الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


’’لقائي بفتى السينما الأسمر-..

السيد إبراهيم أحمد

2020 / 11 / 21
الادب والفن


عاشت السويس أزهى عصورها في فترة الانفتاح الساداتي، حيث كانت مقصدًا للرئيس الراحل السادات مثلما كانت الطفلة المدللة للزعيم عبد الناصر، وكذلك هدفًا لكوكبةً من أهل الفن والرياضة، ذلك أن ميناءها وجمركها لم يكن يمل من حركة العبارات التي تحمل السيارات الوافدة من أرض الحجاز، ومنها تلك السيارات التي كانت تأتي هدايا لبعض النجوم، ولذا فقد تعرفتُ على عدد وافر من أهل الفن، ومنهم من كان حديثي معه قصيرًا مبتسرًا ومنهم من كان حديثي معه أطول قليلاً ومنهم الراحل الفنان أحمد زكي، لا يتفوق عليه إلا الفنان المنتصر بالله من حيث طول الحديث؛ إذ كنا معًا في سفر بدعوة من محافظ طنطا ولهذا حديث آخر.

كان الكابتن فتحي مبروك كابتن النادي الأهلي تقريبًا بعد اعتزاله حيث كنا في بداية الثمانينات من القرن الماضي يصحبه الفنان أحمد زكي، وبالرغم من أن زكي كان زملكاويًا إلا أن مبروك رافقه حيث أن هناك سيارة مشحونة للفتى الأسمر عبر البحر الأحمر قادمة من ميناء جدة على إحدى العبَّارات، رحبتُ بهما ومن معهما حين كان هناك من ينتظرهم من أصدقاء لي ولهم من رجال الجمارك بمقر الشركة التي أعمل فيها والقريب من جمرك السويس كثيرا.

غادر الكابتن مبروك المكتب وجلس في مكتبي الفنان أحمد زكي بشعره الأسود المنكوش، وهو يرتدي بنطلونًا وقميصًا وبلوفر كلهم بلون الأزرق الداكن، وهيَّ نفس ملابسه أو تكاد التي يظهر بها في مسلسل يعرضه التليفزيون المصري له عن قصة لأديب روسيا الكبير دوستويفسكي وضعته في مقارنة مع محمود ياسين الذي مثل تقريبًا نفس الشخصية، وقد حقق فيه نجاحا يبشر بمستقبل واعد لكي يكون نجما عربيا متفردا.

في ذلك الوقت كان الفنان الأغنى والأشهر على الساحة الفنية، وحديث المنتديات هو المطرب الشعبي أحمد عدوية، وكان هناك في الجمارك المصرية نظام يسمح بالإفراج عن السيارات الملاكي الواردة من الخارج بنظام التقسيط على دفعات، وقد تتساءل عزيزي القاريء لماذا أحكي لك كل هذا؟! .. لأن هذا هو محور حواري الذي دار مع الرائع أحمد زكي، البسيط المتواضع، التلقائي.

وضع الساعي أكواب الشاي والماء أمامنا، وكأن أحمد زكي قد خرج من الشاشة لتوه وجلس أمامي، وسألته:
ــ المسلسل جميل جدًا ورائع، والحقيقة جسدت الشخصية باحتراف.
ــ المسلسل ده مثلته من بدري، ولسه بيتعرض دلوقتي.
ــ بس حاز إعجاب المشاهدين.. بس ليه ما بتحاولش يعني، سامحني، تغير شوية من شكلك؟
ــ (مسح شعره بكفه) تقصد أكوي شعري.. وكده؟.. هو لازم يطلع البطل في الأفلام اسمه أحمد وشعره أصفر وعينه خضرة، هو مفيش في الواقع مهندس أو دكتور شعره أسود ومكركت، ولونه أسمر؟!
ــ لأ .. طبعًا فيه..
ــ أهو أنا بأمثل الناس دي، فمش لازم أطلع حلو وأفضل أنادي: "منى"..
ضحكنا.. ونحن نشرب الشاي، ثم سألني:
ــ تعرف حاجة عن نظام التقسيط.
ــ طبعًا أعرف .. بس لمين؟
ــ يا سيدي ليا..
ــ ليك! .. أحمد زكي عايز يقسط جمرك عربية ملاكي..
ــ (فبادرني بذكاء وسرعة بديهة) .. يا عم أنا أحمد زكي مش أحمد عدوية..

وانفجرنا ضاحكين من قفشته الساخنة اللاذعة، ثم عاد إليه الكابتن مبروك واصطحبوه ليدخل الجمرك، وودعته بحفاوة شديدة كأنه صديق قديم..

مضت الأيام وقدم زكي شخصية ناصر فالسادات، ولم يكن للزعيم عادل إمام رأيًا جيدًا فيهما؛ إذ كان مؤداه وفحواه أن هذا تقليد أو ما شابه، وأحسست بالغيرة على صديق اللحظات القصيرة حتى انسل قلمي مدافعًا عنه بمقال نشرته جريدة القاهرة التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة المصرية في عهد الوزير الفنان فاروق حسني، وعنونته: "عادل إمام .. زعيم موضوعي إلا قليلا" أخذتُ أعدد فيه مناقب أحمد زكي، وبراعته في فن التمثيل، ومكانته في قلوب الناس.. حتى رحل عن دنيانا، وكم كنتُ أتابع أخباره بحكم عِشرة الدقائق التي جمعتنا معًا..

حاولتُ أكثر من مرة حكاية تلك اللحظات كتابةً، ولكني كنتُ أتردد، إلى أن دفعني لكتابتها الروائي السويسي الشاب "محمد التهامي". وكم من ذكريات منثورات لكبار ومشاهير عند أناس عاديين، وكنا حين نسمعها كأنما فتحوا صناديق التاريخ المنسي، فنزداد معرفةً، ويبقى أنه ليس من حقنا كتمانها، ولكنها حقٌ للتاريخ، ولهذا سردتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع


.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر




.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته