الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدينة والثقافة.. من يصنع الآخر؟

حسن مدن

2020 / 11 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أيهما يصنع الآخر، المدينة أم الثقافة؟ هل يلزم الثقافة مدينة قائمة لكي تنشأ فيها وتنمو وتتطور؟ فكأن المدينة هنا هي السابقة والثقافة هي اللاحقة. أو في كلمات أبسط: تقوم المدينة أولاً، لتتوفر البيئة الضرورية اللازمة لنشأة الثقافة.
أم إن الأصح هو أن يكون السؤال معكوساً كمقدمة لجواب آخر: هل يلزم المدينة لكي تكون مدينة وجود ثقافة تمهد لها البيئة اللازمة للتمدّن، وإن لم تنشأ هذه الثقافة فلن تصبح المدينة مدينة، حتى لو توافرت لها شروط أخرى، غير الثقافة؟.
ليس هذا سؤالاً سهلاً، وإن بدا في ظاهره كذلك، لكن دعونا نقول إن الأرجح هو أن الثقافة، وحدها، لا تستطيع أن تصنع المدينة، ونعني بشكل خاص المدينة الحديثة، ولكن المدينة لا تصبح مدينة بدون الثقافة. التطورات في البنى الاقتصادية – الاجتماعية هي التي تلعب الدور الحاسم في تحديد أشكال التعبير الثقافي والفكري، ولكن لأشكال التعبير هذه دور اللحمة أو الإسمنت اللازم لتماسك تلك البنى، إن بالتمهيد لها أو بضمان استقرارها.
وهذا لا يعني أن أشكال التعبير المختلفة سواء كانت شعراً أو حكايات مروية أو مدونة، أو رقصات شعبية وأهازيج وسواها، لا تظهر خارج المدن، فنظرة على أريافنا العربية تظهر أنها غنية بمثل هذه التعبيرات، ولكن المدينة، كفضاء للمهن والحرف والتجارة والإدارة، كمركز للحكم والسلطة، هي الرافعة التي تجعل من الظاهرة المحلية، ظاهرة عامة، وطنية إن صحّ القول، أي معروفة على مستوى الوطن الذي هي عاصمته أو مركزه.
الباحثون الغربيون رأوا أن نشوء المدن الأوروبية لا يعود إلى النشاط الاقتصادي وحده خاصة التجاري منه، وإنما إلى النخب المتعلمة التي تحسن القراءة والكتابة، وتعرف اللغات، وتتماس مع المؤثرات الثقافية والحضارية الآتية من الخارج، عبر الموانئ والقوافل، قبل أن يأتي زمن القطارات والطائرات ووسائل المواصلات الحديثة.
عربياً؛ هل بالوسع تصور نشوء ثقافة منفتحة على الجديد والحداثة بدون دور المدن، وحتى لو نظرنا إلى تاريخنا البعيد لوجدنا أن الأدباء والمشتغلين بالعلوم والتأليف كانوا يشدّون الرحال من أطراف الدولة العربية الإسلامية إلى حواضرها الأدبية والدينية، في الحجاز ومصر وبلاد الشام وبغداد، وفي العصر الحديث فإن مدناً مثل القاهرة والإسكندرية ودمشق وحلب كانت حواضن النهضة الثقافية والأدبية الجديدة.
وفي وقت لاحق اضطلعت مدينة بيروت بما يمكن أن نسميه دور العاصمة الثقافية ليس للبنان وحده، وإنما للعالم العربي عامة، بالتوازي مع دورها الاقتصادي والمالي في فترات ازدهارها قبل أن تعصف بها الحروب والمحن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار