القبول التي جعلتها تتوَّج برئاسة الحكومة, لتنقلب على القواعد الشعبية الناخبة لها , في فترة حرجة هبَّت فيها رياح التغيير العربي و تحديات إقليمية و دولية قوية . إنها فرادة النموذج المغربي الذي يلذغ بيد و يَبخ بالأخرى أو السياسية المكيافليلية و النهج البرغماتي, الذي مكن المملكة من تجاوز محطات تاريخية عنيفة كانت تهدد الجغرافيا و السلطة المركزية و الأمن القومي للبلد . فنحن لسنا في معرض التوبيخ و التنقيص من الإيالة و الإدراة المركزية و اللامركيزية , و إنما أضحى فقط من المتعذر التماهي مع مشروع بيع المدرسة العمومية على طاولة الصفقات و الإذعان في إهانة الجماهير الأستاذية, التي تعاني في صمت مريب , نتأسف على تجاهله أو جهله من قبل رئيس الحكومة المغربية الذي درس و زاول مهنة الطب النفسي لسنوات طوال .
ربما قد يسقط البعض في فراغات قانونية أو يصطدم بالفقر المعرفي و عدم الإلمام الكافي بالمواد القانونية , فيتقول على الأساتذة بأنهم أمضوا على مضامين هم على إطلاع كامل عليها و ليس هذا مثار موضوعنا , لكن السؤال موضع الطرح الواقعي هو: هل إختار الأستاذة الجنسية المغربية ؟ هل انتقوا العيش في القارة الإفريقية ؟ هل قبلوا أن يكونوا تحت حكم الإسلامويين و أنصاف المناضلين و باعة و تجار القضايا ؟
إن القضية المركزية تكمن في منظومة البلد العمودية و الإصطفائية و الفاسدة, التي ركَّزت الثروات و المصالح, و قامت بتطييف مكونات الشعب كقنوات لإجتراح فراغات عميقة, مردُّها إلى الهوَّة التي يُحدثها التباعد النفسي و الاجتماعي بين الطبقات, و التي تؤثر سلبا على الكينونة الفردية و الجماعية ثم الاجتماعية . و القواعد الأستاذية لا تخرج عن هذا الإطار العلمي الذي يلاحظ إزدواجية المعايير و ثنائية الخطاب و تعدد مفردات التمييز و التهميش و الإقصاء و المداورة و الإلتفاف و الفوقية و المركزية .
إن الدافع لقبول البنود الإستعمارية هو إيمان الجموع المناضلة بقدرتها على تغيير الوضع اللاقانوني و اللاإنساني, لأنها على خط الدفاع عن سيادة البلد و مقدراته و أمنه التعليمي و التربوي و الاجتماعي , و هذا التراكم الكمي سيتحول لا محالة إلى تغيير نوعي . و الدولة كما الأساتذة يدركون أن التوظيف بموجب الأغلال المضامينية و القيود الوقتية سيؤخر مسيرة التنمية و يهدد الأمن بأبعاده المختلفة . و في هذا السياق فإن الحلول تُعتمل ذاتيا لوضوح الرؤية و انكشاف الحقائق , و الأمر مسألة وقتية فقط , لأن الإرادة الجماعية الشعبية التي تمثلها الجماهير الأستاذية بمعية المتعلمين و الطلبة و أولياء الأمور و الحقوقيون و المناضلون أسمى من قرارت حكومية رعناء تقود البلد نحو نهايته الحتمية , و الأمر لا يدركه المسؤولون المحليون الفاشلون لأنهم مجرد بيادق و سماسرة لا تهمهم سوى مصالحهم الضيقة و الشخصية . و الجماهير لا تحتاج إلى برلمان أو أحزاب أو نقابات لتمثيلها أو للتعبير عن قراراتها النافذة لأن هذه المؤسسات و الكيانات صورية , فقدت مصداقيتها و تواطأت مع السلطة المركزية أو المخزن المغربي و هذا يسري حتى على الأحزاب التي كانت تُحسب على خط المعارضة بما يشبه تواطئ الأضداد .
إن الممكنات أمام القواعد الأستاذية غير واحدة , حيث تقترب اَنيا نسبة الموظفين في قطاع التربية و التعليم بموجب الأغلال إلى أقل من النيف قليلا , توازيا مع نظرائهم السابقيين في الصفة , و هذه أعداد مهمة تستطيع فتح الأفاق الكثيرة و أولها تأسيس حزب سياسي ,و من باب التفاؤل و الطوباوية دعنا نقترح له إسم حزب التعليم و العمل, ما سيجعل الحكومة ترزخ تحت الثقل الحقيقي كعلاقة سيزيف مع صخرته .
في هذا المضمار خرج الأساتذة يدافعون عن حقوقهم المشروعة و الإنسانية, داخل دائرة المسموح به دستوريا و قانونيا , اخلتفت معها أشكال التعبير عن الرأي و الموقف بين حمل اليافطات و الشعارات و التدوين و التصوير و التنسيق و الإعداد , ما أربك وزارة الداخلية التي هي الوصي الوحيد على كل القطاعات و القِطع و الزوايا و حتى المقابر و الأضرحة ,و هكذا سارعت السلطات الأمنية و ليس القضائية إلى التضييق على عدد من المناضلين السلميين و المدنيين من الأساتذة لثنيهم عن مسيرة النضال و الكفاح , و إبقاءهم قطع غيار و معدات و ماكينات في يد الإقطاعيين و أرباب المعامل و الضيعات و الحظائر التي هي حاليا تسمى مدارس عمومية و مديريات إقليمية و أكاديميات جهوية . و من بين صروح هذا الهرم النضالي, نجد الأستاذة سهام المقريني منسقة إقليم الدرويش التابع لمدينة الناظور , فتاة في العشرينيات من عمرها تمتلأ نشاطا و ثقافة و معرفة ذات ابتسامة و نظرات بريئة و صبيحة و عيون كحلاء بهية اَسرة , أستاذة جمعت بين دروب الكفاح و فضائل المعرفة و حسن الجمال , فكانت رقما صعبا إلى جانب ثلة من زملائها و كل القواعد الجماهيرية .
سهام المقريني مثال للمواطن المغربي ضحية التعسف و الإذعان في المقاربة الأمنية التسلطية , حيث أن الإستشهاد بشخصها ليس شخصنة و إنما نموذج للبراءة التي تنال منها العقيدة البوليسية الرجعية . فيكفي التأمل في وجهها ونظرات عيونها حتى تملك قرينة ثابتة على براءتها . ثم إن التهمة محل المتابعة هي التحريض على الإضراب و التظاهر من خلال تدوينات على صفحتها الشخصية , و هي تهمة فارغة لا تستكمل الأركان و الشروط , إنه منطق إفريقيا فقط .
دعنا نكون صريحين و واضحين, إن الأزمة الداخلية في المغرب هي أزمة قيم مزمنة , فالمسار القانوني و الحقوقي يتهاوى و الاقتصاد بتأرجح بين سيئ و أسوء , الشيئ الوحيد الذي يعمل عليه المغرب هو الدعاية و الديماغوجية التي تزين القِرد في نظر العامة . الإصلاح الحقيقي الذي يجب أن يباشر هو تشكيل لجنة نفاذ القانون و التي تكون تابعة للمؤسسة الملكية مباشرة , لمتابعة المسؤولين الكبار في الدولة, من الجنرالات و الوزراء و البرلمانيين و السؤوليين في مختلف المؤسسات, مع تمتيع السلطة القضائية بالإستقلالية التامة , إضافة إلى التوزيع العادل للثروة ,و تخفيض أجور بعض المسؤوليين, مثل والي بنك المغرب و مدير مجمع الفوسفاط و مدير السكك الحديدية و غيرهم . إنه إصلاح قانوني و اقتصادي محض و هذا هو السبيل الاَمن للحفاظ على أمن البلد .
حصيلة القول أن الأساتذة اليوم يصادفون الصواب القانوني و المنطق الدستوري, و هم اليوم مدافعون عن مجانية التعليم و قدسية المدرسة العمومية و سيادة مؤسسات الدولة , و سيُنجز النضال مفعوله, و تتراجع الحكومة المقبلة عن أخطاء و هفوات سابقتها , حتى نحتفل بيوم إستقلال جديد ينضاف لتاريخ الثامن عشر من تشرين الثاني . و يجب على الجماهير الأستاذية أن تستثمر لحظة الاستحقاقات الانتخابية القادمة لصالحها , و أن تلعب بأوراقها في صناديق من سيقف إلى جانب قضيتها الوطنية , لأن عددا من الأحزاب السياسية في البلد خارج المصلحة العامة و تنزوي في المصالح الضيقة و لو تحالفت مع الشيطان.
الدافع لكتابة هذا المقال ليس الدفاع عن القضية بذاتها , و إنما كان لَمحي صدفة الوجه البريئ للمناضلة سهام المقريني , حيث أخذتني رهافتها التي امتزجت مع قوة نضالها و حُسن ثقافتها مع مشروعية قضيتها – قضيتنا الوطنية - . إن الجماهير الأستاذية تسير على الخط و المسار الصحيح و الملف يحتاج إلى إرادة صادقة , لكن الدولة تسوِّف و تماطل بذرائع واهية ستسقط لا محالة , أما الإستمرار تحت هذا الإستعمار الجديد المفروض من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي ,فإيذان بنهاية سيادة الدولة , و إن للدول أعمار و أخطاء و سقطات كما للإنسان مراحل و عثرات و أغلاط , و السلام على الحكومة التي ستتبع الهدى في بلاد سهام المقريني و المهدي المنجرة و المهدي بن بركة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا حققت إسرائيل وحماس؟


.. سمير جعجع لسكاي نيوز عربية: لم نتهم حزب الله بشأن مقتل باسكا




.. قطر: لا مبرر لإنهاء وجود مكتب حماس | #نيوز_بلس


.. بكين ترفض اتهامات ألمانية بالتجسس وتتهم برلين بمحاولة -تشويه




.. أطفال في غزة يستخدمون خط كهرباء معطل كأرجوحة