الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة أدبية لصيرورة النظام الاقتصادي العالمي: الرأسمالية المتوحشة تتجمل..!

محمد عبد الشفيع عيسى

2020 / 11 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


لا يغرنّك كلّ ماتراه على السطح الظاهر للعلاقات الدولية، فليس كل ما يلمع ذهبا. و من تحت الجلد الظاهر، يبقى العظم والشحم واللحم للنظام العالمى هو هو إلى حدّ بعيد، رباعية التوسع الرأسمالى: الحرب، الهيمنة (بالاستعمار، ثم من دون "استعمار")، و تدخل الدولة في المجال الاجتماعي الداخلي إن لزم، و التقدم التكنولوجى (المادى) المتواصل .. فى غياب كلّى أو شبه كلّى للإنسان ..!
فلم يزل "الحيوان" و "الطفل" ثاوياً تحت رداء الإنسان المعاصر، يوجهه كلاهما بالغريزة والميول غير الرشيدة .. برغم القانون الدولى و "مواثيق الشرق" العابرة للقارات، تحت الأعلام المرفوعة – زورا فى كثير من الأحيان – من أجل نشر الديموقراطية ودعم حقوق الإنسان و "مكافحة الإرهاب"، باستخدام الأسلحة المجربة لأدوات السياسات الخارجية للقوى العظمى خلال القرون الخمسة الأخيرة : الدبلوماسية، الأدوات الاقتصادية (الجزاءات أو العقوبات ، والمكافآت والمنح)، التدخل العسكرى ولو باسم "التدخل الإنسانى" العتيد ....!
و هلْ انخدعْنا، حتى نخبة النُّخب منا، بالهدوء الذى ران على سطح العلاقات الدولية، فى ظل استتاب واستقرار حكم الرأسمالية المتفرّدة أو "القوة العظمى الوحيدة"، بعد سقوط الاتحاد السوفيتى عام 1990حتى الآن ..؟
و هل خُدِعْنا بالخَدَر (اللذيذ) للركود الذى صنعته أو اصطنعته الرأسمالية فى عقر دراها بعد اختفاء وهج "تدخل الدولة"، لمعالجة الأزمات الاقتصادية خلال العقود الزمنية الأربعة منذ أزمة "الكساد العظيم" 1929-33 حتى أزمة النفط 1973 ..؟
طوال أربعين عاماً كانت الرأسمالية (طيبة) في عُقر دارها الأوربي-الأمريكي، تخفى أنيابها بملمس ناعم رشيق: ما يسمى "دولة الرفاهة"، وخاصة عن طريقسياسات الإنفاق الاجتماعى الموسّع ولو بعجز الموازنات الحكومية. ولكن كما قال الشاعر :
إذا رأيت نيوب الليْث بارزةً.. فلا تظنّنّ أن الليث يبتسمُ..!
ومنذ منتصف السبعينات ( بُعَيْد 1973) خلقت لنا "الليبرالية الـطيبة" رأسمالية أخرى متوحشة تمارس بقوة الهيمنة "الرباعية" سطوتها، متذرعة بقوة المنظمات النقدية والمالية التابعة لها (صندوق النقد الدولى ، والبنك الدولى) وبالسيطرة الأمريكية بالذات، والأوروبية من بعدها، على أدوات التداول النقدى، منها ما يسمى بالإمبريالية النقدية للدولار، و التحكم في أسواق المال والسندات والديون، و احتكار قمم التكنولوجيا العليا، المادية، المتواصلة، من منابعها على أيدي الشركات العملاقة عابرة الجنسيات، وخاصة الشركات المائة الكبرى في مختلف القطاعات التكنولوجية المتقدمة.
لم يعد مسموحاً فى ظل ذلك، بإقامة نظام اقتصادى واجتماعى فى بلد أو منطقة ما، بغير اتباع وصايا الرأسمالية العالمية، ولا هو بمسموح لأحد بالخروج من "قفص الطاعة" الذهبى الخشن، برغم بروز قوة أقطاب دولية، فعلية أو محتملة، على رأسها الصين وروسيا.
و إن "الليبرالية الجديدة"، المتوحشة تلك، تنتشر وتتوسع باستخدام مغريات المعونة، ومهددات العقوبات الاقتصادية الانفرادية، وبالتدخل العسكري إن لزم، وبالتفوق التكنولوجى الغربى-الأمريكى فى جميع الأحيان. و (العصا لمن عصِي) ؛ فمن يحاول (الخروج عن الخط المرسوم) مصيره محتوم، المواجهة بحروب الخنق الاقتصادى، وبالحسم العسكري إن لزم . وأما إن أطاع فله أن يخرج من (طابور العقوبة) ولو كان باسم (قائمة الدول الداعية للإرهاب) إلى نعيم الرضا المحسوب والمشروط. نعيم محدود بالطبع، لا يشبهه سوى ذلك النعيم الذى وُعِد به الرئيس السادات بعد حرب أكتوبر 1973، فلم ينل منه غير (الانفتاح الاقتصادى)، والأزمة الاقتصادية المزمنة المتواصلة حتى اندلعت ثورة كاملة، ثورة 25 يناير 2011 .
نعيم محدود، برضا محسوب، ومشروط إذن. هذه مشروطية النعيم المحدود المحسوب، الذى لا يزيد، نكرر القول، للأسف، عن النعيم الذى وعُد به الرئيس السادات من الغرب والولايات المتحدة قبل 46 عاماً تقريباً. ليست مشروطية مقترنة باتباع برنامج اقتصادى معين فقط، مثل تلك البرامج الموصى بها من صندوق النقد الدولي، ولكنها تصل إلى ما لم يصل إليه خيال أكثر المتشائمين تشاؤماً على امتداد الوطن العربى الكبير .. أنْ يتم ربط المال المحدود، المشروط، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ..!
فهل رأيتم إلى أى حد وصلنا إليه فى هذه الفترة من فترات تطور العلاقات الدولية المعاصرة. وهل رأيتم كيف انحدرنا إلى هذا الدرك الأسفل من النار .. كما قلنا من قبل..؟
ولكن هل تغير شيء جذري حقا؟ أم أن الرأسمالية المعاصرة هي هي: توسع لا متناهٍ باستخدام القوة، يزيد عليه فى منطقتنا العربية ارتباط عضوى للرأسمالية المعاصرة، في فترة "الليبرالية الجديدة" و المتوحشة، بالصهيونية فى أدنى مراحل تغيرها وانحدارها إلى الترويج (القانونى) و (العلني) لاقامة (الدولة اليهودية) بدعم أمريكي غير محدود، كما هو معروف .
وكما ابتدأت سياسات التوحش الرأسمالي بالقوة، فإنها إذْ تمتزج بالتوحش الصهيونى هذه الأيام، تنتهي بالقوة أيضا، حتى لتفرض ربط المعونة بالتطبيع القسْريّ مع الكيان ..؟
فهل رأيتم ما فعلت بنا عنصرية الرأسمالية المتوحشة، والصهيونية، وإلى أى دَرك انحدر هذا العالم الآن ..؟ و لكن لا جديد، ولم نفاجأ تاريخياً. و إنما انخدعنا بالهدوء المؤقت الذي فرضته سياسة الإخضاع، لعشرات قليلة من السنين خلت، في نوع من التجميل المصنوع للوجه القبيح .

(العودة إلى ديار الحبيب):
لكأننا بعد ما سبق، و أنه لا جديد في سيرة الرأسمالية الحديثة والمعاصرة، يمكن أن نستعيد بيت الشعر الذي قاله "عنترة العبسىّ" فى مطلع قصيدة عصماء، يتحدث عن أنه لا جديد لديه يقوله، أكثر من الشعراء الذين سبقوه (حيث كان ابتداء قصائدهم دائماً بالبكاء على أطلال البيوت المغادرة ، و من مفارقة ديار الحبيب). و هكذا قال عنترة :
هل غادر الشعراء من مُتَرَدَّمِ .. أمْ هلْ عرفت الدار بعد توَهُّمِ ..؟
هذا، و لكنّ التاريخ لا يعيد نفسه دائما؛ فلنتهيأ إذن لما هو قادم من الأيام..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.